خطبة الجمعة.. عبادة الستر على المسلمين

عبادة الستر على المسلمين

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

27 محرم 1446 هـ – 2 أغسطس 2024 م

 

الحمد لله الحليم الستار، غافر الذنب وقابل التوب العزيز الغفار، نحمده سبحانه، جمل الإنسان بالستر وأمره بالتقوى والبر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالعفة والحياء، والطهر والنقاء، والستر والصفاء، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، تغاضى عن العيوب بسترها، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسِي بتقوَى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشرَ المسلمين: إن الله تعالى خلق الإنسان وكرمه، وأسجد له ملائكته ونعمه، وأحسن تصويره ورزقه، وأمره بستر عرضه وبدنه، وهيأ له ما يستر به عورته ويواري سوءته، يقول الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً، وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ، ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) فالستر من نعم الله تعالى التي امتن بها على الإنسان، وبه تميز عن الحيوان، وبه يشرف قدره، وتعلو منزلته… ما أجملَ الستر! وما أعظم بركتَه! وأبهى حُلَّته! الستر خُلُق الأنبياء، وسيما الصَّالحين، يورث المحبة، ويُثمر حسن الظَّن، ويُطفئ نارَ الفساد.. . هو جوهر نفيس، وعُملةٌ ثمينة، وسلوكٌ راقٍ.. الستر طاعةٌ وقُربان ودِين وإحسان، به تَحفَظُ الأُمَّة ترابُطَها وبُنيانها، وبه تقومُ الأخلاق، ويبقى لها كيانها… وصف الرَّحمن نفسه به، فهو سبحانه ستِّير يستُر كثيراً، ويحبُّ أهل السَّتر؛ ففي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلَّم: (إنَّ الله حَيِيٌّ سِتِّير، يُحب الحياء والستر).

أقرَّ الإسلامُ بهذا الخلق الكريم، وحضَّ وكافأ عليه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: (ومَن سَتَرَ مُسلماً في الدُّنيا، ستره الله في الدُّنيا والآخرة)..

ولأجل السَّتْر عباد الله، شرع الإسلام حد القذف؛ حتَّى لا تكون الأعراضُ بعد ذلك كلأً مباحاً.. ولأجل الستر أمر الشارعُ في إثبات حدِّ الزنا بأربعة شهود؛ حمايةً للأعراض، وصَوْناً للمحارم.. ولأجل الستر أيضاً توعَّد الجبارُ أهلَ السوء، الذين يُحبون إشاعة الفاحشة بالعذاب الأليم؛ فقال تعالى محذراً: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ).. ومن أجل الستر أيضاً نَهى الإسلامُ عن التجسس على الآخرين؛ فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا) والتجسسُ: البحثُ عن عيوب المسلمين، وعوراتهم، أمَّا خَيْر الخلق وأَعْرفُ الخلق بما يُرضي الله  تعالى فقد كان عظيمَ الحياء، عفيفَ اللِّسان، بعيداً عن كشف العورات، حريصاً على كَتْم المعائب والزلاَّت، كان إذا رأى شيئاً يُنكره ويكرهُه، عرَّض بأصحابه وألمح، كم من مرَّة قال للناس: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا)، (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا).

لقد أدَّب المصطفى صلى الله عليه وسلم أمَّته، فأحسن تأديبها يومَ أنْ خطب بالناس، فقال بنبرةٍ حادَّةٍ وصوتٍ عالٍ: (يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ، يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ) بهذا المنهج، وهذه العِفَّة تربَّى السلف الصالح رضوانُ الله عليهم، فستروا عيوبَ النَّاس، وطَوَوا معائبَهم..  يقول أحدهم: (لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلاَّ ثوبي، لأحببتُ أن أستره به) ويقول آخر حين سمع ذاك الرَّجل يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني عالجت امرأةً، (أي استمتعت بها)، فأصبت منها دون أن أمسَّها، (بنظرة محرمة أو معاكسة ونحوه) بادره الرجل بقوله: (لقد سترك الله، لو سترت على نفسك). وهذا عبد الله ابنُ مسعود رضي الله عنه يُؤتى إليه في مَجلسه برجلٍ، فقيل له: هذا فلان تقطر لحيتُه خمراً، أي: كثيراً ما يشرب الخمر فقال: إنَّا نُهينا عن التجسس، ولكن إنْ يظهر لنا منه شيءٌ، نأخذه به ونحاسبه.

عباد الله: وأَوْلى النَّاس بالسَّتْر: أن يستر العبدُ نفسَه، ويُغطي عَيْبه، فليسَ من العافية – نسأل الله العافية – أنْ يفاخرَ العبدُ بالذنب أو يُباهي بالخطيئة، ليس من العافية تسميع العباد بالذُّنوب الخفيَّات، وخطايا الخلوات؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ المرءُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) الستر على النفس بعد الخطيئة عملٌ فاضل مطلوب، يُرجى لصاحبه أنْ يكرمه ربه بالستر عليه في الآخرة، يقولُ صلى الله عليه وسلم:  (ُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرَهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ له أتَعْرِفُ ذنب كذا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ الله له: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ)

أيها المسلمون والمسلمات: وأحقُّ الناس بالستر وكتم العيب هم ذوو الهيئات وأهل المروءات والخصال الحميدة، الذين ليس مِن عادتِهم المجاهرة بالمعاصي، وليسوا من المسوِّقين للمنكرات المروجين لها، فالستر على هؤلاء يأتي في الصَّفِّ الأول والمقام الأكمل؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا ذوي الهيئات من عثراتهم إلاَّ الحدود) أي أصحاب المناصب والجاه ومن لهم شأن في المجتمع. إذا وقع أحدهم في زلة لم تعهد عنه، إلا ما كان حداً من حدود الله تعالى وبلغ القاضي فيجب إقامته عليه حينئذ.

أيها المؤمنون: إذا قلَّبنا النَّظر في بعض مُجتمعات المسلمين اليوم، نرى ظاهرةَ نشر الفضائح، وإشاعة القبائح قد انتشرت انتشاراً مروِّعاً، عَبْرَ الهواتف المحمولة وصفحات (الإنترنت) ووسائل التواصل الاجتماعي والمراسلات، وشاشات الفضائيَّات، حتَّى غدت هذه الأخبار وأحداثها أسرع انتقالاً، وأوسع انتشاراً، فلا دِين يَمنع، ولا خُلُق يردع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... فصِنفٌ من الناس – هداهم الله – تراه سمَّاعاً لقول السوء، نقَّالاً لأخبار الفَساد، يتلذَّذ بإشاعتها وإذاعتها، يتصدَّر المجالسَ ووسائل التواصل بالتجريح والطعن في الأعراض، وكشف المساوئ والعيوب، الظَّن عنده يقين، والإشاعة في منطقه حقيقة، والهفوة في ميزانه خُلق دائم، لا يمل من تكرار الأخبار المشئومة، ولا يفتر من ترصد الأحداث المرذولة… أيها المسلمون: إنَّ بثَّ مثلِ هذا القاذورات وانتشارها آفةٌ خطيرةٌ، ومرض موجع، يفسد الدين، ويخرب الدنيا، فإذا تهتكتِ الأستارُ، تكسَّرَ الحياء من النُّفوس، وإذا نزع الحياء، فكَبِّرْ على العِفَّة والطهر بعدها أربعاً… إذا علم العاصي، وكُلنا ذاك العاصي، أنَّ الأفواه لاكته، والنَّظرات قد نهشته، والأصابع قد أشارت إليه، لم يبالِ بعدها بمجاهرةٍ في مَعصية، أو مفاخرة في ذنب. يقول صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه: (إنَّك إن اتَّبعت عَوْرَاتِ النَّاس، أفسدتهم أو كدت أن تفسدَهم). نعم عباد الله، إن شيوع الفاحشة، وانتشار شرارتِها الأُولى وإذاعة الأخبار السيِّئة، والمعاصي الخفية، تجرئ حينها وبعدها ضعاف النفوس ومرضى القلوب، على مُعاقرتها في الفضاء الطلق، بلا خوفٍ من خالقٍ أو حياءٍ من مخلوق.

وإذا انتشرتْ المعائب، وأُفْشِيَت المثالبُ، فلا تسلْ بعد ذلك عن عدم ثِقَة الناس بعضهم ببعض، ولا تَسَلْ أيضاً عن الاعتراك والتصادُم بين أفراد المجتمع الواحد؛ إذ إنَّ إشاعة عورات الآخرين سببٌ لبذر الإِحَن والمحن، وتنافر القلوب وعدم الْتِمَامها.

أيها الأخوة والأخوات في الله: الستر على المعاصي لا يعني ترك مناصحة مَن وقع فيها، وإسداء التوجيه المناسب لهم، ولا يعني إسقاطَ العقوبة على من وجبت عليه العقوبة. والستر على الخطايا أيضاً لا يعني تهوينها في النفس، وموت القلب تجاهها، فالقلب الذي لا ينقبض غيرةً على دين الله، وحرمات المسلمين، هو قلبٌ خاوي الإيمان. وليس وراء إنكار القلب

حَبَّة خردل من إيمان؛ كما قال صلى الله عليه وسلم.

عباد الله: وإذا كان نشر فضائح العباد قد ذَمَّ الشرعُ فاعله وتوعده، فكيف بمَنْ يتهمون الآخرين بالظن، ويشيعون التُّهَمَ بالوهم، يفترون على الأبرياء، ويشوهون صورة الفضلاء والولاة والمسئولين، والعلماء والمصلحين والمجاهدين والدعاة إلى الله بالإفْكِ والبهتان، فهذا الرجم بالإثم إن استهان به مَن استهان، فهو عند الله عظيم وجُرم كبير؛ يقول تعالى:(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ)..

أيها المؤمنون: وأشنع من التشهير بالمعصية وأقبح، أنْ يُعيِّر المرءُ أخاه بالذنب، ويعيبه ويتنقصه بالمعصية، فهذا، لعَمْر الله، خُلُقٌ دنيء، وسلوك تأباه الشِّيَم، جاء في الأثر: (لا تظهر الشَّماتة لأخيك، فيعافيه الله ويبتليك) ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله: (المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويُعيِّر ويفضح)، ويقول الحسن البصري رحمه الله: كان يقال:

مَن عَيَّر أخاه بذنب تاب منه، لم يَمتْ حتَّى يبتليه الله به.. فيا مَن يرجو الله واليوم الآخر، لسانَك لسانَك، صُنْه عن أعراض المسلمين، وسمْعَك سمعَك صُنه عن التحسُّس والتجسس، فهذا وربي عملٌ ليس بخير، ولا يأتي بخير.

تذكَّر أخي المسلم، كما أنَّ للناس عيوباً، لك عيوبٌ أيضاً، وكما أن لهم حرماتٌ ومحارم، لك أيضاً مثل ذلك.. تذكر أنَّ الجزاءَ من جنس العمل، جزاءً وفاقًاً، فمن فضح إخوانَه المؤمنين، سلَّط الله عز وجل عليه ألسنةً حداداً تهتك ستره، وتفضح أمره.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ ألسنتنا، ويستر عيوبنا، ويغفر ذنوبنا، ويتجاوز عن زلاَّتنا وهفواتنا، وأن يصون عوراتنا، ويؤمن روعاتنا؛ إنَّه سبحانه قريب مجيب الدعاء.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: لقد حثَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، على سَترِ العوْرات، وإخفاء الزلات، بأحاديثَ كثيرةٍ منها: قولُه صلى الله عليه وسلم: (لا يَسْتُرُ عبدٌ عبداً في الدُّنيا إلا سَتَرَهُ اللهُ يومَ القيامة) وقال: (ومن ستر مسلماً سترهُ اللهُ يومَ القيامةِ) وقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشرَ من أسلمَ بلسانهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبهِ لا تُؤذُوا المسلمينَ ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ بيته) وتتبُّع العورات حفظكم الله وحماكم هو الاستشرافُ إليها، والفُضولُ في البحثِ عنها، ومُتابعةُ ما يتعلَّقُ بها بنظرٍ أو سماعٍ أو غير ذلك وسَترُ ذلك كلِّه يُطفِئُ نارَ الفساد، ويُشيعُ المحبَّةَ ويُثمرُ حُسنَ الظنِّ بالله وبالناسِ  ولله در القائل:

إذا شِئتَ أن تَحيا سليماً مِنَ الأَذى

                                      وحَظُّكَ مَوفُورٌ وعِرْضُكَ صَيِّنُ

لسانُكَ لا تذكرْ بهِ عورةَ أمرئ 

                                         فكلُّكَ عوْراتٌ وللناسِ أَلْسُنُ

 وعينُكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِباً

                                   فَصُنْها وقُل يا عينُ للنَّاسِ أعينُ

وعاشِرْ بمعروفٍ وسامِحْ منِ اعتَدَى

                                      وفارِقْ ولكنْ بالتي هي أحسَنُ

يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَدٍ بِذَنْبِهِ فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلَا تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَةٍ فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ، فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَلْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلاً لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ .

أيها المؤمنون: إذا جعل المرءُ مَخافةَ الله بين عينيه واستشعر حقًّاً وصدقًاً أنَّه سيتحمل وِزرَ كلِّ كلمة تهدم ولا تبني، لعفَّ لسانُه، وصَلَحَ منطقُه، وزان قولَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقلْ خيراً أو ليصمت.

أيها الأخوة والأخوات في الله: خُلُقُ الستر هو الأصل والأساس في التعامُل مع الخطأ والأخطاء، إلاَّ أنه أحياناً يكون التشهير والفضيحة هو الدَّواء وهو النصيحة، فإذا أعلن المرءُ فجوره، ودعا له ونادى، كان التحذيرُ منه وفضحه أسلوباً واجباً لا تبرأ الذِّمَّة إلا به.

 سُئِلَ الإمامُ أحمد رحمه الله: إذا عُلِمَ من الرجل الفُجُور، أيُخبر به النَّاس، قال: لا، بل يستر عليه؛ إلاَّ أن يكون داعية لهذا الفجور.

ويكون التشهيرُ بأهل المعصية مطلوباً أيضاً إذا كان ضررُها متعدِّياً للمجتمع كلِّه؛ كمن يروج للانحرافات العَقديَّة والفكرية، ويدعو للعنف والإرهاب، أو وينشر الفواحش والمنكرات والفساد في المجتمع، أو يتعاطى السِّحر والكهانة والشَّعوذة، أو يروِّج للمُخدِّرات، أو يهدد الأمن ويتآمر على البلاد والعباد، ويتعاون مع الأعداء، فهؤلاء يَجبُ فضحُهم وهَتْك سترهم؛ حماية للدين، ونصحاً للأمة، وحفظًاً للأعراض، والعقول، والدِّماء.

فاتقوا الله عباد الله وإياكم وتتبع ونشر عورات المسلمين أصحاب المعاصي المستترين بذنوبهم ومعاصيهم، وعليكم بنصيحتهم وتحذيرهم من أعمالهم السيئة والحرص على إصلاحهم ورجوعهم إلى الحق والصواب..

أما من كان من المجاهرين بالمعصية أو من كان معروفاً بالشر والأذية والفساد والإفساد فهذا يرفع أمره للسلطات المختصة كي تردعه ولكيلا ينتشر شره وضرره بين الناس.

وكذلك من كان من أهل الشعوذة والبدع في الدين، الداعين إليها يجب التحذير منه ومن بدعته بالحجج والأدلة لمن قدر على ذلك حتى لا ينخدع الناس بكلامه فيقعوا في بدعته… نسأل الله تعالى أن يحسن أخلاقنا ويستر عيوبنا، ويغفر ذنوبنا، ويتجاوز عن زلاَّتنا وهفواتنا، وأن يصون عوراتنا، ويؤمن روعاتنا؛ إنَّه سميع مجيب الدعاء..

اللهم استرنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، اللهم لا تشمت فينا عدواً ولا حاسداً ولا قريباً ولا بعيداً يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا وأجعله آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم جنبنا الشرور والفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، وأنعم علينا بالأمن والأمان والخير والرخاء والعزة والمنعة يا رب العالمين. اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا سميع الدعاء.

اللهم كن لإخواننا المظلومين في كل مكان، ناصراً ومؤيداً ومعيناً، وظهيراً اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في فلسطين وغزة، اللهم إن عبادك هناك يقتلون ويشردون ويجوعون وتنتهك حرماتهم، اللهم فأنزل عليهم رحماتك ونصرك، اللهم داو جرحاهم، واشف مرضاهم، وتقبل موتاهم، واكتبهم من الشهداء عندك اللهم واحفظهم بحفظك وانصرهم على القوم الظالمين المعتدين.

اللهم إنّا نبرأ من حولنا وقوّتنا وتدبيرنا إلى حولك وقوّتك وتدبيرك لا إله إلا أنت لا يعجزك شيء وأنت على كل شيء قدير.

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وأشف مرضانا وارحم والدينا وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين. (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)