بين همي الدنيا والآخرة وفضل شعبان
فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
8 شعبان 1446 هـ – 7فبراير 2025 م
الحمد لله على جزيل النعماء، والشكر له على ترادُف الآلاء، ونشهد أَنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ونشهدُ أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه، إمامُ المتقينَ وسيدُ الأولياءِ، صلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه الأصفياء، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ.
أما بعــد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشرَ المسلمينَ: لقد نَصَحَ النبي صلى الله عليه وسلم الأمة الإسلامية، وتَرَكَهَا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ورَسَم لها معالم عزِّها وفلاحها، وَبَيَّنَ لها سبب شقائها وخسارتها، ودعونا عباد الله نقف معكم مع قبسٍ مِن كلامه وحديثه صلى الله عليه وسلم، ظاهر البلاغة، مختصر العبارة، عميق في معانيه، صريح في ألفاظه ومَبَانيه، حديث يُتَرْجم لنا حقيقة الهمِّ، وعاقبة كل مهموم، نُبحر مع هذا الحديث في زمنٍ تَشَعبَت فيه الهموم، وتَمَكَّنَتْ منَ القلوب مغريات الدُّنيا وملذاتها وشهواتها، واللهث المستديم وراء متاعها الزائل.
صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ)
أيها المؤمنون: الهَمُّ سلاح ذو حَدَّينِ، له إيجابيات وسلبيات، فهو لبعض الناس منحة، وللبعض الآخر محنة، فإن كان معلقاً بالآخرة ومعها، فهو محمود، وصاحبه مأجور، وإن كان الهم مُتَعَلِّقًاً بالدُّنيا وغرورها، كان مذموماً… جَعَلَ الله لصاحب الهم الأخروي ثلاث مِنَح؛ يَتَفَيَّأ ظلالها، وينعم بها: الأولى: أن يجمعَ الله له شمله، وجَمْعُ الشَّمل: هو الاجتماع بكل ما يعنيه من عموم، يجمع الله على صاحب الهم الأخروي قلبه وفكره، ومقصده وأهله، وولده، وقريبه، وصديقه، وماله، وتجارته، ويجمع الله عليه القلوب، ويكتب له القَبول، فيجتمع لهذا العبد كل ما يحيط به مِن أمور الخير جميعاً.
والنِّعمة الثانية: التي يُنَعَّم بها صاحب الهَمِّ الأُخروي: أن يجعلَ الله غناهُ في قلبه، وهذا هو الغِنَى الحقيقي؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النَّفس) غِنى القلبِ عباد الله أن يَرْضَى العبد بما قسم الله له؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (وارْضَ بما قسم الله لك، تَكُن أغنى الناس) غِنَى القلب عزيزٌ في دُنيا الناس، شريفٌ بينهم؛ لأنه قدِ اسْتَعَفَّ بِغِنَاه عما في أيدي الآخرين، يقول صلى الله عليه وسلم: (وازْهَد فيما عند الناس، يحبك الناس). وثالث نعمة يُلقَّاها صاحبُ الهمِّ الأخروي: هي مَجِيء الدُّنيا له، وهي راغمة، فَيَأْتيه رِزْقه مِن حيث لا يحتسب، ويجعل له ربُّه مِن كل أمر يسراً، فيُوَفَّق في دنياه، من غير مسألة ولا إشراف نفس.. صاحب الهم الأخروي، كافأه ربُّه بنظير قصده، فلمَّا جَرَّد همه للآخرة، كَفَاهُ الله همَّ دنياه، وهل جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان.
أيها الأخوة والأخوات: وإذا عاشَ العَبْدُ هَمَّ آخرته، قويَ يقينُه، وطَارَتْ غفلته، ودامتْ خشيته وسعى للآخرة سعيها، وهو مؤمن... إذا تَغَلْغَلَ همُّ الآخرة في النفوس، وَوَصَلَ سُوَيْداء القلوب، هانَ على المرء ما ضاعَ من دُنياه، ورخص عليه ما خسره في تجارته ومربحه؛ لأنه يَسْتَيقِن أن مستقره وبقاءه هناك، في الدار الآخرة، (وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى). لو ملئت الصدور بِهَمِّ الآخرة، لَمَا تَكَبَّر بعضنا على بعض، ولما تَحَاسَدْنا وَتَقاطَعْنا مِن أَجْل ظِلٍّ زائلٍ ومتاعٍ عابرٍ.
عباد الله: صاحبُ هَمِّ الآخرة، يعيش في دنيا الناس مع الناس، يسعى في طَلَب رِزْقه، لا يطغى إن أَقْبَلَتْ إليه الدُّنيا، ولا يغتمّ إن أدبرتْ عنه… صاحبُ هَمِّ الآخرة يعيشُ في القِمم، فلا يرضى بالدُّون، وهو قادرٌ على التَّمام.. صاحبُ الهَمِّ الأُخْرَوي تراه عالي القدر، لا يقعد عن المكْرُمات، ولا تَتَوانى همته عنِ الصَّالحات الباقيات، لا يفرغ من خير إلاَّ إلى خير… صاحب همِّ الآخرة إن كان في العلم، كُوفئَ باحتياج الناس إليه، وإن كان في بذل المعروف، كوفئَ بثناء الناس عليه، وإن كان فيما كان الله، كان الناس معه… صاحبُ هذا الهَمِّ لا يخلو مِن هُمُوم تعتريه في دنياه، من همِّ عمل، أو مسكن، أو زواج، أو تربية ولد، أو غيرها، غير أنها هموم صغيرة، تضيع أمام همه الأكبر، ومقصده الأعظم.
أيها المسلمون والمسلمات: همُّ الآخرة مبدأٌ رَبَّى عليه النَّبي صلى الله عليه وسلم صحابتَهُ الكِرام، رضي الله عنهم فكان يغرس في قُلُوب أصحابه هذا الهمِّ، كان إذا رأى شيئاً مِن زينة الدُّنيا يُسْمِع أصحابه: (اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَةِ) هذا الهمُّ الأخروي، عاشَهُ الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وَسَلَفُنا الصالح، واقعاً مَحْسُوساً… هذا الهمُّ أيقظ المصطفى صلى الله عليه وسلم مِن منامِه، وهو يقول: (يا أيها الناس، اذكروا الله، جاءتِ الرَّاجفة، تتبعها الرادِفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه).
هذا الهم عاشَهُ الصِّديق أبو بكر رضي الله عنه فكان عظيمَ الخشية، سريع الدَّمعة، إذا أمَّ الناس، غَلَبَه البكاء من خشية الله، وفي مرض موته صلى الله عليه وسلم قال: مُرُوا أبا بكر فَلْيُصَلِّ بالناس، فقالت له عائشةُ: يا رسول الله، إن أبا بكر رجلٌ رقيقٌ، إذا قرأَ القرآنَ غَلَبَهُ البكاء، فقال: مُرُوه فَلْيُصَلِّ بالناس). هذا الهمُّ عاشه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يحاسب نفسه على كل صغير وكبير خوفًاً من الآخرة… وكان يقول حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أنفسَكم قبل أن تُوزنوا، وتزيَّنوا للعَرضِ الأكبرِ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) هذا الهمُّ عَرَفَه ذو النورين، عثمان بن عفان رضي الله الذي كانت تستحي منه ملائكة الرحمن، فكان إذا وقف على القبر بكى، حتى تبتل لحيته بالدُّموع، ويقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ). هذا الهم، عرفه أبو الحسنين، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي كان يحذر الناس من الدنيا ويقول: (إِنْ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ، طُولُ الأَمَلِ وَإتِّبَاعُ الْهَوَى، فَأَمَّا طُولُ الأَمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ، وَأَمَّا إتباعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، أَلا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ مُدْبِرَةً، وَالآخِرَةُ مُقْبِلَةٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَغَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ.
أيها الإخوة والأخوات في الله: حَمْلُ همِّ الآخرة، لا يعني انعزال العبد عن حياة الناس، فيترك إجابة الدَّعوة، ويهجر زيارة الصديق والقريب، وَيَتَقَوْقَع في مسجده ومحرابه، هذا تَصَوُّر خاطئ قاصِر؛ بل إنَّ صاحبَ الهَمِّ الأخرويِّ، يجتهد في صِلة الرَّحِم، وإجابة الدَّعوة، ومُخالَطة الناس، والصبر على أذاهم، ويسعى في إصلاح ما فَسَد؛ لأنَّه يعلم أنَّ تلك الأعمال درجات وحسنات في ميزانه يوم الآخرة.. حَمْل همِّ الآخرة، لا يعني أن يكونَ صاحبه مكفهر الوجه، دائم العبوس، فهذا قُدوتنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم أعظم مَن همَّ لآخرته، كان يضاحِك ويُمازِح، ويُداعِب ويُلاعِب، ولكل مقام مقال، ومن مأثور قوله: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ)
أيها المؤمنون: وأمَّا صاحبُ همِّ الدنيا، فهو ذاك المَغْرُور، الذي ملكتْ عليه العاجِلة شغاف قلبه، فَلِأَجْلِها يرضى ويسخط، ويُوالِي ويُعادِي، يَتَهَلَّل إذا ذُكِرَتْ، ويَشْمَئِز إذا ذُمَّت، فبشاشته وهشاشته، وعتابه وملامته، لأجل الدُّنيا وللدنيا. ألْهَاهُ مالُه وما كسب عن ذكر ربه، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، صاحب هذا الهم والحال، يعاقَب في العاجِلة قبل الآجلة، بأمورٍ ثلاثة: أولاها: أن يُشَتِّتَ اللهُ عليه شمله، فتراه وإن حصَّل الثَّراء، أو بلغ المنصب والأضواء، مشتتَ البال، هائم الفكر، مضطرب النفس، كثير القَلَق، لا بركة في مالِه وَولَدِه، القلوبُ لا تجتمع عليه، والقَبُول لا يُكْتَبُ له. مبغوضٌ في الأرض وفي السماء.
أيها الأخوة والأخوات في الله : وعقوبةٌ ثانيةٌ تحل على مَن جعل دنياه همه، أن يجعلَ الله فقره بين عينيه، فهو إن كان غنيّاً، لا يعيش حياة القناعة أبداً، فمهما حَصَّل وكسب وكنز، يرى خطر الفقر ماثِلاً أمامَه، ويخيم على خاطره هاجِس الحاجة، والخوف منَ المستقبل، يزداد حِرْصُه كلما زاد ثراؤُه، وتزهو نفسُه كُلَّما لمع بَريقُه… هذا الحريصُ اللاَّهِث وراء طَنين الدُّنيا ورنينها، هو في الحقيقة عبدٌ لما يطلُب، وهذه هي التَّعاسَةُ، التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابها بقوله: (تَعِسَ عبد الدينار، وعبد الدرهم، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ) وأمْرٌ ثالثٌ يُلاقِيه صاحب هذا الهم: أنَّه لا يأتيه مِن دنياه إلاَّ ما قدر له، فهو وإن تعنَّى وكدح، وكد ومدح، فلن يستعجلَ أو يزيدَ في رزق الله له، بهذا نفث رُوح القُدُس في روع النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لن تموتَ نفسٌ حتى تستكملَ رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطَّلَب). أصحاب هذا الهم استعاذَ مِن حالِهم، خيرُ البشر صلى الله عليه وسلم فكان يقول في دعائه: (اللهُمَّ لا تَجْعلِ الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا) … تلك عباد الله حال مَن هَمَّ لأمر أُخراه، وخبر مَن أراد دنياه، فجعلها مقصده، ومنتهى مُناه… نسأل الله تعالى أن يحييَ قلوبنا مِن غفلتها، وأن يعليَ هِمَمنا في طاعته، وأن يجعلَنا مِمَّن أراد الآخرة، وممن سعى لها سعيها، وهو مؤمن. إنَّه نِعم المجيب، ونِعم القريب.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: إن الله عز وجل يتفضلُ على عباده بمواسم للطاعات، تزيد فيها الأجور والحسنات، فمن يغنمها يفز ومن يتكاسل فيها يكن من الخاسرين، وها نحن عباد الله قد دخلنا في شهرٍ عظيم ألا وهو شهر شعبان، والذي مضى منه أسبوع كامل، وهذا الشهر كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه؛ فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور، فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُ حتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إلَّا رَمَضَانَ، وما رَأَيْتُهُ أكْثَرَ صِيَاماً منه في شَعْبَانَ. ولهذا ينبغي للمسلم أن يكثر من الصوم في شعبان؛ تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتساباً لثواب الله عز وجل، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) إما أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، أو أياماً ويفطر أياماً، أو أياماً متتابعة حتى يبقى يوماً أو يومان على رمضان ثم يفطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصوم شهراً كاملاً إلا شهر رمضان. ومن أسباب الصيام في هذا الشهر أنه يغفل الناس فيه عن الطاعات وأنه ترفع فيه الأعمال والحسنات إلى الله تعالى، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال قلت يا رسولَ اللَّهِ! لم ارك تَصومُ شَهْراً منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ؟ قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ) كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَه تَعَالَى لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ)
أيها المؤمنون: وإن مما يجب التنبيه عليه مع دخول هذا الشهر أن من كان عليه قضاء من رمضان الماضي فيجب عليه المبادرة إلى القضاء قبل دخول رمضان، فعلى الأب والزوج أن يذكر زوجته وأولاده بقضاء ما فاتهم، فإن كثيراً من الناس يتساهلون ويتناسون حتى يدخل عليهم رمضان آخر فيترتب على هذا التسويف والتساهل الإثم والكفارة. فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ (ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان، أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر). عِبَادَ اللهِ: العمر لحظات، والأيام تمضي سريعاً، وكلما مضى يوم اقترب أجلك، ومضى بعضك، فرمضان الفائت كأنه كان بالأمس، فالسعيد الذي يغتنم الأوقات بالخيرات، والغافل من تناسى ذكر الله واشتغل بالملهيات، فالعمر مزرعتك، إن زرعت خيراً حصدت خيراً، وإن زرعت شراً فلا تلومن إلا نفسك.
مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ
وَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ المُبَارَكْ
فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ جَهْلاً
بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْذَرْ بَوَارَكْ
فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَّاتِ قَسْراً
وَيُخْلِي المَوْتُ كُرْهاً مِنْكَ دَارَكْ
تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الخَطَايَا
بِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعَلْ مَدَارَكْ
عَلَى طَلَبِ السَّلاَمَةِ مِنْ جَحِيمٍ
فَخَيْرُ ذَوِي الجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَكْ
اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا ذا الجلال والإكرام.. اللهم وأهل علينا شهر رمضان المبارك برحمتك وغفرانك.
اللهم وفقنا للتوبة النصوح، واهد قلوبنا، وأصلح نياتنا، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ رئيس وزرائه سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ، وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ.. اللهم كن لأهلنا في فلسطين والأقصى وغزة، كن لهم ناصراً ومؤيداً ومعيناً، اللهم ارحم ضعفهم، وارفع البلاء عنهم، واخذل عدوهم ومن بغى عليهم، اللهم ولا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يرحمهم…
اللهم أحفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك وحصنه بتحصينك وأكلاه برعايتك وعنايتك واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)