خطبة الجمعة.. في وداع العام الهجري 1445هـ   دروس وعبر

في وداع العام الهجري 1445هـ   دروس وعبر

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

 

الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، وتبارك الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بعثه بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعيّاً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: كل شيء مما خلق الله تعالى يتغير، وكل ما هو حادث يتبدل، ولن يبقى شيء في هذا الكون علويه وسفليه على ما هو عليه، وليس من شيء عليه إلا وله نهاية؛ فالكل سيهلك، والجميع سينتهي، ولن يبقى في الوجود إلا خالقه وموجده ومدبره؛ يقول سبحانه: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أيام تتبعها أيام، وسنوات تتلوها سنوات،

وفصل يتبعه فصل، وليل يعقبه نهار، وجيل يخلفه جيل، وهكذا حياة يتبعها موت، ثم تليها حياة أخروية سرمدية لا نهاية لها. أعوام مضت بأعمارنا وأعمالنا، وأعوام آتية تقربنا من آجالنا، وتنقص من حياتنا، أعوام رحلت بخيرها وشرها، وحلوها ومرها، وأعوام تنتظرنا لا نعلم ما قدر لنا فيها، ولا كم بقي لنا منها.

 أيها الأخوة والأخوات في الله: في أيامنا هذه نودع عاماً هجرياً ماضياً، وها هو يلفظ أنفاسه الأخيرة من غير رجعة، ونستقبل عاماً آخر جديداً، وها هي نسائمه تهب؛ ولنا في ذلك أعظم الحكم وأجل العبر؛ يقول الله تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) وفي خطبتنا هذه عباد الله، سنتحدث حول العبر والحكم من تغير الأيام وتبدل الأعوام من خلال نقاط نسوق بعضاً منها: أولاها: إن في تغير الأزمان ودوران الدهور والأعوام وتعاقب

الليالي والأيام دروساً لهذا الإنسان، يأخذ منها العبرة ويستلهم منها العظة

قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) حيث يستنتج العبد من ذلك أنه إذا كانت أحوال الدنيا تتغير وطبيعتها تتحول فليس هذا الإنسان إلا واحداً منها، يجري عليه ما يجري على كون الله الفسيح والمتنوع، من سنن الله تعالى النافذة وقوانينه الصارمة. وإذا كان هذا الكون بما فيه من شجر وحجر وجبال وبحار وأفلاك وكواكب يأتي عليه أمر الله فيقضي على حركته وينهي وجوده؛ فكذلك هذا الإنسان، بل هو أولى لأنه المكلف بمنهج الله وتطبيق تعاليمه وشرعه على أرضه، ولا بد أن يرجع إلى ربه ليسأل عنها ويجازى عليها؛ فكما لم يكن هذا الإنسان شيئاً مذكوراً فسيأتي يوم لن يكون عليها شيئاً مذكوراً؛ لينتقل إلى حياة أخرى وعالم آخر، هو تفسير لما كان يعيشه في دنياه الراحلة، بعد أن تنقل في مراحل نموه المختلفة؛ من دار الأرحام نطفة إلى أن صار جنيناً، ثم إلى دار الدنيا طفلاً حتى بلغ أشده حتى أصبح شيخاً، ومنهم من يتوفى من قبل؛ قال الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ)

أيها المؤمنون والمؤمنات: الدنيا لها نقطة نهاية، كما كان لها نقطة بداية، وليست هذه الأعوام التي تتصرم والسنون التي تنقضي إلا دليلاً على زوالها بمن فيها؛ فإذا كانت منذ خلقها الله وهي تفني المخلوقات وتغيبهم في باطنها فسيأتي يوم بنفسها تنتهي وتزول، حيث لم يعد عليها من حياة ولا يصلح عليها من عيش؛ كما قال عز وجل: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: (وَيَسْأَلُونَكَ

عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) وأنت أيها الإنسان جزء من هذا الكون تجري عليك نواميسه، فيوم بعد يوم، وشهر يليه شهر، وعام يتبعه عام، ومرحلة بعد أخرى وأنت تقترب من حتفك حتى ينقضي بك العمر، ثم تودع دنياك وتلحق بأولى منازل آخرتك؛ وهو القبر ثم الساعة والساعة أدهى وأمر، فتفاجأ وأنت بين جميع البشر في أرض غير الأرض، وقد ظننت أنك لم تلبث عليها ولم تعمر فيها إلا ساعة من نهار؛ قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنَّ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ)

 ولله در القائل:

أَيْنَ نَمْرُودُ وَكَنْعَانُ وَمَنْ

                                   مَلَكَ الْأَرْضَ وَوَلَىَّ وَعَزَلْ

أَيْنَ عَادٌ أَيْنَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ

                                 رَفَعَ الْأَهْرَامَ مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ

أَيْنَ مَنْ سَادُوا وَشَادُوا وَبَنَوْا

                                      هَلَكَ الْكُلُّ وَلَمْ تُغْنِ الْقُلَلْ

أَيْنَ أَرْبَابُ الْحِجَى أَهْلُ النُّهَى

                                أَيْنَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْقَوْمُ الْأُوَلْ

سيُـعيـدُ الله كـلاً منـهمُ

                             وسيَـجزي فـاعلاً ما قد فَعَلْ

ثانيها: في تغير الأعوام تذكرة للعبد فيما مضى من عمره، ودعوة له للتوبة إلى الله والاستغفار من ذنوبه ومعاصيه؛ فعامه الراحل ذهب وطويت صحائف أعماله، ولفت سجلاتها، ولا يسعنا معها سوى الندم على ما فات من الذنب، والعزم على عدم الرجعة إليه. وهذا يدعونا إلى أن نستحضر نداء الله تعالى وهو يستنهض نفوس المؤمنين بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) تلك النفس التي أقسم الله بها وعليها في أعظم وأكبر قسم في كتابه… ثالثها: في تصرم السنين والأعوام وتبدل الأحوال والأيام تذكرة للعبد في مستقبل عمره وموعد لقائه مع ربه بعد رحيله وبرزخه، ثم بعثه ونشره، ثم حسابه وجزائه؛ قال سبحانه: (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ). رابعها: في تصرم الأعوام عبرة لمن أراد شكر الله تعالى على ما أولاه من نعم عظيمة؛ شكره على نعمة خلقه كإنسان كرمه على سائر خلقه، شكره على أنفس نعمة وأعظمها؛ وهي كونه مسلماً وهداه له، شكره على نعمة الصحة والعافية، شكره على أن منحه عمراً جديداً وعاماً آخر جديداً، يستأنف فيه توبة مما سبق، ويستكثر فيه خيراً فيما لحق.

 خامسها: في وداع عام واستقبال آخر يدرك العبد إبداع الخالق وقوة المصرف وتدبير الحكيم لهذا الكون، وهو الله تعالى وحده الذي خلقه وأوجده، وهو من أتقن جماله وأبدع صنعه وهو من قنن نظامه المحكم الدقيق، وهو من تولى تصريفه وتسييره؛ ليس معه من شريك وما كان معه من إله ولم يتخذ ولياً، قال الله تعالى: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)

سادسها: في تغير الأزمان تبديل للأحوال وتغيير لتفاصيل العيش فيه؛ فهذا العالم لا يستقر له قرار، وهذا الكون لا يستمر على حال؛ بل يجري الله تعالى عليه تغييرات هائلة وتبديلات متنوعة؛ فهداية وضلال، وغنى وفقر، وأمن وخوف، وحرب وسلم، ونصر وهزيمة، وصحة ومرض، وحياة وموت وغير ذلك؛ قال الله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). سابعها: وفي وداع عام واستقبال آخر، دعوة للتفاؤل بتغير الحال، والرجاء في تحسن المآل، لمن ساءت أحواله وتنكد عيشه؛ فكم من عبد عاش حياة الكدح والتعب والشقاء في طلب رزقه، وكم من إنسان عاش الظلم والتسلط والاستبداد، وكم من إنسان عاش الخوف والقهر والإيذاء، ثم بدل الله حالهم وحسن من واقعهم، فأبدلهم بعد الفقر غنى، وبعد الخوف أمناً، وبعد الاستضعاف قوة وتمكيناً، فأحسن الظن بربك وأمل فيه خيراً؛ فبيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله؛ قال الله في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ)

ثامنها: في وداع عام واستقبال آخر فرصة لمن انشغل بدنياه فيما مضى أو تهاون فيما أمر الله وقضى، وتجاوز ما حرم الله ونهى؛ إنها فرصة جديدة للعبد أن يحسن فيما بقي من عمره ويجتهد ويستدرك ما فاته؛ فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي، رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ) وعليه ينبغي أن يدرك العبد أن العبرة بالخواتيم، والعهدة على النهايات لا البدايات، فكم عبد عمل خيراً وختم له بغيره، وكم من عبد عمل شراً وختم له بخلافه؛ وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: إنَّ العبد لَيَعمَلُ عَمَلَ أهلِ الجَنَّةِ فيما يَبْدو لِلنَّاسِ وهو مِن أهلِ النَّارِ، وإنَّ العبد لَيَعمَلُ عَمَلَ أهلِ النَّارِ فيما يَبْدو لِلنَّاسِ وهو مِن أهلِ الجَنَّةِ؛ فالظَّاهرُ للنَّاسِ غيرُ الباطنِ الذي يَعلَمُه اللهُ سُبحانه.

وفيه إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَاطِنَ الْأَمْرِ يَكُونُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، إما خيراً وإما شراً عياذاً بالله.

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك.

اللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا، واجعل غدنا خيراً من يومنا، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأحسن خاتمتنا، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: ما أسرع مرور الأيام والشهور والأعوام، وما أشدّ تعاقب الليل والنهار، وما أجرأها على هدم أعمارنا وانتقاص آجالنا. واليوم عباد الله ونحن في وداع عامٍ هجري كامل من أعمارنا، وفي استقبال عام هجري جديد..

سنة كاملة من عمر الإنسان قد تهيأت للرحيل.! ماذا أدينا فيها من أعمال؟ وماذا قدَّمنا فيها من طاعات؟ وماذا اكتسبنا فيها من أجور وحسنات؟ كم آية من القرآن قرأنا؟ وكم صلاة ركعنا فيها وسجدنا؟ وكم درهم أو دينار أنفقنا وتصدقنا؟ وكم من الأيام صُمنا؟ وكم من المعروف بذلنا؟ كم يتيم مسحنا دمعته؟ وكم مسكين فرَّجنا عنه كربته؟ وكم بائس فقير سددنا خلّته وقضينا حاجته؟ وكم مظلوم ومجاهدٍ في سبيل الله دعونا له ونصرناه؟ وكم آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر شددنا أزره وباركنا خطاه؟ كم معصية ركبنا؟ وكم نظرة خائنة نظرنا؟ وكم رجل أو امرأة اغتبنا؟ وكم من حدود الله انتهكنا؟ وكم من ضعيف ظلمنا؟ وكم من فقير أو مسكين أو يتيم أهملنا؟ وكم من الساعات والأيام غفلنا؟ سنة كاملة أُودع فيها في صحائف الحسنات ما شاء الله أن يُودع، وسُوّد فيها في صحائف السيئات ما شاء الله أن يُسوّد.. فيا ليت شعري من منَّا المقبولُ فنهنِّيه.. ومن منّا المطرود فنعزّيه.. (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) ولئن كنا قد نسينا ما فعلنا من الحسنات والسيئات.. فإنّ ذلك محفوظ في كتاب قد أحصاه الملكان.. وسطره الكرام الكاتبون.. قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وقال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)

وفي يوم القيامة يرى كلّ إنسان عمله ماثلاً أمام عينيه فيعتريه الخوف والهلع، ويُنجّي الله تعالى أهل الإيمان برحمته بعد أن أطاعوه، واتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم، وعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته، ويُهلكُ الجاحدين والكافرين بسبب أعمالهم الخبيثة، وأفعالهم الفظيعة كما قال تعالى : (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ، وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا، قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ، إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ، وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ، وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا

وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِين) وفي هذا اليوم يقف العصاة مذهولين مبهورين ويقولون: (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) فتنبه أخي المسلم قبل أن يحين موعدك فتقول: (رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ) فيقال لك: (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)

نسأل الله عز وجل أن يوفقنا فيما بقي من أعمارنا لطاعته، وأن يملأ قلوبنا حباً وتوكلاً عليه، وأن يبارك لنا في أوقاتنا ويهدينا لكل ما يحب ويرضى، وأن يختم بالصالحات أعمالنا وأن يجعل خير أيامنا يوم نلقاه، اللهم إنا نسألك التوفيق والسداد، اللهم دُلَّنَا على ما يُرْضِيك، وأَعِنَّا على فِعْلِه، اللهم إنا نسألك حُبَّك، وحُبَّ كُلِّ عمل يُقَرِّبُنا إلى حُبِّك، اللهم تَوَفَّنَا وأنت راضٍ عنا، اللهم ارزقنا التوبة والإنابة، واجعلنا من عبادك الشّاكرين الذاكرين، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا، واجعل غدنا خيراً من يومنا، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهُمَّ كن للمستضعَفين في فلسطين وفي كل مكان، اللهمَّ اجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل بلاء عافية.

اللهم ارزق أهل غزة الثبات والنصر والتمكين، وبارك في إيمانهم وصبرهم.

اللهم داو جرحاهم، واشف مرضاهم، وتقبل موتاهم، واكتبهم من الشهداء عندك وانصرهم على القوم الظالمين.

اللهم إنّا نبرأ من حولنا وقوّتنا وتدبيرنا إلى حولك وقوّتك وتدبيرك لا إله إلا أنت لا يعجزك شيء وأنت على كل شيء قدير.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وارحم والدينا وذوي الحقوق علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)