عدنان بن عبد الله القطان
8 شوال 1444هـ – 28 أبريل 2023 م
———————————————————————————-
الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدى للمتقين ورحمة وموعظة للمؤمنين، ونبراساً للمهتدين، وشفاءً لما في صدور العالمين، نحمده تعالى على آلائه ونشكره على نعمائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوب، وزكى به النفوس، هدى به من الضلالة، وذكَّر به من الغفلة، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: ودعت الأمة الإسلامية بالأمس القريب، شهر رمضان المبارك، ومضى الشهر مع الراحلين، ورحيله خير شاهد على أن الله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.. مضى الشهرُ الكريم وقد أحسن فيه أناسٌ وأساء آخرون وهو شاهدٌ لنا أو علينا شاهدٌ للمشمِّرين بصيامهم وقيامهم، وعلى المقصِّرين والمفرطين بغفلتهم وإعراضهم، ولا ندري يا عباد الله هل سندركه مرة أخرى، أم يحول بيننا وبينه الموت، هادم اللذات ومفرِّق الجماعات، نسأل الله تعالى أن يعيدنا على شهر رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة بالأمن والأيمان والسلامة والإسلام والصحة والعافية والتوفيق لما يحبه ويرضاه.
أيها الأخوة والأخوات في الله: إن من تمام شكر الله تعالى على نعمه، بعد الانتهاء من مواسم العبادات، الاستقامة على الطاعات والأعمال الصالحات والمحافظة عليها، فهذا دليلٌ واضح على قبول العمل عند الله عز وجل، وإنها لبشارة عظيمة للعبد في الدنيا، فالله سبحانه لا يتقبل إلا من المتقين..
ومن نكث عن الصراط المستقيم وعاد إلى التفريط والتقصير وارتكاب المحرمات والموبقات فذلك والله هو المحروم من رحمة الله، وهل يعقل هذا، أن إنساناً يبني له بيتاً طوال النهار، فإذا جاء المساء قام إلى ذلك البناء وهدمه، ثم يأتي الصباح ليبني من جديد وهكذا، هل يعقل هذا يا عبد الله؟ وهذا مثل لكل إنسان يقوم بما أمره الله تعالى من العبادات والطاعات من صلاة وصيام وزكاة وحج وذكر وقراءة قرآن، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وتعليم جاهل، ونصح إنسان ودلالة على الخير، وبذل معروف وغير ذلك، وفجأة يترك هذه الأعمال الصالحة ويتكاسل عنها وينحرف إلى الغفلة والمعاصي والسيئات، والله عز وجل قد أمرنا بالاستقامة على الطاعة حتى نلقاه؛ لأن العبرة بخواتيم الأعمال، ولا يدري أحدنا متى يأتيه أجله…يقول تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) أي الموت، ويقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) ويقول تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) إنه أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده أن يستقيموا كما أمر الله وأراد..
وفي الصحيح عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الله الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً، لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحداً غَيْرَكَ قَالَ: (قُلْ آمَنْتُ بِالله ثُمَّ اسْتَقِمْ) وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالاستقامة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ). وقوله صلى الله عليه وسلم: (استقيموا): أي: (لا تزيغوا وتميلوا عما سنَّ لكم وفرض عليكم، فقد تركتكم على الواضحة ليلها كنهارها وليتكم تطيقون ذلك).
عباد الله: وتبدأ الاستقامة من القلب بتوحيد الله وحبه، والرضا به، والإخلاص له في جميع الأعمال والأقوال، ثم بعد ذلك استقامة اللسان بحسن الكلام، وقول الحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وذكر الله، وتلاوة القرآن، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا)
أيها المؤمنون: إن الاستقامة على الدين، والمحافظة على العبادات والطاعات، والالتزام بتعاليم الإسلام في واقع الحياة في جميع جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ يجلب على الأفراد والمجتمعات والشعوب والدول معية الله وتوفيقه ونصره، وتتابع خيراته وتوالي نعمه، وهذا هو الطريق الذي ارتضاه الله لعباده وأمر بالسير عليه.. يقول تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) والاستقامة مفتاح للخيرات، وسبب لحصول البركات، يقول عز وجل: (وَأَلَّوِ اسْتَقَـامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـاهُم مَّاء غَدَقاً)… أما الثمرة الكبرى فإنها تكون يوم القيامة، عندما يجد الإنسان جزاء هذه الاستقامة، أمناً وفرحاً وسعادة وجنات تجري من تحتها الأنهار، يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استقاموا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يقول العارفون بالله: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة. ويقول عطاء بن السائب رحمه الله: أتينا إلى أبي عبد الرحمن السلمي وهو مريض في مصلاه في المسجد، فإذا هو قد اشتد عليه الأمر، وكأن روحه تُنزع، فأشفقنا عليه، وقلنا له: لو تحولت إلى الفراش، فإنه أوثر وأوطأ، فتحامل على نفسه، وقال: حُدِثت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ، فأنا أريد أن أُقبض على ذلك) رحمه الله تعالى، فمن أقام الصلاة، وصبر على طاعة مولاه، خُتم له برضاه.. نعم عباد الله، إنه ما ضعفت صلتنا بالله في يوم من الأيام، ولا فرطنا في الطاعات والعبادات التي أمرنا بها، إلا رأيت الفتن والبلايا والشرور وضنك العيش وظهور الصراعات وانتشار الخلافات، وقست لأجل ذلك القلوب، وذهبت الرحمة، وحلت الشحناء والبغضاء والكراهية، فإذا لم يكن هناك توبة نصوح، وعزم أكيد على تصحيح مسار حياتنا، وعلاج أمراضنا وأخطائنا وتقصيرنا؛ فإن الله يسلط جنوده ويرسل عذابه، ويأذن بعقابه، ولا مرد لأمره.
عباد الله: وإن من أعظم أسباب النجاة بعد توحيد الله من هذه الفتن والمصائب: الاستقامة على الطاعات، وأداء العبادات والمداومة عليها، فبها ينال المسلم حفظ الله ورعايته، وتُدفع عنه وعن أمته ومجتمعه الكثير من المصائب والفتن يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً، وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً) ذلك أن الإنسان عندما يتعرض للفتن والمصائب والمحن يطيش عقله، وتسوء تصرفاته، وتزيد ذنوبه ومعاصيه، وتكثر همومه وأحزانه، فيخسر دينه ودنياه وآخرته، ولا يثبت على الحق والخير والمعروف، ولا يستقيم إلا من وطَّن نفسه على طاعة الله، ولم ينشغل بما أصابه عما أوجبه الله عليه، يقول تعالى: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)
أيها المؤمنون: لقد كان صلى الله عليه وسلم إذا ادلهمت الخطوب وكثرت الهموم، وتوالت المصائب والابتلاءات لا يجد ملجأ وطريقاً للراحة إلا في عبادته وفي صلاته فكان يقول: (أرحنا بها يا بلال) بل بيّن صلى الله عليه وسلم أهمية العبادة وفضلها والمداومة عليها عند نزول البلايا والمصائب والفتن، يقول صلى الله عليه وسلم (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) والْمُرَادُ بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَةُ وَاخْتِلَاطُ أُمُورِ النَّاسِ، وقيل كثرة القتل، وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ
الْعِبَادَةِ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ يَغْفُلُونَ عَنْهَا، وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا، وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهَا إِلَّا أَفْرَادٌ). يقول أهل العلم: إذا عمت الفتن اشتغلت القلوب، وإذا تعبد متعبد حينئذ، دل على قوة اشتغال قلبه بالله عز وجل فيكثر أجره وثوابه..
عباد الله: إن كثيراً من الناس في هذه الأيام منشغلون إلا من رحم الله، بالأحداث والأخبار والصراعات السياسية والجرائم والقتل والدمار والأمراض والاقتصاد والغلاء والقنوات ووسائل التواصل والصحف والإذاعات والتصريحات والحاضر والمستقبل والتحليلات، قد قصر كثير منهم وتركوا أمر الله وتساهلوا في الواجبات، وتكاسلوا عن العبادات وخاضوا في الدماء والأعراض والقيل والقال، فلم ينالوا من ذلك غير الهم والقلق والفزع والهلع إلى جانب ارتكابهم الكثير من الذنوب والسيئات… هذا حال كثير من الناس اليوم، إلا من رحم الله، يقول تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ، فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)
وهناك صنف آخر من الناس يحمل همّ دينه ووطنه ومجتمعه وأمته ويدرك طبيعة الأحداث والفتن من حوله وأهمية التعاطي معها ومعرفة خيرها من شرها ودوره الإيجابي فيها، لكنه لم يفرط في واجباته ولم يتكاسل عن العبادات والطاعات، ولم يقطع صلته بجبار الأرض والسموات؛ لأنه يدرك أن ذلك هو زاده في الدنيا للثبات والاستقامة على أمر الله عز وجل، وبه يكون الفرج بعد الشدة والضيق. نسأل الله جلّ وعلا أن يتقبَّل منَّا ومنكم صالح أعمالنا، وأن يوفِّقنا وإياكم لكل خير، وأن يعيننا وإياكم على الاستقامة على طاعة الله، والمداومة على عبادته سبحانه في كل وقت وحين، وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل إنه سميع مجيب الدعاء.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرض والسماوات، ونشهد أن نبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه أفضلُ من سارعَ إلى الخيرات، واستقام على الطاعات، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أهل التقوى والصالحات.
