عدنان بن عبد الله القطان
14 رجب 1442 هـ – 26 فبراير 2021 م
—————————————————-
الحمد لله الذي قدّر الأمور وقضاها، وعلى ما سبق علمه بها أمضاها، وكما قدَّر مبدأها قدَّر منتهاها، نحمده سبحانه عزَّ رباً وجلَّ إلهاً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أظهر الأدلة على وحدانيته وجلاَّها، وتوعد أهل الإجرام بالنار ولظاها، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، خير البرية وأزكاها، وأفضل الإنسانية شرفًاً وجاهاً، المبعوث إلى جميع البشرية أدناها وأقصاها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أعلام تقواها وبدور دجاها، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى :(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
معاشر المسلمين: إن الحديث عن اليوم الآخر والموت وعذاب القبر وعذاب النار، ومآلاتها وعقوباتها يؤلم النفس ويؤذيها، والنفس بطبيعتها تحب الدنيا وتتعلق بها، وتكره وتنفر من كل ما يؤلمها ويذكرها بهذا المصير، ولذلك فإن كثيراً من الناس يشمئزون ولا يحبون الكلام في هذه المواضيع، ونحن عباد الله قد سبق لنا أن تكلمنا في خطب سابقة عن جوانب من علامات الساعة، وعن اليوم الآخر، وأهوال يوم القيامة، وعن الجنة وما فيها من النعيم، ولعل من المناسب أكمالاً للحديث عن الدار الآخرة، أن نتكلم اليوم عن النار وجهنم وما أعده الله لأهلها من العذاب الأليم.
واعلموا رحمكم الله بأن القصد من الحديث عن جهنم، ليس هو الحكم على الناس جميعاً بأنهم من أهل النار، ولا التنفير أو التشديد عليهم، كلا والله وحاشا، وإنما هو تذكير لنا جميعاً بالنار، وبعذاب الله حتى تلين منا القلوب القاسية، ويعود من أعرض عن الله إلى ربه، وتكون لنا فيه العبرة والعظة، ونحذر ونبعد أنفسنا وأهلنا ومجتمعاتنا عن هذه النار، ونشمر عن سواعد الجد بالإيمان والعمل الصالح، للنجاة في الدار الآخرة.
أيها الأخوة والأخوات في الله: النار خلقٌ عظيم من خلق الله تعالى، وهي الدار التي أعدها الله للكافرين؛ فهي مأوى الظالمين، وسجن الكافرين، وعقوبة العصاة والمخالفين، وهي الخزي الأكبر والخسران المبين… هي الشر الذي لا خير فيه، والورد الذي لا بد منه، قديمة النشأة، سالفة الوجود، (وَاتْقَوُا النَّارَ التَيِ أُعِدَتْ لِلْكَافِرِينَ)
عباد الله:إن الحديث عن النار، حديث صدقٍ وحق؛ فيها جبالٌ وأوديةٌ، وأنهرٌ وشعاب، فيها دركاتٌ ومنازل، وهي سوداء مظلمة قاتمةٌ معتمة، لها صوتٌ يسمع من بعيد… تشهق وتزفر وتمور موراً، و (تًرْمِي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ، كَأَنَّهُ جِمَاَلَةٌ صُفْرُ، وَيْلٌ يَوَمَئِذٍ الْمُكَذِبِين) الحزن فيها دائمٌ وطويل، وللناس فيها صياحٌ وضوضاء وعويل.. قلوب أهلها ملئت قنوطًاً ويأساً، ولا تزيدهم الأيام فيها إلا شدةً وبؤساً، فيها من العذاب والآلام ما تعجز عن وصفه الألسن والأقلام، وفيها من الأهوال والأحزان ما تتقاصر دون تصوره الأذهان (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) خوَّف الله بها ملائكته المقربين: (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ، فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) وقال لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهً آَخَرَ فَتُلْقَى فِيْ جَهَنَمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) وخوف الرسول صلى الله عليه وسلم بها صحابته وأمته فأنذرهم النار وقال: (أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار) أفبعد هذا يأمن بقية العالمين؛ بلها المقصرين؟ يقول الحسن البصري رحمه الله: واللهِ مَا صَدَّقَ عَبْدٌ بالنَّارِ إلا ضَاقَتْ عَلَيهِ الأَرضُ بِمَا رَحُبَتْ، وإنَّ الُمنَافِقَ لَو كَانَتِ النَّارُ خَلْفَ ظَهْرِهِ مَا صَدَّقَ بِهَا حَتَّى يَتَجَهَّمَ ـ أي: يَقَعَ ـ في دَرَكِهَا) واللهِ ما أُنذِرَ العِبَادُ بِشَيءٍ أَدْهَى مِنهَا، قَالَ تعالى: ﴿فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى، لاَ يَصْلَاهَا إِلاَّ الاْشْقَى، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) وفي التنزيل العزيز يقول تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً) فأين الخوف من ذلك المورد؟ إن من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، وتالله ما نجا إلا المؤمنون: (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) وقال صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتَى بجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لها سَبْعُونَ ألْفَ زِمامٍ مع كُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها) لها صوتٌ رهيب وتحطمٌ ووجيج، قال تعالى: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًاً وَزَفِيراً) وقال تعالى: (تَكَادُ تَميز مِنَ الغَيْظِ) وقال صلى الله عليه وسلم: (نَارُكُمْ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءاً مِن نَارِ جَهَنَّمَ، قيلَ يا رَسولَ اللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قالَ: فُضِّلَتْ عليهنَّ بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءاً كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا) (هذِهِ جَهَنَّمُ الّتي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) يدخلونها بأشد خطاب ثم توصد عليهم الأبواب: (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ، إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ، فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ) وقودها الناس والحجارة… لا تنطفئ نارها مع تطاول الزمان، ولا يخبو أوارها مع مر الأيام (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً) وهم مع ذلك مقيدون: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً) (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ، فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) وفوق ذلك يضربون ويهانون (وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) يلبسون من النار ويُصهرون: (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ، سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) أرأيت كيف يُشوَى اللحم على النار؛ فهكذا في جهنم حال الكفار، (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) أما طعامهم فعذاب وشرابهم فعذاب: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) والضريع: شوكٌ يخرج بأرض الحجاز لاصق بالأرض: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ، طَعَامُ الْأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) والزقوم: شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين...
أما شرابهم فالغسلين والغساق، وهو عصارة أهل النار: (وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ) وفي الآية الأخرى: (وَيُسْقَى مِنْ مَاء صَدِيد يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) هذه بعض صور العذاب عباد الله؛ فهل تساوي شهوة ساعة من الدنيا! قال صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتَى بأَنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيا مِن أهْلِ النَّارِ يَومَ القِيامَةِ، فيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقالُ يا ابْنَ آدَمَ هلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا، واللَّهِ يا رَبِّ) إنها غمسةٌ واحدةٌ وينسى الإنسان كل نعيم الدنيا ولذائذها وشهواتها: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ، كَلَّا إِنَّهَا لَظَى، نَزَّاعَةً لِلشَّوَى، تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى).
أيها المؤمنون: وإذا طال البلاء على أهل النار وبلغ منهم العذاب كل مبلغ، وكثرت حسراتهم وندامتهم، طلبوا الخروج والمثاب: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) ويعترفون بذنوبهم: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ)؛ فيجابون بعد زمان: (قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) ثم يطلبون من خازن النار أن يشفع عند الله ليهلكهم وليميتهم حتى يتخلصوا من العذاب: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) إنه الرفض لكل ما يطلبون.. ويؤتى بالموت ليذبح، ويقال لأهل الجنة: (خلود فلا موت، ويقال لأهل النار: خلود فلا موت) هنالك يشتد نحيب أهل النار، ويعظم حزنهم، ويطول بكاؤهم؛ فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود من البكاء.
أيها المسلمون: إن من كمال عدل الله عز وجل أن لا يساوي بين المطيع والعاصي، والمصلح والمفسد والمؤمن والكافر والعادل والظالم: قل جل وعلا: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) وإن الله تعالى وصف لنا عقابه؛ فليس للعاصي على الله حجة؛ فالكفر والنفاق سبب للخلود في النار، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) ومن انتصر برأيه معارضاً أمر الله وشرعه، فليسمع قول الله عز وجل: (ألم يَعْلَموا أنه من يُحَادِدِ اللهَ ورسولَه فأن له نارَ جهنمَ خالداً فِيِهَا ذَلِكَ الخِزْيِ العَظِيِم) وأكل الربا من الكبائر المتوعد عليها بالنار، (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وأكل أموال اليتامى ظلماً موجبٌ لدخول النار: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) والكبر من أسباب دخول النار، قال صلى الله عليه وسلم: (قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : الكبرياءُ ردائي والعظمةُ إزاري فمَن نازعَني واحداً منهُما قذفتُهُ في النَّارِ) والنساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات، متوعدات بالنار عياذاً بالله، وأكل أموال الناس بالباطل، وقتل الإنسان لنفسه، مقرونان في آيةٍ واحدة، ختمها بقوله تعالى: (وَمَن يَفْعَلْ ذَلًكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلًيهً نَاراً، وَكَانَ ذَلًكَ عَلَى اللّهً يَسًيراً) وقاتل النفس بغير حق متوعد بالنار، (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) واليمين الكاذبة تغمس صاحبها في النار؛ لذا سميت يميناً غموساً.. والزناة والزواني متوعدون بالنار، ففي حديث الرؤيا الطويل قال فيه صلى الله عليه وسلم وهو يصف ما في النار: فَاطَّلَعْنَا فَإِذَا فِيهِا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، أي (ضجوا وصاحوا) فلما سئل عنهم قالوا: هؤلاء:الزناة والزواني.
وأما المراءون فهم أول من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة، وقل للذين يطلقون ألسنتهم وأقلامهم بلا وزنٍ ولا حساب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟
النار موعودٌ بها مدمن خمر، وقاطع رحم، والمصدِّق بالسحر والنمام و(مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بيَمِينِهِ، فقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ له النَّارَ)، اللهم أجرنا من عذاب النار اللهم أجرنا من عذاب النار. اللهم أجرنا من عذاب النار (رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، مستحق الحمد وأهله، المجازي خلقه جزاء دائراً بين عدله وفضله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وحكمه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وتابعي هديه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى واعلموا أن هناك ذنوباً كثيرة، متوعدٌ صاحبها بالنار، وهناك ما هو متحقق دخوله نار جهنم والعياذ بالله، نذكر بعضها: أولها وفي مقدمتها: الكفر والشرك بالله جل وعلا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ، هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ومما توعد صاحبه بالنار النفاق، قال تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) وقال: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)
ومما توعد صاحبه بالنار والعياذ بالله إضاعة الصلوات وعدم الاهتمام بها، وهذا لا يكون إلا عن طريق إتباع الشهوات قال تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) ومن الذنوب عدم دفع الزكاة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)
ومما توعد صاحبه بالنار معصية الله ورسوله، قال جل وعلا: (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) وقال: (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) ومما قد يوجب النار الفسق، بكل أنواعه ودرجاته: قال تعالى: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقًاً لَا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)
ومما يتوعد صاحبه بالنار ،استبدال نعمة الله بالكفر، بل وإلزام القوم والناس بذلك: قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ، وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ، قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ)
ومن الذنوب المتوعد صاحبها بأن يعذب بسببه في نار جهنم، وهذا خاص بطلبة العلم، نسأل الله السلامة والعفو والعافية، وهو عدم الإخلاص في طلب العلم. قال صلى الله عليه وسلم: (من تعلَّم علماً مما يبتغى به وجهَ اللهِ تعالى لا يتعلَّمُه إلا ليُصيبَ به عرضاً من الدنيا لم يجِدْ عَرْفَ الجنةِ يومَ القيامةِ، يعني ريحَها) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تَعلَّموا العِلمَ لتباهوا بهِ العلماءَ أو لتُماروا بهِ السُّفَهاءَ أو لتصرِفوا وجوهَ النَّاسِ إليكم فمَن فعلَ ذلِكَ فَهوَ في النَّارِ)
ومما قد يدخل النار، الغفلة عن الآخرة والرضا والاطمئنان بالدنيا، قال تعالى: (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنَا غَافِلُونَ* أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) ومما توعد صاحبه بالنار الركون والميل إلى الظلمة وإعانتهم، قال عز وجل: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ). والإجرام عباد الله بكل صوره وأشكاله من الذنوب التي توعد صاحبه بالنار،(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) فليفكر كل مجرم في حاله وليتذكر هذه الآيات خصوصاً إذا كان إجرامه في حق غيره.
اللهم أعذنا من عذاب النار اللهم أجرنا من النار ، ومن حرها وصلاها ولظاها وزقومها يا حي يا قيوم. اللهم إنا نسألك الجنة، وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار، وما قرب إليها من قول وعمل..
اللهم اجعلنا ممن يبشر عند الموت بروح وريحان، ورب راض غير غضبان، اللهم فآمن خوفنا، وسكن رعبنا، وارفع منازلنا في جنة عالية، قطوفها دانية .
اللهم سكن رعبنا وآمن خوفنا وارحم ضعفنا يوم القيامة، إذا جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، وهي سوداء مظلمة.
اللهم أعتق رقابنا من النار، وحــرّم النار على أجسادنا، وأجساد والدينا وأهلينا وأزواجنا وأولادنا وإخواننا ومشايخنا ومن نعز ونحب يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أورثنا الفردوس الأعلى في الجنان برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر حسابَنا، ويمِّنْ كتابَنا، وثقِّلْ موازينَنا، وثبِّت على الصراط أقدامَنا، يا سميع الدعاء.
اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم وفِّق المسئولين والعاملينَ والمتطوعين في فريق البحرين الوطني وأحفظنا وبلادنا وبلاد المسلمين والعالم أجمعين من الأوبئة وسيئ الأسقام والأمراض، ولا تؤاخذنا بذنوبنا وتقصيرنا، ومّن بالشفاء والعافية على المصابين بهذا البلاء والوباء، وعجل بانتهائه في القريب العاجل برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى، وأهله، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين اللهم فرج الهم عن المهمومين ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم والدينا وذوي الحقوق علينا، وارحم موتانا وموتى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين