عدنان بن عبد الله القطان
5 رجب 1444 هـ – 27 يناير 2023 م
—————————————————————————-
الحمد الله خالق الأنام، المحمود سبحانه أبداً على الدوام، حثَّ المؤمنينَ على المحبة والوئام، وأوجب عليهم صلة الأرحام، وحذَّرَهم من القطيعة والخصام، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ونشهدُ أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه، نبي الرحمة ورسول السلام صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه الكرام، عددَ تعاقُب الليالي والأيام، وانقضاء الشهور والأعوام.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
معاشر المسلمين: صفة من أعظم صفات الصالحين، وخلق من أنبل أخلاق المتقين، تخلَّق بها نبينُا محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحَى إليه؛ وزادها بعد أن بُعث بالرسالة تعظيماً وتشريفاً، هي من أزكى الصفات، وتركها موجب للحسرةِ والندامةِ؛ وعاجلِ العقوبة في الدنيا، مع ما تُوعِّد به تاركها من الوعيد الشديد في الآخرة.
العمل بهذه الصفة والحرص عليها يطيل الأعمار، ويبارك في الأرزاق، ويملأ الحياة سعادة وهناء، ويعطر الذكرى بعد مفارقة الدنيا بحسن الثناء، وخالص الدعاء.
فِعْلُ هذه الصفة رفعة، والتخلق بها منقبة، تملأ قلوبَ الناس لك حباً، وتزيدك من مولاك قرباً، إنها صلة الأرحام يا عباد الله... والمقصود بالرحم والأرحام هم من بينك وبينهم قرابة بسبب الولادة وأولُ من يدخل في الرحم وتؤمر بصلته أبواك ثم الأقرب فالأقرب كأبنائِك وبناتِك ثم إخوانِك الأشقاء أو من الأب أو من الأم وأخواتِك كذلك، ثم أعمامِك وعماتِك ،ثم أخوالِك وخالاتِك وهكذا. إن صِلةَ الرَّحِم عباد الله حقٌّ طوَّقَه الله الأعناق، وواجبٌ أثقلَ الله به الكواهِل، وأشغلَ به الهِمَم.. وقد أكَّد الله تعالى على صِلَة الأرحام وأمرَ بها في مواضِع كثيرة من كتابه
فقال سبحانه (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) وجعل الرَّحِمَ بعد التقوى من الله تعالى، فقال عز وجل: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) ولعِظَم صِلَة الرَّحِم، ولكونِها من أُسُس الأخلاقِ وركائِز الفضائِل وأبواب الخيرات فرضَها الله في كل دينٍ أنزلَه، فقال جل وعلا: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) يقول بعض أهل العلم: ما بعث أنبياء الله في أواسط البيوت من أقوامهم إلا لما يقدر الناس من أمر الرحم، ويعرفون من شأن القرابة: (قُل لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ) وحينما قلت عشيرة نبي الله لوط عليه السلام وضعف ركن قرابته أعذر نفسه بقوله: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ) ومن ثم قال نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم: (يغفر الله للوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد ولكنه عنى عشيرته، فما بعث الله نبياً بعده إلا في ثروة من قومه) ومن بعد لوط قال قوم شعيب لشعيب عليه السلام: (وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـٰكَ) وامتن الله على نبيه محمداً ﷺ بقوله: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَاوَىٰ) وفي حديثِ عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أوَّلَ مقامٍه بالمدينة: (أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ) وثوابُ صِلَة الرَّحِم مُعجَّلةٌ في الدنيا مع ما يدَّخِرُ الله لصاحبِها في الآخرة؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، وأن يُنسَأَ له في أثَره فليصِلْ رَحِمَه). فصلة الرحم من أسباب البركة في الوقت، فتجد بعض الناس ممن وفقه الله جل وعلا، ممن بر بأقاربه ووصلهم، تجده مباركاً في حياته، موفقاً في قوله وعمله، وإذا بحثتَ عن سر ذلك وجدتَ أنه ممن يصل رحمه، وتجد أن ماله مباركاً ولو كان قليلًا، وإذا بحثتَ عن السر وجدتَ أنه من الواصلين لأرحامهم… كما أن صلة الرحم من أسباب الوقاية والحماية من سوء العواقب فإن النبي ﷺ لما خاف على نفسه يومَ فاجأه جبريل في غار حرآء رجع إلى بيته خائفاً وقال لخديجة رضي الله عنها لقد خشيت على نفسي يعني أن يصيبني مكروه فقالت: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَداً، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ) فجزمت بأن الله تعالى لن يخزيه استدلالاً بمكارم أخلاقه وأوّلُها أنه كان وصولاً لرحمه عليه الصلاة والسلام. ويقول ﷺ: (تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَر) ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُدْفَعَ عَنْهُ مَيْتَةُ السُّوءِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) ويقول صلى الله عليه وسلم: إن اللهَ ليُعمِّر بالقوم الديارَ، ويُثمِّرُ لهم الأموال، وما نظرَ إليهم منذ خلقَهم بُغضاً لهم. قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟! قال: (بصِلَتهم أرحامهم) ويقول: (صلةُ الرحمِ وحسنُ الجوارِ وحسنُ الخلقِ يُعمِّرانِ الديارَ ويزيدانِ في الأعمارِ). ويقول: (ما من ذنبٍ أجدرَ أن يُعجِّل الله لصاحبِه العقوبةَ في الدنيا مع ما يدَّخِرُ له في الآخرة من البَغي وقطيعة الرَّحِم)
أيها الأخوة والأخوات في الله: صلة الرحم من شعارات الإيمان بالله واليوم الآخر، يقول صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) صلة الرحم تجلب صلة الله للواصل: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّه تَعَالى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قال: فذَلِكَ لَكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) صلة الرحم من أعظم أسباب دخول الجنة: صح في الحديث أن رجلاً قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلُني الجنة ويباعدُني عن النار، فقال صلى الله عليه وسلم: (تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ).. صلة الرحم رفعة وعزة للواصل: فصلة الأرحام هو من مظاهر التواضع (ومن تواضع لله رفعه) فالإنسان إذا وصل أرحامه أكرموه وأعزّوه وأجلّوه وسوّدوه وكانوا عوناً له.
أن الرحم تشهد للواصل بالوصل يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم: (وكُلُّ رَحِمٍ آتِيَةٌ يَوْمَ القِيامَةِ أمامَ صاحِبِها تَشْهَدُ لَهُ بِصِلَةٍ إنْ كانَ وصَلَها، وعَلَيْهِ بِقَطِيعَةٍ إنْ كانَ قَطَعَها)
أيها الإخوة والأخوات في الله: ما سميت الرحم رحماً إلا لما فيه من داعية التراحم وأسباب التواصل ودوافع التضامن. وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عشيرتُك هم جناحك الذي بهم تُحلِّق، وأصلك الذي به تتعلَّق، ويدُك التي بها تصولُ، ولسانك الذي به تقولُ، هم العُدة عند الشدة، أكرم كريمَهم، وعُد سقيمهم، ويسِّـر على معسرهم، ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك).
وما المرء ولا المروءة إلا رحم موصولة، وحسنات مبذولة، وهفوات محتملة، وأعذار مقبولة… بصلة الرحم عباد الله تقوى المودة وتزيد المحبة وتشتد عرى القرابة وتضمحل البغضاء ويحن ذو الرحم إلى أهله.
أيها المسلم والمسلمة: من حق أهلك وأرحامك عليك: أن تعود مريضهم، وتزورهم في أماكنهم وتتبع جنائزهم، وتواسي فقيرهم، وتتفقد محتاجهم، وترشد ضالهم، وتعلم جاهلهم وتفرحُ لفرحهم وتهنئهم بسرورهم وتحزن لمصيبتهم وتكفل يتيمهم، وتوقر كبيرهم وترحم صغيرهم؛ وتصبر على أذاهم، وتحسن صحبتهم، وتبذل الخير لهم، وتكف
الشر عنهم، وتبشُّ لهم عند اللقاء وتلين لهم في القول، وتحسن لهم في المعاملة، ما بين زيارة وصلة، وتفقدٍ واستفسارٍ ومهاتفة ومراسلة تبذل لهم المعروف، وتتبادل معهم
الهدايا والتحيات، في حب وعدل وإحسان وفضل ونصح وخفض جناح ودعاء.
أيها الأخ الفاضل: ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن عليك أن تصلهم وإن جفوا، وتحلم عليهم وإن جهلوا، وتحسن إليهم ولو أساءوا، نعم ـ حفظك الله ـ إن من صلة الرحم أن تغفر الهفوة، وتستر الزلة، فأي صارم لا ينبو؟ وأي جواد لا يكبوا؟ وما العقل والفضل والنبل إلا إن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، وتحلم على من جهل عليك. ويزداد النبل ويعظم الفضل وتسمو النفس حين تحسن الظن بهم وتحمل أخطاءهم على المحمل الحسن. وتنظر في عثراتهم نظر العاذر الكريم.
اسمع رعاك الله إلى هذه القصة التي تنضح نبلاً وشرفاً: روي عن التابعي طلحة بن عبد الرحمن بن عوف رحمه الله، وكان أجود قريش في زمانه- قالت له زوجته: يا طلحة ما رأيت قوماً ألأمَ من إخوانك؟ قال: ولم ذاك قالت: أراهم إذا أيسرتَ وكثر مالك زاروك ولزموك، واذا أعسرت تركوك؟ قال: هذا والله من كرمهم ؛ يأتوننا في حال القوة بنا عليهم، ويتركوننا في حال الضعف بنا عنهم.. فانظروا رحمكم الله كيف تأوَّل بكرمه هذا التأويل، وفسر بنبيل أخلاقه هذا التفسير، حتى جعل قبيح فعلهم حسناً وظاهر غدرهم وفاءاً. وهذا محض الكرم ولباب الفضل وبمثل هذا يلزم ذوي الفضل أن يتأولوا الهفوات ويمحوا الزلات من إخوانهم وأرحامهم وأصهارهم، انه تغافل مع فطنه، وتآلف صادر عن وفاء. وعلاقات الرحم ووشائج القربى لا تستقيم ولا تتوثق إلا بالتغافل، فمن شدد نفَّر، ومن تغاضى تآلف، والشرف في التغافل، وسيد قومه المتغابي... أين هذا عباد الله من أناس ماتت عواطفهم، وغلب عليهم لؤمهم؟ فلا يلتفت إلى أهل، ولا يسأل عن قريب، ولا يود عشيرة، إن قربوا أقصاهم، وإن بعدوا تناساهم، بل يبلغ به اللؤم أن يقرب أصحابه وزملاءه، ويجفو أهله وأقرباءه، يحسن للأبعدين، ويتنكر للأقربين، بطون ذوي رحمه جائعة، وأمواله في الأصدقاء والصِحاب ضائعة، تراه يحاسب لهفوة صغيرة، ويقطع رحمه لزلة عابرة، إما بسبب كلمة سمعها، أو وشاية صدقها، أو حركة أساء تفسيرها.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله واحذروا سخط ربكم وصلوا أرحامكم واستعينوا بالله على مرضاته واستمسكوا بآداب شريعته، تولانا الله جميعاً في أنفسنا وذوينا ومحبينا، وأعاننا على امتثال أمره وطاعته وإتباع نبيه بمنه وكرمه.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد فيا أيها المسلمون: وكما أنّ صلةَ الرحمِ لها فضائل متعددة كثيرة؛ فإن قطيعتها خسارة عظيمة في الدنيا والآخرة، ومما يدل على خطورة قطيعة الرحم، قوله صلى الله عليه وسلم: (إنّ أعمالَ بني آدم تُعرَضُ كلَّ خميسٍ ليلةَ الجمعة فلا يُقبَل عملُ قاطعِ رحِم) عباد الله: إنَّ لقطيعة الرحم والتقصير في حقهم مظاهرَ عديدة فمن الناس من لا يعرف بعض قرابته لا بزيارة ولا بخلق ولا بجاه ولا بمال، وقد تمضي الشهورُ والأعوام ولا يتودّدُ إليهم بصلة، ومن الناس من لا يشارك بعض أقاربِه حتى في أفراحهم وأتراحهم؛ ولا يحسن إلى محتاجهم؛ بل تراه يقدّم غيرَهم عليهِم في الصلات التي هم أحقّ بها من غيرهم، ومن الناس من يقدم زوجته على والدته، ومنهم من يقدم صديقه على والده، ومن الناس من يصلُ أقاربَه إن وصلوه ويقطعُهم إن قطعوه؛ وهذا في الحقيقة ليس بواصل؛ إذ الواصل حقيقة هو الذي يصل قرابته لله؛ سواء وصلوه أم قطعوه؛ ولهذا قال ﷺ (لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا).
أيها الأخوة والأخوات في الله: إن لقطيعة الرحم أسباباً متعددة نذكر أهـمَّها وذلك لنحذر منها، أولاً: الجهلُ بعواقب القطيعة في الدنيا والآخرة؛ والجهل بعظم حق الأرحام؛ وما يجب لهم من الصلة… ثانياً: ضعف تقوى الله عز وجل، فالذي لا يخاف الله واليوم الآخر فإنه ربما وقع في القطيعة؛ وهو لا يبالي…
ثالثاً: الكِبْر؛ فبعض الناس إذا نال منصباً رفيعاً أو حاز رتبة عالية أو صار ذا مال كثير تكبّر على أقاربه؛ وأَنَفَ من زيارتهم بحيث يرى أنه صاحبُ الحق؛ وأنه أولى بأن يُزار ويؤتى، ولا شك أن هذا من الكِبر والتعالي على الناس؛ وقد قال ﷺ (لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبرِ).
رابعاَ: عدم الصبر من البعض؛ حينما يجد التنفير من الطرف الآخر؛ وكلا الطرفين مخطئ… خامساً: قِلّةُ الاهتمام من البعض بمن يزوره؛ فمن الناس من إذا زاره قريبَه لم يُبْدِ له مزيد اهتمام؛ ولم يصغ إلى حديثه؛ ولم يستقبله على الوجه الحسن؛ فربما أن ذلك يحمل الزائر إلى قلة الزيارة مستقبلاً؛ وربما إلى انعدامها.
سادساً: ومن أسباب القطيعة الشحُّ والبخل؛ ويُذَكَّر من كان كذلك، بأن أوجه الصلة كثيرة وليست بالمال فقط، ويذكر بأنَّ بذلَ المال للرحم سبيلٌ للبركة فيه وزيادته.
سابعاً: ومن أسباب القطيعة الوشايةُ والنميمة؛ والإصغاء إلى أهلها؛ فإن ذلك يوغر الصدور ويورث التشاحن والتقاطع، وهذه الوشاية سماها النبي صلى الله عليه وسلم الحالقة؛ التي تحلق الدين.
ثامناً: مع وجود زوجات مباركات حسنات الخلق يُعِنَّ على صلة الأرحام، فإنه يوجد أيضاً سيئات الخلق مع أرحام زوجها؛ فبعض الناس يُبتلى بزوجة سيئة الخلق؛ لا تحتمل أحداً من أرحام زوجها؛ فلا تزال تُنفّره وتُثنيه وتتأفّف حتى تقطعه عن أهله وذويه وقد توصله إلى العقوق ومعصية الوالدين والعياذ بالله. فاتقوا الله عباد الله وصلوا أرحامكم؛ واحذروا من أسباب قطيعتهم، واستحضروا دائماً ما أعد الله للواصلين من الثواب؛ وما أعده للقاطعين من العقاب، وكونوا من أهل الصفح والعفو والجود والكرم، وادفعوا بالتي هي أحسن وكونوا من الصالحين والمصلحين لعلكم تفلحون… اللهم وفقنا لصلة أرحامنا، اللهم ألف بين قلوبنا، اللهم أصلح ذات بيننا… اللهم يسر لنا صلة أرحامنا ابتغاء وجهك الكريم، وأعذنا من قطيعتها والإساءة إليها يا رحمن يا رحيم. اللهم اجعلنا ممن يصلها فتصلُه برحمتك، وتَنْسأُ له في عمره وتبسطُ له في رزقه إنك جواد كريم. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم. وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم ومستشاريهم ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يارب العالمين.
اللَّهمَّ بارِك لنا في رَجبٍ وشعبانَ وبلِّغنا رمضانَ، اللهم بلغنا رمضان بلوغاً يغير حالنا إلى أحسنه، ويُهذب نفوسنا، ويُطهر دواخلنا بلوغ رحمة ومغفرة وعتق من النار.
اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين وأزرُقنا توبة ترُضيك عنا وأجعل لنا نصّيباً من رّحمتك واجعلنا من الصائمين الذاكرين.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا..
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين