عدنان بن عبد الله القطان
19 شوال 1443 هـ – 20 مايو 2022 م
————————————————————————–
الحمد لله الذي لا يُحيط بحمده حامِد، ولا يُحصِي نعماءَه مُحصٍ ولا يُحيط بها راصِد، أنعمَ على خلقه فجعَلهم ما بين مولودٍ ووالد، وهو الغني بذاته فلم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ولم يكن له فيما مضى والد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، ونشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أكرمُ نبيّ وأكرمُ عابِد، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبِه الغر الميامين، والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمنوا ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: يقول الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله العزيز: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً، يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ). سبحان من خلق الخلق بقدرته، وصرفهم في هذا الوجود بعلمه وحكمته، وأسبغ عليهم من نعمائه وفضله وواسع رحمته، خلق الإنسان ضعيفاً خفيفاً رقيقاً ثم أمده بالصحة والعافية؛ فصار بعد الطفولة شاباً قوياً بعد أن كان ضعيفاً… وقوة الشباب التي يعيشها الإنسان، فيها أجمل الذكريات، وأحلى الأيام، ثم تمر السنون والأعوام، وتتلاحق الأيام تلو الأيام، حتى يعود إلى المشيب والكبر،(ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) يقف عند آخر هذه الحياة فينظر إليها، وكأنها نسج من الخيال، أو ضرب من الأحلام، يقف في آخر سني عمره وقد ضعف بدنه، ورق عظمه، فأصبحت آلامه متعددة، ضعف البدن، وثقل السمع، وتهاوت القوى، وتجعد الجلد وابيض الشعر، يمشي بثلاث بدل اثنتين، أو على أربع، أو لا يستطيع المشي. هكذا عباد الله يكون حال الإنسان إذا تقدم به العمر (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْاً) وهذه المرحلة من مراحل السن، هي سنة الله تعالى في خلقه، ولم يسلم منها حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ألم تسمعوا عن النبي زكريا عليه السلام الذي نادى ربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً، وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً). ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، إِلا دَاءً وَاحِداً ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : الْهَرَمُ ) أي الكبر…نعم عباد الله: الكبير الذي رق عظمه، وكبر سنه، وخارت قواه، وشاب رأسه،(وهذه المرحلة سيبلغها كل واحد منا، إن أمد الله له في الأجل والعمر) إنه الكبير الذي نظر الله إلى ضعفه وقلة حيلته فرحمه، وعفا عنه، (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا، فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَكَانَ اللَّهُ عَفُواً غَفُوراً) الشيخ الكبير رجل كان أو امرأة، الذي خفف الله عليه في الصلاة والصيام والحج والجهاد، الكبير الذي عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله في المعركة، ولو كان كافراً فقال لأصحابه: (انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ ، وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، لا تَقْتُلُوا شَيْخاً فَانِياً، وَلا طِفْلا ، وَلا صَغِيراً ، وَلا امْرَأَةً… الحديث) فأي رحمة بالكبار، أعظم من رحمة الإسلام بهم ..أيها المؤمنون: نقف اليوم مع الشيخ الكبير رجل (كان أو امرأة) الذي ضاعت عند بعض الناس حقوقه، وضيعت وامتهنت مشاعره وأحاسيسه، وجرحت كرامته، وكثرت وعظمت همومه، وغمومه وآلامه وأحزانه.. نقف اليوم مع الشيخ الكبير الذي هو نور وبركة في مجتمعنا، والذي يرى مع الأسف الشديد بعض مثقفي زماننا، ممن تأثروا بالثقافة الغربية، بأن الشيخ الكبير أصبح عالة على المجتمع، ولا يستحق أن نشغل أنفسنا به وبقضاياه… عباد الله: معاشر الأبناء من البنين والبنات: اعلموا أصلحكم الله أن لكبار السن في الإسلام حقوقاً عظيمة، لا يجوز التفريط فيها أو التخلي عنها، منها: برهم والإحسان إليهم، وخاصة إذا كانوا من الآباء أو الأمهات، يقول تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا، وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) فتوقير الكبير وتقديره واحترامه، أدب من آداب الإسلام، وسنة من سنن سيد الأنام عليه من الله أفضل صلاة وأزكى سلام، وهي سنة الأنبياء قبله؛ فها هما البنتان الصالحتان البارتان، ترعيان الغنم عن أبيهما الكبير شعيب عليه السلام، (قالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) فما كان من موسى إلا أن (سَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ) فأكرموا رحمكم الله، كبار السن ووقروهم؛ فإن الله يحب ذلك ويثني عليه كثيراً ؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ) وعقوق الآباء والأمهات، وخاصة كبار السن منهم، عقوبته معجلة؛ فبمثل ما يصنع العاق بأبيه، سيصنع به أبناؤه، فهذا شاب أدخل والده إحدى دور إيواء المسنين ولم يزره، وما هما إلا شهران ويصاب هذا الابن المتزوج، بحادث سيارة تسبب في شلل جسمه، مما دفع بأولاده أن يلحقوه بوالده الذي هو جدهم، وفي الدار نفسها. يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بابانِ مُعجَّلان عُقوبتهُما في الدنيا: البغي، والعقوق) ويقول: (مَلْعُونٌ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ) ويقول: (رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ) فالواجب التواضع والبر والإحسان والتذلل للوالدين، وخاصة في مرحلة كبر سنهما، ففيه فضل عظيم، كما قال صلى الله عليه وسلم لمعاوية ابن جاهمة السلمي: (ألزم رجلها – يعني والدته- فثمّ الجنة) وخص الرجل للوالدين، دون يدهما أو رأسهما، دلالة على التواضع وخفض الجناح لهما… وكان الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي أبي طالب من سادات التابعين وأئمة آل البيت رضوان الله عليهم كثير البر بأمه، حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة ( وهو إِنْاءٌ مِنْ آنِيَةِ الطَّعَامِ)، فماذا قال؟ قال: لا آكل معها في صحفة، أخاف أن تسبق يدي لما سبقت إليه عينها من الطعام، فأكون قد عققتها.. وقصص السلف الصالح في برهم لآبائهم وأمهاتهم لا تكاد تحصر، وما ذاك إلا لعلمهم بفضائل الإحسان للوالدين، وأنه سبب في استجابة الدعاء عند الله عز وجل، وأنه مكفر للذنوب والخطايا، وأنه من أحب الأعمال إلى الله تعالى، وأن برهما من أسباب البركة وزيادة الرزق، وهو سبب في حصول البر من الأولاد؛ فمن بر والديه بره أبناؤه، ومن عقهما عقه أبناؤه، (فالجزاء من جنس العمل) ولا يظلم ربك أحداً.
أيها الإخوة والأخوات في الله : إن صور بر الوالدين وكبار السن خاصة كثيرة؛ فمن ذلك: مناداتهما بأحب الأسماء إليهما، وعدم ندائهما بأسمائهما المجردة، والتلطف معهما في الكلام، وعدم رفع الصوت عليهما، وتقبيل اليد والرأس، وطاعتهما في غير معصية الله، وإدخال السرور عليهما، وعدم إحزانهما، وعدم التقدم عليهما عموماً في الكلام أو الطعام أو المشي إلا لحاجة، والدعاء لهما،أحياء وأمواتاً، والتوسيع لهما في المجلس، وتلبية ندائهما دون تأخر، ومن برهما والإحسان إليهما، أن من تقدم به السن من الوالدين أو مات أحدهما، ولم يؤد فرضه من الحج مثلاً، فعلى الأبناء أن يقضوا عنه.. فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: وقَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخاً كَبِيراً لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ : نَعَمْ) حجي عنه . وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فهذه البنت البارة تحمل هم والدها الذي لم يحج… وكذلك الأمر في إعانة المريض منهما على طهوره وصلاته وعبادته؛ فإنه من أعظم البر والإحسان؛ فقد يعجز الوالدان عن قضاء حاجتهما أو عن وضوئهما؛ فمن البر بهما القيام لهما بذلك.
أيها المؤمنون والمؤمنات: ومن حقوق كبير السن، أن يقدم في المجلس وفي الكلام ونحوه؛ لما جاء عبد الرحمن بن سهل رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه من هو أكبر منه، ذهب عبد الرحمن يتكلم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كبر كبر) – أي ليتكلم الأكبر منكما- وكان عبد الرحمن أحدث القوم سناً، فتكلم ابن مسعود رضي الله عن الجميع. وفي الصحيحين عن أبي سعيد بن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً فكنت أحفظ فما يمنعني من القول (يعني الكلام) إلا أن هناك رجالاً هم أسن مني!
عباد الله: ومن احترام الكبير، أنه يبدأ به بالسلام، توقيراً وإجلالاً له، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن البركة مع الكبار فقال: (البركة مع أكابركم) وهذا هو هدي الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، يجلون الكبير، ويجلسون إليه؛ فلديه من الخبرة والعقل ما يفوق به غيره ممن هو أصغر منه؛ فقد مرت بهم تجارب في الحياة كثيرة وعديدة، لا يمكن الاستغناء عنها؛ فكبار السن تؤخذ منهم الخبرة بالمجان عن الحياة وظروفها بحلوها ومرها وخيرها وشرها؛ فهم في المجتمع المسلم بركة وخير، وهم سبب للرزق والنصر؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، أي: اطلبوا لي، فإنكم إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ، بدعائهم وصلاحهم).. أيها المسلمون : هذه هي نظرة الإسلام لمن كبر سنه، وهو مسلم مطيع لله تعالى، أجر وفضل وبركة ونور؛ لذلك يقبح ويعيب من كبير السن، ومن غزى الشيب لحيته ورأسه، أن يشتهر عنه الخطأ والذنب – كشرب الخمر والمعاكسات والزنا والأسفار المشبوهة وغيرها، وهو أقبح وأشنع ما يكون – ولذا توعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بوعيد شديد، فقال: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: وذكر منهم: شَيْخٌاً زَانٍياً) لأنه لم يردعه كبره ولا شيبته عن مقارفة المعاصي والمنكرات… ألا فليتق الله كبار السن، خشية أن يدركهم الأجل والموت وهم كذلك، وليعظموا السن الذي هم فيه، وليحذروا الذنوب والمعاصي؛ فإنها بهم لا تليق، ووزرها عليهم ثقيل..
نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يبارك في أعمارنا وفي آبائنا وأمهاتنا وكبارنا ويغفر لنا ولهم ، وأن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأن يعلي قدرهم، وأن يرزقنا برهم والإحسان إليهم، أحياء وأمواتاً، إنه سميع مجيب الدعاء…
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليمًا كثيراً.
أما بعد فيا أيها المسلمون: فقد سئل بعض السلف الصالح من أسعد الناس؟ قال: أسعد الناس من ختم الله له بخير… أسعد الناس من حسنت خاتمته، وجاءت على الخير قيامته، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيباً لرجل سأله: أي الناس خير؟ قال: (من طال عمره وحسن عمله). قال : فأي الناس شر؟ قال : (من طال عمره وساء عمله) فيا ابن آدم إذا رق عظمك، وشاب شعرك؛ فقد أتاك النذير (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) قال بعض العلماء: وهن العظام، والشيب في الشعر والرأس …
إنه تذكرة من الله جل جلاله، وتنبيه من الله سبحانه؛ رحمة بعباده، فربما غفلوا وكانوا عن طاعته بعيدين؛ فرحمهم الله بهذا النذير حتى يحسن خاتمتهم… كان السلف الصالح رحمة الله عليهم، إذا بلغ الرجل أربعين سنة، لزم المساجد، وسأل الله العفو عما سلف..يقول تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ، وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) نعم عباد الله، كانوا إذا بلغوا أربعين عاماً لزموا بيوت الله، وأكثروا من ذكر الله، وتلاوة كتاب الله، وحافظوا على الصلوات، وأكثروا من صيام النوافل، وأحسنوا القدوم على الله؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً) فليس له عند الله بعد هذا العمر إن فرط وضيع من عذر…
يا معاشر الكبار: أنتم كبار في قلوبنا، وكبار في نفوسنا، وكبار في عيوننا؛ بعظيم حسناتكم وفضلكم؛ فأنتم الذين علمتم وربيتم، وأنتم الذين أدبتم وبنيتم، ولإن نسي البعض فضلكم فإن الله لا ينسى، ولإن جحد البعض معروفكم فإن المعروف لا يبلى، ولإن طال العهد على ما قدمتموه من خير وتضحيات فإن الخير يدوم ويبقى ثم إلي ربكم المنتهى وعنده الجزاء الأوفى؛ يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً).
يا معاشر الكبار: أما الآلام والأسقام التي تجدونها فالملائكة قد كتبت حسناتها والله عظم أجورها وستجدونها بين يدي الله؛ فالله أعلم كم كان لهذه الأسقام والآلام من حسنات ودرجات، اليوم تزعجكم وتقلقكم وتبكيكم وتقض مضاجعكم، ولكنها غداً بين يدي الله تفرحكم وتضحككم؛ فاصبروا على البلاء، واحتسبوا عند الله جزيل الأجر والثناء؛ فإن الله لا يمنع عبده المؤمن حسن العطاء، فأنيبوا إلى الحليم الغفار؛ قال بعض كبار السن: اللهم أحسن لي الخاتمة؛ فمات بين الركن والمقام عند بيت الله الحرام، وقال ثان: اللهم أحسن لي الختام ؛ فمات وهو ساجد بين يدي الله عز وجل ، وقال ثالث: اللهم إني أسألك حسن الخاتمة؛ فمات يوم الخميس وهو صائم. فمن عاش على شيء مات عليه وإنما الأعمال بالخواتيم، أحسن الله لناولكم الختام وأسكننا دار السلام تحيتهم يوم يلقونه سلام.
أيها الشباب، أيها الإخوة المؤمنون: لنقم جميعاً بحق كبارنا علينا، لننال رضى ربنا، لنقم بحق كبارنا، ليقوم بحقنا أبناؤنا، لنقم بحق كبارنا لنرد الجميل ، لنقم بحق كبارنا لنرسم بترابطنا وتراحمنا لوحة مشرقة في ليل حالك السواد، تمزقت فيه أواصر المحبة والشفقة والمودة بين أفراد الأسرة الواحدة، بين كبارها وصغارها في كثير من المجتمعات… نسأل الله تعالى أن يحسن لنا ولكم الختام، وأن يجعل آخر ما نقول في هذه الدنيا شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله… اللهم اختم لنا بخير، اللهم اختم لنا بخير، اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم اجعل أسعد اللحظات وأعزها لحظة الوقوف بين يديك برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارحم كبارنا وأصلح شبابنا، ووفق للخير صغارنا، وخذ بنواصينا لما يرضيك عنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.
اللهم ارفعْ وأدفع عنَّا البَلاءَ والوَباءَ والغلاء والرِّبا والزِّنا والفواحشَ والزَّلازلَ والمِحَنَ والفتنَ وسَيءَ الأسقَامِ والأمراضِ عن بلدِنا البَحرينِ خاصةً، وعن سَائرِ بلادِ المسلمينَ والعالم عامةً يا ربَّ العالمينَ.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس وأهل فلسطين والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، والمصلين فيه واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا واشف مرضانا، برحمتك يا أرحم الراحمين. الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي -عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين