من محراب العبادة إلى ميدان المعاملة
فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
26 جمادى الآخرة 1446 هـ – 27 ديسمبر 2024 م
الحمدُ لله، يقول الحقَّ وهو يهدي السبيل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، هو حسبُنا ونعم الوكيل، ونشهد أنّ نبينا محمّداً عبد الله ورسوله المبعوث بكلّ خلُق جميل وفعلٍ نبيل، صلّى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبِه ذوي المكانةِ والتفضيل المثنَى عليهم بمحكَم التنزيل، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعــد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: من محراب العبادة والطاعة والمناجاة ومعاملة الخالق سبحانه وتعالى، ينطلق المسلم إلى محراب الحياة وميدانها، ليتعامل مع الخلق، وهذه سنة الله في خلقه، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فكان من لوازم معاملة العبد لربه، وقيامه بواجباته التعبدية، والتزامه بشرعه، أن يحسن معاملة خلقه، فالسلوك الحسن، والمعاملة السليمة، عنوان على صاحبها، وبرهان على صدق إيمانه وعمق إسلامه، ومدى تخلُّقه بأخلاق الإسلام ومبادئه السمحة، ثم إن الغاية المنشودة من العبادات في الإسلام هو إن تزكى النفس الإنسانية، وتوثق صله الإنسان بخالقه وبالناس من حوله، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فلا تعدٍ ولا ظلم ولا بغي يقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) …
وبالزكاة تترعرع الألفة بين القلوب، وينمو الإحسان بين الناس، وتتطهر النفس، يقول جل وعلا: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وبالصوم يتمرس الإنسان على الصبر وسائر خصال التقوى والبر.
وبالحج تتم سائر الفضائل الدينية التي تغرسها مناسكه في قلب المسلم، يقول تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ
فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) وهكذا تثمر العبادات في الإسلام ثمرتها، وتؤتي أكلها إذا صدقت نية صاحبها، وارتوت منها أحاسيسه.
أيها الأخوة والأخوات: جاء الإسلام ليهذب السلوك والأخلاق، ويدعو المسلم إلى حسن التعامل مع من حوله بطريقة حسنة وراقية وحضارية، وجعل ذلك التعامل الحسن من العبادات العظيمة، ورتب عليها سبحانه وتعالى عظيم الأجر وجزيل الثواب، ففي جانب الكلمة أمر الله تعالى عباده أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها، ومن الكلمات أجملها عند حديث بعضهم لبعض، حتى تشيع الألفة والمودة، وتندفع أسباب الهجر والقطيعة والعداوة ، يقول الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) ولم يبح الله عز وجل لعباده الجهر بالسوء إلا في أحوال محددة كحالة التظلم فقال: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً)
وفي التعامل الأسري في البيت المسلم، أمر الإسلام عباده بالمودة والرحمة كأساس لبناء الحياة بين الزوجين والأبناء والآباء، يقول جل وعلا: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وفي جانب التعامل في المجتمع المسلم بين الجيران والأقارب والضيوف والأرحام، جعل الإسلام المعاملة الحسنة علامة على قوة الإيمان وقرب العبد من ربه، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واللهِ لا يؤمِنُ، واللهِ لا يؤمِنُ، واللهِ لا يؤمِنُ، قالوا وما ذاكَ يا رسولَ اللهِ؟ قال جارٌ لا يأمنُ جارُهُ بوائقَهُ، قالوا يا رسولَ اللهِ، وما بوائقُهُ: قال شرُّهُ)
أيها المؤمنون: وفي جانب المعاملات المالية كانت دعوة الإسلام إلى التعامل الحسن من التسهيل والتيسير والأمانة والوضوح والصدق، يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِراً قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ) وفي رواية: (قال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ). يا الله، لقد تجاوز الله عنه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون لتعامله الحسن مع الخلق، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللهُ عبداً سَمْحاً إذا باعَ، سَمْحاً إذا اشْتَرى، سَمْحاً إذا قَضَى، سَمْحاً إذا اقْتَضَى) هذا الإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله، يوصي عماله وغلمانه في متجره، بأن يبينوا للناس عن عيوب بضاعته إذا وجدت، لأن ذلك من الدين ومن المعاملة الحسنة التي أمر بها الإسلام، فالمسلم الذي يضع جبهته في المسجد ساجداً لله، يستحي من الله أن يغش خلقه، والأمـة التي يعيش أبناؤها على الخيانة والغش، أمة معرضة للانهيار والسقوط … وفي إحدى الأيام، يشتري يهودي ثوباً معيباً، ولم يبين الغلام لليهودي العيب الذي فيه، ولما حضر الإمام أبو حنيفة سأل عن الثوب فقال له الغلام: بعته لليهودي بثلاثة آلاف درهم، قال أبو حنيفة: هل أخبرته على عيب الثوب قال: الغلام لا، فأخذ أبو حنيفة يبحث عن ذلك اليهودي حتى أدركه، فقال لليهودي: يا هذا، لقد اشتريت ثوب كذا وكذا من الغلام وبه عيب، فخذ دراهمك وأعطني ثوبي، فقال اليهودي: ما حملك على هذا؟ قال أبو حنيفة : الإسلام، فقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغش فقال: (من غشنا فليس منا) فقال اليهودي وهو يرى هذه المعاملة الصادقة: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
أيها المؤمنون: وفي جانب إدارة الأعمال والوظائف، وتولي أمور الناس، غرس الإسلام في نفوس أتباعه الرقابة الذاتية، ودعاهم إلى معاملة الخلق بسهولة ويسر وإرادة الخير لهم، فقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِي مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ) فهذا الموظف أو المسئول بمعاملته الحسنة دون محاباة أو ظلم أو تعدي قد يبلغ درجة عظيمة عند الله لا يصل إليها غيره وإنها لمن مكارم الأخلاق، يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ المؤمنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ) فإذا تحولت المعاملة إلى استعلاء وتكبر وجفاء كان الجزاء من جنس العمل، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمُ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُوَن حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ يوم القيامة)
عباد الله: وفي جانب البلاغ والدعوة إلى دين الله، تخير الإسلام للتعامل مع المدعوين أفضل الطرق وأرأفها وأرحمها، فقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)
أيها المسلمون: وفي جانب الحروب والعلاقات الدولية دعا الإسلام أتباعه إلى المعاملة الحسنة، فأسس الإسلام مبادئَ، ووضع آداباً وضوابط للعلاقات وللحروب والغزوات، لم تعرفها الأمم مسبقاً، من الرحمة بالأسير، وعدم التمثيل بالمقتول، وقبول الفداء، وعدم قطع الأشجار، وعدم قتل الشيوخ والنساء والأطفال وعدم هدم الصوامع والمعابد، فقد كان الأسير عند المسلمين يظل له كيانه الإنساني، وحقوقه الفطرية، من الأمان والطعام والكساء والدواء، لأن أبناء الإسلام منقذين ومصلحين لا مفسدين ومخربين، وصانعين للحياة السعيدة لا مدمرين ومتلفين لها… فهذا السلطان المظفر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله يسير ذات يوم في بعض طرقات مدينة بيت المقدس وقد نصره الله، فقابله شيخ مسيحي كبير السن، وقال له: أيها القائد العظيم: لقد كتب لك النصر على أعدائك، فلماذا لم تنتقم منهم، وتفعل معهم مثل ما فعلوا معك؟ فقد قتلوا نساءكم وأطفالكم وشيوخكم عندما غزوا بيت المقدس، فقال له صلاح الدين: أيها الشيخ: يمنعني من ذلك ديني الذي يأمرني بالرحمة بالضعفاء، ويحرم علي قتل الأطفال والشيوخ والنساء، فقال له الشيخ: وهل دينكم يمنعكم من الانتقام من قوم أذاقوكم سوء العذاب؟ فأجابه صلاح الدين: نعم! إن ديننا يأمرنا بالعفو والإحسان، وأن نقابل السيئة بالحسنة، وأن نكون أوفياء بعهودنا، وأن نصفح عند المقدرة عمن أذنب وأخطأ.. فقال الشيخ: نِعْمَ الدين دينكم، وإن ديناً فيه مثل هذه الأخلاق، يعلو ولا يعلى عليه، وأسلم الرجل وحسن إسلامه، وأسلم معه كثير من أبناء قومه. الله أكبر يا عباد الله، أين هذه الأخلاق والقيم مما يفعله الظلمة والمستبدون ومدعو حقوق الإنسان اليوم من العربدة والقتل للأطفال والنساء والشيوخ، وهدم المباني والبيوت والمساجد والمدارس وحصار الأبرياء براً وبحراً وجواً. دون أن يكون لديهم وازع أخلاقي أو إنساني، وفي ظل صمت إسلامي وعالمي رهيب لمجازرهم إلا من رحم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عباد الله: هذا هو ديننا العظيم الذي يجب علينا أن نلتزم به، وهذه هي المعاملة التي ينبغي أن نطبقها سلوكاً في واقع حياتنا إذا أردنا سعادة الدنيا والآخرة… اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصالحين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله العالمين، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الأخوة والأخوات: يعيش كثير من المسلمين، ازدواجية غريبة ومستنكرة، لا يقبلها الإسلام! فهم مسلمون في العبادات، لكنهم في المعاملات إلا من رحم الله، بعيدون عن ما نصَّ عليه القرءان الكريم، والأحاديث الصحيحة للمبعوث رحمة للعالمين، مع أن المفروض والمطلوب، أن ينطلق المسلمُ من محراب العبادة والطاعة، والمناجاة والذكر لله تعالى، إلى محراب الحياة وميدانها ليتعامل مع الخَلق بحسن الخُلُق، ويتبادل معهم المصالح والمنافع بدافع الرغبة في الأفضل، وليس هناك أفضلية بين بني البشر إلا بما تحمل قلوبهم من التقوى والخير، قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فكان من لوازم التمسك والالتزام بتعاليم الدين: حسن التعامل مع الخلق الذي يصبح عنواناً للملتزم به… وقد ينجحُ المُسلمُ في مجال العبادات من صلاة وصوم وزكاة ويُتقنها، ولكنه يَسْقُطُ في معاملة الخلق، وهذا دليل على ضُعْف في الإيمان، مما يُؤدي إلى الرسوب في امتحان يوم القيامة، يوم يَعِزُّ المرءُ أو يُهان… طَلَب عُمَرُ الْفَارُوْق رضي الله عنه مِن رَجُل أَن يَأْتِيَه بِمَن يَعْرِفه حَق الْمَعْرِفَة لِيِضمنه فِي مَسْأَلَة، فَلَمَّا جَاءَه بِالْرَّجُل ابْتَدَرَه الْفَارُوْق سَائِلاً: أَنْت جَارُه الأَدْنَى؟ قَال: لا، قَال: إِذَن فَقَد رَافَقَتْه فِي سَفَر؟ قَال: لا؟ قَال: فَلَعَلَّك عَامَلْتَه بِالْدُّرهْم وَالْدِّيْنَار؟ قَال: لا، قَال: إِذَن فَلَعَلَّك أَبْصَرْتُه فِي الْمَسْجِد يَرْفَع رَأْسَه تَارَة وَيَخْفِضُه تَارَة؛ قَال: نَعَم، قَال: اذْهَب فَإِنَّك لا تَعْرِفُه) فجعل عمرُ رضي الله عنه المعاملةَ معياراً للالتزام بالدين، فالصلاة: كما ذكرنا سابقاً ليست مجرد حركات، ولكنها عبادة مثمرة للحق والصدق، (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) والزكاة، ليست ضريبة مالية. ولكنها وسيلة وعبادة لتطهير المال وتنميته وتزكية النفوس (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) والصومُ ليس مجرد جوع وعطش، بل الغاية منه أن يرتقي المسلمُ في درجات التقوى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وفي الحديث: (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ). وفي حديث آخر: (رُبَّ صائم ليس لهُ من صومه إلا الجوعُ والعطش)، والحجُّ ليس سياحة، بل هو عبادة روحية وبدنية ومالية لاستكمال الأركان لمن استطاع إليه سبيلاً، (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) وقد يُخطئ الكثيرون ممن ثَقُلتْ عليهم العبادات فتركوها بدعوى أن الإيمانَ في القلب، وهم مخطئون بنفس درجة من يتعبد ويسيء المعاملة… وهذان الصنفان على ضلال، ولنا في هاتين المرأتين عبرة: قال رجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: هيَ في النَّارِ، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، (أي: القِطَعِ مِن الأَقِطِ، وهو اللَّبنُ المُجفَّفُ) وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ). فليست المشكلة إذن في الدين، وإنما المُشكلُة في سلوك بعض المتدينين.
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)
اللهم يا مُقَلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلوبنا على دينِكَ. اللهمَّ احفَظْنا بالإسلام قائمين، واحفَظْنا بالإسلام قاعدين، واحفظْنا بالإسلام راقدين، ولا تُشْمِتْ بنا الأعداء ولا الحاسدين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ رئيس وزرائه سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ، وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ.
اللهم إنا نستودعك إخواننا في فلسطين وغزّة والمستضعفين في كل مكان، كن لهم عوناً ونصيراً وظهيراً، اللهم انصرهم على من بغى عليهم، واحفظهم بعينك التي لا تنام، واربط على قلوبهم وأمدهم بجُندك وأنزل عليهم سكينتك وسخر لهم الأرض ومن عليها يا رب العالمين.
اللهم أحفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك وحصنه بتحصينك وأكلاه برعايتك وعنايتك واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.. اللهم اغفِر لآبائنا وأمهاتنا كما ربَّونا صغاراً، اللهم من كان منهم ميتًاً فأنزِل على قبره شآبيبَ الرحمات، وافسِح له في قبره مدَّ بصره، واجمَعنا به في جناتك جنات النعيم، من غير حسابٍ ولا عقابٍ، برحمتك يا أرحم الراحمين، ومن كان منهم حيًّاً فأطِل في عمره، وأحسن في عمله، واختِم لنا وله بخاتمة الإحسان برحمتك يا ذا الجلال والإكرام.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)