عدنان بن عبد الله القطان
17 ربيع الآخر 1444 هـ – 11 نوفمبر 2022 م
—————————————————————————-
الحمدُ لله العليمِ الشّكور، العزيزِ الغفور، نحمد سبحانه ونشكرُه، ونتوب إليه ونستغفِره، ونثني عليه الخيرَ كلَّه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، أحاطَ بكلّ شيءٍ علماً، وأحصى كلَّ شيء عدداً، ونشهد أنّ سيدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، اصطفاه ربه واجتباه، بلّغ رسالةَ ربّه، وأدَّى الأمانةَ، ونصَح للأمّة، حتى أتاه اليقين، صلى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: إذا كانت أزمةُ العالم اليوم هي أزمةُ أخلاقٍ، فإن الإسلام العظيم يقدِّمُ الدواء الناجع، لشفاء النفوس العليلة من أوضارها، ويأخذ بيدها إلى الأمن والسلامة من وَعْثَاءِ ومشقة الطريق في هذه الحياة، والبشرية اليوم تعاني من فواقر الخيانة في النفوس والأموال والمجامع والآراء بمثل ما لم تعانيه من قبل، والسبب في ذلك هو هجمة الحضارة المادية الشرسة التي لا تَأْبَهُ بالقيم الرفيعة، لأنها ركّزت كل جهودها على شهوات الأبدان مع إغفال الجانب الروحيِّ، وبالطبع فإن الأمم تتأثر ويُبادِلُ بعضُها بعضاً في كل مجال وخصوصاً المجال الأخلاقي. والأمانة تقف بين قوائم العلاج الربانيِّ الذي صاغه القرآن الكريم ونبَّهَ عليه النبي العظيم صلى الله عليه وسلم لسلامةِ مجتمعنا المسلم من التردِّي في مهاوي الخيانة لأنها سيئة الاسم والوصف والمنقلب. فالأمانة فضيلة من أشرف الفضائل، والعمل بها شرف وكرامة وتقوى وصلاح، وإيمان خالص لله رب العالمين، ورحمة بالخلائق، ومن عِظَمِ شأنِها وجلال خطرِها: أنْ الله تعالى عرَضَها على أعظم مخلوقاته، وحملها الإنسان، فقال سبحانه: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) وكان العرب في الجاهلية يفتخرون بالأمانة ويعدونها مَكرُمَة، حتى إنهم كانوا يُطلقون على النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته لقب: (الأمين)؛ لِمَا اشتُهر عنه من الأمانة في القول والعمل والحال، فهو عليه الصلاة والسلام خير أمناء البشر، بشهادة أعدائه من قريش… والأمانة عباد الله ضد الخيانة، وهي تطلق على كل ما عُهِدَ به إلى الإنسان من الواجبات الاجتماعية، والتكاليف الشرعية؛ كالعبادات، والودائع، ومن أعظم الودائع كتم الأسرار… وجاء الأمر بحفظ الأمانات ورعايتها في قوله تعالى: (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) وقوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا؛ أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا؛ أَتْلَفَهُ اللَّهُ) وقال أيضاً: أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) وتضييع الأمانة علامةٌ على ضعف الإيمان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ) بل هو من خصال المنافقين عياذاً بالله من هذا الخُلُق السيء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ)
أيها المؤمنون: إن مجالات الأمانة كثيرة ومتنوعة، فمن أهمها: التكاليف والحقوق التي أمَرَ الله تعالى برعايتها وصِيانتها، مما هو مُتعلِّق بالدين، أو النفوس، أو العقول، أو الأعراض، أو الأموال.. أيها الأخ المسلم: إنَّ الأمانة في العبادة أنْ تقوم بطاعة الله تعالى مُخلِصاً له مُتَّبعاً لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقد ائتمنك اللهُ تعالى على الطهارة قبل الصلاة، ولذا -لمَّا رأى النبي صلى الله عليه وسلم بعضَ أصحابه تلوح أعقابهم لم يُصبها الماء فنادى: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ) فأنت مؤتمن على صلواتك الخمس من حيث الوقت، فتُؤدِّيها في وقتها المشروع، ولا تؤخرها تكاسلاً وتهاوناً فتكون من الخاسرين… وزكاة مالك أمانةٌ في عنقك، هل أخرجتَها كاملةً تامة، وأوصلتَها لِمُستحقِّيها ديانة؟ فإنْ فعلتَ ذلك؛ كنتَ ممن أدَّى أمانةَ الزكاة.
وكذا صومك أمانةٌ وسر بينك وبين ربِّك، فالسعيد مَنْ حَفِظ صومَه في سره وعلانيته.
والحج أمانة فتؤدي شعائرَه كما أمرك ربُّك، على هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
والأمانةُ في المعاملة بأنْ تُعامِل الناسَ بما تُحب أن يُعاملوك به من النصح والبيان، وأنْ تكون حافظاً لحقوقهم المالية وغير المالية في كل ما استُؤمنت عليه لفظاً أو عُرفاً.
أيها المسلمون: ومن الأمانة الواجب مراعاتها والقيام بحقِّها: بَذلُ النصيحةِ لِمَن استنصح، وإبداءُ الرأي السديد لمن استشار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ؛ فَقَدْ خَانَهُ)
عباد الله: ومن أعظم الأمانات: الأمانة في مجالات الواجبات الاجتماعية؛ فقد ائتمَنَك الله تعالى على أبويك عند كِبَرِ سِنِّهما وضَعفِ قُوَّتِهِما، وعجزِهما عن القيام بشؤونهما؛ قال سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) فمَنْ أهملَ أبويه أو ضيَّعهما عند كِبَرِ سِنِّهما؛ فقد خان الأمانةَ. ونفسك وأهلك وأولادك أيضاً أمانة في عُنقك، من حيث التربية والرعاية والنفقة، وحفظِ إيمانهم وأخلاقهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة) فمَنْ أهملَ الأهل والأولادَ والبنات وضيَّعهم فقد خان الأمانة، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ؛ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) ونفسُك يا عبد الله التي بين جنبيك أنت مؤتمن عليها؛ لذا حذَّر الله تعالى من إزهاق النفس، بقوله سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وبقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ)
ومن أخص صور الأمانة أسرار الزوجية بين الزوجين فيجب حفظها وعدم إشاعتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من أعظَمِ الأمانةِ عندَ اللَّهِ يومَ القيامةِ الرَّجلَ يُفضي إلى امرأتِهِ وتُفضي إليْهِ ثمَّ ينشُرُ سرَّها) وكذلك من الأمانات حفظ أسرار الناس وعدم إذاعتها وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إذا حدَّث االمرءُ بحديثٍ، ثم التفت فهي أمانةٌ)
أيها المؤمنون: ومن الأمانات العظيمة أمانة الولاية من رئيس ومدير ومسئول ووزير، ولا تُعطى إلاَّ لِمَنْ توفَّرت فيهم شروط الصلاحية العِلمية والعَملية والأمانة على تأدية الواجبِ الملقَى على عاتقهم، لذا جاء في القرآن الكريم قول يوسف عليه السلام: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) وجاء في القرآن أيضاً: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) وفي حديث حذيفة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل نجران: (لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً أَمِيناً حَقَّ أَمِينٍ) فَاسْتَشْرَفَ لَهُ النَّاسُ؛ فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه وسماه أمين هذه الأمة.
أيها المسلمون: ومن أعظم ما يُؤتمن عليه الإنسان: الأموال العامة التي تعود للمسلمين، فقد أوجب الله تعالى حِفظَها كما يحفظ الإنسان مالَه وأشد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطاً فَمَا فَوْقَهُ؛ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَة) وفي الوقت ذاته مدَحَ الأمينَ على أموال المسلمين، بقوله: (الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ؛ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ)
عباد الله: ومن الأمانة العظيمة أمانة البيع والشراء، بمعنى حفظ حقوق المشترين من الغبن والغش والاحتكار وتغيير أوصاف السلع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَن غشَّنا فليس منَّا والمكرُ والخداعُ في النَّارِ) ومن الأمانة أن يكون البائع والمشتري صادقيْن في بيان أوصاف السلعة وطرائق السداد ومواعيده ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( البيِّعانِ بالخيارِ ما لم يتفرَّقا، فإنْ صدقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعِهما، وإن كَذبا وكَتما مُحِقت بركةُ بيعِهما) وقال الله تعالى في بيان عهد الأمانة بين المتعاملين بالبيع والشراء: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) كما أنه من الأمانة أن يتقي الله كلُّ وازنٍ في وَزْنِهِ وكُلُّ من يكيل كيلاً أو يَقيسُ أرضاً أو عقاراً أو من يُثَمِّنُ للناس بضائعهم وأراضيهم وبيوتهم وأملاكهم، وإلا ؛ وقع في فخِّ التطفيفِ المُخِيفِ الذي يُورثُ المُكْثَ في وادٍ حَرُّهُ شديدٌ، وقعْرُهُ بعيدٌ وحليُّ المُعذَّبينَ فيه حديدٌ واسمه ” ويل”، قال الله تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
عباد الله: ومن الأمانة العظيمة: أمانة الدعوة إلى الله تعالى، وحَمْل هذا الدين، وإبراز محاسنه العظام وفضائله الجسام، ومن الأمانة العظيمة على العلماء تبصير المسلمين بهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهدي صحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
وعلى العلماء تَحَمُّل أمانة الفتوى، فعلى مَنْ صدَّر نفسَه للفتوى أنْ يعلم عِظمَ الأمانة، فما حصلت الانحرافات في الأُمة إلاَّ بسبب التصدر للفتوى بلا علم، وقد حذَّر الله تعالى من القول عليه بغير علم، فقال تعالى: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ)
اللهم اعنا على اداء الأمانة، واجعلنا من أهل الأمانة وأهل الإيمان وأهل التقوى وأهل المغفرة. واجعلنا من الموفين بعهودنا ولا تجعلنا من الخائنين يا ذا الجلال والإكرام.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد؛ فيا أيها الأخوة والأخوات في الله: غداً بإذن الله تعالى سيتوجه الناخبون من المواطنين، في جميع محافظات المملكة إلى صناديق الاقتراع، والشروع في ممارسة حقهم الدستوري الذي أرساه جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى حفظه الله، يتوجهون لاختيار من يمثلُهم في المجلس النيابي والمجلس البلدي، والواجب علينا جميعاً أن نتحّرى ونجتهدٓ في اختيار من هو أهلٌ للقيام بواجبات النيابة والبلدية ومسؤولياتهما، فذلك الاختيار إنما هو شهادة والمسلم مؤتمنٌ على شهادته كما أمر الله تعالى فقال: (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وينبغي لكل مواطن حريص على مصلحة وطنه، أن يقف من هذه الانتخابات موقفاً ايجابياً وينظر إليها نظرة ملؤها التفاؤل والأمل والرجاء، وليس اليأس والقنوط والإحباط والانزواء والابتعاد والمقاطعة، ولا بد من مراعاة سنة التدرج في الإصلاح والتصحيح، لإنجاح هذه التجربة، أسوة بالدول العريقة بالديمقراطيات.
أيها الأخوة والأخوات في الله: إن ممارسة حق الانتخاب، والقيام بالتصويت لاختيار النواب ذوي الصلاح والكفاءة والعلم، والأمانة والنزاهة والأهلية، والعدالة والرأي والحكمة وأصحاب التخصصات المفيدة المتنوعة، لدخولهم في المجلس النيابي أو المجلس البلدي، يعتبر الأسلوب الأفضل والأمثل، الذي يستطيع المواطن من خلاله أن ينهض بواجب النصيحة ويسمعها للآخرين، ويضمن وصولها إلى من يريد، كما يستطيع المواطن من خلال هذه المجالس أن يوسع دائرة الإصلاح والتصحيح، فلا يسع المواطن الحريص على مصلحة وطنه، أن يقف صامتاً أو مقاطعاً، أو ينسحب من الميدان.
أيها المواطنون الكرام: إن الله تعالى يدعوكم إلى وضع الأمور في نصابها باختيار الأكفأ والأصلح والأنفع، حيث يقول تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) والأمانة هي التي يستشعرها الفرد حينما يخدم وطنه وأبناء مجتمعه، أمانةٌ تدفعه إلى تقديم المصلحة العامة على الخاصة، وتجعله يؤثر مصلحة الوطن على ما سواها، أمانة تحمله على العمل بكل جد وإخلاص دون انحياز لقبيلة، أو عائلة أو لجماعة، أو حزب، أو لفئة أو طائفة، بل الانحياز للوطن وأبنائه بكل فئاته ومكوناته وأطيافه.
أيها المترشحون الكرام: هذه رسالة إلى كل من حرص على الوصول إلى المسؤولية والمناصب العلية، وعضوية مجلس النواب والمجلس البلدي، اتقوا الله تعالى وراقبوه، واحذروا الإشاعات والكذب والافتراء والتشويش على إخوانكم،( فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) واعلموا رحمكم الله أن الولاية لها نشوة ولذة وحلاوة، فهي نعمت المرضعة، وبئست الفاطمة، لكن إن لم تؤد كما أمر الله فهي حينئذ خزي وندامة، تبعاتها عظيمة، ومسؤولياتها جسيمة، وأعباؤها جليلة، إلا من أداها بحقها فليبشر بالخير العظيم والفضل العميم، قالَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ فقالَ أبو ذر: فَضَرَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)
وفي آخر الزمان يكون الأمينُ معدوماً أو شِبْهَ معدومٍ بين الناس إلا من رحم الله؛ لذا عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علامةً على اقتراب الساعة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ؛ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ) قيل: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ؛ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)
نسأل الله تعالى ألا يجعلنا ممن ضيع الأمانة والمسئولية، كما نسأله سبحانه أن يصلح أحوالنا ويولي علينا خيارنا، وأن يوفق الراعي والرعية لما يحبه ويرضاه، وأن يمن على البلاد والعباد بالتقدم والازدهار، وأن يمن على الجميع، بالصحة والعافية، والرخاء، والأمن والأمان.
اللهم اجعل عهد ملكنا حمد بن عيسى، عهد خير وسعد وبركة وصلاح للبلاد والعباد، ووفقه وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا رعاة ورعية، وأهدنا سبل السلام، وأهدنا إلى صراطك المستقيم. اللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا، واجعل غدنا خيراً من يومنا، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر. اللهم ارفع عنا البلاء والوباء وسيء الأسقام والأمراض، وعاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بمن نحن أهله أنت أهل التقوى والمغفرة. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين