هم الآخرة وفضائل شعبان
فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
—————————————————————————
الحمد لله أهل الحمد والثناء، يُضل بعدله ويهدي بفضله، من اهتدى من عباده فلنفسه سعى، ومن عذاب الله نجا، ومن أعرض وأبى فعلى نفسه جنى، وإن الجحيم هي المأوى، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أنقذ به من الضلالة، وهدى به من العمى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وعلى طريقهم اقتفى.
أما بعــد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشرَ المسلمينَ: لقد نَصَحَ النبي صلى الله عليه وسلم الأمة الإسلامية، وتَرَكَهَا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ورَسَم لها معالم عزِّها وفلاحها، وَبَيَّنَ لها سبب شقائها وخسارتها، ودعونا عباد الله نقف معكم مع قبسٍ مِن كلامه وحديثه صلى الله عليه وسلم، ظاهر البلاغة، مختصر العبارة، عميق في معانيه، صريح في ألفاظه ومَبَانيه، حديث يُتَرْجم لنا حقيقة الهمِّ، وعاقبة كل مهموم، نُبحر مع هذا الحديث في زمنٍ تَشَعبَت فيه الهموم، وتَمَكَّنَتْ منَ القلوب مغريات الدُّنيا وملذاتها وشهواتها، واللهث المستديم وراء متاعها الزائل…صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ)
أيها المؤمنون: الهَمُّ سلاح ذو حَدَّينِ، له إيجابيات وسلبيات، فهو لبعض الناس منحة، وللبعض الآخر محنة، فإن كان معلقاً بالآخرة ومعها، فهو محمود، وصاحبه مأجور، وإن كان الهم مُتَعَلِّقًاً بالدُّنيا وغرورها، كان مذموماً… جَعَلَ الله لصاحب الهم الأخروي ثلاث مِنَح؛ يَتَفَيَّأ ظلالها، وينعم بها: الأولى: أن يجمعَ الله له شمله، وجَمْعُ الشَّمل: هو الاجتماع بكل ما يعنيه من عموم، يجمع الله على صاحب الهم الأخروي قلبه، وفكره، ومقصده، وأهله، وولده، وقريبه، وصديقه، وماله، وتجارته، ويجمع الله عليه القلوب، ويكتب له القَبول، فيجتمع لهذا العبد كل ما يحيط به مِن أمور الخير جميعاً.
والنِّعمة الثانية: التي يُنَعَّم بها صاحب الهَمِّ الأُخروي: أن يجعلَ الله غناهُ في قلبه، وهذا هو الغِنَى الحقيقي؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النَّفس) غِنى القلبِ عباد الله أن يَرْضَى العبد بما قسم الله له؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (وارْضَ بما قسم الله لك، تَكُن أغنى الناس) غِنَى القلب عزيزٌ في دُنيا الناس، شريفٌ بينهم؛ لأنه قدِ اسْتَعَفَّ بِغِنَاه عما في أيدي الآخرين، يقول صلى الله عليه وسلم: (وازْهَد فيما عند الناس، يحبك الناس). وثالث نعمة يُلقَّاها صاحبُ الهمِّ الأخروي: هي مَجِيء الدُّنيا له، وهي راغمة، فَيَأْتيه رِزْقه مِن حيث لا يحتسب، ويجعل له ربُّه مِن كل أمر يسراً، فيُوَفَّق في دنياه، من غير مسألة ولا إشراف نفس.. صاحب الهم الأخروي، كافأه ربُّه بنظير قصده، فلمَّا جَرَّد همه للآخرة، كَفَاهُ الله همَّ دنياه، وهل جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان.
أيها الأخوة والأخوات: وإذا عاشَ العَبْدُ هَمَّ آخرته، قويَ يقينُه، وطَارَتْ غفلته، ودامتْ خشيته، وسعى للآخرة سعيها، وهو مؤمن.. إذا تَغَلْغَلَ همُّ الآخرة في النفوس، وَوَصَلَ سُوَيْداء القلوب، هانَ على المرء ما ضاعَ من دُنياه، ورخص عليه ما خسره في تجارته ومربحه؛ لأنه يَسْتَيقِن أن مستقره وبقاءه هناك، في الدار الآخرة، (وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى). لو ملئت الصدور بِهَمِّ الآخرة، لَمَا تَكَبَّر بعضنا على بعض، ولما تَحَاسَدْنا وَتَقاطَعْنا مِن أَجْل ظِلٍّ زائلٍ ومتاعٍ عابرٍ.
عباد الله: صاحبُ هَمِّ الآخرة، يعيش في دنيا الناس مع الناس، يسعى في طَلَب رِزْقه، لا يطغى إن أَقْبَلَتْ إليه الدُّنيا، ولا يغتمّ إن أدبرتْ عنه… صاحبُ هَمِّ الآخرة يعيشُ في القِمم، فلا يرضى بالدُّون، وهو قادرٌ على التَّمام... صاحبُ الهَمِّ الأُخْرَوي تراه عالي القدر، لا يقعد عن المكْرُمات، ولا تَتَوانى همته عنِ الصَّالحات الباقيات، لا يفرغ من خير إلاَّ إلى خير… صاحب همِّ الآخرة إن كان في العلم، كُوفئَ باحتياج الناس إليه، وإن كان في بذل المعروف، كوفئَ بثناء الناس عليه، وإن كان فيما كان الله، كان الناس معه… صاحبُ هذا الهَمِّ لا يخلو مِن هُمُوم تعتريه في دنياه، من همِّ عمل، أو مسكن، أو زواج، أو تربية ولد، أو غيرها، غير أنها هموم صغيرة، تضيع أمام همه الأكبر، ومقصده الأعظم.
أيها المسلمون: همُّ الآخرة مبدأٌ رَبَّى عليه النَّبي صلى الله عليه وسلم صحابتَهُ الكِرام، رضي الله عنهم فكان يغرس في قُلُوب أصحابه هذا الهمِّ، كان إذا رأى شيئاً مِن زينة الدُّنيا يُسْمِع أصحابه: (اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَةِ) هذا الهمُّ الأخروي، عاشَهُ الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وَسَلَفُنا الصالح، واقعاً مَحْسُوساً… هذا الهمُّ أيقظ المصطفى صلى الله عليه وسلم مِن منامِه، وهو يقول: (يا أيها الناس، اذكروا الله، جاءتِ الرَّاجفة، تتبعها الرادِفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه). هذا الهم عاشَهُ الصِّديق أبو بكر رضي الله عنه فكان عظيمَ الخشية، سريع الدَّمعة، إذا أمَّ الناس، غَلَبَه البكاء من خشية الله، وفي مرض موته صلى الله عليه وسلم قال: مُرُوا أبا بكر فَلْيُصَلِّ بالناس، فقالت له عائشةُ: يا رسول الله، إن أبا بكر رجلٌ رقيقٌ، إذا قرأَ القرآنَ غَلَبَهُ البكاء، فقال: مُرُوه فَلْيُصَلِّ بالناس)
هذا الهمُّ رسم في وجه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خَطَّين أسودينِ منَ البُكاء؛ خوفًاً من الآخرة… وكان يقول حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أنفسَكم قبل أن تُوزنوا، وتزيَّنوا للعَرضِ الأكبرِ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)
هذا الهمُّ عَرَفَه ذو النورين، الذي كانت تستحي منه ملائكة الرحمن، عثمان بن عفان رضي الله عنه، فكان إذا وقف على القبر بكى، حتى تبتل لحيته بالدُّموع، ويقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ). هذا الهم، عرفه أبو الحسنين، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي كان يحذر الناس من الدنيا ويقول: (إِنْ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ، طُولُ الأَمَلِ وَإتِّبَاعُ الْهَوَى، فَأَمَّا طُولُ الأَمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ، وَأَمَّا إتباعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، أَلا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ مُدْبِرَةً، وَالآخِرَةُ مُقْبِلَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَغَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ.
أيها الإخوة والأخوات في الله: حَمْلُ همِّ الآخرة، لا يعني انعزال العبد عن حياة الناس، فيترك إجابة الدَّعوة، ويهجر زيارة الصديق والقريب، وَيَتَقَوْقَع في صَوْمَعَتِه ورَهْبَنَتِه، هذا تَصَوُّر خاطئ قاصِر؛ بل إنَّ صاحبَ الهَمِّ الأخرويِّ، يجتهد في صِلة الرَّحِم، وإجابة الدَّعوة، ومُخالَطة الناس، والصبر على أذاهم، ويسعى في إصلاح ما فَسَد؛ لأنَّه يعلم أنَّ تلك الأعمال درجات وحسنات في ميزانه يوم الآخرة.. حَمْل همِّ الآخرة، لا يعني أن يكونَ صاحبه مكفهر الوجه، دائم العبوس، فهذا قُدوتنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم أعظم مَن همَّ لآخرته، كان يضاحِك ويُمازِح، ويُداعِب ويُلاعِب، ولكل مقام مقال، ومن مأثور قوله: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ) فيا أخي الغافل، وكلنا ذاك الغافل، اسْتَجْمِع همكَ لآخرتكَ، واسْتَشْعِر هذا الهم في صبحكَ ومساءك، إذا أظْلَمَ عليكَ ليلكَ، فتَذَكَّر ظُلمة القبور، وإذا الْتَحَفْتَ فراشكَ فتفكر التحافكَ الأكفان، وإذا استيقظتَ من رقادكَ، فاستشعر قيام الناس لله رب العالمين. (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) أيها المؤمنون: وأمَّا صاحبُ همِّ الدنيا، فهو ذاك المَغْرُور، الذي ملكتْ عليه العاجِلة شغاف قلبه، فَلِأَجْلِها يرضى ويسخط، ويُوالِي ويُعادِي، يَتَهَلَّل إذا ذُكِرَتْ، ويَشْمَئِز إذا ذُمَّت، فبشاشته وهشاشته، وعتابه وملامته، لأجل الدُّنيا وللدنيا. ألْهَاهُ مالُه وما كسب عن ذكر ربه، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، صاحب هذا الهم والحال، يعاقَب في العاجِلة قبل الآجلة، بأمورٍ ثلاثة: أولاها: أن يُشَتِّتَ اللهُ عليه شمله، فتراه وإن حصَّل الثَّراء، أو بلغ المنصب والأضواء، مشتتَ البال، هائم الفكر، مضطرب النفس، كثير القَلَق، لا بركة في مالِه وَولَدِه، القلوبُ لا تجتمع عليه، والقَبُول لا يُكْتَبُ له. مبغوضٌ في الأرض وفي السماء.
أيها الأخوة والأخوة في الله : وعقوبةٌ ثانيةٌ تحل على مَن جعل دنياه همه، أن يجعلَ الله فقره بين عينيه، فهو إن كان غنيّاً، لا يعيش حياة القناعة أبداً، فمهما حَصَّل وكسب وكنز، يرى خطر الفقر ماثِلاً أمامَه، ويخيم على خاطره هاجِس الحاجة، والخوف منَ المستقبل، يزداد حِرْصُه كلما زاد ثراؤُه، وتزهو نفسُه كُلَّما لمع بَريقُه… هذا الحريصُ اللاَّهِث وراء طَنين الدُّنيا ورنينها، هو في الحقيقة عبدٌ لما يطلُب، وهذه هي التَّعاسَةُ، التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابها بقوله: (تَعِسَ عبد الدينار، وعبد الدرهم، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ)
وأمْرٌ ثالثٌ يُلاقِيه صاحب هذا الهم: أنَّه لا يأتيه مِن دنياه إلاَّ ما قدر له، فهو وإن تعنَّى وكدح، وكد ومدح، فلن يستعجلَ أو يزيدَ في رزق الله له، بهذا نفث رُوح القُدُس في روع النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لن تموتَ نفسٌ حتى تستكملَ رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطَّلَب). أصحاب هذا الهم استعاذَ مِن حالِهم، خيرُ البشر صلى الله عليه وسلم فكان يقول في دعائه: (اللهُمَّ لا تَجْعلِ الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا) … تلك عباد الله حال مَن هَمَّ لأمر أُخراه، وخبر مَن أراد دنياه، فجعلها مقصده، ومنتهى مُناه… نسأل الله تعالى أن يحييَ قلوبنا مِن غفلتها، وأن يعليَ هِمَمنا في طاعته، وأن يجعلَنا مِمَّن أراد الآخرة، وممن سعى لها سعيها، وهو مؤمن. إنَّه نِعم المجيب، ونِعم القريب.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا أيها الأخوة والأخوات: نحمد الله تبارك وتعالى على أن مد في أعمارنا، وأنعم علينا حتى أظلنا شهر شعبان، ونسأل الله تعالى أن يبلغنا بفضله شهر رمضان، وشهر شعبان قد أحاطه الله عز وجل بشهرين عظيمين هما: شهر رجب الحرام، وشهر رمضان المبارك، ومن فضائل هذا الشهر، أن الله جل جلاله، فرض على هذه الأمة فيه صيام شهر رمضان. ففي السنة الثانية بعد الهجرة النبوية المباركة.. وفي مثل هذا الشهر.. نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وفي مثل هذا الشهر حولت القبلة من المسجد الأقصى إلى البيت العتيق، ونزل قول الله تعالى:(قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) وشهر شعبان من الأشهر القليلة التي يهتم بها المسلمون الآن، أما سلفنا الصالح فكانوا يهتمون به.. بصومه، والإكثار من قراءة القرآن فيه، وقيام الليل، وغير ذلك من العبادات والطاعات المشروعة، ليحصل التأهب والاستعداد لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن. فينبغي للمسلم ـ شكراً لنعمة الله عليه ــ اغتنام هذه الأيام الفاضلة، والأوقات الشريفة، بالأعمال الصالحة، وأن يضع في ميزان أعماله اليوم ما يسره أن يراه فيه غداً مخلصاً لله تبارك وتعالى، متأسياً فيها برسول الله صلي الله عليه وسلم. الذي كان من هديه الإكثار من الصيام في هذا الشهر، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم فِي شَـهْرٍ أَكْثَرَ صـِيَاماً مِنْهُ فِي شـَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلاً، بَلْ كَانَ يَصُـومُهُ كُلَّهُ) والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصوم تطوعاً في شعبان وغيِرِه، وكان صيامه في شعبان أكثر من أي شـهر في العام خلاف رمضان طبعاً، وقد ذكر بعض أهل العلم الحكمة في إكثاره صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان حيث ورد على لسان أُسَامَةُ بْن زَيْدٍ رضي الله عنه قال:(قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى الله رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) فينبغي للمسلم ويستحب في حق من يطيق الصيام أن يبادر باغتنام الأيام الفاضلة بالأعمال الصالحة.
عباد الله: شهر شعبان شهر عظيم، فيه يوم فيه مزية على كل أيام العام، وهو ليلة النصف من شعبان، ليلة النصف من شعبان صحت فيها فضيلة، ولم تصح فيها فضائل أخر ذكرت في كتب السير، ونقلت في كتب الحديث وفي كتب الفقه، أكثرها ضعيف أو موضوع، لكن الثابت والصحيح منها عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كما ذكر أهل العلم والمحققون أنه قال: (إِنَّ اللهَ يَطَّلِعُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِخَلْقِهِ جَمِيعاً إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) فالشرك والشحناء والبغضاء والقطيعة والخصومة التي قد ترد على القلوب، وقد تصل إلى الجوارح والأفعال والألسنة، يجب نبذها وتركها والحذر والتوبة منها، حتى لا نكون محرومين من هذا الفضل والأجر والثواب، فأيكم يحب أن يكون من المحرومين ولا يرضى لنفسه أن يكون من المرحومين؟ من رضي لنفسه الحرمان فهو شقي، ومن نبذ ذلك من نفسه راضياً مرضياً وهادياً مهدياً وقاضياً بعظيم الرجاء وبكثير الرغبة بما عند الله تعالى من الثواب، فله الرحمة وله الرضا.. فتفقد يا عبد الله قلبك وراجع توحيدك ونق قلبك نحو أهلك وإخوانك وأرحامك ولا تبيتن تلك الليلة وبينك وبين مسلم خصومة أو شحناء عسى الله أن يغفر لنا ذنوبنا جميعاً.
نسأل الله العظيم أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع، والعمل الصالح، واستغلال الأوقات فيما يرضيه سبحانه، إنه ولي ذلك والقادر عليه…
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم أحسن خواتيمنا وأحسن أعمالنا وأقوالنا ونياتنا، واجعلها خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين..
اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا ذا الجلال والإكرام.. اللهم أقل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ رئيس وزرائه سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ، وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ.. اللهم كن لأهلنا في فلسطين والأقصى وغزة، كن لهم ناصراً ومؤيداً ومعيناً، اللهم ارحم ضعفهم، وارفع البلاء عنهم، واخذل عدوهم ومن بغى عليهم، اللهم اجبر كسرهم، وأطعم جائعهم، واسقي ظمئهم، واحمل حافيهم، وأكس عاريهم، وداو جرحاهم، وارحم موتاهم، واكتبهم عندك من الشهداء الأبرار، اللهم لا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يرحمهم… اللهم ألف بين قلوبهم واجمع كلمتهم ووحد صفوفهم على بغى عليهم.
اللهم أحفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك وحصنه بتحصينك وأكلاه برعايتك وعنايتك واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا وشهدائنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)