الأمانة قيمة راسخة، وأهمية الحفاظ عليها
فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
13 شوال 1446 هـ – 11 إبريل 2025 م
الحمد لله الذي اهتدى بهديه ورحمته المهتدون، وضلّ بعدله وحكمته الضالون، (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده، وتركنا على المحجّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: لا يمكن للإنسان أن يجد الراحة الحقيقية في الحياة، مهما تنوعت وسائل الرفاهية وتوفرت أسباب المتعة، ما لم يشعر بالأمان من المخاطر، ويسلم من الشرور، ويعيش في ظل أمن مستقر يطمئن له القلب ويسكن له الفؤاد. وهذا لا يتحقق إلا بإيمان صادق بالله، وأداء الأمانات التي كُلِّف بها الناس. فالأمانة هي أصل الفضائل، ومصدر الطمأنينة، وعلامة من علامات الإيمان، ودليل على التقوى. بل إن الإيمان ذاته أمانة في عنق الإنسان، فلا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له. وقد كان نبينا صلوات ربي وسلامه عليه يوصف بأنه الصادق الأمين حتى قبل أن يوحى إليه بالرسالة عليه الصلاة والسلام كان أميناً في تعامله مع الناس، وكل الأنبياء ذكرهم الله تعالى في القرآن ووصفهم الله جل وعلا أنهم قالوا لقومهم (إني لكم رسول أمين) قالها صالح لقومه (إني لكم رسول أمين) وقالها لوط لقومه (إني لكم رسول أمين) وقالها نوح لقومه (إني لكم رسول أمين) وقالها شعيب لقومه (إني لكم رسول أمين) الأمانة عباد الله: أجلّ صفات المسلم التي تظهر بها ديانته، ويتأكد بها إيمانه، فهي الفضيلة العظمى، والمسؤولية الكبرى، التي تصان بها الحقوق، وتحفظ بها الواجبات من الضياع، إنها الفريضة التي يتواصى المسلمون برعايتها، ويستعينون بالله تعالى على حفظها، حتى إن أحدهم ليودع أخاه في سفره بقوله: أستَودِعُ اللهَ دِينَكَ وأمانتَكَ وخَواتيمَ عملِكَ.
أيها المؤمنون والمؤمنات: إن الأمانة مسؤولية عظيمة، وعبء ثقيل، إلا على من يسره الله عليه، ولقد أمر الله عباده المؤمنين بالمحافظة على الأمانة وأدائها إلى أهلها، وأن يحكموا بين الناس في تقويم أفعالهم وتصرفاتهم، والحكم بينهم بالعدل، وهذان أمران عظيمان لا تقوم الأمانة إلا بهما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً). وقال جل في علاه: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) وقال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما خطبنا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: (لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ) وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ)
عباد الله: لقد فرض الإسلام على المسلمين الأخذ بخلق الأمانة، وحرم عليهم أن يسلكوا مسالك الخيانة، فمن كان أميناً كان مطيعاً لربه في إسلامه، ومن كان خائناً كان عاصياً لربه في إسلامه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ. قيل ومن يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوائِقَه) والبوائق هي الغوائل والشرور والخيانات. وقال صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)
بل قد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم الخيانة علامة بارزة من علامات النفاق، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم) وقال صلى الله عليه وسلم: يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ وتضييع الأمانة من علامات الساعة، قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ، قالوا: كيف إضاعتها؟ قال: (إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ) فانظر يا عبد الله إلى حال كثير من الناس في مجتمعات المسلمين إلا من رحم الله، ممن أُوكلت إليهم مناصب ومسؤوليات لا يستحقونها، فشاعت الرشوة، وضاعت الحقوق، وتُرك الضعفاء بلا ناصر نسأل الله العافية والسلامة.. ومن أعظم الأمانات التي يجب الحفاظ عليها: الوظائف، والأعمال، والمناصب، وما يترتب عليها من حقوقٍ ومسؤوليات. فمن أدّى ما أوجب الله عليه في هذه المهام، وسعى من خلالها لتحقيق مصالح المسلمين التي أُسندت إليه من أجلها، فقد أحسن إلى نفسه، وأخلص لوليّ أمره، وعمل لما فيه خير آخرته، أما من قصّر في أداء الواجبات، ولم يُقم بحقوق الوظيفة أو المنصب، أو استغلّها لمصالحه الشخصية كأن يأخذ منها رشوة أو يختلس مالاً، فقد خان أمانته، وأضرّ بنفسه، وأعدّ لها ما يوردها المهالك، وكان بذلك ظالماً لنفسه. قال صلى الله عليه وسلم (من ولّاه الله عزّ وجلّ شيئاً من أمر المسلمين، فاحتجب عن حاجاتهم وخَلّتهم وفقرهم، احتجب الله عنه دون حاجته وخلّته وفقره). وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يُرفع لكل غادرٍ لواء، فيُقال: هذه غدرة فلان بن فلان) فيا لها من فضيحة وسط الخلائق! تجعل المسلم يحرص دائماً على الأمانة، فلا يغدر بأحد، ولا يخون أحداً، ولا يغش أحداً، ولا يفرط في حق الله عليه.
عباد الله: الأمانة ليست متعلقة فقط بحفظ المال والودائع، فهذا معنى من عدة معاني مهمة للأمانة، فالأمانةُ هي التّكاليفُ الشرعيّة، هي حقوقُ الله وحقوقُ العباد، فمن أدَّاها فله الثّواب، ومن ضيَّعها فعليه العقاب، فتوحيدك لله وإفراده بالعبادة أمانة، وبعدك عن الشرك والتحذير منه أمانة، والصلاة أمانةٌ إذا ضيّعها العبد فهو لما سواها أضيع. والزكاة أمانة قاتل الصديق أبو بكر رضي الله عنه مانعيها وأطلق عليهم وصف الرِدَّة، والأمانة قوةٌ في حفظ الحقوق كما أجاب يوسف عليه السلام الملك لمّا قال: (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). والأمانة مراقبة ٌللسمع، ومحاسبةٌ للبصر ومتابعة للفؤاد (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) وحبسٌ للسان عن المهالك (وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)، وصدق الله العظيم: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
والأمانة شهادةٌ لله، ونصيحةٌ للمسلمين، وبيانٌ للحق، والأمانة تركٌ للادعاء الكاذب فإن الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ).
ووطنُنا الغالي أيها الأخوة أمانةٌ في أعناقنا، يتوجب علينا الحفاظ على أمنه واستقراره، والتعاضد والتكاتف في وجه من يسعى لزعزعة سلمه وسلامه. كما يجب أن نتواصى بتقديم مصلحة الوطن على المصالح الشخصية، وألا ننساق وراء الدعوات التي قد تخلّ بأمنه واستقراره، مع رفض كل النعرات الطائفية. فكل واحدٍ منا عباد الله مسؤول عن صيانة أمن هذا الوطن، ومطالب بأن يضع يده في أيدي الصادقين المخلصين، طائعاً لولاة أمره في المعروف، حريصاً على وحدته وتماسكه، وأمنه.
ومن الأمانة: أن يلتزم المسلم بالكلمة الجادة، فيعرف قدر الكلمة وأهميتها؛ فالكلمة قد تُدخل صاحبها الجنة وتجعله من أهل التقوى، كما قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) وقد ينطق الإنسان بكلمة الكفر فيصير من أهل النار، وضرب الله سبحانه مثلاً لهذه الكلمة بالشجرة الخبيثة، فقال: (وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ).. ومن الأمانة عباد الله أن يعتني الأب بتربية من تحت يديه من زوجة وأولاد والعناية بذلك وبذل الأسباب الشرعية لهدايتهم ودعاء الله بإلحاح (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي) ومتابعتهم في فرائض الدين كالصلاة وغيرها من العبادات وكذلك متابعة أصدقائهم ومن يصحبون فإنك ستسأل عنهم يوم القيامة.
فاتقوا الله عبادَ الله، وحافِظوا على الأماناتِ، حافظوا على حقوق الله وحقوق العباد والواجبات، واحذَروا المحرَّمات، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ)
اللهم اجعلنا من أهل الأمانة، ووفقنا لحفظها في السر والعلانية. ونقّ قلوبنا من الخيانة، وطهر ألسنتا من الكذب، واملأ جوارحنا صدقًا وعدلاً يا سميع الدعاء.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ وَلِيِّ الصالحين، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، إلهِ العالمين، ونشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، إمامُ المرسلين، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارك عليه، وعلى آلهِ وأصحابِه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.
أمَّا بعدُ، فيا أيُّها المسلمون: إنَّ المُشاهِدَ لأحوالِ الكثيرِ من المجتمعاتِ الإسلاميةِ اليومَ، يرى كثيراً من صورِ ضياعِ الأمانةِ بينَ الناسِ في العديدِ من التعاملاتِ، ولعلَّ ذكرَ بعضِ هذه الصورِ يُؤكِّدُ خطورةَ هذه المشكلةِ، حتى يعملَ الجميعُ على وضعِ العلاجِ اللازمِ للقضاءِ عليها، ومنها:
أولاً: قد تُقْرِضُ شَخْصاً، سَواءً أكانَ صَدِيقاً أو قَرِيباً، مَبْلَغًاً مِنَ المالِ أو شيئاً مَادِّياً لِمُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ، لِتُفاجَأَ عِندَ حُلُولِ مَوْعِدِ السَّدَادِ بِعَدَمِ الْتِزَامِهِ بِإِعَادَةِ مَا اقْتَرَضَهُ، وَإِنْ أَعَادَهُ، فَبِصُعُوبَةٍ وَمَشَقَّةٍ، وَرُبَّمَا لَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا عَبْرَ الْمَحَاكِمِ أَوْ أَقْسَامِ الشُّرْطَةِ وَبِسَبَبِ انْتِشَارِ هذِهِ الظَّاهِرَةِ، أَصْبَحَ بَعْضُ أَصْحَابِ المالِ وَالْمُوسِرِينَ يُعْرِضُونَ عَنْ تَقْدِيمِ الْقُرُوضِ الْحَسَنَةِ لِلنَّاسِ، وَهذَا يُعَدُّ تَصَرُّفًاً مُخَالِفاً لِلْأَمَانَةِ وَخِيَانَةً لِلثِّقَةِ.
ثانياً: بَعْضُ أَصْحَابِ وِرَشِ تَصْلِيحِ السَّيَّارَاتِ قَدْ يلجؤون إِلَى التَّحَايُلِ، فَيُوهِمُونَ الزَّبُونَ بِأَنَّ بَعْضَ الْقِطَعِ بِحَاجَةٍ إِلَى الاسْتِبْدَالِ بِقِطَعٍ جَدِيدَةٍ، بَيْنَمَا فِي الْوَاقِعِ لَا تَتَطَلَّبُ سِوَى إِصْلَاحٍ بَسِيطٍ. وَقَدْ يُضَخِّمُونَ حَجْمَ الْمُشْكِلَةِ عَمْداً لِيُبَرِّرُوا كُلْفَةً أَعْلَى لِقَاءَ الْخِدْمَةِ، وَهذَا تَصَرُّفٌ يَفْتَقِرُ إِلَى الْأَمَانَةِ وَيُعَدُّ مِنْ صُوَرِ الْخِيَانَةِ فِي الْعَمَلِ.
ثالثاً: لَقَدْ سَمِعْنَا وَقَرَأْنَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْمَطَابِخِ وَالْمَطَاعِمِ الَّذِينَ تَسَبَّبُوا فِي حَالَاتِ تَسَمُّمٍ غِذَائِيٍّ نَتِيجَةَ تَقْدِيمِهِمْ طَعَاماً فَاسِداً، إِمَّا بِسَبَبِ سُوءِ النَّظَافَةِ، أَوِ اسْتِخْدَامِ مَوَادَّ غِذَائِيَّةٍ مُنْتَهِيَةِ الصَّلَاحِيَّةِ. وَقَدْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى نَقْلِ عَدَدٍ مِنْ زَبَائِنِهِمْ، بَلْ وَأَحْيَاناً عَائِلَاتٍ بِأَكْمَلِهَا، إِلَى الْمُسْتَشْفَى. وَإِنَّ مِثْلَ هذَا التَّصَرُّفِ يُعَدُّ خِيَانَةً لِلْأَمَانَةِ وَإِضْرَاراً بِالنَّاسِ.
رابعاً: بَعْضُ الْمُسْتَشْفَيَاتِ الْخَاصَّةِ وَالْعِيَادَاتِ – وَحَدِّثْ وَلَا حَرَجَ – تُمارِسُ سُلُوكِيَّاتٍ غَيْرَ مُبَرَّرَةٍ، كَرَفْعِ الْأَسْعَارِ بِشَكْلٍ مُبَالَغٍ فِيهِ، أَوْ إِجْرَاءِ تَحالِيلَ وَصَرْفِ أَدْوِيَةٍ مِنْ صَيْدَلِيَّتِهَا دُونَ وُجُودِ ضَرُورَةٍ طِبِّيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ، بَلْ قَدْ يُعَدُّ أَحْيَانًاً تَقْرِيرٌ طِبِّيٌّ يُوصِي بِعَمَلِيَّةٍ جِرَاحِيَّةٍ لَا يَحْتَاجُهَا الْمَرِيضُ أَصْلًاً، وَهذَا يُعَدُّ مِنْ مَظَاهِرِ الْخِيَانَةِ وَغِيَابِ الْأَمَانَةِ الْمِهْنِيَّةِ.
خامساً: بَعْضُ الْمُوَظَّفِينَ وَالْعَامِلِينَ فِي الْعَدِيدِ مِنَ الْمُؤَسَّسَاتِ أو القطاع الخاص، يُظْهِرُونَ تَقْصِيراً مَلْحُوظًاً فِي أَدَاءِ مَهَامِّهِمْ، وَيَتَجَلَّى ذَلِكَ فِي عَدَمِ الِالْتِزَامِ بِسَاعَاتِ الدَّوَامِ الرَّسْمِيِّ، أَوِ اسْتِغْلَالِ مُمتَلَكَاتِ الْعَمَلِ لِأَغْرَاضٍ شَخْصِيَّةٍ، أَوِ الْإِهْمَالِ فِي إِنْجَازِ الْأَعْمَالِ مِنْ خِلَالِ تَأْخِيرِهَا أَوْ تَنْفِيذِهَا دُونَ إِتْقَانٍ، إِضَافَةً إِلَى تَمْيِيزِ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ فِي تَقْدِيمِ الْخَدَمَاتِ عَلَى حِسَابِ الْآخَرِينَ، وَغَيْرِهَا مِنْ مَظَاهِرِ التَّقْصِيرِ وَغِيَابِ الْأَمَانَةِ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الْوَظِيفِيَّةِ.
سادساً: يُقْدِمُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمَكَاتِبِ الْعَقَارِيَّةِ عَلَى مُمَارَسَاتٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ، مِثْلَ التَّلَاعُبِ بِالْأَسْعَارِ وَرَفْعِهَا دُونَ مُبَرِّرٍ، أَوْ خِدَاعِ النَّاسِ مِنْ خِلَالِ تَزْيِينِ صُورَةِ بَعْضِ الْمَوَاقِعِ وَالْمَبَانِي بِمَا لَا يَعْكِسُ حَقِيقَتَهَا. وَقَدْ يَتَجَاوَزُ الْأَمْرَ حَدَّ التَّزْيِيفِ لِيَصِلَ إِلَى تَغْيِيرِ أُجْرَةِ الْعِقَارِ عَمْدًا لِبَيْعِهِ بِسِعْرٍ أَعْلَى، بَلْ وَقَدْ يَسْتَعِينُونَ بِشُهُودِ كَذِبٍ وَزُورٍ لِتَثْبِيتِ ذَلِكَ. وَهذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مَا هِيَ إِلَّا خِدَاعٌ وَكَذِبٌ وَتَزْوِيرٌ، وَتُشَكِّلُ خِيَانَةً صَرِيحَةً لِلْأَمَانَةِ.
سَابِعاً: قِيَامُ بَعْضِ الكُتَّابِ وَالبَاحِثِينَ وَالمُؤَلِّفِينَ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَىٰ أَفْكَارٍ وَمَقَالاتٍ وَكُتُبٍ لِآخَرِينَ، ثُمَّ نَسْبِتِهَا إِلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَكَأَنَّهَا مِنْ إِنْتَاجِهِمْ الشَّخْصِيِّ، وَهَذَا يَحْدُثُ أَحْيَاناً عِندَ تَقْدِيمِ هَذِهِ الأعْمَالِ لِلحُصُولِ عَلَىٰ دَرَجَةٍ عِلْمِيَّةٍ مِثْلَ المَاجِسْتِيرِ أَوْ دُكْتُورَاهْ أَوْ تَرْقِيَةٍ عِلْمِيَّةٍ. وَعِندَ مُوَاجَهَتِهِمْ بِذَٰلِكَ، يُنْكِرُونَ بِشِدَّةٍ وَيَتَنَصَّلُونَ مِنَ التُّهْمَةِ، مُتَجَاهِلِينَ قَوْلَ السَّلَفِ: (إِنَّ بَرَكَةَ العِلْمِ أَنْ يُنْسَبَ لِأَهْلِهِ). فَلْنَحْرِصْ عَلَىٰ الأَمَانَةِ العِلْمِيَّةِ، وَلْنَعْمَلْ عَلَىٰ حِفْظِ الحُقُوقِ وَإِعَادَتِهَا إِلَىٰ أَصْحَابِهَا، وَلْنَتَجَنَّبْ التَّفْرِيطَ أَوِ الخِيَانَةَ فِي هَذَا الأَمْرِ، لِأَنَّ عَوَاقِبَ ذَٰلِكَ تَكُونُ وَخِيمَةً. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ غَشنا فَلَيْسَ مِنَّا).
نسألُ اللهَ جلَّ وعلا أن يرزقنا وإياكم خشيَتَه في الغيبِ والشهادةِ، وأن يجعلَنا وإياكم من عبادِه المتقين، لا من الخائنين ولا المنافقين، وأن يهدينا جميعاً سواءَ السبيل.
اللهم اجعلنا من الذين يؤدون الأمانات إلى أهلها، واغرس في قلوبنا خوفك وخشيتك، واهدِنا للصراط المستقيم في القول والعمل، اللهم طهر نفوسنا من الخيانة، وارزقنا صدق الأمانة، ووفاء العهد، ورضاك عنا يا أرحم الراحمين.. اللهم اجعلنا عند حسن ظن من ائتمننا، ولا تفضحنا بخيانة، ونجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين..
اللَّهُمَّ يَا قَوِيُّ، يَا عَزِيزُ، يَا نَاصِرَ المُسْتَضْعَفِينَ وَالمَظْلُومِينَ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَ
أَهْلَ غَزَّةَ وَفِلَسْطِين، وَتَكُونَ لَهُمْ عَوْناً وَنَصِيراً وَظَهِيراً. اللَّهُمَّ قَوِّ عَزَائِمَهُمْ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، اللَّهُمَّ اشْفِ جَرْحَاهُمْ، وَارْحَمْ شُهَدَاءَهُمْ، وَفُكَّ أَسْرَ أَسْرَاهُمْ، وَرُدَّ إِلَيْهِمْ حُقُوقَهُمْ، وادفع عنهم عدوان المعتدين، وَانْصُرْهُمْ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُمْ وَبَغَى عَلَيْهِمْ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اللهم وفِّقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبواب القبول والإجابة، اللهم تقبَّل طاعاتنا، وأصلح نياتنا وأعمالنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتب علينا، وأصلح أولادنا، واغفر لنا ولوالدينا ولموتانا وموتى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)