خطبة الجمعة.. الفلاح وصفات المفلحين – مؤتمر الحوار

الفلاح وصفات المفلحين – مؤتمر الحوار

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

15 شعبان 1446 هـ – 14فبراير 2025 م

 

الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده لمكارم الأخلاق، وهداهم لما فيه فلاحهم وسعادتهم في الدنيا، ويوم التلاق، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الكريم الخلاق، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق على الإطلاق، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله: (وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: تسترعي انتباه قارئ القرآن الكريم، كلمة الفلاح، وأوصاف المفلحين؛ إذ هي مبثوثة في سوره وآياته، داعية إليه، محرضة عليه، مبينة طريقه، محذرة من ضده… والفَلَاحُ هو: الظَّفَرُ وإدراك البُغية، وهو دنيويّ وأخرويّ، فالدّنيويّ: الظّفر بجاه الدنيا ومالها وعافيتها، وفَلَاحٌ أخرويّ، وهو الفوز برضا الرحمن سبحانه وجنته… والفلاح إنما يحصل بالإيمان والعمل الصالح، ولا فلاح بلا إيمان، كما أنه لا فلاح بلا عمل صالح. وفي أوائل سورة البقرة أثنى الله تعالى على المؤمنين بإيمانهم وعملهم الصالح، ثم وصفهم بالفلاح فقال سبحانه، (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) والخير كلمة جامعة لكل عمل صالح.. وقال سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ) ثم ذكر سبحانه جملة من صفاتهم التي بسببها أفلحوا، وكل صفة من هذه الصفات سبب للفلاح، وهي: الخشوع في الصلاة والمحافظة عليها، والإعراض عن اللغو، وأداء الزكاة، وحفظ الفروج، وأداء الأمانات، والوفاء بالعهود  ومن دلائل فلاحهم قول الله تعالى بعد ذكر أوصافهم وأعمالهم: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) 

فالصلاة باب عظيم للفلاح كما دلت عليه هذه الآيات، وهي بوابة البشرى بالفلاح في الآخرة كما دل عليه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ) فلا عجب أن ينادى للصلاة بالفلاح فيقول المؤذن في النداء والإقامة: حي على الفلاح… والتوبة طريق الفلاح؛ فعلى المؤمن أن يلزمها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يتوب إلى الله تعالى في اليوم مئة مرة،  (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)… والشهادتان هما كلمة الفلاح؛ لأنه يُدخل بهما في الإسلام، وقد أسر المسلمون رجلاً فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إِنِّي مُسْلِمٌ، فقَالَ عليه الصلاة والسلام: (لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ) فجعل النبي الفلاح كله في الإسلام. وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف فِي أسواق المشركين وَهُوَ يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا).وفي آية قرآنية جمع الله تعالى الإيمان والعمل الصالح لحصول الفلاح، فقال:  (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ المُفْلِحِينَ) (وعسى، ولعل) من الله تعالى إيجاب وتحقيق، أي: أن الفلاح واقع متحقق لمن آمن وعمل صالحاً… والتقوى تجمع الإيمان والعمل، قال تعالى:  (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وجاء الأمر بالتقوى لنيل الفلاح في القرآن الكريم أربع مرات…عباد الله: وصلاح القلب، وتزكية النفس لا تكون إلا بالأعمال الصالحة، وذلك سبب للفلاح،( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)، وفي الآية الأخرى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) فالإيمان هو الطريق الأساس للفلاح، وكل عمل صالح فهو طريق إلى الفلاح، ولا يقبل عمل بلا إيمان، وجميع ما ذكر في القرآن والسنة النبوية من أنواع العمل الموصل للفلاح فهو للحث على ذلك العمل، والعناية به، واجتناب الغفلة عنه: فالتزام الدعوة لله على الناس طريق إلى الفلاح، يقول تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)… والجهاد في سبيل الله تعالى بالنفس أو المال يوصل إلى الفلاح، يقول تعالى: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)  وذِكْرُ الله تعالى سبب للفلاح، يقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) والتحاكم إلى شريعة الله تعالى، وطاعته سبحانه، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، سبب للفلاح، يقول تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) وأداء الحقوق إلى أهلها، مَنْ بَعُدَ منهم ومن قَرُبَ يحقق الفلاح، يقول تعالى: (فَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) وموالاة أولياء الله تعالى، ومعاداة أعدائه، وبناء الولاء والبراء على منهاج النبوة ينظم صاحبه في جماعة المؤمنين، وهم حزب الله تعالى، وهم المفلحون، يقول تعالى: (أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ) وإيثار الغير على النفس، والتخلص من شح النفس سبب للفلاح، يقول جل وعلا: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) وفي الآية الأخرى، يقول تعالى: (وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)… والتزام فرائض الله تعالى، وعدم بخس شيء منها سبب للفلاح، وذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّم أعرابياً شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ، فقَالَ الأعرابي: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئاً، وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئاً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ) والنقص من طبيعة البشر، فجعلت النوافل تكملة للفرائض؛ رحمة من الله تعالى بعباده ليحققوا الفلاح… وكف اليد في الفتن سبب للفلاح؛ لأن أمر الدماء عظيم عند الله تعالى؛ كما قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، أَفْلَحَ مَنْ كَفَّ يَدَهُ) عباد الله: والقناعة سبب للفلاح؛ لأنها تمنع صاحبها من الوقوع في الظلم، والتطاول على الأموال المحرمة، والهلاكُ بسبب ذلك كثير في الناس. يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًاً، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ)… واجتناب المحرمات ولو هَوِيَتْهَا النفوس طريق إلى الفلاح، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). أيها المؤمنون: هناك أعمال خبيثة تنفي الفلاح عن فاعليها، وصفات تمنع أصحابها من الفلاح، ورأس ذلك الظلم، وأعظم الظلم الشرك بالله، يقول جل وعلا: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وفي آية أخرى، (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) وكذلك ظلم البشر بالاعتداء على دمائهم أو أعراضهم أو أموالهم سبب لنفي الفلاح، كما قال يوسف عليه السلام لما راودته امرأة العزيز: (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)

والكذب على الله تعالى بتحليل المحرمات، أو تحريم المباحات، أو إسقاط الواجبات، أو تبديل الشريعة؛ لهوى النفس أو لإرضاء الغير سبب كبير لنفي الفلاح، يقول سبحانه: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) وجاء في القرآن الكريم نفي الفلاح عن السحرة، يقول سبحانه: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) فعلى المؤمن أن يعرف أسباب الفلاح فيأتيها، وأسباب عدم الفلاح فيجتنبها؛ فإنه فلاح أبدي في نعيم مقيم لا يحول ولا يزول… وكلما ثقلت الموازين بالعمل الصالح، وخفت من العمل السيئ تأكد حصول الفلاح، وكان فلاحاً كثيراً بأعظم مما في الموازين من صالح العمل،  (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) والنفس البشرية يصيبها الملل من العمل، وقد تزين لصاحبها سوء العمل، فمن أراد الفلاح سايسها، فإن رأى فيها إقبالاً تزود من الأعمال الصالحة، وإن رأى فيها إدباراً قصرها على الفرائض وشيء من النوافل حتى لا تسأم وتترك كل العمل، وهذا ما وجهنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (إن لكل عمَلٍ شِرةً، ولكل شِرَّةٍ فترةً، فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفْلح، ومن كانتْ فترته إلى غير ذلك فقد هَلكَ) ويعلم المرء بفلاحه حال نزع روحه حين تبشره الملائكة بالفلاح، وحين يوسد قبره فيرى شيئاً من فلاحه فيه، وحين يبعث ويرد الحوض كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَمَنْ وَرَدَ أَفْلَحَ). وقد يعلم المرء طريق الفلاح لكن يرده عنه شهوات حاضرة، فيترك فلاحه الأبدي لأجل هذه الشهوات الفانية، ولنعتبر في ذلك بحال هرقل عظيم الروم؛ فإنه قد علم صدق النبي عليه الصلاة والسلام من أجوبة أبي سفيان له، وكاد الإيمان أن يدخل قلبه، فجمع وزراءه وكبراءه وقال لهم: (يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الفَلاَحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ، فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ، قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًاً أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ) فاستبدل هرقل ملكه الزائل بفلاحه الأبدي، وقد زال ملكه، ثم هلك ومات.. ألا تظنون أنه خسر الفلاح الأبدي وقد علم طريقه، وأنه نادم على ذلك أشد الندم، وما ينفعه الندم الآن أو بعد الآن.. إنها عبرة فيمن عرف طريق الفلاح الأبدي فقدم عليه لعاعة من الدنيا قد فارقها وبقي له خسرانه الأبدي

نسأل الله تعالى أن يفتح لنا طرق الفلاح، وأن يهدينا لسلوكها، وأن يجعلنا من المفلحين، إنه سميع مجيب الدعاء.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: انطلاقاً من قول الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًاً) وتحت رعاية كريمة من جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، وفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين. تستضيف مملكة البحرين في التاسع عشر، والعشرين من هذا الشهر مؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي، تحت عنوان (أمة واحدة ومصير مشترك) وذلك من أجل تعزيز الأخوة الدينية والإنسانية، ونبذ أسباب الفرقة والفتنة والنزاع الطائفي، على وجه الخصوص، ووقف خطابات الكراهية المتبادلة، وأساليب الاستفزاز والتكفير، وضرورة تجاوز الصراعات التاريخية والمعاصرة بكل إشكالاتها ورواسبها السيئة، فالظروف الراهنة التي تمر بها الأمة الإسلامية، سواء ما يجري في فلسطين المحتلة أو ما يطبع واقع بعض مجتمعاتها من صراع وتنازع، فضلاً عن حجم التحديات التي تواجهها، كل ذلك يجعل المبادرة لعقد ذلك المؤتمر ضرورة ملحة في هذا الوقت.. ولأجل ذلك عمل المؤتمر على إشراك رموز ومرجعيات دينية وعلماء ومفكرون يمثلون أغلب مكونات الأمة الإسلامية ومدارسها ومذاهبها الفكرية، عسى أن يمثل مرحلة جديدة في مسار الوحدة الإسلامية، وينتقل من مقولات التقريب إلى التفاهم والتوافق حول طبيعة العلاقة المطلوبة بين المسلمين، خاصة في مواجهة تحدياتهم المشتركة.

وتركيزه على نقاط الاتفاق والتلاقي والوحدة، ومراعاته في قرارته للقاعدة الذهبية التي تقول: (نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف عليه.

أيها المسلمون: وتتلخص أهداف المؤتمر في التعاون على لم شمل الأمة الإسلامية بمكوناتها المتعددة، من خلال دعم وتعزيز الحوار الإسلامي الإسلامي، وبيان وتأكيد مساحات الاتفاق الواسعة بين المسلمين، ومنهج التعامل معها باعتبارها منطلقاً للحوار بين مذاهب المسلمين المتنوعة، وتعزيز دور المرجعيات والمؤسسات الدينية والعلمية، في نشر الفكر المعتدل، ونبذ خطاب الكراهية، والإسهام في تحقيق التفاهم والتضامن بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم.

نسأل الله تعالى أن يبارك للمجتمعين في مؤتمرهم وأن يوفقهم إلى ما فيه الخير

والصلاح، ويوحد صفوفهم، ويرزقهم الإخلاص والحكمة والسداد في القول والعمل.

اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع شمل المسلمين على الحق والهدى، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام، اللهم انزع الغل والحقد من صدورهم، وأبدلهم حباً ورحمة، وانصرهم على أعدائهم، وأعد عليهم عزهم ومجدهم اللهم اجمع كلمتهم على كتابك وسنة نبيك ووفقهم لما تحب وترضى، واهدهم إلى سواء السبيل، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ رئيس وزرائه سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ..

اللهم يا ناصر المستضعفين والمظلومين أحفظ المسلمين في كل مكان، اللهم أحفظهم في غزة من التهجير والتشريد، وأمنهم في وطنهم وثبتهم على أرضهم، اللهم من أراد بهم سوءاً فاجعل كيده في نحره، ورد بأسه عليه، اللهم كن لهم عوناً ونصيراً، وأبدل خوفهم أمناً، وحزنهم فرحاً، وفرج عنهم كربهم، وارحم شهدائهم، وداو جرحاهم وفك أسر أسراهم، وانصرهم على من بغى عليهم إنك ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين وأشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم والدينا وارحم موتانا وموتى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين… اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)