عدنان بن عبد الله القطان
5 شوال 1443 هـ – 6 مايو 2022 م
—————————————————————————
الحمد لله الذي ألبس من شاء من عباده لباس الهداية والتوفيق، وألزمهم كلمة التقوى فصارت الطاعة والاستقامة لهم خير أنيس ورفيق، وألهمهم شغل أوقاتهم بالخير فصرفوا كل وقت لما هو به جدير وخليق، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: ودعت الأمة الإسلامية بالأمس القريب، شهر رمضان المبارك، ومضى الشهر مع الراحلين، ورحيله خير شاهد على أن الله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين… مضى الشهرُ الكريم وقد أحسن فيه أناسٌ وأساء آخرون وهو شاهدٌ لنا أو علينا، شاهدٌ للمشمِّر بصيامه وقيامه، وعلى المقصِّر بغفلته وإعراضه، ولا ندري يا عباد الله هل سندركه مرة أخرى، أم يحول بيننا
وبينه الموت، هادم اللذات ومفرِّق الجماعات، نسأل الله تعالى أن يعيد علينا شهر رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة بالأمن والأيمان، والسلامة والإسلام والصحة والعافية والتوفيق لما يحبه ويرضاه.
أيها الأخوة والأخوات في الله: إن من تمام شكر الله تعالى على نعمه، بعد الانتهاء من مواسم العبادات، الاستقامة على الطاعات والأعمال الصالحات والمحافظة عليها، فهذا دليلٌ واضح على قبول العمل عند الله عز وجل، وإنها لبشارة عظيمة للعبد في الدنيا قبل الآخرة، فالله سبحانه لا يتقبل إلا من المتقين.. ومن نكث عن الصراط المستقيم وعاد إلى التفريط والتقصير وارتكاب المحرمات والموبقات فذلك والله هو المحروم من رحمة الله، فالله عز وجل قد أمرنا بالاستقامة على الطاعة حتى نلقاه؛ لأن العبرة بخواتيم الأعمال، ولا يدري أحدنا متى يأتيه أجله، يقول تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) أي يأتيك الموت.
ويقول جل وعلا مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده وآمراً لهم بالاستقامة (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) إنه أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده أن يستقيموا كما أمر الله وأراد.. وفي صحيح مسلم عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الله الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً، لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحداً غَيْرَكَ قَالَ: (قُلْ آمَنْتُ بِالله ثُمَّ اسْتَقِمْ) .وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالاستقامة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ). وقوله صلى الله عليه وسلم: (استقيموا): أي: (لا تزيغوا وتميلوا عما سنَّ لكم وفرض عليكم، فقد تركتكم على الواضحة ليلها كنهارها وليتكم تطيقون ذلك).
عباد الله: وتبدأ الاستقامة من القلب بتوحيد الله وحبه، والرضا به، والإخلاص له في جميع
الأعمال والأقوال، ثم بعد ذلك استقامة اللسان بحسن الكلام، وقول الحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وذكر الله، وتلاوة القرآن، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا)
أيها المؤمنون والمؤمنات: إن الاستقامة على الدين، والمحافظة على العبادات والطاعات، والالتزام بتعاليم الإسلام في واقع الحياة، في جميع جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ يجلب على الأفراد والمجتمعات والشعوب والدول معية الله وتوفيقه ونصره، وتتابع خيراته وتوالي نعمه، وهذا هو الطريق الذي ارتضاه الله لعباده وأمر بالسير عليه…
يقول تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) والاستقامة مفتاح للخيرات، وسبب لحصول البركات، يقول عز وجل: (وَأَلَّوِ اسْتَقَـامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـاهُم مَّاء غَدَقاً).. أما الثمرة الكبرى فإنها تكون يوم القيامة، عندما يجد الإنسان جزاء هذه الاستقامة، أمناً وفرحاً وسعادة وجنات تجري من تحتها الأنهار، يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استقاموا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يقول العارفون بالله: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة. ويقول عطاء بن السائب رحمه الله: أتينا إلى أبي عبد الرحمن السلمي وهو مريض في مصلاه في المسجد، فإذا هو قد اشتد عليه الأمر، وكأن روحه تُنزع، فأشفقنا عليه، وقلنا له: لو تحولت إلى الفراش، فإنه أوثر وأوطأ، فتحامل على نفسه، وقال: حُدِثت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ، فأنا أريد أن أُقبض وأموت على هذه الحال فمات عليها رحمة الله عليه، فمن أقام الصلاة، وصبر على طاعة مولاه، خُتم له برضاه.. نعم عباد الله، إنه ما ضعفت صلتنا بالله في يوم من الأيام، ولا فرطنا في الطاعات والعبادات التي أمرنا الله بها، إلا رأيت الفتن والبلايا والشرور والهزائم وضنك العيش وظهور الصراعات وانتشار الخلافات، وقست لأجل ذلك القلوب، وذهبت الرحمة، وحلت الشحناء والبغضاء والكراهية، فإذا لم يكن هناك توبة نصوح، وعزم على تصحيح مسار حياتنا، وعلاج أمراضنا وأخطائنا وتقصيرنا؛ فإن الله يسلط جنوده ويرسل عذابه على من عصاه، ويأذن بعقابه، ولا مرد لأمره… أيها المسلمون: وإن من أعظم أسباب النجاة بعد توحيد الله من هذه الفتن والمصائب: الاستقامة على الطاعات، وأداء العبادات والمداومة عليها، فبها ينال المسلم حفظ الله ورعايته، وتُدفع عنه وعن وطنه ومجتمعه وأمته الكثير من المصائب والفتن يقول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) ذلك أن الإنسان عندما يتعرض للفتن والمصائب والمحن يطيش عقله وتسوء تصرفاته وتزيد ذنوبه ومعاصيه، وتكثر همومه وأحزانه، فيخسر دينه ودنياه وآخرته، ولا يثبت على الحق والخير والمعروف، ولا يستقيم إلا من وطَّن نفسه على طاعة الله، ولم ينشغل بما أصابه عما أوجبه الله عليه، يقول تعالى: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) ويقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) واستمرار العبد على الصلاة والطاعة والعمل الصالح، كفيل بتخفيف كلِّ شدة وإزالتها؛ يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: (تَعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) وقال: (مَن سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء).
أيها المؤمنون: لقد كان صلى الله عليه وسلم إذا ادلهمت به الخطوب وكثرت عليه الهموم، وتوالت المصائب والابتلاءات، فزع إلى الصلاة، ولا يجد ملجأ وطريقاً للراحة إلا في عبادته وفي صلاته فكان يقول: (أرحنا بها يا بلال) بل بيّن صلى الله عليه وسلم أهمية العبادة وفضلها والمداومة عليها عند نزول البلايا والمصائب والفتن، يقول صلى الله عليه وسلم (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) والْمُرَادُ بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَةُ وَاخْتِلَاطُ أُمُورِ النَّاسِ، وقيل كثرة القتل، وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ يَغْفُلُونَ عَنْهَا، وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا، وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهَا إِلَّا أَفْرَادٌ). عباد الله: إن كثيراً من الناس في هذه الأيام إلا من رحم الله، منشغلون بالأحداث والأخبار والأوبئة والأمراض والصراعات السياسية والجرائم والقتل والدمار والاقتصاد والغلاء والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي والصحف والإذاعات والتصريحات والحاضر والمستقبل والتحليلات، قد قصر كثير منهم وتركوا أمر الله، وتساهلوا في الواجبات، وتكاسلوا عن العبادات وخاضوا في الأعراض والأموال والدماء والقيل والقال، فلم ينالوا من ذلك غير الهم والقلق والفزع والهلع إلى جانب ارتكاب الكثير من الذنوب والمعاصي والسيئات.
هذا حال كثير من الناس اليوم، إلا من رحم الله، يقول تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ، فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)
وهناك صنف آخر من الناس يحمل همّ دينه ووطنه وأمته، ويدرك طبيعة الأحداث والفتن من حوله وأهمية التعاطي معها ومعرفة خيرها من شرها ودوره الإيجابي فيها، لكنه لم يفرط في واجباته الدينية ولم يتكاسل عن العبادات والطاعات، ولم يقطع صلته بجبار الأرض والسموات؛ لأنه يدرك أن ذلك هو زاده في الدنيا للثبات والاستقامة على أمر الله عز وجل، وبه يكون الفرج بعد الشدة والضيق.
نسأل الله – جلّ وعلا – أن يتقبَّل منَّا ومنكم صالح أعمالنا، وأن يوفِّقنا وإياكم لكل خير، وأن يعيننا وإياكم على الاستقامة على طاعة الله، والمداومة على عبادته سبحانه في كل وقت وحين، وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل إنه سميع مجيب الدعاء.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرض والسماوات، ونشهد أن نبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه أفضلُ من سارعَ إلى الخيرات، واستقام على الطاعات، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أهل التقوى والصالحات.
أما بعد فيا أيها المسلمون: إن الاستقامة على العبادة دليلٌ على الرغبة في الخير، وعنوان قوة الإيمان، ولزومُ الطريق المستقيم، والثبات عليها في كل آن وحين، وإن كان المسلم في مواسم الخير يضاعف جهوده، لكنه لا ينقطع عن العبادة بعد ذلك، فإن استقامته على الطاعة يدل على قوة الإيمان وقوة اليقين.. فالاستقامة وسط بين الانحراف وبين الغلو في دين الله، يقول تعالى: (وَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ) وهذا ما عليه الصالحون، يقول تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ) استقاموا على الطريق الواضح والمنهج القويم.
أيها المسلم: إن كان رمضان مضى بخيره وبركته، نسأل الله أن يتقبله منَّا ومنكم، فليس معنى ذلك أن عبادة المسلم قد انقضت وتوقفت، لا، بل العبادة باقية، والمسلم سائر عليها، مستقيم عليها، قد أخذ من رمضان عظة وعبرة، فرمضان هذّبه، ورمضان أقام اعوجاجه، ورمضان هداه للخير، ورمضان روَّض تلك النفس، وأعدها الإعداد الصحيح لتكون سائرة على وفق منهج الصالحين…
أيها المسلم: ولئن كان موسم الخير تُضاعف فيه الأعمال، لكن لا يلزم من ذلك أن تنقطع عن العمل بعد رمضان، فكن محافظاً على طاعة الله من صلاة وصيام وصدقة وإحسان وتلاوة قرءان، وتقرب إلى الله تعالى بنوافل الطاعة، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) فتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، واحرص على ذلك عسى أن تكون موفقًاً لقبول عملك، وإنَّ من علامة قبول العمل الصالح أن يُتبَع بأعمال صالحة، يقول تعالى: (إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ) فأعقب العمل الصالح بالعمل الصالح، واحذر أن تعقبه بعمل سيئ، وفي الحديث في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: (اتَّقِ اللهَ حيثُ ما كُنتَ وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسَنَةَ تمحُها وخالِقِ النَّاسَ بخلُقٍ حسنٍ) أيها المسلم: يا من وفقك الله فصُمت رمضان كاملاً، وتلوت ما يسر الله لك من تلاوة القرءان، وقيام ما يسر الله لك من قيام ليله، فاحمد الله على هذه النعمة، واعلم أن نبيك صلى الله عليه وسلم قد سن لك وشرع أن تصوم ستة أيام من شوال، تتبع بها رمضان، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّــاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) والأفضل أن تصام الستة متوالية خلال الشهر، فإن فرقها المسلم أو أخرها عن أوائل شوال أو عن وسطه إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة، لأنه يصدق أنه أتبعه ستًا من شوال. يقول أهل العلم: وإنما كان ذلك كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين.. فلا تفوِّتوا رحمكم الله على أنفسكم هذه الفضيلة العظيمة، فإن أحدنا لا يدري هل يدرك رمضان مرة أخرى أو لا يدركه، وكلنا بحاجة إلى سد الخلل وما نقص من صيامنا بصيام التطوع.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا صالح أعمالنا، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه على كل شيء قدير.
اللهم وفقنا جميعاً إلى عمل الصالحات، وجنبنا المعاصي والمحرمات، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة وعند الممات، اللهم تقبل منا صالح أعمالنا، وارزقنا الاستقامة على دينك في رمضان وفي غير رمضان يا رب العالمين.. اللهم اجعلنا من المداومين على الصالحات، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اللهم اجعلنا من الأخيار الأبرار، اللهم ارزقنا العبادة، والاستمرار عليها وثبتنا عليها حتى الممات ياسميع الدعاء…
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم أحفظ بلادنا وخليجنا واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم. وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم. ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس وفلسطين والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، وأحفظ المرابطين فيه، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا، وارحم والدينا وارحم موتانا، وارحم موتانا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين