الجمعة 17 جمادى الآخرة 1440 هـ
الموافق 22 فبراير 2019 م
الحمد لله الذي بعث نبيه محمداً في خير القرون، واختار له من الأصحاب أكمل الناس عقولاً، وأقومهم ديناً، وأغزرهم علماً، وأشجعهم قلوباً، قوماً جاهدوا في الله حق جهاده، فأقام بهم الدين، وأظهرهم على جميع العالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيين وإمام المتقين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الأطهار من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
معاشر المسلمين: إن لهذه الأمة سلفًاً، هم أبر الناس قلوباً، وأحسنهم إيمانًاً، وأقلّهم تكلفًاً، سيرة كل عظيم منهم عظة وعبرة، وفي اقتفاء أثر أحدهم هداية، وفي الحياد عن طريقهم غواية. وإننا اليوم على موعد مع واحدٍ من هؤلاء العظماء، إنه رجل عاش الجاهلية والإسلام، رجلٌ غليظٌ شديد ولكن على الباطل، ورقيق حليم رحيم بالمؤمنين، وليٌ من أولياء الله، خليفة من خلفاء المسلمين، مُرقَّع الثياب ولكن راسخ الإيمان، تولى أمر المسلمين فطوى فراشه، إنه شهيد المحراب، إنه من قُتل وهو يصلي على يد من لم يسجد لله سجدة، أظنكم قد عرفتموه، إنه عمر بن الخطاب، المكنى بأبي حفص، والملقب بالفاروق، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورفيقُه في دعوتِه وجهاده، والخليفة الراشد الثاني بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر، رضي الله عنهم وأرضاهم.. ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان طويلاً جسيماً أبيضاً، تعلوه حمرة، أصلع الرأس، خفيف شعر العارضين.
أيها المسلمون: وإذا أردنا أن نتحدث عن سيرة عمر، فبماذا وعن ماذا نتحدث؟! أنتحدث عن دينه وعلمه، أو نتحدث عن زهده وورعه وتقواه، أو عن حكمه وسياسته وعدله، أو عن شجاعته وقوته وجهاده، أم عن محافظته على سنة النبي صلى الله عليه وسلم والتمسك بها وتأديب كلّ من حاول الإحداث في الدين، أم عن سهره ومراقبته لكل ما يحدث في البلاد ومتابعته بنفسه لكل صغيرة وكبيرة؟! حقاً إنك لتحتار وأنت تتحدث عن عمر!… أسلم عمر فأعزّ الله به الإسلام، يقول ابن مسعود رضي الله عنه (كان إسلامه فتحاً، وهجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر)… وهاجر جهراً، وشهِد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً والمشاهد كلَّها، وهو أوّل خليفة دعِي بأمير المؤمنين، وأوّل من كتب التاريخ للمسلمين، وأوّل من جمع القرآن في المصحف، وأوّل من جمع الناس على صلاةِ التراويح، وأوّل من طاف بالليل يتفقّد أحوالَ المسلمين، حمل الدّرّة فأدّب بها، وفتح الفتوحَ، ووضع الخراجَ، ومصَّر الأمصار، واستقضَى القضاة، ودوّن الديوَان، وفرض الأُعطية، وحجّ بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حجّةٍ حجّها، يقول ابن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بَيْنمَا أنا نَائمٌ أتِيْتُ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لأرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ في أظْفَارِي، ثُمَّ أعطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، قَالُوا: فَمَا أولْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (الْعِلْمَ).
وقال صلى الله عليه وسلم: (بَينَما أنا نَائِمٌ رَأيت النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَليَّ وَعَلَيْهِمْ قمُصٌ، مِنْها ما يَبْلُغُ الثَّدْيَ، ومنها مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَليَّ عُمَرُ ابْنُ الخَطَّابِ وعليْهِ قَمِيص يَجُرُّهُ، قَالُوا: فَما أوَّلْتَ ذلِكَ؟ قَالَ: (الدِّينَ). نعم دينه وعلمه يغطيه، دينه وعلمه يستره، فلا يظهر منه إلا كلّ جميل، ولا يخرج من فيه إلا كل حق، سبحان الله! رجل اجتمع له العلم والدين، فأي رجل هو؟! يقول عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ذكِر الصالحون فحيّهلا بعمر، إنّ عمرَ كان أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، كان عمر شديد الخوف من ربّه، عظيم الخشية له، وكان يقول: (لو عثرت بغلةٌ في العراق؛ لظننتُ أن الله سيسألني عنها: لِمَ لَمْ تُسَو لها الطريق يا عمر).. كان شديد الخوف من الله تعالى حتى تركت الدموع خطين أسودين في وجهه من كثرة البكاء، ومن خاف الله تعالى أخاف الله منه كل شيء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكاً فَجًّاً إِلا سَلَكَ غَيْرَ فَجِّكَ)..
عباد الله: لقد جعل الإسلام من شدة عمر رضي الله عنه شدة في أمر الله، اهتزت لها عروش الجبابرة، وفرَقت منها قلوب الشجعان، وفيه يقول صلى الله عليه وسلم في معرض الثناء على صحابته الكرام: (وأشدّهم في أمر الله تعالى عمر)؛ حينما كان يغلظ على أعداء الله عز وجل، ويغضب لحرماته، وينطق بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم… لما ولي عمر رضي الله عنه الخلافة سار بأحسن سيرة وقال للناس: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف.. كان في مدة خلافته من أشد الناس زهداً وتواضعاً في لباسه وطعامه ومركبه، يلبس الخشن من الثياب، ويأكل الخشن من الطعام.. ولما ذهب إلى الشام ليستلم مفاتيح بيت المقدس ذهب وثوبه مرقع ومعه حمار يتناوب ركوبه هو وغلامه، وجاء عليه الدور ليمشي عند الوصول فأصر على أن يدخل على وجهاء الشام ماشياً وغلامه راكب… ولما قدم وفد المسلمين ومعهم الهرمزان – وكان قائداً من قواد كسرى – دخلوا على عمر وقد نام في المسجد وتوسد برنساً كان قد أعده لاستقبال الوفد فجعل الهرمزان يقول:أين عمر؟ قالوا: هو ذا ويخفضون أصواتهم لئلا ينبهوه وجعل الهرمزان يقول: أين حُجّابه؟ وأين حرسه؟ قالوا: ليس له حجاب ولا حرس ولا كاتب، فقال:هذا ينبغي أن يكون نبياً، فقالوا: إنه يعمل بعمل الأنبياء وقد أسلم بسبب ذلك الهرمزان… ولله در حافظ إبراهيم رحمه الله الذي يقول في قصيدته العمرية:
و رَاعَ صَاحِبَ كِسرَى أنْ رَأى عُمَرَاً
بَيْنَ الرَّعِيَّةِ عُطلاً وهــــو رَاعِيهَـــا
وعَهْدُهُ بِمُلوكِ الفرْسِ أنَّ لـــــــــــها
سُوراً منَ الجُنْدِ والأحْرَاسِ يَحْمِيهَا
فقَـالَ قَـوْلَةَ حَقٍّ أَصْبَحَتْ مَثَلاً
وَأَصْبَحَ الجِيْلُ بَعْدَ الجِيْلِ يَرْوِيْـهَا
أَمِنْتَ لَمَّا أَقَمْتَ العَـدْلَ بَيْنَهُمُو
فَنِمْتَ نَوْمَ قَرِيْرَ العَيْـنِ هَانِيْـهَا
وكان هذا الإمام العظيم من أكثر الناس تحسساً لأحوال الأمة، وتفقداً لأخبارهم؛ لكي يعينهم ويسد جوعهم ويقضي حوائجهم، فقد ذكروا أنه كان ذات ليلة يعس في المدينة، فأتى على امرأة من الأنصار تحمل قربة، فسألها عن شأنها، فذكرت أن لها عيالاً، وأنه ليس لها خادم، وأنها تخرج في الليل فتسقيهم الماء، وتكره أن تخرج بالنهار، فحمل عمر عنها القربة حتى بلغ منزلها، وقال: اغدي على عمر غُدوة يُخدِمك خادماً، فقالت: لا أصِل إليه، فقال: إنك ستجدينه إن شاء الله تعالى، فغدت عليه فإذا هي به، فعرفت أنه الذي حمل قربتها، فذهبت تولول (أي تصيح)، فأرسل في أثرها وأمر لها بخادم ونفقة.
كان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يتعاهد الأرامل، فيسقي لهنّ الماء بالليل، فرآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل إليها طلحة نهاراً، فإذا هي عجوز عمياء مُقعدة، فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندك؟! قالت: هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني، ويُخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، عثراتِ عمرَ تتتبَع.
عباد الله: وبينما عمر يمشي في ليلة من الليالي إذ بامرأة في جوف دارٍ لها، وحولها صبية يبكون، وإذا قِدْرٌ على النار قد ملأته ماءً، فدنا عمر من الباب فقال: يا أمة الله، ما بكاء هؤلاء الصبيان؟ قالت: بكاؤهم من الجوع، قال: فما هذا القِدْرُ الذي على النار؟ قالت: قد جعلتُ فيه ماءً، هو ذا، أُعلّلهم به حتى يناموا، وأوهمهم أن فيه شيئاً، فبكى عمر، ثم جاء إلى دار الصدقة، وأخذ غِرارة (أي كيساً)، وجعل فيها شيئاً دقيقاً وشحماً وسمناً وتمراً وثياباً ودراهم حتى ملأ الغرارة، ثم قال لمولاه: يا أسلم، احمل عليّ، قال: يا أمير المؤمنين، أنا أحمله عنك، فقال: لا أمّ لك يا أسلم، أنا أحمله، لأني أنا المسئول عنهم في الآخرة، فحمله حتى أتى به منزل المرأة، فأخذ القدر، فجعل فيه دقيقًاً وشيئاً من شحم وتمر، وجعل يحركه بيده، وينفخ تحت القدر، قال أسلم: فرأيت الدخان يخرج من خلال لحيته، حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده، ويطعمهم حتى شبعوا… أيها الإخوة والأخوات في الله: كان عمرو بن العاص والياً على مصر في زمن عمر بن الخطاب، فجاء رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، فقال عمر: عذت معاذًاً، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، لماذا تسبقني؟ فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم، ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ ثم قال: خذ السوط فاضرب، فجعل المصري يضرب ابن عمرو بالسوط، ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس الراوي: فضرب والله، فما أقلع عنه حتى تمنّينا أن يرفع عنه، ثم قال عمر لعمرو رضي الله عنهما: متى استعبّدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟! قال: يا أمير المؤمنين، لم أعلم، ولم يأتني… تلك هي عدالة عمر، وتلك مقولته الخالدة: متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!.. وكان الخليفة العادل والإمام الجليل، يقضي بالحق على نفسه وعلى أهله وعشيرته، ويسوّي بين الناس، ولا يحابِي ولا يجامِل. ثبت في الصحيحين أنه أعطى المهاجرين الأوائل أربعة آلاف درهم، وأعطى ابنه عبد الله ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له: إنه كان من المهاجرين الأوائل، فقال: إنما هاجر به أبوه… وتستمر مسيرة عمر الخالدة، ويدخل عام الرمادة سنة ثماني عشرة للهجرة، فيقضي على الأخضر واليابس، يموت الناس جوعاً، فحلف عمر أن لا يأكل أطايب الطعام، حتى يرفع الله الضائقة عن المسلمين، وضرب لنفسه خيمة مع المسلمين حتى يباشر بنفسه توزيع الطعام على الناس، وكان يبكي ويقول: آلله يا عمر، كم قتلت من نفس؟ وهل قتل عمر أحداً؟! لا والله ما قتل، وإنما أحيا الله به النفوس. قالها خوفاً من الله عز وجل.
ذلكم هو عمر الذي لو تحدثت عنه عشر جمع والله ما كفاني ذلك، فهو رجل عظيم، وكان من خيرة الصحابة، الذين قال الله تعالى فيهم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) نسأل الله العلي العظيم، أن يجمعنـا به مع نبينا محمد وآله وصحبه ، في مستقر رحمته، وأن يملأ قلوبنا بحبهم، إنه سميع مجيب الدعاء.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون واستغفر الله الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه،ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه،ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيل الله ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد فيا أيها المسلمون: استطاع الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلال فترة حكمه أن يُحرر الكثير من المناطق الواقعة تحت سيطرة قريش، والروم، والفرس، حافراً بذلك اسمه بماء الذهب، كأفضل وأشهر القادة في العصر الإسلامي، وأكثرهم حنكةً وذكاءً في قيادة المعارك والحروب، حتى قيلَ إن الفتوحاتِ في عهدِه بلغتْ ألفاً وستاً وثلاثينَ مدينةَ مع سوادِها، بنى فيها الفاروقُ أربعةَ آلافِ مسجدٍ يمضي عليه أجرُها إلى يومِ القيامةِ…عباد الله: ولا زالت الدّنيا ترزأ بموت الأخيار، وتبلى بوفاة الأطهار، وتأتي نهاية عمَر بالموت كما هو سبيلُ كلّ حيّ سوى الله، بل أكرمه الله عز وجل بالشهادة في سبيله،في
سنة أربع وعشرين من الهجرة، فقد دعا الله تعالى قائلاً (اللهمّ كبُرَت سنّي، وضعُفَت قوَّتي، وانتشرت رعيّتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مفرِّط) ويقول: (اللهمّ ارزقني شهادةً في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك صلّى الله عليه وسلّم) فبينما عمر يصلّي بالناس صلاةَ الفجر، إذ طعنه أبو لؤلؤةَ المجوسي لعنه الله، فكانت نهاية هذا الطود الشامخ على يديه.. واستشهد عمر وله ثلاث وستون سنة في مثل عمر النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر الصديق رضي الله عنهما. وعن جميع الصحابة والآل من المهاجرين والأنصار… ودفن رضي الله عنه في الحجرة النبوية، مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأبي بكر بعد أن استأذن عمر في حياته من عائشة رضي الله عنها فأذنت له، وقد كان رأس أبي بكر بمحاذاة كتف النبي صلى الله عليه وسلم، ورأس عمر بمحاذاة وسط النبي صلى الله عليه وسلم. (فهنيئاً لهما بهذا القرب، وبهذه المحاذاة الشريفة في الحياة وبعد الممات وفي الجنات)
يقول الإمام علي: عن صهره عمر وهو يكفن قبل أن يصلى عليه:(والله ما أريد أن ألقى الله بعمل رجل إلا بعمل رجل مثلك) وجاء في نهج البلاغة وعند الطبري: أن الإمام علي رضي الله عنه مدح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأثنى عليه بعد موته قائلا: لله بلاء عمر، فلقد قوم الأود، وداوى العمد، وأقام السنة، وأمات الفتنة! خرج نقي الثوب، برياً من العيب، ذهب بخيرها،ونجا من شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي بها الضال ولايستيقن المهتدي) ويقول ذو النورين: عثمان بن عفان رضي الله عنه: أنا آخركم عهداً بعمَر، دخلتُ عليه ورأسُه في حجر ابنه عبد الله، فقال له: ضع خدي على الأرض، فقال عبد الله: فهل فخذي والأرض إلا سواء؟! فقال عمر: ضع خدّي على الأرض لا أمّ لك، وسمعتُه يقول:ويلي وويلَ أمّي إن لم يغفر الله لي حتى فاضَت نفسه وروحه إلى بارئها، رضي الله عنه وأرضاه.
عباد الله: هذا هو عمر الذي عجَزت نساء الدنيا أن يلدنَ مثله، وقصرت أرحامهن أن تخرج للأرض رجلاً على شاكلته. ما بلغ عمر وأصحابُه ما بلغوا إلاّ بهذا الدين الذي أعزّهم الله به، ورباهم رسول الله عليه، ومن أراد أن يدرك الركبَ فليأخذ بما أخذوا، وليلتَزم ما التزموا، ومن يفعَل ذلك فقد هدِي إلى صراط مستقيم… فهل عرفتم ـ يا شباب الإسلام ـ سيرةَ عمر؟! وهل تأملتم صدقه وإيمانه؟! وهل عايشتم شجاعته وإقدامه؟! فهل يسرّكم أنكم لهوتم وغفلتم ولم تتعلموا هذه السيرة العطرة؟! وهل يسركم أنكم نمتم ولم تطالعوا هذه الأخبار المضيئة؟! عودوا إلى التاريخ وتعلموه وعلموه الأجيال، (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ)
فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم
إنّ التشبّهَ بالكرام فلاح
فسلام الله عليك يا عمر الفاروق، ورضي الله عنك وأرضاك،وطاب ذكرك حياً وميتاً.
اللهم ارحم عمر، واغفر له، وأعلي شأنه، وارفع درجته في المهديين، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يحب نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم، ويحب آله وأصحابه، ويقتدي بهم، ولا تجعل في قلوبنا غلاً على أحد منهم يا رب العالمين.
اللهم إنَا نسألك حبك و حب نبيك، وحب من أحبه ، وحب كل عمل يقربنا إلى حبه ، اللهم وفقنا لإتباع سنته، وتوفنا على ملته، وارزقنا شفاعته، واحشرنا في زمرته، وابعثنا تحت لوائه، وأوردنا حوضه، واسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم ألحقنا بالصالحين، واحشرنا في زمرة المتقين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم. وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم. ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير..
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً،اللهم كن لهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي كل مكان…
اللهم أنقذ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين، ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.
اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…
عِبَادَ الْلَّهِ:إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ، فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أكبروالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين.