شهر رمضان فرصة للتغيير
فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
14 رمضان 1446 هـ – 14 مارس 2025 م
الحمد لله، لا ينال السعادةَ والكرامةَ إلا مَنْ أطاعه واتقاه، ولا تَطِيب الحياةُ إلا بالقرب منه ونَيْل رضاه، نحمده جل في علاه، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، لا معبودَ بحقٍّ سواه، ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه، وخليلُه ومصطفاه، وأقربُ الخلقِ من مولاه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: التغيُّر والتغيير سُنةٌ كونيَّة، وإرادةٌ إلهيَّة؛ فطبيعة الحياة في تقلُّب وتبدُّل، وتغير وتلوُّن، تأمَّلْ في الكون، في طبيعته، ومناخه وأحواله، ترَى أن الحال لا تدوم فيه على حال واحدة، وكذلك سُنَّة التغيُّر في بني الإنسان… هي واقعٌ مشهود، وحالٌ منشود، فأنتَ أنت -يا عبدَ الله- لستَ أنت قبلَ خمس سنوات، وأنت اليوم، لستَ أنت بعد سنين إن طالتْ بك الأيَّام، فالإنسان في دنياه متغيِّر من حالٍ إلى حال، متغيِّرٌ في صحته وقدراته، متغيرٌ في تفكيره وعقله متغير في عملِه وعلمه وإيمانِه. فليس في هذا الكون وقوف، الكلُّ يسعى؛ إما إلى الأحسن، وإمَّا إلى الأسوأ. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (كلُّ الناس يغدو، فبائعٌ نفسَه فمُعتِقها، أو موبِقها) … عباد الله: الكثيرُ من الناس يبحث عن تطوير النفس، وتقدُّم الذات، وقد يُنفق المالَ والوقت؛ للحصول على دوراتٍ في التغيير، وتربية الذات، وفنِّ التعامل. وهذا شيءٌ حسنٌ يدلُّ على الوعي، ونُضْج العقل، ولكن هل سألْنا أنفسَنا عن أمر التغيُّر المتعلِّق بالتديُّن والاستقامة، هل استقامتُك أخي الكريم هي هي استقامتك قبلَ أشهر أو سنوات؟! هل تديُّنُك وطاعتُك وقرباتُك في ازدياد، أم إلى نقصان؟! وهل علاقتُك مع ربِّك في تقدُّمٍ، أمْ في تأخُّر؟! ماذا عن تعظيمك لشعائر الله؟! وماذا عن وقوفك عندَ حدود الله؟! أسئلة وأسئلة، يحملُ كلُّ واحد منَّا إجابتَها، وكلٌّ أدرَى بعيوب نفسه وتقصيرها وتفريطها.
أيها المسلمون: إنَّ خطاب التغيير أوَّل ما يُوجَّه إلى ذلكم الشخص -رجلاً كان أو امرأة -وكلنا واللهِ هو ذاك الشخص- الذي أثقلتْه الآثام، وكبَّلتْه الغفلة، وأقعدتْه نفسُه الأمَّارة بالسوء، فلا يزال للهوى متَّبِعاً، وللذته الطائشة طالباً، ذاك الشخص الذي ربَّما أدمن على المحرمات، وهَجَر الباقيات الصالحات، ربما تلصَّص على المحارم، وارتكب ما شاء مِن المآثم، ربَّما عاش بعيداً عن ربِّه، متعرِّضًاً لسخطه، مُيمِّماً وجهَه نحوَ الهوى والشيطان.. ومع ذلك كلِّه، فذاك الشخص-رجلاً كان أو امرأة- يتمنَّى ويتمنَّى، يتمنَّى ماذا؟! يتمنَّى أن يُغيِّر حالةَ الشقاء التي يعيشها، وشؤم المعصية التي جثمتْ على حياته، كم فكَّر وفكَّر، أن يُغيِّر وضعَه ويتغيَّر، فيلحقُ بركْب الطائعين، ويُذلِّل وجهَه لله مع القانتين الساجدين! كم تمنَّى أن ينامَ قريرَ الجَفْن، وقد أدَّى حقَّ الله تعالى عليه! وكم تاقتْ نفسُه أن يكون حاملاً للقرآن، تالياً له آناءَ الليل، وأطرافَ النهار! كم تمنَّى أن يُحافظ على فرائضِ المكتوبات، ويستكثرَ من نوافل العبادات، ويعيشَ الحياة الطيِّبة المرغوبة! إنَّها أمنياتٌ وأمنيات، تدلُّ على أنَّ في النفوس بقايا من الخير، وخبايا من الإيمان.. ولكن هل فكَّر ذاك الشخص بجِدٍّ، وقرَّر بحزم، أن يعيشَ هذه الأمنياتِ واقعاً ملموساً، وشاهداً محسوساً؟ إنَّها -وربي- سهلةٌ ويسيرة على من يسَّرها الله عليه، نَعمْ عباد الله، نستطيع أن نتغيَّر؛ فالطائع يزداد طاعةً وإيماناً، والعاصي يكفُّ عن خطيئاته، ويهجُرُ ماضيَه، نعمْ نستطيع أن نتغيَّر، ونتأقلَم بعد ذلك على طاعة الله، نستطيع أن نتغيَّر إلى الأحسن، ونتطوَّر إلى الأفضل، في سلوكنا ومعاملاتنا، وأخلاقنا وطاعاتنا… إذا اقتنعنا أولاً: بأهمِّيَّة التغيُّر، وإمكانية التغيير، ولنعلم ثانياً: أنَّ وسائل الوصول إلى هذا الهدف متعدِّدة؛ فأول ما نبدأ به في تغيير النفس: (تصحيحُ النية)، أن نُغيِّر أوضاعَنا، ونُصحِّح أحوالنا؛ ابتغاءَ مرضات الله، ورجاءَ نواله وأعطياتِه. وإذا صَحَّح العبدُ نيتَه، وأراد وجهَ ربِّه، أُجِر على هذه النية الخَيِّرة، والبداية الصالحة. يقول صلى الله عليه وسلم: إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات، وإنَّما لِكُلِّ امرئٍ ما نوَى، فمَن كانت هِجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ، فَهِجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ، ومن كانت هجرتُهُ إلى دُنْيا يصيبُها، أوِ امرأةٍ يتزوَّجُها، فَهِجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليهِ) فالنيَّة الطيِّبة، لها دَورُها في إصلاح النفس، وأثرُها في تكفير الخطايا وإن كَبُرتْ؛ يقول أهل العلم رحمهم الله: (والنوع الواحد من العمل، قد يفعله الإنسانُ على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر اللهُ به كبائرَ الذنوب؛ كما في حديث البطاقة).الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللهَ سيُخلِّصُ رجلاً من أُمَّتي على رُءُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلاً، كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى لَهُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئاً ؟ ، فَيَقُولُ : لا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ عزَّ وجلَّ: أَلَكَ عُذْرٌ أو حَسَنَةٌ، فَيُهَابُ الرَّجُلُ ، فَيَقُولُ: لا يا رَبِّ ، فَيَقُولُ عزَّ وجلَّ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ وَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ ؟ ، فَيَقُولُ عزَّ وجلَّ: إِنَّكَ لا تُظْلَمُ ، فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ) فهذا الحديث الشريف، فيه أن توحيد الله عز وجل، يكفر الله به الخطايا التي لا تقتضي الردّة والخروج من الإسلام، أما الأعمال التي تقتضي الردة، فإنها تناقض كلمة التوحيد، وتصبح لفظًاً مجرداً لا معنى له، قيل للحسن البصري رحمه الله: إن ناساً يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة. فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.
عباد الله: ومن المعالم الدالة على إرادة التغيير: أن يكون العبدُ كثيرَ الندم، شديدَ التأسُّف على ما مضى وكان، في أيَّام الغفلة والعصيان. إذا تذكَّر حالَه الأولى تلجلجتِ الحسرة بين جَنباتِه، وظهر الأسى على مُحيَّاه. وهذه هي هي التوبة؛ يقول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (الندمُ توبةٌ). هذا الندم -عبادَ الله- يفعلُ فِعلَه في حال العبد، فيَظهرُ أثرُ التغيُّر فيه، فتراه رقيقَ القلب، عظيمَ الخشية، سريعَ الدمعة، كثيرَ الاستكثار مِن فعل الحسنة، والحسنة بعدها، فكان بندمِه هذا كمَن لا ذنبَ له. وكان بعد ذلك قريباً من ربِّه، حائزاً محبَّتَه: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ) وهذا العبد بتغيُّره وتوبته قد ربطَ وصالَه مع ربِّه، فكان الله فرحاً برجوع عبده إليه، كما صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلاً، وبِهِ مَهْلَكَةٌ، ومعهُ راحِلَتُهُ، عليها طَعامُهُ وشَرابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وقدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ، حتَّى إذا اشْتَدَّ عليه الحَرُّ والعَطَشُ أوْ ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: أرْجِعُ إلى مَكانِي، فَرَجَعَ فَنامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فإذا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ) وفي روايةٍ: (فاللهُ أشدُّ فَرَحاً بتوبةِ العَبدِ المؤمنِ من هذا) هذا التغيُّر الذي يحبُّه الله، ويفرح له، قد أعدَّ الله لصاحبِه الأجورَ العظيمة، والحسناتِ الوفيرة؛ قال تعالى: (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)
أيها المسلمون: ومن علامات صدق التغير نحو الأفضل: أن يكون العبد لوَّاماً لنفسه، كثيرَ المحاسبة لذَاتِه… إذا نظرتْ عينُه لحرام، عادَ لنفسه وحاسبَها على هذه النظرة المحرمة، وإذا سَلَق لسانُه الأعراض، عاتبَ نفسَه على هذه الكبيرة، وإذا امتدت يده لحرام من رشوة، أو اختلاس، أو سرقة، أو أكل لأموال الناس بالباطل، عادَ لنفسه وحاسبَها على هذا الجرم المحرم.. وإذا شعر بأنه قد قطع رحمه أو أساء لأهله أو جيرانه عادَ لنفسه وحاسبَها على هذا التقصير وبادر بالوصل والاعتذار… وإذا قصَّر في النوافل فيما فات، عاهدَ نفسَه على اغتنامها فيما هو آتٍ، وهكذا تكون المحاسبةُ والمعاتبة للنفس قريبةً من شعورِه، لا تنفكُّ عن أحاسيسه. يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَداً ، أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)… عباد الله: ومِن علامات صدق التغيير: أن يكونَ العبدُ عاليَ الهِمَّة، قويَّ العزيمة في طلب مرضاة ربِّه؛ كما قال موسى عليه السلام: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) ترى هذا العبد المتغيِّر يملك نفساً توَّاقةً نحوَ المعالي، يُنافس في خير، ويُزاحم نحو كلِّ معروف، يَضرِب بسَهْم في كلِّ ألوان الطاعات، يرتاح مع الصلاة، ويعشق الصيام، ويتمتع بالحج والعمرة، ويَحِنُّ للقرآن، ينشرح مع الذِّكْر، ويتلذَّذ بصلة الرَّحَم، ويسعد بزيارةِ المريض، ويأنس بمسح رأس يتيم، ويتحسَّس لسدِّ فاقة كلِّ كسير، يُسارِع لِجَنَّة عرضُها السموات والأرض، من خلال تلمُّس الأعمال التي يدخل من أبوابها… وهكذا هي أيَّامُه وأحوالُه، هو مِن تقدُّمٍ إلى تقدُّم، ومن حَسن إلى أحسن، يُحرِّك هِمَّتَه ويوقدها ويُعلي عزمَه وعزيمتَه قولُ ربِّه: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ)
تلك -عبادَ الله- بعضُ صور التغيُّر نحو الأحسن، وبضدِّها تتبيَّن الأشياء..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله الذِي جعل رمضان سيّد الأيام والشهور وضاعف فيه الحسنات والأجور، نحمده سبحانه ونشكره وهو العزيز الغفور، ونشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له يعلم خائنةَ الأعين وما تخفي الصدور ونشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّداً عبده ورسوله بعثه الله بالهدى والنور صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم النشور.
أما بعد فيا أيها الصائمون والصائمات: شهر رمضان فرصة من أعظم فرص التغيير في كل المجالات لمن أراد التغيير، حيث الجو الملائم، والتهيئة الربانية، والقرب من الله تعالى، والمعينات في هذا الشهر كثيرة، فرمضان فرصة الجميع للتغيير، فرصة ليصبح العبد من المتقين الأخيار، ومن الصالحين الأبرار، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). ورمضان فرصة للتوبة والرجوع إلى الله تعالى، فرصة لتفقد النفس ومحاسبتها وحثها على الخير، فرصة للمحافظة على الصلاة وإقامتها في جماعة، فرصة للتعود على صيام النوافل، فرصة للتعود على البذل والعطاء والصدقات، فرصة للتعرف إلى الله في الرخاء، فرصة للذكر والشكر، فرصة لقيام طويل، في ليل طويل، طلباً لمرضاة العظيم الجليل. وهو فرصة للتغيير لما يسر الله تعالى فيه، من أسباب الخيرات، وفعل الطاعات، فالنفوس فيه مقبلة، والقلوب إليه والهة، ولأن رمضان تصفد فيه مردة الشياطين. فلا يصلون إلى ما كانوا يصلون إليه في غير رمضان، وفي رمضان تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ولله في كل ليلة من رمضان عتقاء من النار، وفي رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ فما أعظمها من بشارة، لو تأملناها بوعي وإدراك لوجدتنا مسارعين إلى الخيرات، متنافسين في القربات، هاجرين للموبقات، تاركين للشهوات.
عباد الله: كما أن رمضان فرصة للتغيير الأخلاقي: فرمضان بطبيعته يغرس في المسلمين الأخلاق الحميدة، والنبي صلى الله عليه وسلم أكد لنا على ذلك، فقال: مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ). وقال صلى الله عليه وسلم: (إذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ.)
وهذه دعوة للعفو والتسامح، ومبادلة السيئة بالحسنة.. ورمضان يربي في الأفراد معنى الوحدة والترابط والتآخي والشعور بالآخرين، قال صلى الله عليه وسلم: مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم وتعاطُفِهِمْ مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) ويتعود المسلمون ذلك الفضل حينما يمسكون في وقت واحد، ويفطرون في آن واحد، ويشعر الغني بجوع الفقير، ويقف الجميع مصطفين في صلاة التراويح والقيام يدعون رباً واحداً وقبلتهم إلى الله تعالى واحدة… ورمضان فرصة عظيمة لكظم الغيظ والعفو عن الناس؛ لأنه يعود المسلم على الصبر والتحمل، فمن يستطع الصبر على الجوع والعطش مع شدة الحر، يستطيع أن يكظم غيظه ويصبر على أذى غيره، كما قال الله تعالى في وصف أهل الإيمان: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
اللهم أيقظنا جميعاً من سبات الغفلات قبل الممات، اللهم لك الحمد كما هديتنا للإسلام وبلغتنا رمضان، أعنا على تغيير أنفسنا الأمارة بالسوء إلى نفس مطمئنة تأمرنا بالخير والصلاح، وثبتنا على الإسلام إلى أن نلقاك وأنت راض عنا غير غضبان.
اللهم وفقنا للعمل بما يرضيك، وجنبنا أسباب سخطك ومعاصيك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم حبب إلينا الأيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم يا مغير الأحوال ويا مدبر الأمور، نسألك أن تبدل حال أمتنا ومجتمعاتنا الى أحسن حال، اللهم اجمع على الحق كلمتنا واغفر لنا وأصلح أحوالنا، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ رئيس وزرائه سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ..
اللهم يا ناصر المستضعفين والمظلومين أحفظ المسلمين في كل مكان، اللهم أحفظهم في غزة من التهجير والتشريد، وأمنهم في وطنهم وثبتهم على أرضهم، اللهم من أراد بهم سوءاً فاجعل كيده في نحره، ورد بأسه عليه، اللهم كن لهم عوناً ونصيراً، وأبدل خوفهم أمناً، وحزنهم فرحاً، وفرج عنهم كربهم، وارحم شهدائهم، وداو جرحاهم وفك أسر أسراهم، وانصرهم على من بغى عليهم إنك ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين وأشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم والدينا وارحم موتانا وموتى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين… اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)