خطبة الجمعة.. الظلم ودعوة المظلوم على من ظلمه

الظلم ودعوة المظلوم على من ظلمه

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

16 ذو القعدة 1445هـ – 24 مايو 2024 م

 

الحمد لله رب العالمين، أمر بالبر والإحسان، ونهى عن الظلم والعدوان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك والحمد والعظمة والسلطان، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، المؤيد بالمعجزات والبرهان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه الذين نشروا دينه في عموم البلدان، وسلم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى :(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: إن من أعظم قِيم ودعائم ديننا الإسلامي القويم، ومن أسباب ثباتِ الدول وانتصارِها وازدهارِها، ومن أعظم أسباب التوفيقِ والنجاح: العدل وما أدراك ما العدل؟ ذلكم الخلقُ الفاضلُ الذي قامت عليه الأرضُ والسماوات، وأمر الله تعالى به صريحاً في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) وقوله: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، إِنَّ اللَّهَ نِعِمّاً يَعِظُكُمْ بِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) وفي مقابلِه يكون الظلمُ والاستبدادُ الذي يكونُ وبالاً على صاحبه في الدنيا والآخرة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (اتَّقوا الظُّلمَ، فإنَّ الظُّلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذلكَ أخْذُ رَبِّكَ إذا أخَذَ القُرَى وهي ظالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيد). وقال تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي وجعلتُهُ بينَكم محرَّماً فلا تَظالموا…). أيها المؤمنون: موضوعُ العدلِ والظلمِ ذو شجون ولن أوفِّيه حقَّه في وقتٍ وجيز، ولكنني سأقف مع عنصرٍ من عناصره يكفي لردع الظالمِ إن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.. سأقف مع حقٍ للمظلوم كفَلَه الشارعُ الحكيم له ليردَّ الظلم عن نفسه، ولا يستطيعُ بشرٌ أن يمنعَ هذا الحقَّ أو يحولَ بين المظلومِ وبينه مهما بلغَ المظلومُ من درجاتِ الضعف والذِّلةِ بل مهما بلغ من الفجورِ والرقةِ في الدين، ألا وهو الدعاءُ على الظالم، فقد جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه  حينما أرسله إلى اليمن داعياً ومعلماً: (اتَّقِ دَعوةَ المظلومِ؛ فإنَّهُ ليسَ بينَها وبينَ اللَّهِ حجابٌ) وقال صلى الله عليه وسلم: (اتَّقوا دعوةَ المظلومِ، فإنها تَصعدُ إلى السماءِ كأنها شرارةٌ) أي في الحرارة وسرعة الاستجابة، وقال صلى الله عليه وسلم: (ودعْوةُ المظلومِ تُحمَلُ علَى الغَمامِ وتُفتَحُ لها أبوابُ السَّماءِ، ويقولُ اللهُ تباركَ وتعالى وعزَّتي وجلالي لأنصرَنَّكَ ولَو بعدَ حينٍ) وقال عليه الصلاة والسلام: (دعوةُ المظلومِ مُستجابةٌ وإن كان فاجراً، ففُجورُه على نفسِه) فالله تعالى يستجيبُ دعاء الكافر المظلوم على المسلم الظالم، لا حُباً بالكافر ولا بُغضاً بالمسلم، ولكن حُباً للعدل، وبُغضاً للظلم!

أيها المؤمنون: لقد سطرت السُّنة النبوية والتاريخُ، بل والواقعُ شواهدَ حيةً على استجابة دعوة المظلوم، فقد دعا الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وكان أميراً على الكوفة دعا على أبي سعدةَ بن قتادة عندما ظلمه بالوشاية به إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه واتهمه بأنه: لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ (أي لا يخرج بالليل ليعرف أحوال الناس) وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، (أي يظلم فيما يقسمه) وَلاَ يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ، (أي لا يحكم بالعدل) وذكَر أشياءَ متعدِّدةً، وحقَّق فيها عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه فوجَدها كلَّها باطلةً. قَالَ سَعْدٌ: (وكان مستجاب الدعوة) أَمَا وَاللَّهِ َلأَدْعُوَنَّ عليه بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِباً، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ للْفِتَنِ. قَالَ الراوي: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ. (فتن بمعاكسة النساء والتحرش بهن)

فكان هذا الرَّجُلُ المَدْعوُّ عليه إذا سُئِل عن سُوءِ حالِه الَّذي هو فيه، يَقولُ: أنا شَيْخٌ كَبيرٌ مَفْتونٌ، أصابَتْني دَعوةُ سَعدٍ التي أُجيبَتْ فيَّ.. ويروى أن سعداً رأى رجلاً يسب طلحة وعلياً والزبير فنهاه فلم ينته فقال له: إذن أدعو عليك) فقال الرجل: أراك تهددني كأنك نبي! فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلاً: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواماً سبقت لهم منك الحسنى وأنه قد أسخطك سبه إياهم، فاجعله آية وعبرة) فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادّة لا يردها شيء، حتى دخلت في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها، ومازالت تتخبطه حتى مات.. وصح أنَّ أَرْوَى بنْتَ أُوَيْسٍ، ادَّعَتْ علَى سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أنَّهُ أَخَذَ شيئاً مِن أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إلى والي المدينة مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فنفى سعيد عن نفسه التهمة، وقال: كيف آخذ من أرضها شيئاً وقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَن أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأرْضِ ظُلْماً، طُوِّقَهُ إلى سَبْعِ أَرَضِينَ، فَقالَ له مَرْوَانُ: لا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هذا. فدعا سعيد عليها قائلاً: اللَّهُمَّ إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَاعَمِّ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا في أَرْضِهَا.قال الراوي: فوالله لقد عمي بصرها حتى رأيتُها امرأةً مسنةً تلتمس الجدرانَ بيديها، وكانت في هذه الأرض بئرٌ، وكانت تمشي في أحد الأيام فسقطت في البئر وكان ذلك البئرُ قبرَها، ولله در القائل:

لا تَظْلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِراً

                                     فَالظُّلْمُ آخِرُهُ يَأْتِيكَ   بِالنَّدَمِ

تنامُ عُيُنُكَ وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ  

                                   يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ

عباد الله: إن دعوةَ المظلوم على الظالم لا حرج فيها كما تفيده تلك الأخبارُ وغيرُها كثير.. فاحذر أيها المسلم أن تكون ظالماً لئلا تتعرضَ لدعوةٍ تُجاوزُ الحجبَ وأنت عنها غافلٌ فتلقى الناصرَ لها الذي لا يعجزُه شيء في الأرض ولا في السماء فيحققُ وعدَه لها ولو بعد حين.. ذكر المؤرِّخون أن الفضلَ بن يحي البرمكي كان يقول لوالده وهما في السجن مقيَّدَيْن وكان والده وزيراً لهارون الرشيد العباسي: (يا أبتي، بعد العزِّ ونفوذِ الكلمة نصيرُ إلى هذه الحال؟؛ فقال له والده: (يا ولدي، إنها دعوةُ مظلومٍ سَرَتْ بليلٍ غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها) وكان يزيدُ بنُ حكيمٍ رحمه الله يقول: ماهِبْتُ شيئاً قط هيبتي لرجل ظلمتُه وأنا أعلم أنه لا ناصرَ له إلا اللهُ جل وعلا، فيقولُ لي حسبُك الله الله بيني وبينك). أيها الأخوة والأخوات: كم هي صورُ الظلم التي تعشعشُ في أوساط المجتمع والظالمُ فيها يدعي العدلَ أو هو مغترٌّ بقوته ونفوذه. كم من المظلومين من هُضم حقُّه، أو أُخذ ما يملكه أو اتهُم بما ليس فيه. وأعظمُ الظلم ظلم الوالدين وعقوقهما وعدم إعطائهما حقَّهما وإهمالِهما عند حاجتهما إلى الرعاية والعناية، ويا لها من مصيبة عندما تجتمع دعوة مظلوم ووالد ووالدة.

ومن الظلم ظلم الأولاد والبنات بالإعراض عن تربيتهم أو الإنفاق عليهم، أو تفضيل بعضهم على بعض في الهبة والعطية والأوقاف.

ومن الظلم عباد الله: الاستهتارُ بحقِّ الزوجة، وعدمُ إعطائها حقَّها من المَهْر أو النَّفَقَة ونحوها، أو ضربُها وتعنيفُها بلا سبب. أو الميلُ لإحدى الزوجتَيْن دون الأخرى؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما؛ جاء يوم القيامة وشقُّه مائل)

ومن الظلم: أخذُ أموال اليتامى وأكلها والتعدي عليها بغير حق: يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً).

 ومن الظلم أيها الأخوة: جَحْدُ الدَّيْن الذي عليك لمخلوق، أو المماطلةُ به مع الغنى والجدة، أو أخذُ أموال الناس مع إضمار عدم الوفاء بها، صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليُّ الواجِد ظلمٌ يُحِلُّ عِرْضَه وعقوبته). ومن الظلم: ظلم الأُجَراء والعمال بعدم إعطائهم الأجرة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: أعطوا الأجيرَ أجْرَه قَبلَ أنْ يَجِفَّ عَرَقُه. وقال:(ثلاثةٌ أنا خَصْمُهم يوم القيامة، ومن كان كذلك خُصِم.)، وذكر منهم: (ورجلاً استوفى من الأجير العمل، ثم لم يُعْطِهِ أجرته) ومن الظلم: التعدِّي على أملاك الغَيْر من أراضٍ وعقارات في حين غفلتهم أو غيبتهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أخذ شبراً من الأرض ظلماً؛ طُوِّقَه من سبع أراضين يوم القيامة)… أيها المؤمنون: ومن الظلم الذي ينبغي الحذرُ منه، ومن دعوةِ مَن وقع عليهم تعمّدُ إعناتِ المسلمين والإشقاق عليهم وتأخيرِ منافعهم ومعاملاتهم وتعقيدِ حاجاتهم، وقصدُ الإضرار بهم في كل ذلك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم من وَلِيَ من أمر المسلمين شيئاً فشقَّ عليهم؛ فاشْقُقْ عليه، ومَنْ وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم؛ فارْفُقْ به).ومن الظلم أيضاً: المحاباةُ في الوظائف، وتقديمُ غيرِ الكفء على الكفء في استحقاقٍ ونحوه لقرابةٍ أو صداقةٍ أو مصلحةٍ؛ يقول صلى الله عليه وسلم (ما من أمير عشرةٍ إلا يؤتَى به يوم القيامة

مغلولاً، لا يفكُّه إلا العدل، أو يُوبِقُهُ الجَوْر) ومن الظلم: اتهامُ النيات وتصنيف الناس، والخوضُ في مقاصد الغير، خاصة العلماءَ والدعاةَ والمصلحين، ويا له من ظلم حينما يدفع الحسدُ أصحابَه إلى التطاول على العلماء الربانيين الذين يصدحون بالحق ولا يخافون في الله لومةَ لائم، أو الدعاةِ الذين يجوبون الأرض طولاً وعرضاً داعين إلى الله مبلغين الأمانة التي احتملوها في أعناقهم فالله حسيبُ من ولغ في أعراضهم وخطّ بحقده ما يثلبُهم ويشوه صورتهم..

فاتقوا الظلم عباد الله فإنه ظلمات يوم القيامة.. واحذروا دعوة الذين لا نصير لهم إلا مولاهم فإنها حقيقةٌ بالإجابة ولو بعد زمن طويل

اللهمَّ ﻻ تجعلنا ظالمين أو مظلومين فإن للظالم شؤم وللظلم مرارة! اللهمَّ أنت العادل بحكمك فانتقم من كل ظالم وارفع الظلم عن المظلومين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن أبشع أنواع الظلم، وأقبح صوره، وأشدها نكراً، وأعظمها خطراً، البغيُ في الأرض بغير الحق، والاستطالة على الخلق، في دينهم أو أنفسهم أو أموالهم، أو أعراضهم، أو عقولهم، بمختلف سبل العدوان، التي يتفق أولو الألباب على استعظامها والنفرة منها والحذر من التردي في وهدتها والتلوث بأرجاسها. ولذا توعد الله عز وجل كل من سلك سبيل البغي بأليم العذاب فقال تعالى ذكره: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ولكم ـ يا عباد الله ـ في سِيَر الماضين وأنباء من قد سبق من الذين بغوا في الأرض واستكبروا فأكثروا فيها الفساد، لكم فيهم أوضح الدلائل وأصدق البراهين وأظهر الآيات فماذا كانت عاقبة بغي فرعون حين، (..عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) ألم تكن: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ) وكيف كانت عاقبة بغي قارون الذي بغى على قومه حين آتاه الله من الكنوز ما تنوء بثقله العصبة أولو القوة؟ ألم تكن: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ.)

وكذلك كانت عاقبة كل من بغى في الأرض، وعلا فيها بغير الحق، واستضعف أهلها فعلى الباغي تدور الدوائر مهما تجبر واستكبر، وغرته قوته، وأسكرته صولته، وإن هذه السنة الربانية ـ يا عباد الله ـ عامة شاملة، لا يشذ عنها بغي البغاة المعتدين الظالمين كما هو الحال الآن  في الأقصى وفي غزة  وفي كل أرجاء فلسطين الصابرة، بما يجترحون من إبادة جماعية وقتل للأبرياء، وتشريد وتهجير للأسر، وقصف للمباني والبيوت والمدارس والمساجد والمشافي،  وحصار وتجويع وعدوان جائر، تقضّ له المضاجع، وتتفطر منه الأكباد، وتهتز الأفئدة، حيث لم يستثن العدوان امرأة ولا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً، وبلغ السيل الزبا فنال حتى من المرضى والجرحى في المستشفيات الذين طردوا  وتُركوا في الطرقات، يكابدون آلام الجراح التي أثخنتهم، ويستغيثون ولا مغيث لهم إلا الله، بعد أن منع هؤلاء الطغاة البغاة رجال الإسعاف والإنقاذ من الوصول إليهم لأداء واجبهم المشروع في كل الشرائع الربانية، وفي القوانين والاتفاقيات الدولية، التي أقرها العقلاء لمعالجة أوضاع وحالات الحروب. واعلموا رحمكم الله أن من حكمة الله تعالى ومن بديع تدبيره، أنه يمهل للظالم ويملي له، لكنه يأخذه في النهاية أخذاً أليماً شديداً، لا نجاة له منه، كما قال صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يُمْلِي لِلظّالِمِ، فإذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ (وكَذلكَ أخْذُ رَبِّكَ، إذا أخَذَ القُرَى وهي ظالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ). فهو إمهال ليزداد الباغي من أسباب بغيه وعدوانه فتعظم عقوبته ويشتد عذابه. واعلموا أن سنة الله في الابتلاء ماضية في عباده المؤمنين تمحيصاً وتعليماً، ورفعةً وتكريماً، وفي الكافرين محقاً وقطعاً وعذاباً أليماً، كما قال سبحانه: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) 

وإن من تمام اليقين بالله، وصحة التوكل عليه وصدق اللجوء إليه مع كمال الصبر واحتساب الأجر، ومعونة الإخوة في كل ديار الإسلام بكل ألوان المعونة والنصرة والمؤازرة ما يبعث على قوة الرجاء في كشف الغمة، وصد العدوان وهزيمة البغي والطغيان بإذن الله تعالى.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا القيام بحق إخواننا المستضعفين والمظلومين في كل مكان وأن يجعلنا ممن ينصرون إخوانهم في الدين والعقيدة إنه سميع مجيب الدعاء.

اللهم كن للمستضعفين والمظلومين والمعذبين في كل مكان كن لهم ناصراً، ومؤيداً، ومعيناً، وظهيراً، اللهم كن لأهلنا في فلسطين والأقصى وغزة، اللهم إن البلاء قد أشتد عليهم، وتوالت عليهم النكبات، اللهم ارحم ضعفهم وارفع البلاء عنهم، واخذل عدوهم ومن بغى عليهم، اللهم اجبر كسرهم، وأطعم جائعهم، واسقي ظمئهم، واحمل حافيهم، وأكس عاريهم، وداو جرحاهم، وارحم موتاهم، واكتبهم عندك من الشهداء الأبرار، اللهم لا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يرحمهم..

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وارحم والدينا وذوي الحقوق علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)