خطبة الجمعة.. وماذا بعد حج بيت الله الحرام

وماذا بعد حج بيت الله الحرام
فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
15 ذو الحجة 1445هـ – 21 يونيو 2024 م

الحمد لله الحميد المجيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، البر التواب الشهيد، أدنى إلى عبده من حبل الوريد، يُحصي ويبدئ ثم يعيد، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى والنور والقرآن المجيد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه من كل بر سعيدٍ، وعلى جميع من سار على نهجهم، واهتدى بهديهم، إلى يوم الحشر والوعيد.
أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى :(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
معاشر المسلمين: في الأيامِ القليلةِ الماضية، قضى الحجاجُ عبادةً من أعظم العبادات، وقربةً من أعظم القربات، تجرّدوا لله من المخيطِ عند الميقات، وهلّتْ دموع التوبةِ في صعيد عرفاتٍ على الوجنات، خجلاً من الهفوات والعثرات وضجتْ بالافتقار إلى الله كلُ الأصوات بجميع اللغات، وازدلفتِ الأرواحُ إلى مزدلفةَ للبَيَات، وزحفتِ الجموع بعد ذلك إلى رمي الجمرات، والطوافِ بالكعبة المشرفة والسعيِ بين الصفا والمروة في رحلةٍ من أروع الرَحلات، وسياحةٍ من أجمل السياحات، عادَ الحجاج بعد ذلك فرحين بما آتاهم الله من فضله، وصدق الله العظيم: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ) نعم عباد الله لقد ودَّع المسلمون قبل أيام مناسبة عظيمة هي مناسبة الحج، وسعد الناس بأداء هذه الفريضة العظيمة، فلله الحمد والمنة على ما منّ به على حجاج بيته من إتمام نسكهم، وله الحمد والمنة على ما يسر لهم وأعانهم على إكمال هذه الشعيرة العظيمة، ونسأله سبحانه أن يتقبل من الحجاج حجهم، وأن يرزقنا ويرزقهم الاستقامة على دينه، إنه جواد كريم.
أيها المؤمنون: سؤال ينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يسأل نفسه: وماذا بعد الحج؟ كيف هي حال العبد بعد هذه الفريضة؟ هل يعود الناس كما كانوا عليه قبل الحج؟ هل تغير سلوك المؤمن من سيئ إلى حسن، ومن حسن إلى أحسن؟ إن الحج ميلاد جديد، فيجب على الحاج أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يجعل حجه فرصة لتصحيح أعماله، قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً، عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وإن من الخطأ -عباد الله- أن يظن الإنسان أن مواسم الطاعات فرصة للتخفيف من المعاصي والذنوب، ثم إذا ذهبت هذه المواسم وقع في غيرها من المخالفات، وتنتهي فترة إقباله على الله تعالى بانتهاء هذه المواسم… يجب أن يعلم العبد أن مواسم الخير هي تحوّل كامل لواقع المسلم، من حياة الغفلة والإعراض عن الله، إلى حياة الاستقامة والإقبال على الله.. وإن من إضلال الشيطان وخداع النفوس الأمّارة بالسوء، أن ينتكس كثير من الناس على عقبيه، ويعود إلى معاصيه.
أيها المؤمنون: ها هو ربكم يناديكم بنداء الإيمان أن تستقيموا على شرعه، وتستجيبوا له ولرسوله، وتتقوه حق تقاته، وتعبدوه حق عبادته في حياتكم إلى مماتكم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) …عباد الله: يا من أكرمكم الله بحج بيته، يا من وقفتم موقفاً تمنى ملايين المسلمين أن يقفوه، يا من اصطفاكم ربكم من بين خلقه لتقفوا على صعيد عرفة، يا من باهى بكم الملك الديان ملائكته، يا من قال لكم ربكم حين نفرتم من عرفات: (أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُوراً لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ)
أيها الأخوة والأخوات في الله: بعد هذه النعمة العظيمة من الله وهي أن بلغنا الحج فلا بد من وقفات مع النفس: الوقفة الأولى: أن نتذكر فيها عظيم نعمة الله علينا، حيث إنه مع كثرة ذنوبنا وعظيم خطايانا ومعاصينا وزللنا، يكرمنا الرحيم الرحمن بالوقوف بين يديه، يكرمنا بأن نستغفره ونستهديه، يكرمنا بأن ييسر لنا الحج ليغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، فما أكرمه من إله واحد أحد، وما أعظمه من رب غفور رحيم، تنزه عن الصاحبة والولد.
الوقفة الثانية: كيف يقابل المؤمن هذه النعمة الإلهية والمنحة الربانية؟ (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ) فلا بد أن يكون العبد شاكراً لربه منيباً إليه، وليس الشكر كما يتصوّره البعض بأنه الشكر اللساني فقط، لكنه في حقيقة الأمر هو الشكر القلبي، حيث يظل قلبك متعلقاً بخالقك، مستشعراً نعمته عليك، ومعه الشكر العملي، فتكون بعيداً عن كل ما يغضب المنعم عليك، قريباً من كل ما يحبه ويرضاه، قال تعالى مبيناً هذا المعنى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ) ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، فقد كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه الشريفتان فداه نفسي وأبي وأمي والناس أجمعين، فيقال له: يا رسول الله، لم تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيجيب صلوات ربي وسلامه عليه معلماً للأمة حقيقة الشكر: أفلا أكون عبداً شكوراً، ولنتخذ -عباد الله- من هذه الكلمات شعاراً لنا في تعاملنا مع ربنا جل جلاله.
الوقفة الثالثة: أبتدئها بسؤال: لو أنا رأينا رجلاً شيّد عمارة فنمّقها وزينها وجوّدها، ثم جاء رجل آخر وأخذ يشوّه ويهدم في ذلك البناء فماذا نقول عن هذا الآخر؟
ألا نقول: إنه ظالم باغي ونحاول منعه من ذلك العمل؟ فما بالكم إذا كان الذي بنى العمارة هو نفسه الذي أخذ في تشويهها أو هدمها، ألا يعتبر هذا ضرباً من الجنون؟ وها أنت -يا عبد الله- قد عدت من حجك -بإذن الله- كيوم ولدتك أمك، عدت وقد صفت صفحة أعمالك فعادت بيضاء نقية، فلا تسوّدها بالذنوب وقد يقول الشيطان لأحدهم: أذنب ثم إذا جاء الحج المقبل غُسلت عنك ذنوبك، فنقول لمثل هذا: أضمنتَ العيش إلى العام القادم؟ أما تخشى أن يأتي عليك العام القادم وأنت تحت التراب مرتهن بعملك، قد بلي جسدك، وذاب عظمك، تتمنى العودة إلى الدنيا لتسبح الله تسبيحة واحدة فلا تستطيع؟
أما تخشى أن يأتي عليك العام القادم وأنت على فراش المرض لا تستطيع أن تجلب لنفسك شربة ماء؟ أما خشيت أن تتكاثر على قلبك الذنوب والخطايا فتغطيه طبقة الران والعياذ بالله، فتصبح لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً؟ تصبح طاعة الله عز وجل أثقل عليك من حمل الجبال وتكون معصيته أهون عليك من ذب الذباب عن أنفك.
أخي الحاج: أنت الآن أمام فرصة ذهبية لا تقدر بثمن، والذكي الألمعي هو الذي لا يدع الفرص تذهب من بين يديه هدراً؛ فإنه يخشى ألا تعود. فها أنت وقد حطت عنك خطاياك التي كانت تعوقك وتكبّلك عن فعل الخيرات وكانت تصدك عن ذكر الله، فأنت الآن أكثر قدرة على الإمساك بلجام نفسك والأخذ بها نحو الرضا الإلهي والجود الرباني فلا تتركها وشأنها، فإنك إن تركتها عادت لما كانت ألفته:
والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على
حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم
فافطمها عن شهواتها، وردّها عن غيّها، وخذ بها إلى ما فيه صلاحها وفلاحها، (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)
يا من قصد البيت الحرام: ليكن حجك أول فتوحك، وتباشيرَ فجرك، وإشراقَ صبحك وبدايةَ مولدك، وعنوانَ صدق إرادتك، (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) واعلموا رحمكم الله أنه مما ينبغي للمؤمن أن يكثر الفكر فيه هو قبول العمل، وهذه القضية في الحج أو غيره من الأعمال الصالحات، فكم من الناس يؤدي العمل ولا يلتفت إلى قضية القبول، وكأن عنده ضماناً من الله بالقبول، بينما يصف ربنا تبارك وتعالى حال العباد الصالحين إذ يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المذكورين في الآية: أَهُمُ الَّذينَ يشربونَ الخمرَ ويزنون ويسرِقونَ؟ قالَ لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ، ولَكِنَّهمُ الَّذينَ يصومونَ ويصلُّونَ
ويتصدَّقونَ، وَهُم مع ذلك يخافونَ ألا تُقبَلَ منهُم (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) …ألا فاتّقوا الله عبادَ الله في كلّ حين، وتذكَّروا قولَ الحقِّ في الكتاب المبين: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا صَالِحَ الأَعْمَالِ وَاجْعَلهَا خَالِصةً لِوَجْهِكَ الكَرِيم. … اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَهُ الْحَمْدُ الْحَسَنُ وَالثَّناءُ الْجَمِيلُ، وَنشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً…
أما بعد فيا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّهُ كَمَا أَكْرَمَ اللهُ تعالى الْحُجَّاجَ بِالْحَجِّ إلى بيته الحرام، فَقَدْ أَنْعَمَ الله عَلَى غَيْرِهِمْ بِنِعَمٍ عَظِيمَةٍ، وَيَسَّرَ لَهُمْ عِبَادَاتٍ جَلِيلَةً، فمَرَّتْ بِهِمْ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، الَّتِي هِيَ أفْضَلُ أيَّامِ الدُّنْيا عِنْدَ اللهِ، وَمَرَّ بِهِمْ يَوْمُ عَرَفَةَ الَّذِي يُكَفِّرُ صِيَامُهُ سَنَتَيْنِ، وَمَرَّ بِهِمْ يَوْمُ النَّحْرِ وَفِيهِ الأُضْحِيَةُ. ثُمَّ تَوَالَتْ عَلَيهِمْ أيَّامُ التَّشْرِيقِ فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَذَكَرُوا اللهَ وَحَمِدُوهُ وَشَكَرُوهُ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ، فَمَا أَجَدْرَنَا عباد الله أَنْ نَفْرَحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) مَا أَجَدْرَنَا أَنْ نَزْدَادَ حَمْداً للهِ وَشُكْراً فَنُضَاعِفَ الْعَمَلَ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَه: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) مَا أَجَدْرَنَا أَنْ نَسْتَمِرَّ عَلَى الطَّاعَةِ، وأَنْ نَجْعَلَ الْحَيَاةَ كُلَّهَا للهِ كَمَا أَرَادَهَا سبحانَه؛ حَيْثُ قَالَ في مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) أَلَا فَلْيَسْتَقِمْ كُلٌّ مِنَّا عَلَى مَا بَدَأَهُ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ؛ فَإِنَّ الاِسْتِقامَةَ عَلَى الصِّرَاطِ وَالثَّبَاتِ عَلَيهِ، مَدْعَاةٌ إِلَى أَنْ يُخْتَمَ لِلْمَرْءِ بِالْخَاتِمَةِ الْحَسَنَةِ، وَأَنْ يُبَشَّرَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِرِضَا رَبِّهِ وَدُخُولِ جَنَّتِهِ، وَتِلْكَ وَاللهِ هِي أغْلَى مَطْلُوبٍ، وَأَسْنَى مَرْغُوبٍ؛ يقول سُبْحَانَه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)
أيها المسلمون والمسلمات: وما دمنا نتحدث عما ينبغي أن يكون عليه المسلم بعد الحج، كان لابد من قول كلمة حق وشكر، انطلاقاً من قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، (لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ) فإننا نتقدم بالشكر والتقدير لقيادتنا الكريمة ممثلة في جلالة الملك حمد بن عيسى ملك البلاد المعظم، وسمو الأمير ولي العهد رئيس الوزراء سلمان بن حمد حفظهم الله والحكومة الموقرة، على توجيهاتهم السديدة، ودعمهم المستمر لبعثة مملكة البحرين للحج وحرصهم على تقديم أفضل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام من المواطنين والمقيمين، واتخاذ كل ما من شأنه تحقيق راحة الحجاج وتذليل العقبات أمامهم، والحفاظ على سلامتهم وصحتهم.
كما نتقدم بالشكر والتقدير والامتنان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله وولي عهده وحكومته الرشيدة، بالمملكة العربية السعودية الشقيقة على ما قدموه ويقدمونه لأمتهم الإسلامية من رعاية وتفان واهتمام بالحرمين الشريفين، ونهنئهم على نجاح موسم الحج لهذا العام وكل عام، فالجهود الكبيرة التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين لراحة وخدمة ضيوف الرحمن، تشهد تطوراً كبيراً عاماً بعد عام، مما سهل على الحجاج أداء مناسكهم بيسر وسهولة، وفي جوّ إيماني وروحاني مبهر، ولا ينكر هذه الجهود إلا جاحد ومكابر..
نسأل الله تعالى أن يوفق القائمين على خدمة الحرمين الشريفين لما يحب ويرضى، وأن يسدد على طريق الخير خطاهم، وأن يجزيهم خير الجزاء، ويجعلهم مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وأن يصلح لهم البطانة، ويجمع بهم كلمة المسلمين، ويجعلهم حامين لبلادهم وبلاد ومقدسات المسلمين إنه سميع مجيب الدعاء.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا صَالِحَ الأَعْمَالِ وَاجْعَلهَا خَالِصةً لِوَجْهِكَ الكَرِيمِ. اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك…
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.
اللهم أحفظ بلادنا البحرين من كل سوء ومكروه، واجعله بلداً آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وأظله بظل الإسلام والإيمان، وبنعمة الأمن والأمان والاستقرار والوحدة وألف بين قلوبنا رعاة ورعية، وأهد الجميع للتي هي أقوم. اللهم ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.
اللهم حقق للمبتلين من عبادك المظلومين في فلسطين وفي كل مكان، حقق لهم خيراً وصلاحاً تنفرج به الكروب، وتحقن به الدماء، وتحفظ معه الأعراض، ويستتب فيه الأمن، وتبسط فيه الأرزاق، وتعلو فيه راية الحق، والعدل، والإيمان، والإسلام. اللهم أصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلاً.
اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وارحم والدينا وذوي الحقوق علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أحفظ الحجاج والمعتمرين في برك وبحرك وجوك واجعل حجهم مقبولاً وذنبهم مغفوراً وسعيهم مشكوراً، وردهم إلى أهلهم سالمين غانمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)