خطبة الجمعة.. المحبة والمودة بين آل البيت والصحابة رضي الله عنهم

6 محرم 1446هـ – 12 يوليو 2024 م

المحبة والمودة بين آل البيت والصحابة رضي الله عنهم.

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

 

الحمد لله الذي ألّف بين قلوب المؤمنين، فجعلهم إخوة متحابين متآزرين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله اختاره بعلمه، وائتمنه على وحيه، واختار له خير الآل والأصحاب أعواناً، فآمنوا به وعزروه ووقروه، وجاهدوا في الله حق جهاده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد حرص دينكم الإسلامي الحنيف ونبيكم الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، منذ دخوله المدينة المنورة، على تثبيت دعائم الدولة الإسلامية الجديدة، فكانت من أولى خطواته المباركة، المؤاخاة بين المسلمين جميعاً، تلك المؤاخاة التي ذابت فيها عصبيات الجاهلية، وسقطت بها فوارق النسب واللون والمكان، وكانت من أقوى الدعائم في بناء الأمة، وتأسيس المجتمع المسلم الجديد في المدينة، حتى يتآلف ويتحاب ويقوى، ويكون صفاً واحداً أمام أعدائه، وقد كان الرعيل الأول من آل البيت الأطهار، والصحابة الكرام، إخواناً في الله متحابين متراحمين متوادين متناصحين يوالي بعضهم بعضاً، نزع الله من قلوبهم عصبية الجاهلية وضغائنها وأحقادها، وألف بين قلوبهم بعدما دخلوا في دين الله أفواجاً، وهكذا يجب أن يكون المسلمون في كل وقت وحين، اقتداءً بهم، وسيراً على نهجهم (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ إقْتَدِهْ)

عباد الله: وقد تواترت الأخبار والآثار الصحيحة بتأكيد هذا المعنى بينهم، وما قد يحدث بينهم من خلاف ونزاع فهو من قبيل الخلاف الاجتهادي، الذي يعذر المخطئ فيه ولله الحمد والمنة، (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) واستمعوا رحمكم الله إلى قول الله تعالى وهو يمتن عليهم بنعمة التأليف بين قلوبهم: فيقول: وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً). ويقول تعالى:(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) ويقول: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).. وقد كانت العلاقة الحميمة، بين آل البيت وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، علاقة بادية للعيان، واضحة الأثر عند كل منصف، وقد استفاضت الآثار عنهم بهذا الأمر، سواء كان ذلك عند أهل السنة أو عند الشيعة في الكتب والمراجع المعتمدة لديهم. وهذه الحقائق المتواترة، هي التي يجب أن تعتمد وتظهر وتنشر وتوظف وتستثمر، ونعلمها لأبنائنا وبناتنا وأجيالنا، ونغرسها في نفوسهم، ونربيهم عليها، لتوحيد كلمة المسلمين، ورص صفوفهم، عند دراسة ذلك الجيل الرباني الفريد، ولا يمكن لأي رواية تاريخية مهما بلغت من صحة أن تعارض الحقائق المتواترة المتوافق عليها.

وإليكم أيها الإخوة والأخوات في الله: ما يثبت هذه العلاقة الحميمة، بين آل البيت الأطهار، والصحابة الكرام… فهذا رأس البيت الكريم سيد الأولين والآخرين، محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يتزوج السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما، وكانت أحب نسائه إليه، بعد خديجة رضي الله تعالى عنها. وتزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب ورَملةَ بنت أبي سُفيان، ويزوج رسول الله ابنته رقية لعثمان، وبعد وفاتها زوجه رسول الله أيضاً ابنته الثانية أم كلثوم… ولعلي بن أبي طالب ابنة تسمى بأم كلثوم الكبرى من السيدة فاطمة الزهراء، زوجها علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب وولدت له زيداً ورقية رضي الله عنهما.. وتزوج علي بن أبي طالب أسماء بنت عُميس أرملة أبي بكر الصديق رضي الله عنه..  كما تزوج أمامة بنت العاص بن الربيع بعد وفاة خالتها فاطمة الزهراء رضي الله عنها.. وأبان بن عثمان بن عفان، تزوج أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وسكينة بنت الحسين بن علي، تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام، رضي الله تعالى عن الجميع، وغيرها كثير من الزيجات والمصاهرات.

إذن يا عباد الله: كان بين آل البيت وكبار الصحابة نسب، ومصاهرة، وحب ومودة. واستمعوا رحمكم الله إلى قول أبي بكر الصديق في آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: (وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَقَرَابَةُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إلي أَنْ أَصِلَ من قَرَابَتِي) وقال أيضاً: (أَيُّهَا النَّاسُ ارْقُبُوا (أي أحفظوا) مُحَمَّداً فِي أَهْلِ بَيْتِهِ) وكان علي وزير صدق لأبي بكر في خلافته، كما كان وزير صدق من بعده لعمر رضي الله عنهم جميعاً  وقد بلغ من محبة علي لأبي بكر، أنه منعه من الخروج بنفسه لقتال المرتدين، حرصاً على حياته، وعلى قيادة المسلمين، حيث أخذ بزمام راحلته، وقال إلى أين يا خليفة رسول الله؟ أقول لك ما قال لك رسول الله يوم أحد، شِمْ سَيْفَكَ (أي ضعه في غمده) وَلَا تَفْجَعْنَا بِنَفْسِكَ، فَارْجِعْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ أُصِبْتَ لَا يَكُونُ لِلْإِسْلَامِ نِظَامٌ أَبَداً، فَرَجَعَ وأمضى الجيش وفي هذه الرواية أيضاً وغيرها كثير، ما يدل على استشارة الصديق لعلي رضي الله عنهما.. وكذلك فعل عمر مع علي حيث جعله مستشاراً له وقاضياً.. وصح أن أبا بكر كان يحمل الحسن على عاتقه ويلاعبه، ويقول بأبي شبيهٌ بالنبي، وليس شبيهاً بعلي، وعلي رضي الله عنه يسمع ويضحك، فتأمل هذه الروح الطيبة، والأريحية والرحمة، وهذا الحب المتبادل بين آل البيت الأطهار، والصحابة الكرام…ولما قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي (اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ) قال عمر حينئذ لعلي (هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت، مولى كل مؤمن ومؤمنة) وكان عمر إذا أراد الاستسقاء طلب من العباس أن يدعو الله لهم بالسقيا فيسقون. فانظر أخي المسلم محبة عمر لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أنكر ابن عمر على من يذكر علياً بسوء، فقد قال الخارجي نافع ابن الأزرق لأبن عمر، والله إني لأبغض علياً، فرفع إليه ابن عمر رأسه وقال: أبغضك الله وقبحك تبغض رجلاً سابقة من سوابقه، خير من الدنيا وما فيها.. وقد مدحه عبد الله ابن عمر، بأوصاف حميدة تدل على مكانته وفضله ومنزلته عنده، رضي الله عن الجميع، وهذا علي بن أبي طالب لما أراد البغاة قتل عثمان، جعل ولديه الحسن والحسين، على باب عثمان وأمرهما بأن يكونا طوع إشارته، في كل ما يأمرهما به، ولو أدى ذلك إلى سفك دمهما، فقال لهم عثمان: (اعزم عليكم لما رجعتم، فوضعتم أسلحتكم ولازمتم بيوتكم) وقد اعتقد عثمان أن البغاة لن يقدموا على سفك دمه رضي الله عنه وأرضاه

ولقد أحسن الأمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، القول في وصف إخوانه من

الصحابة رضوان الله عليهم وهو أحدهم حين قال: (والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فما أرى اليوم شيئاً يشبههم  لقد كانوا يصبحون صفراً شعثاً غبراً، قد باتوا لله سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادو كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم، حتى تبتل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين) وماهم بغافلين، وقد أنكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قتل الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، ورفض علي دخول قاتله عليه وقال: بشروا قاتله بالنار .

وعن جعفر بن محمّد عن أبيه رضي الله عنهم جميعاً قال: لقد رَأى عليّ طلحةَ في وادٍ ملقى مقتولاً في موقعة الجمل، فنزل فمسَح الترابَ عن وجهه وقال: (عزيزٌ عليَّ ـ أبا محمّدٍ ـ أن أراك مجندَلاً، إلى الله أشكو عُجَري وبجَري)، أي همي وحزني، فترحَّم عليه ثم قال: (ليتني متُّ قبل هذا اليوم بعشرين عاماً)، وكان رضي الله عنه يقول: (إني لأرجو أن أكونَ أنا وطلحةُ والزّبير، ممّن قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)..

فهذه عباد الله منزلة طلحة والزبير، عند الإمام علي رضي الله عنهم، رغم ما حصل بينهم من خلاف إذ الحقد والبغضاء والكراهية لا طريق له إلى قلوبهم، وهذا هو حال الصحابة مع آل البيت رضوان الله عليهم أجمعين…  وقد كان الإمام جعفر بن محمد الصادق، رضي الله عنه، يفتخر بانتسابه إلى بيت أبي بكر، ويقول: (ولدني أبو بكر مرتين) وذلك لأن أم جعفر بن محمد، هي فروة بنت القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عن الجميع وأرضاهم، وقد بلغ من حب أهل البيت لكبار الصحابة ومودتهم لهم، أنهم سموا أبنائهم بأسمائهم، بدءاً بسيدنا علي، حيث سمى أحد أبنائه بأبي بكر، وآخر بعمر وثالثاً بعثمان، وهؤلاء الثلاثة ولدوا في عهد الخلفاء الثلاثة كما لا يخفى… وكذلك كان شأن ابنه الحسن رضي الله عنه حيث سمى أحد أبنائه بأبي بكر.. ولم يخالف في ذلك الحسين رضي الله عنه فقد سمى أحد أبنائه بأبي بكر وآخر بعمر، واستشهد معه بكربلاء.. وكذلك الشأن في ابنه زين العابدين، حيث سمى أحد أولاده باسم الخليفة الثاني عمر، وآخر بعثمان، أما هو فقد أحب أن يكنى بأبي بكر…  والإمام موسى الكاظم، سمى أحد أبنائه أبا بكر..  بل بلغ بهم الحب والوفاء بأبي بكر، بأن سمى بعضهم بناته باسم بنت الصديق، السيدة عائشة رضي الله عنها، منهم: الإمام أبو الحسن موسى الكاظم رضي الله عنه، ومن قبله جده الإمام علي بن الحسين، وعلي بن محمد الهادي وغيرهم كثير، يصعب حصرهم، كل منهم سمى إحدى بناته عائشة رضي الله عنهم جميعاً… فارجعوا رحمكم الله إلى كتب التاريخ الموثقة، وستجدون هذه الحقائق جلية واضحة. فهل يعقل أيها الإخوة والأخوات في الله أن هؤلاء الأقارب المتلاحمين المتراحمين المتحابين الأبطال الشجعان، الذين يتخيرون مثل هذه الأمهات لأبنائهم، ومثل هذه الأسماء لفلذات أكبادهم، كانوا على غير ما أراده الله لهم من الأخوة في الإسلام والمحبة في الله، والتعاون على البر والتقوى حاشا وكلا..

 فتلك يا عباد الله نماذج من سيرة خيار الأمة، من الصحابة وآل البيت مع بعضهم البعض محبة ومودة واحتراماً وتقديراً ومعرفة للفضل وأهله، وهذا غيض من فيض، وقطرة من بحر، أردت أن أبين فيه العلاقة الحميمة، والمحبة الصادقة، والأخوة المخلصة بين أهل البيت الأطهار والصحابة الكرام إبراء للذمة.

نور الله قلوبنا بمحبة آل بيت النبي الأطهار، وصحابته الأخيار، ونفعنا بحبهم وتوقيرهم وإجلالهم ومودتهم والاقتداء بهم، وأدخلنا الجنة وجمعنا بهم إنه جواد كريم..

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله وليِّ الصّالحين، ونشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له إله الأوّلين والآخرين، ونشهد أنّ سيدنا ونبيّنا محمّداً عبده ورسوله سيّد الخلق أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه والتّابعين.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات أيها الأخوة والأخوات في الله:

يا أحبابَ أهل البيت والصحابة: اتقوا الله تعالى واعلموا، أن الواجب على العالم والخطيب والداعية، والمثقف والمنصف، أن يتوجه نحوَ عرضِ الحقِّ المشرِق الصحيح الثابتِ، لمجتمع الصحابة والقرابة ومن تبِعَهم بإحسانٍ، ففي كُتُبِنا جميعاً سنة وشيعة، رِواياتٌ صحيحَة مُضيئةٌ، يثبِتُها النّقل، ويصدِّقها العقل، ويألَفُها الحِسُّ المؤمِن، والذَّوق الطيِّب النصوح، وتتَّفِق مع آي القرآن الكريم، وهديِ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلّم وهدايتِه وتوجيهِه وسيرته.

أيّها المؤمنون: وإنَّ مِنَ العجَب العُجاب، أن الناظرَ والباحث المنصف، كلما تقدَّم متوغِّلاً في القِدَم، رَاجعاً إلى عصورِ الإسلام الأولى، يجِدُ التطابُقَ والتّماثُلَ والتوادَّ والتحابَ بين آل بيتِ رسول الله وصحابته الكرام، وكلّما تأخَّر بالأمة الزّمنُ، بدَت ألسنةُ الدخانِ، ومَناطِقُ الظّلام وصُوَر التشويشِ والفتن والتحريشِ، ومظاهرُ العنف الفكريّ والتعصّب المذهبيّ والطائفيّ…  لقد استمعتم عباد الله إلى النهج الإيماني الذي سارَت عليه تِلكُم المواكب الإيمانيّة الخيِّرة، والقدواتُ الحسنَة من الصحبِ والقربى، فليس في قلوبهم والله ولا في صدورِهم غِلّ ولا بغض ولا حقد، بل كانوا على الحقّ والخيرِ إخوانًاً وأعواناً، متحابين متوادين متراحمين، في الصحيحين أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه ترحم على الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد وفاته وقال: (ما خلّفتُ أحداً أحبّ إليَّ أن ألقى الله بمثل عَمَله منك، وايمُ اللهِ إن كنتُ لأظنّ أن يجعلَكَ الله مع صاحبَيك، وحَسِبتُ أني كثيراً أسمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: (ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر) و(دخلتُ أنا وأبو بكر وعمر) و(جِئتُ وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر)رضي الله عن الجميع وأرضاهم…أمّا أم المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها فإنَّ عليّاً  كان يكرمها ويجلُّها ويحفَظ لها مكانها من رسول الله، ويسميها بأم المؤمنين، فقد بلغه أن رجلين طعنا في عرضها فأقام عليهما الحد وجلدهما… ولمّا سئِل الإمام علي رضي الله عنه عن أهلِ النّهروان من الخوارِج: أمشرِكون هم؟ قال: هم من الشِّرك فرُّوا، قيل: أفمُنَافقون هم؟ قال: إنَّ المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم يا أمير المؤمنين؟ قال: إخوانُنا بَغَوا علينا… أومآ علمتم رحمكم الله: أن أصحُّ الطرق سنداً في مناقبِ الإمام عليٍّ كان مِن طريق روايَة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، مما يؤكد أنه ليس بينها وبين آل البيت خلاف وشقاق،  فقد روَت حديثَ الكساء في فضلِ عليّ وفاطمة والحسَن والحسين رضي الله عنهم أجمعين، وكانت تحيل السائلين والمستَفتين إلى عليٍّ، وطلبَت رضيَ الله عنها بعد استشهادِ عُثمان رضي الله عنه أن يلزَمَ الناسُ عليّاً، فقد سَألها عبد الله بن بدِيل بن وَرقاء الخزاعي: من يبايع؟ فقالت: (الزَم عَلِيّاً وبايعه)

والموضوعُ يا عباد الله ذو شُجون، والحديثُ مُضيءٌ ممتِع في كتُبِ الصِّحاحِ والتّاريخ الثابِتِ الموثَّق في كتب أهل الإسلام كلِّهم، مليءٌ بما بين أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهلِ بيتِه والتابعين لهم بإحسانٍ من مودّة ومحبَّة واعتراف بالفضل متبادَل.

وبعد: أيّها المؤمنون: فيجِب أن نرسخ ثقافة التسامُح والقَبول المتبادَل بين المختلفين، والنظر إلى إيجابياتِ التاريخ والرجال، يجِب الزّرعُ والنّشرُ للصّوَرِ الحقيقيَّة المشرِقة الجامِعة المانِعة، لا أن تُتَتبَّع العثرات والزلاتُ والهفوات التي لا يمكن أن يخلوَ منها بشرٌ أو أمّة أو دولةٌ أو سياسة. هذا إذا كانت ثابتةً واقعة، فكيف إذا كانت مَدسوسةً مكذوبة، أو كانت تَفسيراً لمغرضٍ أو تَأويلاً من صاحِبِ هوى أو قليلِ علم أو دين؟؟ أو حاطب ليل، لا يفقه ولا يعرف ولا يميز بين الحديث الصحيح، والحديث الضعيف ،والحديث الموضوع والمكذوب. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رحيم)

حب الصحابة والقرابة فريضة

                                        ألقى بها ربي إذا أحياني

  دع ما جرى بين الصحابة في الوغى

                                   بسيوفهم يوم التقى الجمعان

فقتيلهم منهم وقاتلهم لهم

                                وكلاهما في الحشر مرحومان

والله يوم الحشر ينزع كل ما

                                تحوي صدورهم من الأضغان                

اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك محمد صلى عليه وسلم، وحب آل بيته الطيبين الطاهرين، وحب أصحابه الغر الميامين، واحشرنا معهم تحت ظل لواء سيد الأولين والآخرين، وأدخلنا الجنة مع الأبرار من النبيين والصديقين، والشهداء، والصالحين وحسن أولئك رفيقاً يا رب العالمين. اللهم وارضَ عن خلفاء نبيك الراشدين، ذوي المقام العلي، والفخر الجلي، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهم حقق للمبتلين من عبادك المظلومين في فلسطين وغزة وفي كل مكان، حقق لهم خيراً وصلاحاً تنفرج به الكروب، وتحقن به الدماء، وتحفظ معه الأعراض، ويستتب فيه الأمن، وتبسط فيه الأرزاق، وتعلو فيه راية الحق، والعدل، والإيمان، والإسلام. اللهم أصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلاً.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وارحم والدينا وذوي الحقوق علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)