وصايا وتوجيهات في تربية البنات
لفضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
23 صفر 1445 هـ – 8 سبتمبر 2023 م
————————————————————————-
الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة البنين والبنات، وفتح لنا من أسباب الهداية كل باب، ورغب في طريق الصلاح وحذّر من طرق الفساد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق بلا ارتياب، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: للبنت في رحاب الإسلام قيمة ومكانة كبيرة، فهي رمز الحياء، وعنوان العفة، وصانعة الأبطال، ومربية الأجيال، لقد أنزلها الدين الإسلامي منزلة الحب والاحترام، وجعل لها بحكم فطرتها وطبيعتها رعاية خاصة، إعداداً للدور الكبير الذي ينتظرها في الحياة لتكون زوجة صالحة، وأم المستقبل، وخير النساء من تعي دورها التربوي والأسري، قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ) والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أَباً لأربع بنات كريمات عفيفات، رباهن فأحسن التربية، كلهن من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وهن زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة رضي الله عنهن ، فأما فاطمة فقد تزوجها أبن عمها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وزينبُ تزوجها أبن أخت خديجة أبو العاص بن الربيع رضي الله عنه، ورقية تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولما ماتت تزوج عثمان أيضاً أختها أم كلثوم رضي الله عنهن، لقد أدركن الإسلام وأسلمنَ وعشنَ في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاش معهن لحظة بلحظة من الْولادَة إِلَى الْوفاة، فكل أولاده توفى قبله، إِلا فاطمة رضي الله عنها فإِنها تأخرت بعده بستة أشهر…
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مكانة البنات، وأثرهن الجميل في حياة آبائهن وأمهاتهن، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنهن المؤنسات الغاليات). وأوصى صلى الله عليه وسلم بالرحمة بهن، وإحسان صحبتهن، وكفايتهن ورعايتهن، وإدخال السرور إلى قلوبهن، ووعد من رزقهن فأكرمهن، وأحسن تربيتهن وتعليمهن؛ بأن يحفظه الله تعالى من عذابه يوم القيامة، ويدخله سبحانه جنته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن كُنَّ له ثَلاثُ بناتٍ يُؤْويهِنَّ، ويَرحَمُهُنَّ، ويَكفُلُهُنَّ، وجبَتْ له الجنَّةُ، قيل: يا رسولَ اللهِ: فإنْ كانتِ اثنتَيْنِ؟ قال: وإنْ كانتِ اثنتَيْنِ، فرَأى بعضُ القومِ أنْ لو قالوا له: واحدةً، لقال: واحدةً(.وقال عليه الصلاة والسلام: مَنْ عَالَ جَارِيَتَين- أي بنتين- حتَّى تَبلُغَا جاء يَومَ القِيَامَة أَنَا وَهُو كَهَاتَين، وضَمَّ أَصَابِعَه. أي رافقني في الجنة.
عباد الله: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعامل البنات باللطف والإحسان، ويكرمهن غاية الإكرام، جامعاً بين الرحمة النبوية، والرعاية الأبوية، يتدفق قلبه لهن حناناً ومحبة، وعطفاً وشفقة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرحم الناس بالعيال. وكن يحظين بحظهن من اللعب معه صلى الله عليه وسلم في صغرهن؛ لينشأن تنشئة سليمة، متوازنة مستقيمة، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاعب زينب بنت أم سلمة وهي طفلة صغيرة، ويقول لها: يا زوينب، يا زوينب. ويحمل صلى الله عليه وسلم أمامة بنت ابنته زينب رضي الله عنهما على عاتقه وهو يصلي، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها.
عباد الله: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعامل بناته إذا كبرن بمزيد من الرأفة والمودة، والرحمة والمحبة؛ فكان صلى الله عليه وسلم إذا دخلت عليه أبنته فاطمة رضي الله عنها قام إليها، فرحب بها، وبسط رداءه لها، وأجلسها في مجلسه، يحادثها وتحادثه، ويأتمنها على أسراره، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها عليه الصلاة والسلام: (مرحباً بابنتي). ثم أجلسها وأسر إليها حديثاً فبكت، ثم أسر إليها حديثاً فضحكت، قالت عائشة رضي الله عنها: فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان صلى الله عليه وسلم يحمي بناته ويراعي مشاعرهن، ويطيب خواطرهن، فقد قال في حق فاطمة رضي الله عنها: (فاطمة بضعة مني -أي: قطعة مني- فمن أغضبها أغضبني). كما كان صلى الله عليه وسلم يعتني ببناته في مرضهن، ويسهر على راحتهن، فعندما مرضت ابنته رقية رضي الله عنها، وأراد صلى الله عليه وسلم السفر؛ أمر زوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بالبقاء عندها لرعايتها، وبشره بأجر عظيم... وكان يواسي بناته فقد أرسلت إليه أبنته زينب تخبره أن إحدى بناتها الصغار حضرتها الوفاة، فذهب إليها مع بعض أصحابه فلمَّا حضَر رفَعوا له الطِّفلَة ووضَعُوها في حَجْرِه، ونفْسُها تَقَعْقَعُ، أي: تَضطرِبُ وتَتحرَّكُ ويُسمَعُ لها صَوتٌ، ففاضتْ عَينَا النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالدَّمعِ رَحمةً بالصَّغيرة، لما ماتت، فلمَّا رَأى ذلك سَعدُ بنُ أبي وقَّاص رَضيَ اللهُ عنه قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما هذا يا رَسولَ اللهِ؟ يَسألُه عن بُكائِه، مُستغرِباً صُدورَه من النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّه خِلافُ ما يَعهَدُه منه مِن مُقاومةِ المُصيبةِ بالصَّبرِ، فأخْبَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها رَحْمةٌ جَعَلها اللهُ في قُلوبِ الرُّحماءِ، وليس مِن بابِ الجَزَعِ وقِلَّةِ الصَّبر، وأنَّ رحمةَ اللهِ تختَصُّ بمن اتَّصف بالرَّحمةِ وتحقَّق بها، وبكاؤه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدُلُّ على أنَّ المنهيَّ عنه من البكاءِ ما صَحِبَه النَّوحُ والصياح والجَزَعُ وعَدَمُ الصَّبرِ.
أيها الأخوة والأخوات في الله: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور بناته في أمر زواجهن؛ إكراماً لهن، وتقديراً لحقهن، ويختار الأكفأ لهن، وييسر مهورهن، ويسهل زواجهن؛ ليسعدهن ويدخل السرور إلى قلوبهن. واستمرت عنايته عليه الصلاة والسلام بهن بعد زواجهن، فكان يزورهن في بيوتهن، ويجلس معهن، ويتفقد أحوالهن، وكن يلجأن إليه عند حدوث المشكلات؛ فكان لهن الأب الرحيم، والقلب الرقيق؛ الذي يشاركهن فرحهن، ويحرص على سعادتهن في بيوت أزواجهن، وهنائهن في حياتهن.
أيها لمؤمنون: إن هذا الهدي النبوي الكريم في التعامل مع البنات هو بداية لمنهج جديد وطي صفحة الجاهلية الأولى التي كان جل أناسها لا يأبهون بطلة البنت للحياة: قال تعالى في وصف حالهم: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) قوم خسروا دينهم وأولادهم وعقولهم قال سبحانه: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ)
معاشر الآباء والأمهات يقول الله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) فهناك فرق كبير بين تربية الأولاد وتربية البنات؛ بسبب الاختلافات الخلقية والنفسية، وهذا ما يجب أن يأخذه الوالدان بعين الاعتبار أثناء التعامل معهم، وإدراك طبيعة تكوين البنت والمشاعر التي تنتابها مع مراحل نموها المختلفة. فإعداد الفتى عن الفتاة يختلف، فإذا قاربت على البلوغ، تُعَلَّم الأدب والحشمة والحياء، وتعلم القرآن وتدرس سائر العلوم النافعة، وبقية الواجبات، وتدرب على أعمال المنزل، وكل ما يساعدها لتكون زوجة ناجحة وأُمًّاً مثالية… وهناك عدد من الجوانب في بناء شخصية الفتاة المسلمة يجب أن يحرص عليها الوالدان، ومن ذلك البناء الروحي للفتاة، فالروح أهم من الجسد، وهي محل العقيدة والقيم، وتربية الروح بتقوية الصلة بالله عز وجل في كل لحظة، وذلك بالعبادة والطاعة، وكلما توجهت الروح إلى ربها وخالقها، نمت وترعرعت، وإذا انحرفت عنه ذبلت وضعُفت.
معاشر الآباء والامهات، القواعد الشرعية تقتضي أمر الفتاة بالحشمة والحجاب الشرعي وتدريبها عليه إذا بلغت المحيض، وهكذا سائر الأوامر الشرعية والمناهي والتكاليف، ولكن التدرج معها قبل بلوغها المحيض يُسهِّل عليها التكاليف ويهوِّن عليها الطاعات إذا بلغت المحيض، ولا بد من التفريق في المضاجع بين الاولاد والبنات؛ قال صلى الله عليه وسلم:( مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنِينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سِنِينَ، وفَرِّقُوا بينهم في المضاجعِ) وفي البناء الاجتماعي ينبغي أن تلقن البنت الصغيرة قواعد السلوك الاجتماعي، بتأديبها على الآداب الشرعية في المأكل والمشرب والملبس والتخاطب والزينة وما إلى ذلك... وفي البناء الأخلاقي جاء الإسلام ليتمم مكارم الأخلاق؛ وقد كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فتربَّى الفتاة منذ نعومة أظافرها على الصدق والعفة والمروءة والستر، وتُخَلَّق البنات بخلق الحياء، فهو حارس أمين من الوقوع في الرذائل: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) فحياتها وحركاتها يهذبها الحياء، قال صلى الله عليه وسلم: (الْحَياءُ خَيْرٌ كُلُّهُ، ولا يَأْتي إلَّا بخَيْرٍ)
عباد الله: التربية الصحيحة للفتاة المسلمة تقتضي تعاون الأب والأم، والتفاهم بينهما؛ لتؤتي التربية أكلها، والأسرة السوية روابطها قوية يسودها الشعور بالطمأنينة والاستقرار، وتفكُّك الأسرة بالطلاق والشقاق والفراق، كل يهيم في واد، وهذا يولد جفوة تتراكم أضرارها فوق بعضها على واقع الفتاة، وقد ينكشف الغطاء بعد فوات الأوان عن سلوك غير حميد، والجو العائلي المضطرب يسمح بالاختراق أو الاقتراب مع شعور بالقلق والهمِّ، والضيق والانزعاج.
اللهم أصلح أولادنا وبناتنا واحفظهم، وارزقنا صلاحهم وبرهم ياذا الجلال والإكرام.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله على إحسانه، والشُّكْر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد ألاَّ إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، تعظيماَ لشانِه، ونشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى رِضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا أيها المسلمون: وللبنات على آبائهن حقٌّ معلوم، وواجبٌ محتوم، مَن فرَّط في حقها، فقد ظلم البنت، وخان الأمانة، وفرَّط في الأجْر الكبير الوارد في فضْل رِعاية البِنت والإحسان إليها… إنَّ أول ما يجب على الأب تُجاهَ بنته عباد الله أن يُربيَها على الصلاح، ويغرسَ في قلبها بذرةَ التقوى، وينمِّي في شعورها مخافةَ الله ومراقبته، ويُغذي في وجدانها محبَّةَ الله ومحبَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم والاستسلامَ لأوامرهما مع تعليمها منذُ صغرها الواجبات الشرعيَّة والآداب الإسلامية.
واعلمْ أيها الأب المبارك أنَّ مِن حُسْن رعاية البنت وجميل تربيتها: الجلوسَ معها، والتبسمَ لها، والحديثَ إليها… كنْ أيُّها الأب المبارك قريباً من ابنتك تسمع شكايتها وتتلمَّس حاجاتِها وتُنصِت لهمومها، وتنمِّي اهتماماتِها، مع غضِّ الطَّرْف عن عثراتها وزلاَّتها، حتى تشعرَ البنتُ بعدَ ذلك بالأمان القلْبي، والاستقرار النفسي مع والدها، وحتى لا تُحدِث فجوةً واسعة، وهُوَّة كبيرة بينك وبينها. لتستمعْ منك ابنتُك أيها الأب المبارك عباراتِ الحنان، وكلماتِ العطف، ولُغة اللِّين، كن مستمعاً جيداً لحديثها، لا تمنعها الكلام، ولا تُصادر منها حقَّ الحديث، تذكر أنَّك الأوَّل والأخير في حياتها، فلا تقتُل هذا القُرْب منك، والثِّقة العمياء بك، بالمشاعر الميِّتة، واللُّغة الصاخبة، والتعامُل الفج، لقد جفَا آباء تُجاه بناتهم فحَرَموهم المشاعرَ الحانية والأحاسيسَ الدافئة، فكانتْ نتيجتها أن تلقَّفهنَّ ذئابٌ أوقعوا فريستَهم بمعسول الكلام، وجياش العاطفة.
إخوة الإيمان: الحياء سرُّ أنوثة البنت، وأصْل في فِطرتها، فاحرِصْ أيها الأب المبارك على تأصيل هذا الخُلُق الكريم في نفْس ابنتك؛ ليكون لِقَاحاً لها بعدَ ذلك من الوقوع في المهالِك، فإنْ مشتْ فعلى استحياء، وإن تكلَّمتْ فعلى حياء، وإن عَمِلت عرف عنها الحياء وصَدَق الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم: (الحياءُ كلُّه خير، والحياءُ لا يأتي إلا بخير).
أيها الأب المبارك: بنتك وفَلِذة كبدك أمانةٌ في عُنقك، وسعادتُها في الحياة، واستقرار عيْشها منوطٌ بحُسْن اختيارك لزوجها، فاحرصْ رعاك الله على ألاَّ تُسلمَ صفيتك إلا لِمَن ترضى دِينَه وخُلُقَه، وأمانتَه وسيرتَه، وفي الحديث يقول المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم: إذا أتاكُم من ترضَونَ دينَهُ وأمانتَهُ فزوِّجوهُ ، إلَّا تفعلوا تَكُن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ) واعلم رعاك الله أن تأخير زواج الفتاة يترتب عليه مفاسد اجتماعية ونفسية، وعضلها بمنعها من الزواج بكفئها لأغراض دنيوية جريمة في حق فتياتنا والمجتمع؛ قال تعالى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ).. أيُّها الأب المبارك: حذارِ من التفريق بيْن الذُّكور والإناث، أو تمييز بعضِ الإناث على بعض، فهذا جَوْر وظلم بيِّن، حذَّر منه المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: (اتَّقوا الله، واعْدلوا بين أولادكم) وقال لِمَن طلب منه الشهادةَ على أُعطيةٍ خصَّ بها بعضَ ولده: (أَشْهِدْ على هذا غيري)، وفي لفظ قال: (لا تُشْهِدْني على جَوْر)، والجَوْر ظلمات على صاحبه يومَ القيامة عياذاً بالله.
ثم لا تنسَ بعد ذلك يا عبد الله، أن تَرفعَ أكُفَّ الضَّراعة لمن رَزَقك هذه الهِبَة، أن يُصلحَها في دِينها ودنياها، وأن يسترَ عليها في دنياها وأُخْراها، فابتهال الأبوين ودعاؤهما لأولادهما من أسباب قَبول الدُّعاء، كما صحَّ بذلك الخبر عن سيِّد البشر صلَّى الله عليه وسلَّم وهي صفةٌ لعباد الرحمن الصالحين، الذين يقولون: (ربنا هبْ لنا من أزواجنا وذُرياتنا قُرَّةَ أعين واجعلنا للمتقين إماماً)
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأسبغ على نسائنا وبناتنا وأولادنا سترك، وجنبهن طرق الهلاك والردى إنك سميع مجيب الدعاء.
اللهم بارك لنا في أولادنا وبناتنا وارزقنا برهم واجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين.
اللهم اغفر ذنوبهم، وطهّر قلوبهم، وحصّن فروجهم، وحسّن أخلاقهم، وجنبهم رفقاء السوء، واملأ قلوبهم نوراً وحكمةً، وأهلّهم لقبول كلّ نعمةٍ، اللهم اجعلهم من الذاكرين والمذكورين، وعلّق قلوبهم بطاعتك، واجعلهم من أوجه من توجّه إليك وأحبك يا رب العالمين
اللهم أعنا على تربيتهم وتأديبهم وبرهم، واجعل ذلك خيراً لنا ولهم يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم. وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم ومستشاريهم ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير..
اللهم ارفعْ وأدفع عنَّا البَلاءَ والوَباءَ والغلاء والرِّبا والزِّنا والفواحشَ والزَّلازلَ والمِحَنَ والفتنَ وسَيءَ الأسقَامِ والأمراضِ عن بلدِنا البَحرينِ خاصةً، وعن سَائرِ بلادِ المسلمينَ عامةً يا ربَّ العالمينَ.. اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل مكان. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ المسجد الأقصى مسرى نبيك وحصنه بتحصينك وأكلاه برعايتك، واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين