فضل كلمة حسبنا الله ونعم الوكيل
فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
29 ربيع الآخر 1446هـ – 1 نوفمبر 2024 م
الحمد لله العليم الغفار، النافذ قضاؤه بما يجري من الأقدار، يُدني ويبعد، ويُشقي ويُسعد، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ) نحمده سبحانه ونشكره على جزيل إنعامه، وعطائه المدرار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يكوِّر النهار على الليل، ويكوِّر الليل على النهار، ونشهد أن محمداً عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير والمصطفى المختار، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأبرار، وأصحابه الأخيار من المهاجرين والأنصار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: كلمة حسبنا الله ونعم الوكيل، كلمة إذا نطقت بها الأفواه، هزت في النفوس وجدانها، وتعلقت الأرواح خارج عالمها، هي مفزعنا إذا ضاقت الكروب، وهي ملاذنا إذا عظمت الخطوب، هي الكلمة التي تقف على طرف اللسان حين يأخذ الخوف والحزن مكانه في القلب، وهي العبارة التي تلوح أمامنا حين تنقطع وتتخلى عنا الأسباب الأرضية…
حسبنا الله ونعم الوكيل، ما أكبر معناها! وما أعظم دلالتها! وما أشد أثرها! حسبنا الله ونعم الوكيل، استشعرها إبراهيم الخليل حين حمله أهل الشرك ليلقوه في النار، فلما بصرت عينه النار، ردد بلسانه، وقد ملئ قلبه توحيداً: حسبنا الله ونعم الوكيل، فقال الله: (يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) حسبنا الله ونعم الوكيل، استشعرها محمد صلى الله عليه وسلم بعد غزوة أحد، فقيل له وقد تجمعت عليه الكلوم والهموم: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) فقال هو وأصحابه: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) حسبنا الله ونعم الوكيل، هي منهج حياة، نلوذ بها، ونعتصم بهداها في أحوالنا كلها، هي سلاحنا قبل القوة المادية، والأسباب الأرضية، هي هتافنا حين نرى تسلط أهل الطغيان والإجرام على رقاب المستضعفين والمظلومين والمعذبين في الأرض، نرددها حين نسمع تسافل أهل الزندقة على شرائع الدين، ومقام وقامات المرسلين، حسبنا الله ونعم الوكيل، هي سلوانا إن قلت أموالنا، وجفت موادنا، وشحت مصادرنا، هي مفزعنا إذا عمت الشهوات وتعلقت القلوب بالفتن والمغريات فلا شيء إلا الله، لا حول إلا حوله، لا قوة إلا قوته، لا إرادة إلا إرادته. (حسبنا الله): كلمة التجاء يستشعر فيها العبد اسم الله الحسيب، والحسيب هو: الكافي، فهو سبحانه كاف من توكل عليه، وفوض أمره إليه.
هو سبحانه يكفي عبده ما أهمه من ضر، ويجلب ما رجاه من خير. (ونعم الوكيل): أي كفيل على أمورنا، قيم على مصالحنا، حسبنا الله ونعم الوكيل: عقيدة راسخة، تعني: توكل العبد على ربه، والتجاءه إليه، وافتقاره لعونه وتسديده، ومدده وتوفيقه.
فيا أهل التوحيد، هذا أصل التوحيد، التعلق بالله جل جلاله، وارتباط القلوب بخالقها وموجدها، وبالذات إبان مصائبها ومحنها وأزماتها، فلا خلاص ولا نجاة من محن الدنيا إلا بحبل السماء؛ يقول جل وعلا: (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) إذا تعلقت القلوب، بحول وقوة علام الغيوب، تناهت في ذلها وعبوديتها، فصغر وضعف كل شيء إلا حوله وقوته، إذا التجأت الأفئدة، بربها استشعرت هيمنة الله على الحياة، فلا يجري في الكون شيء إلا بعلمه وإرادته، وقدره ومشيئته، فحق للقلوب بعدها أن تعيش مساحات من التوكل وتفويض الأمور لله عز وجل.. ومن كانت هذه حاله، فهو أهل لمحبة الله؛ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) مَنْ كَانَ هَذَا مَخْبَرَهُ، فَقَمِنٌ أَنْ يَحْفَظَهُ رَبُّهُ وَيَكْفِيهِ؛ (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) يا أهل التوحيد، التعلق بالله: عزٌ واستعلاءٌ وكرامةٌ، والتعلق بما دون الله: ضعفٌ وهوانٌ ومهانة. التعلق بالله هو وربي برهان التوحيد، ودليل الإيمان، يحيي الهمم الفاترة، ويوقظ النفوس الغافلة، ويقذف في القلوب شحنات من التذلل والافتقار، وتلك والله مقامات يحبها الله ويرضاها، ويجزي أهلها الجزاء الأوفى.. إننا يا عباد الله نعيش في حياة ملؤها الألم، آلام وأحزان وهموم وغموم، لا يسلم منها إنسان، هكذا قضى الله وقدر؛ أن نكابد مشاق هذه الحياة. قال ربنا جل وعلا: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) أقدار تجري علينا ربما أحرقت القلب ومزَّقت نياطه، لكن سلوةً تسلو بها القلوب وتهدأ به النفوس لا تفارق القلوب المؤمنة لتخرج من مصائبها وأزماتها وابتلاءاتها راضيةً مطمئنةً. إن سلوة الأحزان وزاد أهل الإيمان أمام مشاقّ هذه الحياة التعلق بالله، إن القلوب المؤمنة جعلت التعلق بالله زاداً لها في هذه الحياة. قلوب لا تعرف إلا الله، إن خافت اتجهت إلى الله فأمَّن خوفَها، وإن ضلَّت سألتِ الله فهداها صراطه المستقيم، وإن تألمت اشتكت إلى الله فسمع شكواها وكشف بلواها، قلوب تعلم أن الله هو النافع الضار فلم تتجه لأحد سواه، يقول جل وعلا: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وقال صلى الله عليه وسلم: إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ ).
أيها المؤمنون: إن من أعظم وأشد من عرف ربه وتعلق به والتجأ إليه؟ وفوض أمره لخالقه واعتصم به؟ رسل الله، وصفوته من خلقه، وخيرته من عباده عليهم الصلاة والسلام. استعرضوا حياتهم كما قصها القرآن، لتروا أن التعلق بالله وحده هو رفيقهم، وبث الشكوى إليه هو حداؤهم. كم تعرضوا في حياتهم لمحن وإحن، فلم يلتفتوا يميناً وشمالاً، وإنما شمخت جباههم إلى السماء، يستمطرون الفرج والمخرج ورفع العناء… سفه نوح في عقله، وزجر وعنف، حتى أيس من قومه، وضاق عليه كربه، فالتجأ إلى ربه بالدعاء؛ قال الله عنه: (فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ، فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ، وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) صَرَخَ قَوْمُ مُوسَى: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) فَقَالَ كَلِيمُ اللهِ موسى عليه السلام وَقَدِ امْتَلَأَ قَلْبُهُ تَعَلُّقًا وَيَقِيناً: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ، وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) ركب يونس بن متى عليه السلام مع الراكبين، فساهم فكان من المدحضين، فألقي في لجج البحار، وانقطع عنه الضوء والنهار، فالتجأ إلى ربه بالتسبيح والاعتراف؛ (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).. مَرِضَ أَيُّوبُ عليه السلام وَطَالَ عَلَيْهِ الدَّاءُ؛ فَفَزِعَ إِلَى رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ؛ (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فقال الله تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) تألم يعقوب عليه السلام لفقد يوسف، ولازمته أحزانه، حتى ابيضت عيناه، من كثرة تضرعه لربه وشكواه، فبرد الله عليه حر فراق الولد، وأذهب عنه ألم الكآبة والكمد.. تعرضت ليوسف عليه السلام فتنة الشهوات، وتهيأت له كل صور المغريات، فما عصمه من هذا البلاء إلا التعلق بالله والدعاء؛ (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) إنها قلوب تعلقت بالله رغباً ورهباً، كانوا مع الله، فكان الله معهم... التعلق بالله مبدأ ربى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صحابته رضي الله عنهم وزكى أرواحهم بهذه العقيدة الصافية، ثقل على الصحابة قول نبيهم صلى الله عليه وسلم: (كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدْ الْتَقَمَ القَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالنَّفْخِ، فَيَنْفُخَ)، فَتَأَثَّرَ الصَّحَابَةُ رضوان الله عليهم مِمَّا سَمِعُوا، حَتَّى رُؤِيَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِهِمْ، فَقَالُوا: كَيْفَ نَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: قُولُوا: (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ).
هذه التربية المحمدية الإيمانية في التعلق بالله شملت جميع الصحابة على اختلاف أعمارهم، قال رسول الله لصاحبه ورفيقه أبي بكر الصديق، وقد علته الأحزان في الغار: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) وَقَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ الشَّابُّ: (اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ) وَأَوْصَى ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ غُلَامٌ: (تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ).
عباد الله: الالتجاء إلى الله والتعلق به، ليس خاصاً في حال الضراء، بل يستصحب حتى في حال طلب الخيرات، واستجلاب المنافع؛ قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) وَهَذَانِ الحَالَانِ أَعْنِي: اسْتِشْعَارَ جُمْلَةِ: (حَسْبُنَا اللهُ) حَالَ طَلَبِ خَيْرٍ أَوْ دَفْعِ شَرٍّ ذَكَرَهُمَا المَوْلَى تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصالحين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله العالمين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله إمام المرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: ما أحوجنا ونحن اليوم نعاني مشاكلَ وأزمات، وشدائدَ ومحناً، وبلايا وفتناً، وآلاماً وأمراضاً، وحروباً، ونكبات، وأوجاعاً.
ما أحوجنا أن نُعنى بكلمةِ حسبنا الله ونعم الوكيل، أن نعيش مع هذه الكلمة العظيمة المباركة، مُتأملين معناها، متدبرين دلالتها، وأن نأتي بها في مواضعها المناسبة، مع الأخذ بالأسباب؛ لنُكْفى ونُوقى بإذن الله عزَّ وجلَّ. نعم يا عباد الله ينبغي ألا يُفهَمُ أن نُوارِيَ عجزَنا وكسلنا وضَعفنا وراء الحسبَلَة أو الحوقَلَة، فهذا مظهرٌ من مظاهر الضَّعفِ، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُ أصحابَه ويربيهم على مواجهة الأحداثَ والمواقِف بحسبنا الله ونِعمَ الوكيل، مُستشعِرين جلالةَ معانِيها، وعظيم مدلُولِها، مع العملِ الجادِّ، واتخاذِ الأسبابِ بحكمةٍ وبصيرةٍ، قال صلى الله عليه وسلم: (المُؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المُؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُك واستعِن بالله ولا تَعجِز).
حتى سلفنا الصالح رضوانُ الله عليهم، قد سلكوا مسلك هذه الكلمة العظيمة آخذين بالأسباب متوكلين على الله، فلم تُؤثِّرُ فيهم الأوهام، ولم تُزعِجُهم الحوادِث، ولم يتسرَّبْ إليهم خوفٌ ولا ضعف، لعلمِهم أن الله يتكفَّل بمن توكَّل عليه بالكفايةِ التامَّة، فوثَقوا بالله واطمئنُّوا إلى وعدِه، فزال همُّهم وقلَقُهم، وتبدَّل عُسرُهم يُسراً، وحُزنهم فرَحاً، وخوفُهم أمنًاً.
أيها المؤمنون: إذا نزلَت بالعبدِ نكبةٌ، وألَمَّت به مُصيبةٌ، وقال: (حسبيَ الله ونِعمَ الوكيل) تفرَّغَ قلبُه من كل شيءٍ إلا الله وحده، وهذا يجعلُ المكروبَ والمُبتلَى يُحسُّ في قَرارَةِ يقينِه وقلبِه أن الأمورَ بيدِ الله. فسُبحان ذي المَلَكُوت، وسُبحان ذي الجَبَرُوت، سُبحان الحيِّ الذي لا يموت.
فتَهُونُ عليه الهُموم مهما بلَغَت، والكُرُبات مهما وصَلَت. ولذا قال داعيةُ آل فرعون:
(وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) وقال يعقوبُ عليه السلام: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) … (حسبُنا الله ونِعم الوكيل) دُعاءُ مسألة، وعِلاجٌ لكل ما يُهِمُّ المُسلِمَ من أمرِ الدنيا والآخرة، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (من قال إذا أصبحَ وإذا أمسَى: حسبِيَ الله لا إله إلا هو عليه توكَّلتُ، وهو ربُّ العرش العظيم سبعَ مراتٍ؛ كفَاه الله ما أهمَّه). (حَسْبُنَاْ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْل) دُعَاءٌ قَالَتْهُ أُمُ المُؤمِنِينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها حِيْنَمَا اُتُّهِمَتْ فِي عرْضِهَا، فَنَزَلَتْ الآيَاتُ بِبَرَاءِتِهَا، وَشَهِدَ اللهُ تعالى بِطُهْرِهَا وَعِفَّتِهَا، وَكَذَّبَ كُلَّ مُتَّهِمٍ لَهَا: قال جلا وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) …
فالحمد لله – أيها المؤمنون – الذي شرع لنا في ديننا مثل هذه الكلمات، قليلة المبنى، عظيمة المعنى، كثيرة الفائدة.
نسأل الله سبحانه أن يجعلني وإياكم من عباده الصالحين، وأن يرزقني وإياكم الفقه في الدين وان يجعلنا من الهداة المهتدين لا من الضالين المضلين إنه سميع مجيب الدعاء..
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا آواخرها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم إنا نسألك عيشة هنية وحياة رضية، وميتة سوية اللهم ارحم في الدنيا غربتنا، وفي القبور وحشتنا ويوم العرض عليك ذل وقوفنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ رئيس وزرائه سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ، وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ.
اللهم كن للمستضعفين والمظلومين والمعذبين في كل مكان كن لهم ناصراً، ومؤيداً، ومعيناً، وظهيراً. اللهم كن لأهلنا في فلسطين والأقصى وغزة ولبنان وفي كل مكان، اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وارفع درجتهم وأخلفهم في أهليهم، وارحم أطفالهم وشيوخهم ونسائهم، واكتبهم من الشهداء عندك، اللهم أزل عنهم العناء، واكشف عنهم الضر والبلاء، اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، اللهم ورد عنهم كيد الكائدين، وعدوان المعتدين يا رب العالمين… اللهم أحفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك وحصنه بتحصينك وأكلاه برعايتك وعنايتك واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)