أما بعد فيا أيها المسلمون: إن الاستقامة على العبادة دليلٌ على الرغبة في الخير، وعنوان قوة الإيمان، ولزومُ الطريق المستقيم، والثبات عليها في كل آن وحين، وإن كان المسلم في مواسم الخير يضاعف جهوده، لكنه لا ينقطع عن العبادة بعد ذلك، فإن استقامته على الطاعة يدل على قوة الإيمان وقوة اليقين.. فالاستقامة وسط بين الانحراف وبين الغلو في دين الله، يقول تعالى: (وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) وهذا ما عليه الصالحون، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) اسْتَقَامُوا على الطريق الواضح والمنهج القويم.
أيها المسلم والمسلمة: إن كان رمضان مضى بخيره وبركته، نسأل الله أن يتقبله منَّا ومنكم، فليس معنى ذلك أن عبادة المسلم قد انقضت وتوقفت، لا، بل العبادة باقية، والمسلم سائر عليها، مستقيم عليها، قد أخذ من رمضان عظة وعبرة، فرمضان هذّبه، ورمضان أقام اعوجاجه، ورمضان هداه للخير، ورمضان روَّض تلك النفس، وأعدها الإعداد الصحيح لتكون سائرة على وفق منهج الصالحين…
أيها المسلم: ولئن كان موسم الخير تُضاعف فيه الأعمال، لكن لا يلزم من ذلك أن تنقطع عن العمل بعد رمضان، فكن محافظاً على طاعة الله من صلاة وصيام وصدقة وإحسان وتلاوة قرءان، وتقرب إلى الله تعالى بنوافل الطاعة، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) فتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، واحرص على ذلك عسى أن
تكون موفقًاً لقبول عملك، وإنَّ من علامة قبول العمل الصالح أن يُتبَع بأعمال صالحة، يقول تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ) فأعقب العمل الصالح بالعمل الصالح، واحذر أن تعقبه بعمل سيئ، وفي الحديث في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه معاذ بن جبل رضي الله عنه: (اتَّقِ اللهَ حيثُ ما كُنتَ وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسَنَةَ تمحُها وخالِقِ النَّاسَ بخلُقٍ حسنٍ)
أيها المسلم والمسلمة: يا من وفقك الله فصُمت رمضان كاملاً، وتلوت ما يسر الله لك من تلاوة القرءان، وقيام ما يسر الله لك من قيام ليله، فاحمد الله على هذه النعمة، واعلم أن نبيك صلى الله عليه وسلم قد سن لك وشرع أن تصوم ستة أيام من شوال، تتبع بها رمضان، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّــاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) والأفضل أن تصام الستة متوالية خلال الشهر، فإن فرقها المسلم أو أخرها عن أوائل شوال
أو عن وسطه إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة، لأنه يصدق أنه أتبعه ستاً من شوال. يقول أهل العلم: وإنما كان ذلك كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين. ومن كان مواظباً على صيامها في كل عام، فمرض أو سافر في العام الآخر فلم يصمها بسبب السفر أو المرض كتبت له فضلاً من الله ومنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً). فلا تفوِّتوا رحمكم الله على أنفسكم هذه الفضيلة العظيمة، فإن أحدنا لا يدري هل يدرك رمضان مرة أخرى أو لا يدركه، وكلنا بحاجة إلى سد ما نقص من صيامنا بصيام التطوع.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا صالح أعمالنا، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه على كل شيء قدير.
اللهم وفقنا جميعاً إلى عمل الصالحات، وجنبنا المعاصي والمحرمات، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة وعند الممات، اللهم تقبل منا صالح أعمالنا، وارزقنا الاستقامة على دينك في
رمضان وفي غير رمضان يا رب العالمين..
اللهم اجعلنا من المداومين على الصالحات، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اللهم اجعلنا من الأخيار الأبرار، اللهم ارزقنا العبادة، والاستمرار عليها وثبتنا عليها حتى الممات يا سميع الدعاء… اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ َرَئِيْسَ وُزَرَائِهِ سلمان بن حمد الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ، وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ، وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ.. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعل
الموتَ راحةً لنا من كل شر. اللهم ارفع عنا البلاء والغلاء والوباء وسيء الأسقام والأمراض، وعاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بمن نحن أهله، أنت أهل التقوى والمغفرة.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً ومعيناً.
اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله وفك أسره، وأحي في قلوب المسلمين والمؤمنين حبه ونصرته واجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا، واشف مرضانا واشف مرضانا وارحم موتانا وعلمائنا وارحم والدينا برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين