استقبال رمضان بسلامة القلوب وطهارتها
عدنان بن عبد الله القطان
20 شعبان 1442 هـ – 2 إبريل 2021 م
——————————————————————–
الحمد لله الذي جعل المؤمنين بنعمته إخواناً، وعلى الخير والتقوى أنصاراً وأعواناً، بالإسلام تجمَّعوا وعلى هديه تآلَفوا، يرجونَ من اللهِ المثوبةَ والرَّحْمَة، ويحاذرونَ المقْتَ والنقمة، فلهم البُشْرى بالذِّكرِ الجميل، والنَّعِيمِ المُقِيم، ونشهد أنْ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له، ونشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبدُ الله ورسوله، جمع الله به القلوب بعد شتاتها، وألَّف بدعوته أقواماً كانوا يَلُجُّونَ في غَيَاهِبِ الفُرْقَةِ والأحقاد، فصاروا من أطيب الخلق وأكرم العباد. صلِّى الله وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين : لقد امتن الله تعالى على المؤمنين بأن جمع قلوبهم على الإيمان، ووحد كلمتهم ضد الأعداء، وجعلهم إخوة متحابين متعاونين، وحين كانت الثارات والحروب بين قبيلتي الأنصار: الأوس والخزرج، جاء الله تعالى بالإسلام الذي جمعهم بعد التفرق، ووحدهم بعد الشتات، وأبدل ما في قلوبهم من البغضاء والشحناء والعداء، محبة ووئاماً وإيثاراً، قال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) بل امتن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بتأليفه سبحانه بين قلوبهم، وجمعه لكلمتهم، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليجمعهم ولو أنفق كنوز الأرض في سبيل ذلك؛ لتمكن الشيطان منهم، وامتلاء قلوبهم بالضغينة والشحناء، فمن رحمة الله تعالى أن أزال ذلك من قلوبهم ببركة الإسلام، وغسل قلوبهم من الأحقاد بماء الإيمان، كما قال: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم) عباد الله: إن سلامة القلوب وصلاحها يكون باستقامتها على أمر الله تعالى، وإذا استقام قلب العبد ضمن صاحبه طهارته من الشرك والنفاق والرياء والحسد والغش للمسلمين، ومن كان سليم القلب فاز في الدنيا والآخرة. وأصحاب القلوب السليمة يدركون من الأجر، ويبلغون من المنازل بطهارة قلوبهم ونقائها ما لا يبلغه الصائمون القائمون بصيامهم وأعمالهم الصالحة؛ كما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوماً عن رجل من الأنصار بأنه من أهل الجنة وكرر ذلك ثلاث مرات، فحرص عبد الله على أن يعرف العمل الذي بسببه قال رسول الله هذا القول: فطلب من الرجل أن يستظيفه ليبيت في بيته ثلاث ليال، فبات عبد الله معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعارَّ وتقلَّب على فراشه، ذكر الله عز وجل وكبَّر، حتى يقومَ لصلاة الفجر، فقال عبد الله له: لم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهى التي لا نطيق) وفي حديث آخر حكى النبي صلى الله عليه وسلم عمن سلمت قلوبهم من الضغائن والأحقاد بأنهم أفاضل الناس؛ فقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فقَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ. قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ) وامتدح الله تعالى من جاءوا بعد الصحابة رضي الله عنهم فسلمت قلوبهم عليهم وعلى عموم المسلمين ونوه الله تعالى بدعائهم في قرآن يتلى إلى يوم القيامة، فقال (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وأرشد الله سبحانه وتعالى إلى كيفية التعامل مع من ناصبك العداء من إخوانك المسلمين بأن تقابل إساءته بالإحسان، وترد جهله بالحلم، ولا تستسلم لعمل الشيطان وكيده ووسوسته الذي يدفعك إلى الانتصار والانتقام دفعاً (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) وصاحب القلب السليم على إخوانه المسلمين متصف بصفات أهل الجنة، الذين سلمت قلوب بعضهم على بعض من الغل والكراهية بتطهير الله تعالى لها، (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم حالهم في الجنة فقال (قُلُوبُهُمْ علَى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ، لا تَبَاغُضَ بيْنَهُمْ ولَا تَحَاسُد)
أيها الأخوة والأخوات في الله: إن قلوب العباد تفسدها الضغائن والشحناء والحسد والأحقاد؛ حتى يشقى بها أصحابها في الدنيا، فلا يهنئون بعيش، ولا يرتاح لهم بال، ولا ترفع لهم أعمال، مع ما يفوتهم من الخير الكثير، بل ويفوتون الخير على غيرهم بسبب ما في قلوب بعضهم على بعض. وأما عدم رفع العمل الصالح بسبب الشحناء فقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تُفْتَحُ أبْوابُ الجَنَّةِ يَومَ الإثْنَيْنِ، ويَومَ الخَمِيسِ، فيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئاً، إلَّا رَجُلًاً كانَتْ بيْنَهُ وبيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ، فيُقالُ: أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا، أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا، أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا). وكم في المسلمين اليوم من التقاطع والتدابر بسبب خلافات يمكن علاجها، وإزالة أسبابها؟ وكم بين الأهل من الآباء والأمهات والأولاد والبنات والأخوة والأخوات والأزواج والقرابات، والأرحام والأصهار من الشحناء والبغضاء والحسد والهجران، والتفرق والاختلاف بسبب إرث لم يقسم، أو مزارع ميتة لا تساوي شيئاً، يدفعون أضعاف أثمانها للغرباء عنهم، ويعزُّ على الواحد منهم أن يتنازل عن شبر واحد منها لقريبه، ولم تكن الأرض هي السبب، ولا الإرث هو المشكلة،
إنْ هي إلا تعلات تجعل في الواجهة، وأعذار تبدى للناس عند المناقشة، ولكن المشكلة الحقيقية هي في قلوب امتلأت بالضغائن، واسودت بالأحقاد، فتمنى القريب معها لقريبه كل سوء، وحسده على كل خير...
أرحام جمعتها أواصر الرحم ووشائج القربى، ففرقتها الأحقاد، ومزقتها الضغائن، ويا ويل قاطعيها من الرحمن جل جلاله؛ إذ أوجب صلتها، وحرم قطيعتها، وقال سبحانه في الحديث القدسي: (أنا الرَّحمنُ خلَقْتُ الرَّحِمَ وشقَقْتُ لها اسماً مِن اسمي، فمَن وصَلها وصَلْتُه، ومَن قطَعها بَتَتُّه) وكم في الجيران من قلوب لا تخلو من كدر الحسد والغل والكراهية، بيوتهم متجاورة وربما متلاصقة، ويسلكون في ذهابهم وإيابهم طريقاً واحدة، ويشاهد بعضهم بعضاً صباحاً ومساءً، بل يصطفون في مسجد حيهم خلف إمام واحد، قد التصقت أكعبهم ومناكبهم في عبادة من أجلِّ العبادات وأعظمها عند الله تعالى، ولكن بينهم من التنافر والتباعد أبعد مما بين المشرق والمغرب، وإذا جمعهم الله تعالى على غير ميعاد في سوق أو وليمة أو عند باب المسجد أعرض هذا وتنحى ذاك، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
ولو فتشت عن كثير من أسباب الغل والكراهية، والتدابر والقطيعة، لوجدتها أسباباً تافهة، ولكنه الشيطان الذي أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم. إنها عزة متوهمة، وقوة مزعومة تمنع الواحد من المتخاصمين أن يزيل أسباب الخلاف، ويدحر الشيطان، ويبدأ صاحبه بالسلام، وتمضي الأيام وهما على قطيعتهما، فلا ترفع إلى الله تعالى أعمالهما؛ لأن رفع الأعمال مشروط باصطلاحهما، وإزالة الشحناء بينهما، وصفاء قلب كل واحد منهما على صاحبه. ولو مات أحدهما وهما على قطيعتهما لندم الآخر، ومن ختم حياته بهجران أخيه المسلم فبئس الخاتمة، فإن كان جاراً له فبئس الجار، وإن كان ذا رحم فالأمر أشد، والمعصية أكبر، وبقدر قرب رحمه منه مع هجره له يزداد الإثم، وتعظم شناعة الهجر والقطيعة، كيف لا؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ) هذا في حق المسلم عموماً، فكيف إذاً بالجار، ثم كيف بذي الرحم والقرابة. فإن بلغ الهجر بينهما سنة كاملة، فالأمر أخطر، والإثم أشد؛ لما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه). فكيف إذاً بهجران وتقاطع يمتد سنوات وسنوات كثيرة ؟
أيها الأخوة والأخوات في الله: نستقبل بعد أيام قليلة شهر رمضان المبارك، وهو والله فرصة عظيمة لتطهير القلوب من أدران الحسد والبغضاء، والكراهية والشحناء..
إنه فرصة لوصل أرحام قطعت، وزيارة إخوان هجروا.. إنه مناسبة جليلة لإزالة أسباب الخلاف والنزاع بين المتخاصمين، ووضع حد للمتهاجرين والمتقاطعين، إنه فرصة لأن تسمو فيه النفوس على حظوظها، وتتطهر فيه القلوب من أدرانها وغلوائها، ويسعى فيه الأفراد والجماعات للمصالحة والزيارة والتواصل بعد طول الجفاء والهجران، وتجتمع فيه الأرحام بعد التفرق والانقطاع… إن رمضان يجمع المسلمين في وقت إمساكهم وإفطارهم، ويضيق مجاري الشيطان في عروقهم، فيصير للصائمين فيه إقبال على الخير والإحسان، فلماذا لا يمتد هذا الإحسان إلى مواطن النزاع، ومواضع الخلاف، فتزال أسبابها، ويستعلي على حظوظ النفس أصحابها، فيستبقون إلى من قطعوا وهجروا بالمصالحة والاعتذار، استباقهم إلى سائر أنواع البر والإحسان، ورمضان هو الفرصة المواتية لذلك، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام سبب لإزالة ما في القلوب من الإحن والغش والدغل، فتكون النفوس أقرب ما تكون إلى الصفح والعفو والمسامحة، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَرَّه أَن يَذْهَبَ كثيرٌ مِنْ وَحَرِ صدرِه فَلْيَصُمْ شهرَ الصَّبْر وثلاثةَ أَيام مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) وفي رواية (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ؟ أي غيضه وحقده، صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْر)
ألا فاتقوا الله عباد الله ربكم وأصلحوا ذات بينكم، وطيبوا قلوبكم على إخوانكم، وصلوا ما قطعتم من أرحامكم وأزيلوا أسباب الخلاف والنزاع بينكم، وخذوا بوصية نبيكم صلى الله عليه وسلم التي وصاكم بها فقال عليه الصلاة والسلام: (لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ ليال، (اللَّهمَّ ألِّفْ بينَ قلوبِنا، وأَصلِحْ ذاتَ بينِنا، واجعلنا إخوةً متحابين فيك يارب العالمين.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا أيها المسلمون: إن سلامةَ الصدر مِن الأحقاد، وبراءَته من الضغائن، وصيانته من الشحناء والكراهية، هو من أعظم ما يدرك به المرء حظَّه من السعادة، وينال به نصيبه من النجاح، وانظروا رحمكم الله إلى المجتمع المسلم الأول من سلفكم الصالح، كيف نظفت نفوسهم، وطهرت قلوبهم، وزكت أفئدتهم، وسمت هممهم فكان مجتمع الصفاء والإخاء والطهارة والنقاء، مجتمع تسوده الرحمة والألفة والمحبة، مجتمع يحب بعضه بعضاً، ويفدي بعضه بعضاً، مجتمع ترك الدنيا وزينتها، وطلب ما عند الله تعالى، مجتمع يحب لله ، ويبغض لله ، قال الله عنهم (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) قال سفيان بن دينار رحمه الله: قلتُ لأبي بشر: أخبِرْني عن أعمال مَن كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً، ويُؤْجَرون كثيراً، قال: قلتُ: ولِمَ ذاك؟ قال: لسلامةِ صدورهم. رأى الإمام عليٌّ بن أبي طالب طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما وهما خصمان في موقعة الجمل، (رأى علي طلحة) في واد مُلقى مقتولاً فنزل عن دابته وأجلسه، ومسح التراب عن وجهه ولحيته، وقال: عزيز عليّ أبا محمد بأن أراك مجندلاً في الأودية تحت نجوم السماء، إلى الله أشكو عجري وبجري: (يعني همومي وأحزاني) وقال ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. وعن أبي حبيبة قال: دخلت على علي رضي الله عنه وعمران بن طلحة بعد وقعة الجمل، حيث استشهد فيها طلحة، فرحب بي، ثم أدناه، ثم قال لولد طلحة يطيب خاطره، بعد مقتل أبيه، يقول علي لولد طلحة: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك ممن قال الله تعالى فيهم (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) وهذا زيد بن أسلم يدخل على أبي دجانة رضي الله عنهما وهو مريض وكان وجهه يتهلل، فقال له: ما لَكَ يتهلل وجهُكَ؟ قال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: أما إحداهما: فكنتُ لا أتكلم بما لا يعنيني، وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً). ويضرب لنا الصحابي أبو ضمضم رضي الله عنه أروع الأمثلة فكان يقول إذا أصبح (اللهم إنه لا مال لي أتصدق به على الناس، وقد تصدقت عليهم بعرضي، فمن شتمني أو قذفني فهو في حل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (من يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم) قال ابن القيم رحمه الله وفي هذا الجود من سلامة الصدر وراحة القلب والتخلص من معاداة الخلق ما فيه)
الله أكبر عباد الله يا لها من صدور طاهرة صافية نقية لا تحمل حقداً، ولا تعرف حسداً، ولا تُكن غلاً تلك القلوب ليس لها جزاءاً إلا الجنة وأعمال أصحابها ترفع إلى السماء ويكتب لها القبول لأنها قلوبٌ خلت من الشحناء والبغضاء التي دمرت حياة المسلمين اليوم وقطعت روابط الود والمحبة والإخاء فيما بينهم … فكم قضت الأحقاد والعداوات والخلافات على علاقات، وكم خربت من بيوت، وكم تمكنت من صدور فحولتها إلى خصومة مع الآخرين فضيعت لذة الإيمان وأوهنت عرى التقوى، كم من شحناء فاضت بها القلوب شهور وسنوات، بل قد يغادر هذا الإنسان هذه الدنيا وقلبه مليء بالحقد والحسد والبغضاء والشحناء، وعندما تبحث عن أسبابها تجدها أمور تافهة ومواقف عابرة وكلمات فهمت على غير حقيقتها، وقد تكون بسبب متاع زائل.. نسأل الله تعالى أنْ يُطهِّرَ قلوبنا مِن الغِلّ والحقد والحسد، ويُزيلَ عنها البغضاءَ والشحناء إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم اجعل قلوبنا تقية نقية، واجعلها سليمة يا رب العالمين، واجعلنا ممن يأتيك يوم القيامة بقلب سليم، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ.
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا،وتلم بها شعثنا، وتدفع بها الفتن والمحن عنا يا أرحم الراحمين.. اللهم إنا نعوذ بك من سوء القضاء، ودَرَك الشقاء، وشماتة الأعداء، ونزول البلاء، وانتشار الوباء، نسألك سلاماً ما بعده كَدَر، ورضاً ما بعدَه سخطٌ، وفرحاً ما بعدَه حزنٌ، اللهم عليكَ توكَّلْنا، وإليكَ أَنَبْنا وإليكَ المصيرُ، اللهم أكشف الغمة، عن هذه الأمة، وردنا إليك رداً جميلاً، ولا تؤاخذنا بذنوبنا وتقصيرنا. يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ
لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم من أراد بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وقيادتنا وجيشنا ورجال أمننا، من أرادهم بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء..
اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل مكان. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ المسجد الأقصى مسرى نبيك وحصنه بتحصينك وأكلأه برعايتك، واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم بارك لنا فيما بقي من شعبان وبلغنا رمضان يا سميع الدعاء.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين