خطبة الجمعة.. قصة نبي الله هود مع قومه

قصة نبي الله هود مع قومه.

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

15 ربيع الآخر 1446هـ – 18 أكتوبر 2024 م

 

الحمد لله الواحد الأحد، الفردِ الصمد، الذي لم يلِد ولم يُولَد، ولم يكن له كُفُواً أحَد، خلقَ فسوَّى، وقدَّر فهدَى، (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبدُ الله ورسوله، وخليلُه وخِيرتُه من خلقه، بعثَه الله بين يدَي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسِراجاً مُنيراً، فبلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصحَ الأمَّة، وجاهدَ في الله حقَّ جهاده، فصلواتُ ربي وسلامُه عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى الصحابة والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوَى الله تعالى، اتقوا الله رحمَكم الله، وتأمَّلوا في الأحوال، وانظروا في العواقِب، فالسعيد من لازَم الطّاعةَ، وجدَّ في المحاسبة، ورفع أكُفَّ الضراعة، والعاجِزُ مَن ركِب سفينة التّسويف والتفريطِ والإضاعة، فالزَموا التقوَى والعملَ الصالح، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)، (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد خلق اللهُ الخلقَ ليعبدوه وحده؛ فيمتثلوا أوامره ويجتنبوا مناهيه، ويؤدوا حقوق عباده بإقامة العدل بينهم والإحسان إليهم، والابتعاد عن ظُلمهم والبغي عليهم. والله سبحانه في كتابه الكريم يأمر وينهى، ويُرغِّبُ ويُرهِّب، ويقُصُّ أحسنَ القصص للعِظة والاعتبار، وسنَّتُه تعالى فيمن عصَى وطغَى من الأمم الخالية والحاضرة والآتية لا تتحوَّل ولا تتبدَّل، يقول جل وعلا: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) ولقد قصَّ الله في كتابه خبرَ أمةٍ لم يُرَ مثلُها في القوة والاستكبار والبطش والظلم، سُمِّيت سورةٌ في القرآن باسم نبيِّها: هود، وسُمِّيت سورةٌ أخرى باسم مكانهم: الأحقاف، وهي: تلال عظيمة من الرَّمل معوجَّة قريباً من بلاد حضرموت متاخمة لبلاد اليمن، وكان زمانهم بعد قوم نوح عليه السلام.  وقد ذكر الله تعالى خبرَهم في مواضعَ عِدَّةٍ من كتابه؛ ليَعْتَبِرَ بمصرعِهم المؤمنون. كانوا أعظمَ أهل زمانهم خَلْقاً، وأطولَهم أبداناً، وأشدَّهم بطشاً، يقول الله عزّ وجلّ: (وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً) بل لم يخلُق اللهُ مثلَ قوتهم في البلاد؛ يقول سبحانه عنهم: (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ) يقول الإمام البغوي رحمه الله: (أي: لم يُخلَق مثلُ تلك القبيلة في الطول والقوة). وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب، والقوة والبطش الشديد، والطول المديد، والأرزاق الدارة، والأموال والجنات والعيون، والأبناء والزروع والثمار؛ حتى ذكر أن الرجل منهم يأتي على صخرة فيحملها على الحي فيهلكهم، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض وقهروا أهلها، بفضل قوتهم التي آتاهم الله؛ كما قال تعالى: (وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) كانت مساكنُهم عظيمةً جداً، ذوات أعمدة ضخام  وبُنيانٍ شاهق: كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ،  إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) أترَفوا أنفسَهم في مساكنهم، فكانوا يبنُون في كل مكانٍ مُرتفِعٍ بُنياناً مُحكَماً باهراً هائلاً، يفعلون ذلك عبثًاً لا للحاجة إليها؛ بل لمُجرَّد اللهو وإظهار القوة والمُفاخَرة، فأنكر عليهم نبيُّهم ذلك وقال لهم: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) لأنه تضييعٌ للزمان، والأموال وإجهادٌ للأبدان في غير فائدة، وإشغالٌ بما لا يُجدِي لا في الدنيا ولا في الآخرة، ومظهر عُجْبٍ وكبرياء.

واتخذوا لهم بروجاً مُشيَّدةً ليُخلَّدوا في الدنيا بزعمهم، يقول سبحانه: (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) والمصانع: هي القصور والبنيان والحصون، فكانوا يبنون ما لا يسكُنون، ويُؤمِّلون ما لا يُدرِكون.

فتحَ الله عليهم أبوابَ رزقِهِ؛ فزادَت أموالُهم؛ وكثُرت أبناؤُهم؛ وأنبتَ الله لهم الزروعَ؛ وفجَّر لهم العيون، قال لهم نبيُّهم مذكراً لهم بنعم الله عليهم: (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) وأمرَهم أن يتذكَّروا نعمَ الله فيشكروا الله ليفوزوا برِضاه؛ وسعادة الدنيا والآخرة: (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فقابَلوا نعمَ الله بالجُحود والنُّكران، وعبَدوا الأصنام، وهم أولُ من عبدَها بعد الطوفان: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) دعاهم هودٌ عليه السلام إلى عبادة الله وحده ونبذ الأوثان: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ). فاستخفُّوا بنبيِّهم ورمَوه بالجُنون، وقالوا له: (إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ) أي: أصابكَ (بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) أي: بجنونٍ في عقلك، وسخِروا منه وقالوا: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ) وصارَحوه بكفرهم وعنادهم وقالوا له: (وَمَا نَحْنُ لَكَ ِمُؤْمِنِينَ)

وردُّوا دعوتَه واستكبَروا عنها، وقالوا: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ) وزادوا في الطغيان فقالوا:  (إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ) أي: سنبقى على عبادة الأصنام. وأبَوا أن يتَّبِعوا رسولَهم تكبُّراً منهم؛ فقالوا: (مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) ولِغرورهم يُريدون أن يكون رسولُهم من الملائكة، فقالوا: (لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)

وأنكرُوا البعثَ والنشور، وقال بعضُهم لبعضٍ: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) بل استبعَدوا يوم الحشر والنشور فقالوا: (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ) أي: بعيدٌ بعيدٌ وقوعُ ذلك... وظلَموا ضعفاءهم؛ بغِلظتهم وجبروتهم، قال سبحانه: (وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) لم يقوموا بحق الخالق ولا المخلوق؛ تكبراً على الله؛ وتجبُّراً على عباد الله: قال تعالى: (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) والله عز وجل يُملِي للظالم، وإذا أخذَه لم يُفلِته.. سخِروا من نبيِّهم وبما دعاهم إليه، وقالوا له، (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا) أي: من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). فاستدرَجهم الله من حيث لا يعلمون، وأمسكَ عنهم القطرَ (أي المطر) فأجدبَت الأرضُ، فساقَ الله سحابةً لما رأوها مُستقبِلةً أودِيَتِهم استبشَروا وقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) قال الله: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) أي: من العذاب (رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) سلَّطها عليهم سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيامٍ حُسُوماً دائمةً لم تنقطِع لحظةً، وكانت ريحاً عقيمةً لا خير فيها ولا بركة، لا تُلقِّح شجراً ولا تَحمِلُ مطراً، صرصراً باردةً شديدةً، لمسيرها صوتٌ قويٌّ مُفزِعٌ، ( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) (مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) فأهلكَته. تحمِلُ الرجلَ منهم عالياً ثم تُنكِّسُه على رأسه فينقطِع عن جسده، فتراهم (صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) بلا رُؤوسٍ، فبادُوا عن آخرهم ولم تبقَ لهم باقية، (فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ) وأتبعَهم الله في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة، وجعلَهم عبرةً لمن بعدَهم، يقول سبحانه: (لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ)

أيها المؤمنون: اللهُ قويٌّ لا يُقهَر، عزيزٌ لا يُغلَب، كبيرٌ مُتعالٍ، وما يعلمُ جنودَ ربك إلا هو، أمرُه كلمح البصر أو هو أقرب... استكبرَ قومُ عادٍ؛ وقالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فأهلكَهم الله بالهواء.. والله للظالم بالمِرصاد لا يغفُل عنه؛ بل يستدرِجُه ثم يُهلِكُه، (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) وطلبُ النصرِ من الله نهجُ المُرسلين وأتباعهم؛ هودٌ عليه السلام استُضعِف من قومه، فقال: (رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ) فنصَرَه الله بريحٍ لا تُرى.. والتوكُّل على الله سبيلُ النصر، قومُ عادٍ أشدَّاء أقوياء؛ ولا طاقة لهودٍ عليه السلام بقوتهم، ففوَّض أمرَه إلى الله؛ وقال لهم: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) فدمَّرَهم الله. وحسبُنا الله ونِعم الوكيل قالَها الخليلان في الشدائد. والاستغفارُ والتوبةُ من أسباب القوة والأمن والرخاء، قال هودٌ عليه السلام لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) والنصرُ للمؤمنين قد يتأخَّرُ لحكمةٍ من الله، ولكنه لا يتخلف أبداً، قال عز وجل: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) وقوةُ الخلق لا تمنعُ من عذاب الله، قال سبحانه: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) والنصر مع الصبر، واليُسر مع العُسر، وإذا اشتدَّ الكربُ لاحَ الفرَجُ، (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ)

أيها المسلمون: أنصحُ الناسِ للناس من دعا إلى عبادة الله وحده والإخلاصِ له ومتابعةِ رسلِه، والله سبحانه مُطَّلعٌ على عباده رقيبٌ عليهم، من كفرَ به أذلَّه، ومن لم يشكُر نعمَه سلبَها منه، ومن تسلَّط على عباده قصَمَه، وإذا زادَ الطاغي من طُغيانه فهو أمارةُ هلاكه، قال عز وجل: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) ألَا فاتَّقوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، واسْتَغْفِرُوا ربَّكم، وأطِيعُوهُ ولا تَعْصُوه، واشْكُرُوهُ ولا تَكْفُرُوه، واقْدُرُوهُ حَقَّ قَدْرِه، لا تَسْتَهِينُوا بِحُرُماتِه، ولا تَأْمَنُوا مَكْرَهُ وعَذَابَه، واعْتَبِرُوا بِمَنْ مَضَى قَبْلَكُمْ، وبِمَا في كِتَابِ ربِّكُم: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى، وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم، ولا تعذبنا فأنت علينا قادر، والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير. ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقواه واحذروا الظلم وسوء عقباه، فإنه ظلمات لمن تغشاه! حرمه الله عز وجل على نفسه فقال: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ الذي يرويه عن ربه: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلاَ تَظَالَمُوا). وقال عليه الصلاة والسلام: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يُمْلِي لِلظّالِمِ، فإذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ (وكَذلكَ أخْذُ رَبِّكَ، إذا أخَذَ القُرَى وهي ظالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ)

أيها المؤمنون والمؤمنات: ما أحوجنا في عصر ساد فيه الصراع بين الحق والباطل، والإيمان والنفاق، والإصلاح والإفساد أن نورد قلوبنا قصص الأنبياء، فهم منارات هدى لمن بعدهم. فمعرفة أخبارهم، وسنن الله فيمن خالفهم، تزرع في القلوب الإيمان، وتشحنها باليقين، وتعيد للمؤمن توازنه في رؤيته وتفكيره، وتفسيره للأحداث، خاصة في وقت المشتتات، والتفسيرات البعيدة عن نور القرآن.

 عباد الله: في خبر قوم عاد عبر وعظات، وفوائد وإشارات؛ منها: أن الإصلاح يبدأ من توحيد الله عز وجل وغرسه، ونبذ الشرك والبدع، فقد استهل هود عليه السلم دعوته ب: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) ومنها: أن التقليد الأعمى، والتعصب للآباء، والأجداد، والإعراض عن هدايات الرسل؛ سبب لطمس القلوب وقسوتها، فلا ترى نور الحق، ولا تقبل دعوة المشفقين الناصحين. وفي خبر هود عليه السلام مع قومه رسالة للدعاة والمصلحين والآباء والمربين والمفكرين أن يسلكوا مسالك الترفق والحلم واللين، فهود عليه السلام مع كل ما وصفوه ناداهم بعبارة: (يا قوم) المشعرة باللين والشفقة، ولم يقل: يا كفرة! يا عصاة! يا فجرة! يا فسقة!

 ومن الفوائد: أن إيذاء المصلحين ونبزهم بألقاب منفرة هي سياسة المفسدين قديماً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ) فيا ويل من يؤذون المؤمنين الناصحين!  ومن دروس القصة: أنه يتعين على العلماء وطلاب العلم العزوف عما في أيدي الناس، فهو أدعى لقبول دعوتهم، وثقة الناس بهم: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) أيها المسلمون: من أنجح الأساليب التوجيهية حين تحل الغفلة: التذكير بنعم الله الدائمة في الصحة والمال والأمن والمساكن والعيش، حتى لا تزول بسبب الإعراض:  ومن أهم ما ينبغي للداعي إلى الله أن يدعو الناس إلى أن يستغفروا ربهم ويتوبوا إليه، فالاستغفار لما مضى، أما التوبة فلما يستقبل، فالعبد لا يستقيم حاله حتى يستغفر ربه مما بدر منه ولا ينسى ما قدمت يداه، وأن يحدث لكل ذنب توبة، قال هود لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) تبين لنا قصة قوم عاد أن كل معرض عن الحق يرى أنه على حق، وهذا من تزيين الشيطان، فيرى صواب قوله وفعله، والخطأ فيما عارضه، فهود عليه السلام قوبلت دعوته بوصفها ب (السفاهة).

عباد الله: في خبر عاد قانون سماوي لا يتغير، فكل دولة سادت ثم ظلمت وبطشت وكفرت بأنعم الله فمآلها إلى زوال، وأمرها إلى بوار: قال تعالى: :(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)

جعلنا الله وإياكم من أهل العظة والاعتبار، وأبعد عنا موجبات غضبه، وجميع سخطه.

اللهم أسلك بنا سبيل أنبيائك الأبرار واحشرنا في زمرتهم واجعلنا من أهل الاقتداء بهم. اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم رد المسلمين إلى دينهم رداً صحيحاً جميلاً يا رب العالمين… اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعله بلداً آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً وأصلح بطانتهم ومستشاريهم ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.

اللهُمَّ إنه قد حل بفلسطين من البلاء والضر ما أنت عليم به، وقادر على كشفه، اللهُمَّ ارفع عنهم البلاء الذي نزل بهم، اللهُمَّ إنهم حفاة فاحملهم، وجياع فأطعمهم، وعراة فاكسهم، ومظلومون فانتصر لهم، اللهُمَّ انصرهم على القوم الظالمين المعتدين.

اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم تولَّ أمرَنا، وارحم ضعفَنا، واجبر كسرَنا، واغفر ذنبَنا، وبلغنا فيمَا يرضيك آمالَنا. اللهم أنزل علينا الرحماتِ، وأفض علينا الخيراتِ، وضاعف لنا الحسناتِ، وارفع لنا الدرجاتِ، وأقل لنا العثراتِ، وامحُ عنا السيئاتِ، برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)