خطبة الجمعة.. تعرف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة

تعرف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

9 ذو القعدة 1445 هـ – 17 مايو 2024 م

 

الحمد لله الرحيم بعباده، الذي أسبَغ على الناس النِّعمَ، وحذّرهم النّقم، وشكر لهم الطاعات، ودعاهم إلى التوبةِ من السيئات، يحبّ العفوَ والعافية في الدنيا والآخرة، ونشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له الحليم القدير، ونشهد أنّ نبيّنا محمّداً عبده ورسوله البشير النذير والسِّراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: في النصوص الشرعية دروس، وفي التاريخ عبر، يقول الله جل شأنه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ). ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (تعرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ يعرفُك في الشدَّةِ) عباد الله: من الناس من يقول الله جل شأنه عنهم: (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) ومن الناس من لا يعرف الله إلا في الشدة، أما في الرخاء فَلَهْو وغفلة ومعاص وإعراض، وصدق الله العظيم : (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)

ويقول سبحانه: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) هذه يا عباد الله النصوص الشرعية التي تبين حال المسلم وغيره، والكل مضطر إلى ربه، لا غنى له عنه، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فريق ذاكر لله محافظ على طاعته، في رخائه مصلّ، في رخائه متصدق، في رخائه متذكر لأهل الحاجة والفاقة، في رخائه كثير الدعاء والتضرع واللجوء إلى الله عز وجل

وفريق في لهو وغفلة ومعاص وإعراض، في صلاته متكاسل أو متهاون، لا يعرف في ماله حقاً لمسكين أو فقير أو قريب، لا يعرف الدعاء ولا صلة له به، فماذا كانت نتيجة الغافلين عن الله جل شأنه؟ وما كانت نتيجة من كان ذاكراً لله جل جلاله؟

تعالوا أيها المسلمون ننظر في التاريخ، في قصص القرآن الكريم؛ لنأخذ منها الأمثال والدروس والعبر لحال عباد الله من الأنبياء والصالحين في الشدة والرخاء.

فهذا يونس بن متّى نبي الله عليه السلام يسقط في لجج البحار، فيبتلعه الحوت، فهو في ظلمة جوف الحوت، وفي ظلمة جوف البحر، وفي ظلمة الليل، في ظلمات ثلاث، فلا أحد يعلم مكانه، ولا أحد يسمع نداءه، ولكن يسمع نداءه من لا يخفى عليه الكلام، ويعلم مكانه من لا يغيب عنه مكان، فدعا وقال وهو على هذه الحال: (لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فسمعت الملائكة دعاءه، وقالت: (صوت معروف في أرض غريبة، هذا يونس لم يزل يرفع له عمل صالح ودعوة مستجابة). فتأتي الإجابة من مجيب الدعاء كاشف الضراء، (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) ويقول تعالى: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي فلولا أن يونس كان من المسبحين المكثرين من الصلاة والذكر والدعاء والتسبيح قبل البلاء لما كان يلهم قوله: (لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ولما كان يستجاب له.. ولأجل كثرة الصلاة والذكر والدعاء والاستغفار قبل البلاء استجاب الله له ونجاه من الغم، وهذا تصديق كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)..

عباد الله: وفي البحر قصة أخرى فيها العبرة والعظة، فهذا الطاغية فرعون يدركه الغرق فيدعو ربه بالتوحيد: (آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وسمعت الملائكة دعاءه، فنزل جبريل إليه سريعاً، ليأخذ من وحل البحر ويدسه في فيه، خشية أن تدركه الرحمة..  عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما أغرق الله فرعون قال: (آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ) فقال جبريل: يا محمد لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر وأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة) ومعنى حال البحر: أي طينه الأسود. وبعدها آتاه الجواب: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) لقد سمعت الملائكة دعاء كلا المكروبين، ولكن فرق عظيم، فالأول تقول فيه: صوت معروف في أرض غريبة، هذا يونس لم يزل يرفع له عمل صالح ودعوة مستجابة… وأما الآخر فينزل جبريل يدسّ الوحل في فيه خشية أن تدركه الرحمة. يا ترى! ما الفرق بين الحالين، والكرب واحد، والصورة واحدة؟! إن الفرق واضح والبون شاسع… فرق بين من عرف الله في الرخاء ومن ضيعه، فرق بين من أطاع الله في الرخاء ومن عصاه وخالفه. فيونس عليه السلام رخاؤه صلاة ودعاء ودعوة واستغفار.. وفرعون رخاؤه ظلم وفسق وكفر وجحود. والله جل شأنه يقول: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تعرف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة)… ولا يزال لطيف صنع الله عز وجل بأوليائه وعباده الصالحين يتوالى عليهم في حال الشدائد والكرب والمحن، فيفرج كربهم، وينفِّس شدائدهم حيث كان لهم مع الله معاملة في الرخاء… فهذا نبي الله أيوب عليه السلام، كان كثير المال، من سائر صنوفه وأنواعه، من العبيد والأنعام والمواشي والأراضي، وكان له أولاد كثير وأهلون، فسلب ذلك كله وابتلي في جسده بأنواع البلاء، لم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر بهما ربه. وطال مرضه حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، ترعى له حقه، فضعفت حالها وقل مالها، حتى كانت تخدم الناس بالأجر ثم عافها الناس لما عرفوا أنها زوجة أيوب خشية أن تعديهم، وكانت تقول له: يا أيوب لو دعوت ربك لفرج عنك. فقال: قد عشت سبعين سنة صحيحاً، فهل قليل لله أن أصبر له سبعين سنة، ولما عافهما الناس اضطرت أن تبيع ظفائرها، فعندما علم أيوب بذلك نادى ربه أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فيأتيه الجواب: (فاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ)

وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة) وزكريا عليه السلام يدخل على مريم فيجد عندها رزقًاً، يجد عندها فاكهة لم يأتِ أوان حصادها بعد، قال: (أنى لك هذا قالت هو من عند الله) . ورجع زكريا وفكر ورأى، فإذا هو طاعن في السن وامرأته مع كبر السن عقيم لا تلد، ولكن!! الذي يرزق الشيء في غير أوانه قادر على أن يرزقه ولداً وإن كان طاعنًا في السن وامرأته عاقر.

قال بعض السلف: قام من الليل فنادى ربه مناداة أسرها عمن كان حاضراً عنده فخافته فقال: يا رب، يا رب، يا رب، فقال الله: لبيك لبيك لبيك، قال: رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً… (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء). فجاءه الجواب على الفور: (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميًا) لماذا هذا؟ وكيف حصل؟! لا تسل، وحسبك أن تقول إنه عرف الله في الرخاء فعرفه الله في حال الشدة والكرب والحاجة… وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)

عباد الله: إنَّ من التعرُّف على الله في الرخاء واليسر، أن يجتهد العبدُ في حال رخائه بالتقرُّب إلى الله وطلبِ مرضاته، والإكثار من الأعمال الصالحة المُقرِّبة إليه، كالبر والصلة، والصدقة والإحسان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من وجوه البِرِّ وسُبل الخير، وكما كشف الله عن الأنبياء والأفراد كروب، وفرج عنهم شدائد ومحن، لأنهم عرفوا الله في الرخاء، فكذا يفرج الله عن الأمة والأوطان كروب، وينفس عنهم شدائد ومحن وخطوب إذا عرفوه في الرخاء… والمسلمون اليوم يعيشون في أوطانهم شدائد ومحن وكروب تدكهم دكاً، فنعرف أن الأمة اليوم تدفع الثمن الباهظ ثمن غفلة طويلة ونسيان لله عز وجل، وطول صدود عنه، فها نحن ندعو الله عز وجل  في الشدائد والمحن والكروب، ولكن طالما أطلنا التفريط في اليسر والرخاء

أيها المؤمنون: أحسنوا اليوم، وأنتم في الرخاء، تجدوا أثر هذا الإحسان يوم شدتكم، يوم الضيق والبلاء. واعلم أيها المسلم، أنك لابد لك من شدة، لابد لك من ضيق في هذه الدنيا، والدنيا مملوءة بالفتن والهموم، فاجعل لك في رخائك من الطاعة ما ينفعك يوم شدتك، وإنك وإن نجوت من كثير من شدائد الدنيا، فاعلم أنك لا بد لك من شدة يوم ينزل بك ملك الموت، ولا بد لك من شدة يوم الفزع الأكبر، وكل في وقت الشدة يدعو، ففئة كانت مع الله فيستجاب لها، وفئة يقال لها (كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ). تعرف على الله في الرخاء يعرفك في البلاء! يعرفك يوم الفتن! يوم الشدائد والمصائب والمحن! وما أكثرها في عصرنا، بل في أيامنا.

فاتقوا الله عباد الله، وتفكروا فيما أمامكم، وأعدوا أنفسكم له، وخذوا الدروس والعبر فيما سمعتم من كتاب ربكم، وإياكم والغفلة عن ذلك، يصلح أمركم، وتستقم أموركم.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله ولي الصالحين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله العالمين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله إمام المرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من علامات كمال التوحيد في قلب العبد، أن يلجأ إلى الله تعالى في أحواله كلها، في سرَّائه وضرَّائه، وشدَّته ورخائه، وخوفه وأمنه، وصحته وسقمه، وفي أحواله كلِّها، وأن لا يقتصر على ذلك في حال الشدة فقط، وملازمةُ المسلم للطاعة والدعاء حال الرخاءِ، ومواظبتُه على ذلك في حال السرَّاء سببٌ عظيمٌ لإجابة دعائه عند الشدائد والمصائب والكُرَب، وقد جاء في الحديث أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ( مَن سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فلْيُكثِر الدعاءَ في الرخاء). وقد ذمَّ الله تعالى في مواطن كثيرة من كتابه العزيز، من لا يلجئون إلى الله، ولا يُخلصون الدِّين إلاَّ في حال شدَّتهم، أمَّا في حال رخائهم ويُسرهم وسرَّائهم، فإنَّهم يُعرضون وينسون ما كانوا عليه، يقول الله تعالى:(وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ) ، ويقول تعالى: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ، وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ)، والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ، وهي تدلُّ دلالة واضحة على ذمِّ مَن لا يعرف الله إلاَّ في حال ضرَّائه وشدَّته، أمَّا في حال رخائه فإنَّه يكون في صدود وإعراض ولَهوٍ وغفلة ومعاص وعدم إقبال على الله تبارك وتعالى. ولهذا فإنَّ الواجبَ على المسلم أن يُقبلَ على الله في أحواله كلِّها في اليُسرِ والعُسرِ، والرخاءِ والشدِّةِ، والأمن والخوف، والغنى والفقرِ، والصحةِ والمرضِ، ومَن تعرَّف على الله في الرخاء عرفه الله في الشدَّة، فكان له معيناً، وحافظاً، ومؤيِّداً، ونصيراً. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعرَّف على الله في الرَّخاء يعرفك في الشدَّة) .

وقال رجل لأبي الدرداء رضي الله عنه: (أوصِني، فقال: اذكر الله في السرَّاء يذكرك الله عزَّ وجلَّ في الضرَّاء). وعنه رضي الله عنه أنَّه قال: (ادع الله في يوم سرَّائك، لعلَّه أن يستجيب لك في يوم ضرَّائك).

أيها المؤمنون: إن أعظم الشدائد والكربات ما يمر على الإنسان من حين وفاته، فمن تعرف على الله في الدنيا ولزم طاعته وانكف عن معصيته، نزلت عليه عند موته ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، وقال ملك الموت عند رأسه: (أيتها الروح الطيبة، أخرجي إلى روح وريحان، ورب راض غير غضبان). وكذلك إذا وضع في قبره، ثبتَّه الله عند الجواب، وفتح له باباً إلى الجنة، يأتيه من طيبها وريحها، وجاءه رجل حسن الهيئة حسن المنظر فيقول: (أنا عملك الصالح) ويُقال له: (نم نومة العروس). ويفرش له في قبره من نعيم الجنة، ويُفسح له مد بصره. ومن عرف الله في الدنيا، وأقبل على طاعة الله، وانكف عن معصيته، وخاف من عقابه، أمَّنَه الله يوم الفزع الأكبر، ومن لزم هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وشرب من معينه في الدنيا، شرب من حوض رسول الله في الآخرة، حينما يُذاد الناس عن الحوض كما تُذاد الإبل الغريبة. ومن ثبت على التوحيد وهدي النبي صلى الله عليه وسلم والطاعة في الدنيا، ثبَّت الله قدمه على الصراط الذي حكم الله بمرور الناس عليه، وهو الجسر المضروب على متن جهنم، أدَقُّ من الشعر وأحَدُّ من السيف، (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيـًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّـا) … فاتقوا الله عباد الله، وتفكروا فيما أمامكم من الأهوال، وإياكم والغفلة عن ذلك. اللّهم ثبِّتنا بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة، واجعلنا من الآمِنين، اللّهم أحيِنا مسلمين، وتوفّنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين..

اللهمَّ أَصلِحْ لنا دِيننا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأَصلِحْ لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأَصلِحْ لنا آخرَتنا التي إليها مَعادنا، واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كلِّ شرٍّ.. اللَّهمَّ إنِّا نسألُك إيماناً لا يرتَدُّ، ونعيماً لا ينفَدُ ومرافقةَ نبيك محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أعلى جنَّةِ الخُلدِ يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم وفق قادة المسلمين ووزرائهم ومستشاريهم وسدد على طريق الخير خطاهم لما فيه خير بلادهم وشعوبهم، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، ووفقهم للصواب في القول والعمل، اللهم انصر بهم دينك، وأعْلِ بهم كلمتك، واجمع بهم كلمةَ الأُمَّةِ، ووحد بهم صفوفها على الخير، واجعلهم سبباً لحقن الدماء واجتماع القلوب، ورد الحقوق، إنك على كل شيء قدير.

اللهُمَّ كن للمظلومين في فلسطين وغزة وفي كل مكان، اللهمَّ اجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية.. اللهم احفظهم واحرسهم بعينك التي لا تنام، وأرزقهم الثبات والقوة والنصر والتمكين وبارك في إيمانهم وصبرهم يا سميع الدعاء. اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وارحم والدينا وذوي الحقوق علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)