عدنان بن عبد الله القطان
6 جمادى الأولى 1443 هـ – 10 ديسمبر 2021 م
————————————————————————
الحمد لله الذي جعل فيما قصَّ على عباده عبرة لأولي الألباب، وحرَّم عليهم أسباب الذنوب والعقاب، أبان السبيل، وأقام الدليل، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيي عن بينة، وإنَّ الله لسريع الحساب، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الخلق وهو رب الأرباب، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه إلى يوم الدين والمآب.
أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، اتقوا الله واعلموا: أن مما قصه الله تعالى في كتابه العزيز، وجعل قصتهم آية للمؤمنين، وعبرة للمعتبرين، قصةُ قرى انتكست فطرة أهلها، فخبثت سرائرهم، وماتت ضمائرهم، وقبحت بواطنهم وظواهرهم، إنها قصة نبي الله لوط عليه السلام، فقد أرسل الله تعالى لوطًاً إلى أهل سدوم (وهي قرى تقع في منطقة البحر الميت، وغور الأردن) وقد كان هؤلاء من أفجر الناس وأكفرهم، وأخبثهم طوية وسريرة، وأقبحهم فعلاً وسيرة، يقطعون السبيل أي: الطريق، ويأتون في ناديهم المنكر علانية، ولا يتناهون عن منكر فعلوه، وارتكبوا جريمة من أقبح الجرائم وأشنعها على الإطلاق، ولم يسبقهم إلى فعلها أحد من العالمين، ألا وهي إتيان الذكور من دون النساء، حتى صاروا لا يستقبحون قبيحاً ولا يستترون من منكر، فغدت قلوبهم قاسية، وأخلاقهم فاسدة، وجاهروا باللواط من غير خجل ولا حياء، فبعث الله إليهم لوطاً عليه السلام، فدعاهم إلى الله، وذكَّرهم ونصحهم، ونهاهم وخوَّفهم بأس الله تعالى ونقمته، فلم يأبهوا ولم يرتدعوا عن غيهم وإسرافهم، وتعديهم ومجاوزتهم الحلال إلى الحرام، قال تعالى: (وَلُوطًاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) وقال جل وعلا: (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ)
فلما ألح عليهم لوط عليه السلام، وكرّر النهي والتخويف، والوعيد بالعذاب الأليم من الله عز وجل، إن هم استمروا على ذلك، عندها هدَّدوه بالطرد والإبعاد وإخراجه من بين أظهرهم هو ومن آمن معه إذا لم ينته عن نصحهم وإرشادهم؛ لأنه حسب فساد عقولهم يدعو إلى شيء مخالف لهم، حيث يدعوهم إلى الطهارة والتطهر، وذكر الله قولهم في مواضع من كتابه الكريم: فقال: (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمُخْرَجِينَ) وقال عز وجل (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) وقال تعالى: (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) الله أكبر عباد الله تواصى القوم الفاسقون بإخراج لوط وأهله وطردهم من القرية، بتهمة أنهم (أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)، فجعلوا الفضيلة جريمة وتهمة، وأقروا على أنفسهم بالنجاسة والخسة. وهذا هو منطق المنحلين الذين انقلبت لديهم القيم والموازين في كل زمان وحين، يسخرون من طهر المؤمنين.. إن هذا منتهى السَّفَه والحماقة وقلَّة العقل والبصيرة والتفكير في عواقب الأمور، فأصبح القوم يعتبرون اجتناب الرذائل والبعد عن القبائح والفواحش جريمة، وعلى من يتطهر من ذلك ويبتعد عنها وعن ارتكاب الجرائم عموماً، عليه أن يُبْعَد ويُخْرج من الديار، ويصبح هو منفياً مطروداً مجرماً ينبغي تهجيره وإخراجه من الأوطان، فعندما وقعوا وانغمسوا في الفواحش والمحرمات وارتكبوا أقبحها وأشنعها تبلَّدت أحاسيسهم، وانعكست مفاهيمهم حتى غدا الباطل حقاً والحق باطلاً، والطهارة والعفة في نظرهم جريمة، أما الوقوع في القاذورات والمحرمات فهو أمر محمود ومقبول لا غبار عليه في نظرهم، وهذا منطق الطغيان، والطاغوت في كل وقت مع أي موقف صدق، يبرز فيه الإخلاص والأمانة والدعوة الصادقة، يهدّد بالنفي والتغريب والتضييق بشتى أنواع المضايقات والإهانات.. وما كان من لوط عليه السلام مع إصرار أولئك القوم الخبثاء الأشرار إلا أن توعدهم بعذاب الله، ودعا الله أن ينصره على أولئك القوم المفسدين، ولكنهم استبعدوا نزول العذاب عليهم في الدنيا، وقالوا بكل وقاحة واستهتار واستخفاف: ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، كما قال الله تعالى عنهم: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) وعندما لم يتنزه القوم عن تلك الفاحشة القبيحة مع وجود نسائهم لديهم وانحرافهم عن الحلال إلى الحرام، ولم يحصنوا أنفسهم بهن، ولم يُحصِّنوهُنَّ أيضاً، فقد انتشر السِّحَاقُ بينهن، واستغنين هن أيضاً عن الرجال، كما ورد في بعض الآثار وأصبح القوم رجالاً ونساءً ممسوخين حيث استقبحوا الحسن واستحسنوا القبيح، وهبطوا إلى أسفل الدركات بما أقدموا عليه من انحطاط خلقي مُزْرٍ لا تصل إليه البهائم والحيوانات. لذلك أرسل الله تعالى إليهم ملائكة ليقلبوا عالي تلك القرى سافلها نصرة لنبيه لوط عليه السلام، وعقاباً لأولئك القوم المجرمين المفسدين، الذين لم ينفع معهم النصح والوعظ والتذكير والتوجيه والإرشاد، قال عز وجل: (إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) وقال تعالى: (قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ) وقد مرّ الملائكة في طريقهم على إبراهيم عليه السلام: (وهو عم النبي لوط عليه السلام) وبشَّروه بغلام حليم، وأخبروه بأنهم ذاهبون للانتقام من قوم لوط الذين كانوا يعملون الخبائث، فتخوف إبراهيم على ابن أخيه لوط إذا قُلبت بهم الأرض أن يكون من ضمن الهالكين، فأخذ إبراهيم يجادلهم ويناقشهم ويخبرهم بأن فيهم لوطًاً، ولكنهم أقنعوه بأن الله سيُنَجِّيه وأهله ومن معه من المؤمنين إلا امرأته قدّر الله عز وجل أن تكون من الغابرين لخيانتها لزوجها لوط عليه السلام، حيث لم تكن معه على الإيمان بالله، وتلك هي خيانتها في الدين، وليس في عرضها كما يظنه بعض الناس من وقوعها في الفاحشة، لأن تلوث العرض يؤذي سمعة الأنبياء الأطهار، ولهذا قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: (ما بغت (زنت) امرأة نبي قطّ)
أيها المؤمنون والمؤمنات: وعندما حلّ بلوط عليه السلام يوم عصيب وكرب شديد من هذا الموقف مع أولئك القوم الخبثاء وعرض عليهم النساء حلالاً وجادلهم وحاول فيهم بشتى المحاولات قال لهم كما حكى القرآن الكريم على لسانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحمةُ اللهِ على لُوطٍ ، إن كان لَيَأْوِي إلى رُكْنٍ شديدٍ، فما بعث اللهُ مِن بَعْدِهِ نبيًّاً إلا في ذِرْوَةٍ من قومِهِ) أي: كان لوط يَطلُبُ العزَّةَ والمنَعةَ مِن قَومِه حتَّى لا يُؤذُوا ضُيوفَه بتَعمُّدِهم إلى فِعْلِ الفاحِشةِ فيهم، وإنَّما تَرحَّم عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لِسَهوِه حينَ ضاق صَدرُه، وأنَّه كان يَأْوي إلى اللهِ تعالى، فاللهُ عزَّ وجلَّ أشَدُّ الأركانِ وأقواها.. عباد الله: وبينما لوط عليه السلام في هذا الموقف العصيب، أخبرته الملائكة بأنهم رسل من الله، وعليه أن لا يخاف ولن يصلوا إليه بسوء ولا إليهم أيضاً، وإنما عليه أن يسري بأهله في الليل ولا يلتفتوا خلفهم، وأخبروه بأن امرأته سوف يصيبها ما يصيب القوم، ولهم موعد محدد هم مأمورون بتنفيذ العذاب والعقاب فيه لأولئك القوم الأشرار، ألا وهو الصبح، وطمس الله أعين القوم، وخرج لوط مع أهله بعد أن اطمأن على ضيوفه وعرفهم وعلم مهمتهم، وفي الوقت المحدد الذي أمر الله به، قلب الله عالي تلك القرى سافلها وأرسل عليهم صيحة من السماء وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود. قال عز وجل (وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ* فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ) لقد حلت بهم: ثلاث عقوبات عظيمة شديدة: الأولى: الصيحة، وهي صوت قاصف عظيم أفزعهم عند شروق الشمس (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ).
الثانية: قلب الله الأرض بهم وجعل عاليَ ديارهم سافلها، فاقتلع جبريل عليه السلام قراهم بجناحه من قرارها ورفعها حتى بلغ بهم عنان السماء فسمعت الملائكة صياحهم وصياح ديكتهم ونباح كلابهم ثم قلبها عليهم ثم جعلهم يهوون إلى الأرض. وقيل: قلب ديارهم عليهم بالخسف والإذلال والاحتقار والإهانة.
الثالثة: أرسل الله عليهم مطراً من حجارة صلبة متتابعة مكتوب على كل واحدة منها اسم من ستصيبه، فإذا أصابته هلك وصرع، قال تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ، مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم). وقال تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ). فجمع الله عليهم أنواعاً من العقوباتِ ونكّل بهم نكالاً لم ينكّله بأمة سواهم لقبح فعلتهم وشناعة فاحشتهم، (وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ). قال أهل التفسير: أخذ جبريل قوم لوط من سرحهم ودورهم وحملهم بمواشيهم وأمتعتهم ورفعهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم كفأها، ولما قلبها كان أول ما سقط منها شرفاتها، وتبعتهم الحجارة القوية الشديدة المنضودة المسومة المعلمة حتى أهلكتهم)، وما هذا العذاب والنقمة من الظالمين ببعيد، ممن يفعل فعلتهم، ويرتكب المنكرات، ويقارف الآثام والمعاصي، ويبارز بها رب الأرضين والسماوات.. وقيل بأن البحر الميت الآن هو مكان قرى قوم لوط الذي هو أخفض مكان في الأرض وأدناه عن سطح البحر بنحو أربعمائة متر تقريباً، واكتشفت آثار حول تلك البحيرة وعلى حوافها تدل على تلك القرى. قال ابن كثير رحمه الله: (وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لضفافها لرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله واتبع هواه وعصى مولاه، كما قال تعالى: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ)
اللهم اجعلنا من عبادك المتوسمين المعتبرين، ولا تؤاخذنا ربنا بما يفعله السفهاء، ربنا ظلمنا أنفسنا فاغفر لنا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنّا من الظالمين.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الأخوة والأخوات : إن جميع المسلمين والمواطنين المحافظين الغيورين على دينهم وفطرتهم في هذا البلد المسلم، يؤيدون تأييداً تاماً البيان المسدد الموفق، الصادر عن مركز الأزهر العالمي للفتوى، ثم عن المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية بالبلاد، ثم البيان الصادر عن العلماء والقضاة والدعاة بمملكة البحرين، بشأن الرفض القاطع لكل الحملات الخبيثة الممنهجة لترويج فاحشة الشذوذ الجنسي وتلويث الأمة به وفرضه على المسلمين، كما نشكر إدارة الأوقاف السنية بوزارة العدل والشؤون الإسلامية على توجيه العلماء والخطباء والدعاة والأئمة للقيام بأدوارهم المنوطة بهم في تحذير الناس من هذه الفواحش والمنكرات الشنيعة، التي نهانا عنها ديننا الإسلامي الحنيف. كما يجب على الجميع من أصحاب القرار، والمسئولين وأهل العلم والمفكرين والمثقفين والكتاب والصحفيين، أن يتصدوا لمثل هذه الحملات المنحرفة، التي تستهدف الإنسان السوي وطبيعته التي فطره الله عليها، كل بما يتناسب مع اختصاصه وطبيعة عمله وموقعه وتأثيره وما يملي عليه دينه الإسلامي وقيم مجتمعه وفطرته السوية، ففي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (كلكم رَاعٍ، وكلكم مسؤول عن رَعِيَّتِهِ)
أيها الأخوة والأخوات في الله: في زماننا هذا الذي يسمى زمن المدنية والحضارة والتقدم، تراجعت البشرية حتى وصلت في بعض مجتمعاتها إلى أدنى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من الانحطاط والخسة والقذارة والحيوانية، بل وأقبح، فقد سنَّت بعض الدول والنظم المتحررة من الشرائع الربانية، سنت القوانين والدساتير التي تبيح الشذوذ الجنسي، وسموه زوراً وبهتاناً، وتحسينا وتزيينا (المثلية)، فأجازوا للرجل أن يتزوج بالرجل والمرأة بالمرأة، أي عار وخزي على الحضارة هذا؟ وأي ارتكاس وردة؟ حتى البهائم العجماوات لم تفعله… وهل يتصور أن يصل هذا القانون إلى دول تنتسب إلى الإسلام، فتجعل للُّوطية حقوقاً وأندية محمية؟ يا للعار.
هذه هي النظم البشرية يا أولي الألباب…
أما الشريعة الربانية، ديانة الفطرة، فإنها تعتبر جريمة اللواط من أعظم الجرائم وأقبح الذنوب وأسوأ الأفعال، وقد عاقب الله فاعليها بما لم يعاقب به أمة من الأمم، وهي تدل على انتكاس الفطرة، وطمْس البصيرة، وضعف العقل، وقلة الديانة وهي علامة الخذلان، وسلم الحرمان نسأل الله العفو والعافية، قال تعالى في جزاء المرتكبين لهذه الفاحشة، (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، قالها ثَلاثًا)
فيا أيها المذنب العاصي، ويا أيها الشاب الغاوي: تْب إلى ربك توبة نصوحاً، واستر نفسك، فالفضيحة ملازمة، وارتحل من مكانك الذي اشتهرت فيه بالذنب، واعلم أن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. وتذكر قول القائل
وإِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ
والنَفسُ داعيَةٌ إلى الطُغيانِ
فاِستَحيِ مِن نَظَرِ الإِلَهِ وقل لها
إنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَراني
نسأل الله عز وجل أن يقينا وإياكم وكل إنسان أن يقع فيما وقع فيه قوم لوط من فواحش ومفاسد ومنكرات، وأن يرزقنا وإياكم الطهارة والنظافة والأخلاق الإسلامية الفاضلة.
اللَّهمَّ اهدنا لأحسنِ الأخلاقِ والاعمال والاقوال لا يَهدي لأحسنِها إلَّا أنتَ، واصرف عنا سيِّئَها لا يصرف عنا سيئَها إلا أنتَ يارب العالمين.
اللهم جَنِّبنا وأولادنا وذُرِّيَّاتنا والمسلمين، مُنكراتِ الأخلاقِ والأهواءِ والأدواءِ.
اللهم أصلح أولادنا وبناتنا وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان وأجعلهم من الراشدين.
اللهم جنبهم الفواحش والمنكرات، وجنبهم رفقاء السوء، اللهم سلمهم من شر الأشرار وكيد الفجار آناء الليل وأطراف النهار يارب العالمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم وفق القيادتين الكريمتين، بمملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، لما تحب وترضى، اللهم أدم على البلدين الشقيقين نعمة الأمن والأمان والخير والازدهار والرخاء في ظل الرعاية الكريمة والقيادة الحكيمة، لجلالة الملك المفدى، وأخيه خادم الحرمين الشريفين.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصرا ومؤيدا ومعيناً. اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله وفك أسره، وأحي في قلوب المسلمين والمؤمنين حبه ونصرته واجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.
اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا وأغث قلوبنا بالإيمان والتقوى، وبلادنا بالأمطار والخيرات يارب العالمين.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا وارحم موتانا، برحمتك يا أرحم الراحمين..
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين