الجمعة 17 جمادى الأولى 1442 هـ
الموافق 1 يناير 2021 م
الحمد لله الكريم الوهاب، خلق خلقه من تراب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، خير من صلى لربه وأناب، صلى الله عليه وعلى آله والأصحاب ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الحساب، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعــد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: يمر الناس في هذه الحياة وفي هذا الزمان، بأحوال متقلبة، على مُستوى أفرادهم ومجتمعاتهم، حال من البأساء والضرَّاء، والمِحَن والمتاعِب والبلاء، يُعانُون من مضائِق لا نهاية لها، ويُقاسُون آلاماً لا حدَّ لها، وهكذا هي حالُ هذه الدنيا الفانِية الزائِلة، التي تتنوَّعُ فيها الهُمومُ، وتتلوَّنُ فيها الغُموم…
وإن واقعَ المُسلمين اليوم يمُرُّ بمراحل خطِيرة، وأزماتٍ مُتتابِعة، فكم هي المِحَن والمصائب والنكبات التي تقع عليهم؟! وكم هي الفتنُ والكروب والخطوب التي تعصِفُ بهم؟ نسألُ اللهَ أن يُفرِّجَ عن الأمة الكربةَ، ويكِشِفَ الغُمَّة، ويحفظنا جميعاً من المحن والفتن ما ظهر منها وما بطن إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه… عباد الله: إن المُتأمِّل في حال المُسلمين مع هذه الحالِ التي وصفْنا آنفاً، يجِدُ عجباً من الغفلة عن المنهج القُرآنيِّ الرباني الذي رسمَه للمُسلمين، وخطَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منهجاً واضحاً عند نزول الكُرُوب والشِّدائد والخُطوب.. المُسلمون اليوم لا يُمكنُ بأي حالٍ من الأحوال أن يجتازُوا مِحنةً، أو أن يسلَموا من مُصيبةٍ، إلا من مُنطلَق مبادِئَ قُرآنيَّةٍ وأُصولٍ نبويَّةٍ. المُسلِمون في هذا العصر، لا تُحلُّ قضاياهم المُتعقِّدة، ولا يتخلَّصُون من مصائبِهم المُتعدِّدة، بالتعلُّق بأي قوةٍ بشريَّةٍ
مهما كانت، وهم بمَنأى عن المنهج القرآني الرباني، والتوجيه النبويِّ المصطفوي.
المُسلِمون أصحابُ رسالةٍ، وذوو عقيدةٍ متينةٍ، تقوم على الإخلاص لله وذلك بالتعلُّق بالخالق، والتقوِّي بالقادر على كل شيءٍ، والتوكُّل على القاهِر فوق عبادِه جل وعلا.
إن الأصلَ الأصيلَ، والرُّكنَ الركينَ، عند وقوع الكوارِث ونزول المصائِب،أن يتوجه المُسلِمون إلى ربهم جل وعلا ويتعلقوا به، إخلاصاً وصدقًاً، رغباً ورهَباً، تضرُّعاً ودُعاءً؛ فالأمةُ -حُكَّاماً ومحكومين، شعوباً وأفراداً- ومجتمعات لا نجاةَ لهم من ضرَّاء، ولا مخلَصَ لهم من شقاءٍ إلا حينما يتيقَّنون بأن المخرج والخلاص لا يُمكنُ ولا يكون إلا من الخالقِ جل وعلا، المدعُوِّ عند الشدائد، المرجُوِّ عند النوازل،يقول تعالى: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ)… إن المسلمين على مدى التاريخ الإسلامي، لم يسترِدُّوا حقاً، ولم يتخلَّصُوا من عدوٍّ مُتغلِّبٍ، إلا حينما استقرت في قلوبِهم عقيدةٌ راسِيةٌ رُسُوَّ الجِبال، هي عقيدةُ الإيمان والتوحيد التي جاء بها محمدُ بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، التي تتضمَّنُ أن الضرَّ لا يكشِفُه سوى الخالقِ، وأن البأساء لا يدفَعُها إلا البارئُ القادِرُ،يقول عز وجل: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)… أيها المسلمون: يقول تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلى الله وَاللُه هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ). يخبرنا ربنا جل وعلا عن حالنا وضعفنا وحاجتنا، بأننا الفقراء إلى الله تعالى، المحتاجون إليه في كل الأمور، مهما بلغنا في قوتنا وسلطاننا وعلمنا ومالنا وجاهنا. نحتاج إلى عبادته وطاعته، ورحمته ورضوانه وفضله ورزقه وعطائه وتوفيقه، وإحسانه، ونصره وشفائه ودفع المكاره والشدائد عنا، وتفريج كرباتنا، فلا غنى لنا عنه جل جلاله بأي حال. وهو سبحانه الغني عن العالمين، لا تنفعه طاعة الناس ولا تضره معصيتهم وكفرهم وجحودهم… وفي الحديث القدسي يقول تبارك وتعالى:(يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ في مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا).. فلنكن ممن يتعلق قلبه بالله تعالى في جميع أحوالنا وشئوننا، في اليسر والعسر والمنشط والمكره والغنى والفقر والصحة والمرض والأمن والخوف. فلتكن قلوبنا مع الله أرواحنا مع الله، جوارحنا مع الله.. يا أمة سيد الثَّقَلَيْن: ما لكم عن طوق النجاة غافِلين؟ وعن سبيل الفرَج لاهين؟ أنِيبُوا إلى العزيز الغالِبِ عند الحوادث والنوائب: ألقي خليلُ الرحمن إبراهيم عليه السلام في النارِ، ولكنه كان متعلقاً بالله وليس في قلبِه إِلا الله، وكَان يُردد حسبِي اللهُ،أَيِ اللهُ كَافِينِي فقال الله تعالى للنار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم. وطُورِد نبي الله موسى عليه السلام ومعه الفئة المؤمنة، حتى استقبلوا البحر، وَالْعدو خلفهم، فاشتد الكرب على أتباعِ موسى، وعلموا أنهم حُوصروا، فقالوا (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ). لَكِنَّ كان جواب موسى، جواب المتعلق بِالله الواثق به سبحانه: (قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ). فنجاه الله ومن معه وأغرق فرعون وجنده، (فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ). أي هو الذي قد أتى مَا يُلام عليه من الفعل.. ونبي الله يونس عليه السلام حين اجتمعت عليه ظلمة الليل، وظلمة البحرِ، وظلمة بطن الْحوت، ما تعلق إلا بالله تَعَالَى: يقول جل وعلا(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) فكشف الله عز وجل كربته. قال تعالى: (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). ونبي الله يعقوب عليه السلام حين فقد ابنه يوسف لم يتعلق بغير الله، ولم يشتك إلى غير الله: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لا تَعْلَمُونَ). وما هي إلا فترة من الزمن حتى لم الله شملهم. بالدعاءِ الصادق، بالتوجُّه إلى الله تعالى تحصُل السّعة بعد الضيق، والعافيةُ بعد البلاء، يقول جل وعلا: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) ونَبِيُّنَا محمد صلى الله عليه وسلم في هجرته بصحبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ،حين وقف المشركون على باب الغار، وقال أبوبكر رضي الله عنه: (لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا)، قال صلى الله عليه وسلم وهو المتعلق والواثق بالله والمتوكل عليه سبحانه: (مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا). أفلا نستجيبُ ياعباد الله إلى ربِّنا كما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يفعلُ؟ ففي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ). فمن أحسنَ الظنَّ بربِّه مُلتجِئاً إليه، فرَّجَ عنه الكُرُبات، وأزاحَ عنه المُلِمَّات، وسهَّلَ له الصعوبات. في الحديث القُدسي يقول تعالى: (أنا عند ظنِّ عبدي بي، فليظُنَّ بي خيراً). أيها المسلم: إن أصابَكَ بلاء ومرضٌ فالتجِئ إلى الله تعالى الشافي الكافِي، وإن أصابَك فقر وفاقةٌ، فتوجَّه إلى الله الغنيِّ الكافِي. عن التابعي عُبيد بن أبي صالحٍ رحمه الله قال: دخلَ عليَّ طاووس بن كيسان اليماني يعُودُني، فقلتُ له: ادعُ اللهَ لي يا أبا عبد الرحمن. فقال: ادعُ لنفسِك؛ فأنه يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاه… يا من يُعاني من المصائب: الجَأ إلى الله بصدقٍ وإخلاصٍ. يا من أصابَته البأساء والضرَّاءُ: ابتهِل إلى العزيز القهَّار: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
عباد الله : خُذوا من الأسباب المشروعة الحِسِّيَّة والمعنويَّة ما يُفرِّجُ الكُرَب، ويُذهِبُ الهمَّ، وينصُر على الأعداء، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) ولكنَّ الشأن كلّ الشأن في تحقيق التقوى والإنابةِ إلى المولَى، والتوكُّل على البارِي جل وعلا، والتعرُّف عليه في الشدَّة والرخاء، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) فمتى قوَّت الأمةُ إيمانَها بالله عزَّ شأنُه، ووثَّقَت الصِّلةَ به سبحانه في كل شأنٍ، في جميع الأمور صغيرِها وكبيرِها، وحسُنَ ظنُّها بربِّها كشفَ الله عنها الضرَّاءَ، وأبدلَ شِدَّتَها رخاءً، وهمَّها فرجاً، وعُسرَها يُسراً.
هـي الأيـامُ والغِيَرُ *** وأمرُ الله يُنتـظَرُ
أتيأسُ أن ترى فرَجاً *** فأين اللهُ والقـدرُ
فيا أيها المظلومون المستضعفون في العالم:
أين الله والقدَر؟! فقدرُكم أنكم مربوطون بالقُرآن الكريم، مربوطون بسُنَّة سيد ولد عدنان، فما ابتعدتُّم عنهما أصابَكم الذلُّ، وأصابَتكم المصائب والكُروبُ والخُطوبُ، مهما تعلَّقتُم بأيِّ قوَّةٍ من قُوى البشر… إن المُؤمنَ متى استبطَأَ الفرَجَ وأيِسَ منه بعد كثرة دُعائِه وتضرُّعه، ولم يظهَر عليه أثرُ الإجابة؛ فإن الواجبَ أن يرجِعَ على نفسه باللائِمة، وأن يقول لها: إنما أُوتيتُ من قِبَلِك، ولو كان فيكي خيراً لأُجِبتِ من الله جل وعلا قال ابنُ رجب رحمه الله: (وهذا اللومُ حينئذٍ أحبُّ إلى الله من كثيرٍ من الطاعات؛ فإنه يُوجِبُ انكِسارَ العبد لمولاه، واعتِرافَه له بأنه أهلٌ لما نزلَ به من البلاء، وأنه ليس بأهلٍ لإجابةِ الدُّعاء، فلذلك تُسرِعُ إليه حينئذٍ إجابةُ الدعاء، وتفريجُ الكُرَب؛ فإنه تعالى عند المُنكسِرة قلوبُهم من أجلِه، مُجيباً سميعاً).
عباد الله: بالتوجُّه الصادق إلى الله جلّ وعلا يحصُل الفرَجُ بعد الشدَّة، ويحُلُّ اليُسرُ بعد العُسر، وإذا أوقدَت المكارِه، وأرسَت الخُطوب، وانقطعَت الحِيَل بالأرِيب؛ أتى اللُّطفُ من اللطيف المُستجيب.
فافرَحوا عباد الله، وتيقَّنوا بمُناجاة الله وبدُعائه، وتحقيق التوحيد الخالص، والعمل الصالح، والنيَّة الصادقة؛ تُفلِحُ الأمة، وتقوَى شوكتُها، ويشتدُّ جانِبُها، مهما أحاطَ بها من محن وفتن وخُطوبٍ وكُروبٍ.
إِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْيَأْسِ الْقُلُوبُ
وَضَاقَ لِمَا بِهَا الصَّدْرُ الرَّحِيبُ
وَأَوْطَنَتِ الْمَكَارِهُ وَاطْمَأَنَّتْ
وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الْخُطُوبُ
وَلَمْ تَرَ لِانْكِشَافِ الضُّرِّ وَجْهاً
وَلَا أَغْفَى بِحِيلَتِهِ الْأَرْيبُ
أَتَاكَ عَلَى قُنُوطٍ مِنْكَ غَوْثٌ
يَمُنُّ بِهِ اللَّطِيفُ الْمُسْتَجِيبُ
وَكُلُّ الْحَادِثَاتِ إِذَا تَنَاهَتْ
فَمَوْصُولٌ بِهَا الْفَرَجُ الْقَرِيبُ
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجآءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم يا فارج الهمّ، ويا كاشف الغم، فرج همنا وهموم أمتنا، واكشِف ما أصابَ المُسلمين من ضعف وغُمَّةٍ ياسميع الدعاء.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وخليله، صلى الله عليه وعلى اله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا أيها المسلمون: يقول الله تعالى ذاكراً قول إبراهيم عليه السلام: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) وقول أيوب عليه السلام: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فالله خالق الأمراض وبيده الشفاء، ولكن لا بد من فعل الأسباب؛ إما لدفع الأمراض، أو للتعافي من الأمراض؛ ففعل الأسباب لا ينافي التوكل بأي حال من الأحوال؛ بل هو من التقرب إلى الله؛ لأن فعل الأسباب مأمور به، مع الرضا بقضاء الله وقدره، وعدم التسخط والجزع.
وتعاطي العلاج النافع الحلال مشروع في ديننا، وتجنب العلاج المحرم واجب، قال صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً) وعن أسامة بن شريك قال: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجاءتِ الْأَعْرَابُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَتَدَاوَى؟ قَاَل: نَعَمْ يِا عِبَادِ اللهِ! تَدَاوُوا؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ، قَالُوا: مَا هُوَ؟ قَاَل: (الْهَرَمُ) وَفِي رواية: إِنَّ اللهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ) والعلاج عباد الله لا ينافي قدر الله سبحانه؛ لأنه من قدر الله؛ فَقَدْ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا، وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ، وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئاً؟ فَقَالَ: (هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ).. والتداوي النافع على نوعين: النوع الأول: التداوي بالآيات القرآنية والأدعية النبوية الصحيحة التي تقرأ على المريض فيشفى بإذن الله تعالى إذا توفرت الأسباب، وانتفت الموانع من قبل الراقي والمرقي.
النوع الثاني: التداوي بالأدوية المباحة التي خلقها الله تعالى وهدى إلى تصنيعها، وأذن بالتداوي بها؛ فإنه لا شيء من المخلوقات إلا وله ضد، فكل داء له ضد من الدواء يعالج بضده، فإذا وافق الدواء الداء برئ بإذن الله. لذا ينبغي الحرص على التداوي إذا كان المرض يؤدي إلى الهلكة والموت غالباً مثل الأمراض المخوفة والأسقام الخطيرة، وعدم التداوي في هذه الحالة يكون من إلقاء النفس في التهلكة والهلاك ؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وكذا ينبغي الحرص على التداوي إذا كان المرض معدياً ينتقل ضرره إلى الآخرين بسرعة مخيفة، ويتم ذلك بالعزل والابتعاد وأخذ الاحترازات ونحوه؛ كما في مرض كورونا المستجد فلا ضرر ولا ضرار.
وفي هذه الأيام التي انتشر فيها هذا الوباء فإن أخذ الاحتياطات الطبية، والعلاج الموافق، والحقن اللقاحية، من الضرورة بمكان للوقاية من هذا الداء، وهي لا تنافي التوكل على الله بل هي مشروعة ومثلها كمثل من يحتاط من البرد قبل إصابته به بالملابس الثقيلة والتطعيمات المناسبة وغيرها، فلا يقول عاقل أن هذا ينافي التوكل على الله، وعليه فإننا ندعو كل مواطن ومقيم إلى أخذ التطعيم المطابق للوقاية من وباء كورونا أجارنا الله وبلادنا وبلاد المسلمين من شره… ولا يفوتنا أن نتقدم بالشكر والتقدير والعرفان لتوجيهات جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه إلى توفير اللقاح الآمن المناسب مجاناً لجميع المواطنين والمقيمين على ارض مملكتنا الغالية البحرين ولحرصه الكبير على صحة وسلامة الجميع، فجزاه الله خير الجزاء وبارك له في صحته وأهله وأولاده… والشكر والتقدير موصول للفريق الوطني البحريني بقيادة سمو ولي العهد حفظه الله من مختلف وزارات الدولة ومؤسساتها وما يقدمونه من كفاءة وجاهزية عالية، ومسؤولية وطنية مشهودة، ومعانٍ سامية للمواطنة الصالحة والمخلصة، والتضحيات الجليلة في تقديم الخدمات العلاجية والوقائية والحملات التوعوية والإرشادية لحماية الوطن والمواطن والمقيم لينعم المجتمع بالصحة والسلامة والعافية والأمان. نسأل الله تعالى أن يجزي الجميع خير الجزاء، وأن يبارك لهم في صحتهم وأهليهم وأولادهم، وأن يرفع عنا وعن بلادنا وعن المسلمين وعن العالم بأسره أن يرفع البلاء والوباء وينزل رحمته ولطفه على العالمين ويمّن بالشفاء والعافية على المصابين بهذا الوباء ويرحم المتوفين به ويعجل بانتهائه في القريب العاجل إنه سميع مجيب الدعاء…اللهم أرزقنا نَفْوساً مطمئنةً تُؤْمِنُ بلِقائِك وتَرْضَى بقضائك وتَقْنَعُ بعَطائِك، اللهمَّ آتِ نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها أنت وليُّها ومولاها يا سميع الدعاء. اللهمَّ إنا نسألُكَ العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهمَّ إنا نسألُك العفوَ والعافيةَ في دِيننا ودُنيانا ووالدينا وأهلِنا وأولادنا ومالِنا وولاةِ أمورِنا وذوي الحُقُوقِ علينا، اللهمَّ استُرْ عوراتنا وآمِنْ رُوعَاتِنا وأحفَظنا من بينِ أيديِنا ومن خلفِنا وعن أيمانِنا وعن شمائِلنا ومن فوقِنا ونعوذُ بعظمتِك أن نُغْتَالَ من تحتِنا يا ذا الجَلالِ والإكرام.اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، وأجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وأظله بظل الإسلام والإيمان وبنعمة الأمن والأمان والاستقرار والوحدة، وألف بين قلوبنا رعاة ورعية وأحفظه علينا وطناً وملكاً وحكومة وشعباً وأهد الجميع للتي هي أقوم..
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً وارفع البلاء عنهم.
اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى، وأهله، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا واشف مرضانا، برحمتك يا أرحم الراحمين… الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين