الحمد لله اللطيف الخبير؛ فرض على عباده من الدين ما يقرب إليه، وشرع لهم من الفرائض ما يصلحهم في الدنيا والآخرة، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ)، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآَخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله، (بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِالله شَهِيداً) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتزودوا من حياتكم لموتكم، واستعدوا بالعمل الصالح لما أمامكم، واعمروا ما بقي من شهركم، فإنه راحل عنكم، فمحصل أجراً وحامل وزراً فكونوا من أهل الأجور لا الأوزار، القائمين بالليل الظامئين بالنهار، فإن لهم من الجنة باب الريان، (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا، عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً) جعلنا الله وإياكم من أهلها.
معاشر المسلمين: هناك تلازم وثيق، بين رمضان والإنفاق في سبيل الله، بين الصيام والزكاة، فكلاهما من أركان الإسلام، وفي رمضان حض شرعي على الإنفاق؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان، وفي رمضان يكثر إطعام الطعام، وينتشر تفطير الصوام؛ ابتغاء الأجر من الله تعالى، في مظهر من مظاهر التلاحم والتآخي يأسر النفوس، ويحرك القلوب.
إن الزكاة عباد الله جاءت قرينة للصلاة في كثير من الآيات، (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآَتُوا الزَّكَاةَ، وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) وتنزل وعيد شديد على تركها أو التباطؤ عن إيتائها، ويعذب كانز المال بماله في قبره ويوم نشره؛ فإن كان مالاً صامتاً ذهباً أو فضة أو دراهم كويت به أجزاء جسده، وإن كان ماله من بهيمة الأنعام تطؤه بأظلافها وحوافرها...
وقد امتن الله تعالى علينا بالرزق، وجعل لبركته في أيدينا أسباباً، من أعظمها الزكاة، ووعَد الله من أداها بالزيادة والحماية من النقصان، وتوعد من منعها بالشقاء والخسران. و ورد الترهيب الشديد، والوعيد الأكيد، لمانعي الزكاة؛ يقول تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) وقد بينت سنة النبي صلى الله عليه وسلم كيفية هذا الكي؛ يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ). ويقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعاً أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي إن المال يمثل له في صورة شجاع أقرع، والشجاع الحية الذكر، والأقرع الذي طال عمره وسقط شعره، والزبيبتان نقطتان سوداوان فوق العينين، وهو أخبث الحيات، يطوقه ثم يأخذ بشفتيه فيقول: أنا مالك، أنا كنـزك،عياذا بالله.
أيها الأخوة والأخوات في الله: إن بعض المسلمين هداهم الله يتساهلون في إيتاء الزكاة، ويتثاقلون عن إخراجها؛ حتى يعطل الواحد منهم هذا الركن من الإسلام، ولا يحس أنه أتى أمراً عظيماً بسبب الجهل والغفلة.. إي والله، تجده من المصلين الصائمين القارئين للقرآن، وربما تصدق على الفقراء، وأطعم الجياع، لكنه لا يؤتي الزكاة، فيفعل النوافل ويذر الفرائض، مع أن الله تعالى جعل منع الزكاة من صفات غير المؤمنين الذين يكفرون نعمه سبحانه، (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) إن من الناس من يحبس البخل يده عن أداء الزكاة، ومنهم من يحتال على ربه سبحانه ليسقطها بأن يتخلص من سائل ماله قبل حلول الزكاة بشراء عقار ونحوه، والله تعالى أعلم بما في قلبه، ومن مكر بالله تعالى ليمنع حق الفقراء في ماله، فجدير أن يمكر الله تعالى به فيخسر كل ماله... إن البخل عباد الله هو أهم سبب لمنع الزكاة، ولا سيما عند أصحاب الأموال الطائلة، فينظر صاحب المال الطائل إلى مقدار الزكاة في ماله فيجده كثيراً، ولا ينظر إلى كثرة ماله، والزكاة ليست إلا جزءاً واحداً من أربعين جزءاً من ماله، ويستحضر كده وتعبه في جمعه، ولا يستحضر توفيق الله تعالى له في كسبه فكم كد غيره وتعب ولم يربح كما ربح.
وقد بين الله تعالى في كتابه العزيز أن البخل يمنع الإنفاق، وتوعد البخلاء الذين يمنعون حقوق الله تعالى في أموالهم بالعذاب، (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) ومن الناس من يذوق حلاوة المال بعد مرارة الحرمان، ويجد عز الغنى بعد ذل الفقر، وكان أيام فقره وحرمانه يتمنى المال لينفقه في وجوه الخير، فيكفل الأرامل والأيتام، ويسد حاجة الفقراء، ويعين المنكوبين على نوائبهم، ويعد نفسه بالوعود، ويمنيها بالأماني، وما إن سال المال في يده، وامتلأ به جيبه إلا وتنكر لوعوده، ونسي أمانيه، وطوى صفحة الماضي، يظن أنه قد جاوزها بغناه، فيمنع حقوق الله تعالى في ماله، فهذا ينغمس في النفاق عياذاً بالله وهو لا يشعر؛ لأنه أنكر فضل الله تعالى عليه حين انتشله من الفقر إلى الغنى، ونكث بوعوده وعهوده (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وهذه الآية دليل على أن منع الزكاة يورث النفاق في القلب، نسأل الله السلامة والعافية… عباد الله: ومن أسباب منع الزكاة: الجهل، ولو كان مانعها من كبار المتعلمين؛ وذلك بأن يكون من مستوري الحال أو متوسطي الدخل، فيظن أن الزكاة خاصة بالأغنياء والوجهاء، أو يكون عليه دين طائل لا سداد عنده له، فيستحق الزكاة لأجله، لكن عنده مدخرات من المال لحاجته ومن يعول، فيظن أنه لما استحق الزكاة لغرمه لا تجب عليه في ماله، فيمنع الزكاة جهلاً، والرجل قد يجتمع فيه استحقاقه للزكاة، ووجوبها عليه في ماله، ولا تعارض بين الأمرين. ودواء الجهل السؤال والعلم؛ فإن أمر الزكاة عظيم، وهي من أركان الإسلام، ومن ضرورات الدين، فلا يعذر الإنسان بجهله في منعها، وهو يستطيع أن يعلم ويسأل... أيها المؤمنون: ومن أسباب منع الزكاة: التسويف في إخراجها؛ فإن بعض الناس لكثرة أعماله ومشاريعه، وتعدد مصادر أمواله يحتاج إلى وقت ليحسب زكاته، فيؤجل ويسوف حتى يمضي عليه الحول والحولان والثلاثة وهو لم يخرج زكاة أمواله، ولو أنه حرص على دينه حرصه على دنياه، واهتم للزكاة اهتمامه بمشاريعه لخصها بموظفين يحسبونها ويخرجونها... ومن الناس من يمنعه من أداء الزكاة عدم وصوله للمستحقين بيسر وسرعة؛ فيرى كثرة المتصنعين للفقر، ويسمع أن الزكاة لا بد فيها من التحري والسؤال، فيؤخرها لأجل أن يبحث بنفسه عن المستحقين، فيتمادى به الوقت وهو لم يخرجها. ومن كان هذا حاله وجب عليه أن يتصل بالثقات من معارفه أو يدفعها لأحدى المؤسسات والجمعيات الخيرية في البلاد ويوكلهم على زكاته، وتبرأ ذمته بذلك.. ومن الناس من يؤدي الزكاة لكنه لم يؤدها على الحقيقة، وهم أصناف في الناس كثيرة: فمنهم من يقيمها مقام النفقة، فيوسع بها على أولاده المتزوجين بحجة أنهم محتاجون ومستقلون عنه في منازلهم، مع أن زكاته لا تجوز لهم... ومنهم من يكون ذا شأن في قومه، وتتوجه إليه أبصارهم في رمضان، فيبني جاهه عندهم بزكاة ماله وهم ليسوا من أهل الزكاة يظنونها هبة منه، وهو يحسبها من زكاته... ومنهم من اعتاد أن يدفع زكاته لقرابته الفقراء، وألفوا ذلك منه في كل رمضان، ثم أغناهم الله تعالى بعد الفقر، فيستحي أن يقطع عنهم عادتهم، ويشح أن يبذلها لهم من ماله، ويجترئ على حق الله تعالى فيجعله لهم، ويمنع منه الفقراء... ومنهم من يكسل عن الوصول إلى الفقراء في أماكنهم ومواطنهم فيدفعها لأقرب سائل تخلصاً منها، وقد يغلب على ظنه أنه غير محتاج، فلا تبرأ ذمته بما دفع... ومنهم من يكون حيياً فيبتلى بسائل صفيق الوجه ثقيل لا يبارحه حتى يعطيه مالاً، فيدفعه إليه وينويه من الزكاة، وهو يظن أنه إنما سأل تكثراً، ويجعل ذلك في ذمة السائل، وهذا لا يصح.. فهؤلاء كلهم قد آتوا الزكاة لكنهم لم يضعوها في مواضعها مع قدرتهم على وضعها في مواضعها فكأنهم لم يؤتوها. والسبب الذي يجمع هذه الأسباب كلها هو ضعف الإيمان؛ فإن صاحب الإيمان القوي يبحث عما يرضي الله تعالى، ويتعلم فرائضه، ويتحرى في أداء حقوقه، ولا يستكثر شيئاً من ماله لله تعالى مهما كان عظيماً.. هذا؛ ووضع الزكاة في غير مصرفها كأداء الصيام الواجب في غير وقته، وهو كالصلاة في غير وقتها؛ فإن إيتاء الزكاة إلى غير أهلها المنصوص عليهم في الآية مع علم المزكي بذلك لا يصح أن يسمى زكاة، قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
فاتّقوا الله عبادَ الله، وأدّوا زكاةَ أموالكم طيّبةً بها نفوسكم، تحصّنوا بالزّكاة من شرور أموالِكم، وطهّروا بها دينَكم ودنياكم. وأنفقوا وثقوا بالخَلَف الجزيل من الله تبارك وتعالى.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الفقه في دينه، والعمل به، وأن يقينا شح أنفسنا، وأن يجعل غنانا في قلوبنا، إنه سميع مجيب الدعاء.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان…
أما بعد فيا المسلمون والمسلمات: الزكاة من مباني الإسلام العظام، وركنه الثالث بعد الصلاة وقبل الصيام؛ صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ محمَّداً رسولُ اللَّهِ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصَومِ رمضانَ، وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلاً) والزكاة في الإسلام حق الفقراء في أموال الأغنياء، وهذا الحق أوجبه الله عز وجل، وهو معلوم قد حددت الشريعة مقاديره وأنصبته المختلفة في أنواع الأموال، ولم يترك تحديده لضمائر الناس...
ولمكانة الزكاة عند الله تعالى جاءت بها شرائع من سبقوا من رسل الله تعالى، وأُوحي إليهم بها، وفرضت على الأمم الماضية، كما أوحى الله تعالى إلى الأئمة من ذرية إبراهيم عليه السلام يقول سبحانه: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ) وامتدح الله بها إسماعيل عليه السلام بقوله سبحانه: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِياً) وأخبر تعالى عن عيسى عليه السلام أنه قال: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياً).. أيها المسلمون: وقَّت كثير من الناس رمضان موعداً لإخراج زكاة أموالهم؛ طلباً للزمن الفاضل، وسداً لحاجات الفقراء في رمضان والعيد. ولأجل إقبال الناس على الصدقة والإنفاق يكثر التسول في هذا الشهر ممن يمتهنون هذه المهنة الرديئة وليسوا محتاجين، ويتعرضون للناس في المساجد والأسواق والمجمعات والطرقات، ودفع الزكاة إلى من يغلب على الظن أنه ليس من أهلها لا يسقط الوجوب، ولا سيما مع كثرة الكذب وتصنع الفقر، وتحول السؤال إلى مجال للكسب والثراء… وما تفشت هذه الظاهرة السيئة في بلاد المسلمين إلا بسبب تقصير مخرجي الزكاة في الوصول للمستحقين، والتخلص منها بإلقائها في أيدي السائلين أمثال هؤلاء، وإلا ففي البيوت المستورة فقراء ومحاويج، وفيها أرامل وأيتام، وفيها من أقعدتهم الأمراض عن العمل والاكتساب، وفي السجون غارمون يحرم أهلهم وأولادهم فرحة العيد بهم بسبب ديونهم، وأسر المسجونين غالباً ما تكون في حاجة شديدة لغياب المكتسب المعيل.
ولو تحرى الإنسان في زكاته فوضعها في مصرفها الصحيح لفرج بها كرباً، وأزال هماً، وأسعد أسراً؛ ولوجد لذة عظيمة في أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام.. ولو أدى الأغنياء والأثرياء والوجهاء زكاة أموالهم، ووصلت لمستحقيها لما بقي في الناس محتاج، لكن بعضهم يمنعونها، ومن يؤتونها من الناس يقصر كثير منهم في الوصول إلى مستحقيها..والواجب أن يضع المسلم فريضة الزكاة في موضعها اللائق بها، ويتعامل معها تعامله مع ركن من أركان الإسلام، ويستحضر هذا المعنى العظيم عند أداء زكاته، لا أن يعدها مالاً زائداً وجب عليه أن يتخلص منه بأي طريق كان؛ فإن الله تعالى قد ذكر الزكاة في كثير من الآيات، وجعلها قرينة للصلاة، وما ذاك إلا لأهميتها في دينه سبحانه، وعظيم منزلتها عنده عز وجل.
أيها الأخوة والأخوات في الله : من شعائر الإسلام العظيمة الإنفاق والإحسان إلى الأيتام والأرامل والفقراء والمحتاجين والتوسيع عليهم؛ طلباً لرحمة الله تعالى؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كَهاتين، وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني: السَّبَّابةَ والوسطى) ويقول: (السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ)
ويقول عليه الصلاة والسلام: (مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وبناء على ما تقدم فإن المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية بارك الله في جهودها والقائمين عليها، تقوم في هذا الشهر الفضيل بحملة لجمع التبرعات، وذلك لدعم عدة مشاريع تخدم الأيتام والأرامل والأسر المتعففة في المجتمع البحريني. للتخفيف من الأعباء المعيشية التي تسبّبت بها جائحة كورونا، وتعزيز الشراكة المجتمعية من خلال منح الشركات والمؤسسات والأفراد فرصة المشاركة في العطاء وبذل الخير. لذا فإننا نهيب بالأغنياء والقادرين على البذل والعطاء والإنفاق في سبيل الله، إلى مد يد العون الحانية للمحتاجين، ودعم هذه المشاريع الخيرية، واللَّه فِي عَوْنِ العبْدِ مَا كانَ العبْدُ في عَوْن أَخيهِ، (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) والله نسأل أن يجعلنا وإياكم من المتصدقين والمزكين والراحمين وأن يتقبل منا أعمالنا إنه سميع مجيب.
اللهم أخلف على المزكين والمتصدقين نفقاتهم، واغفر لهم وارحمهم، وتقبل منهم، واكتبهم مع عبادك الصالحين، وبارك لهم في أموالهم وفي صحتهم وفي أولادهم وفي أزواجهم وفي أعمارهم إنك سميع الدعاء.
اللهم إنا نعوذ بك من أن نضل أو نضل، أو نزل أو نزل، أو نظلم أو نظلم،أو نجهل أو يجهل علينا، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين.. اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم. وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم. ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير..
اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين…
اللهم كن للمستضعفين والمظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً. اللهم أحفظ المسجد الأقصى، وفك الحصار عنه، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين
اللهم تقبَّل صيامَنا، وقيامَنا، ودعاءَنا، وسائرَ طاعاتنا، وأصلِح أعمالَنا، وكفِّر عنَّا سيئاتِنا، وتُب علينا، واغفِر لنا وارحَمنا، يا أرحم الراحِمين. الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ،وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ.. الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ…
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين