خطبة الجمعة.. فضل الإصلاح والمصلحين – نتائج الحوار الإسلامي

فضل الإصلاح والمصلحين- نتائج الحوار الإسلامي

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

22 شعبان 1446 هـ – 21 فبراير 2025 م

 

الحمدُ للهِ المُتفرِّدِ بالخَلقِ والإيجادِ، نحمدُهُ سبحانَهُ لا رادَّ لما أرادَ، وما لِرِزقِهِ من نفادٍ، أمرَ عبادَهُ بالصلاحِ والإصلاحِ، وحذَّرَهُم من الفسادِ والإفسادِ، ونشكُرُهُ على ما أولاهُ من الإعدادِ والإمدادِ، ونشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، شهادةً تُسعِدُ صاحبَها في الدُّنيا وتُنجِيهِ يومَ يقومُ الأشهادُ، ونشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، المبعوثُ إلى جميعِ العبادِ، والهادي أُمَّتَهُ إلى سبيلِ الرَّشادِ، المُبلِّغُ رسالةَ ربِّهِ في جميعِ الأصقاعِ والوِهادِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ السَّادةِ الأمجادِ، والتَّابعينَ ومَن تبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

أمَّا بَعْدُ: فأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى اللهِ تعالى اتَّقوا اللهَ وأصلِحوا ذاتَ بينِكُم، وأطيعوا اللهَ ورسولَهُ إن كُنتُم مؤمنينَ.

معاشرَ المسلمينَ: لو قلبَ البصيرُ النَّظرَ في العالمِ من حولِهِ، هذا العالمُ بقُوَّاتِهِ وتقنيَّاتِهِ ونُظُمِهِ ومبادئِهِ، ثمَّ رجعَ بصرُهُ إلى الواقعِ وما يغُصُّ بهِ من مشكلاتٍ، وما ينوءُ بهِ من ويلاتٍ على مستوى كثيرٍ من الدُّوَلِ والشُّعوبِ والأفرادِ، لوجدَ أنَّ أصحابَ هذهِ القوى، ومُلَّاكَ هذهِ الصِّناعاتِ والتَّقنياتِ، لا يُثيرُهُم ولا يُحرِّكُهُم إلَّا مصالحُ ذاتيَّةٌ، ولا يبعَثُهُم إلَّا أنانيَّاتٌ مُستَحكِمةٌ، قَسَتْ قلوبُهُم، وفسدت بواطنُهُم وخبُثَت نيَّاتُهُم، ولو حسُنَ لفظُهُم ولانَت ألسِنَتُهُم، ورقَّتِ ابتساماتُهُم، بل إنَّ حالَهُم وواقعَ أمرِهِم، حبُّ السُّوءِ لغيرِهِم والميلُ إليهِ، وتَوسِعَتُهُ والدَّعوةُ إليهِ، والتَّحريضُ عليهِ، وتَجييشُ الشُّعوبِ عليهِ.

مَنِ الذي يقفُ وراءَ الحروبِ والنِّزاعاتِ الطَّاحنةِ الظَّالمةِ غيرِ المتكافئةِ في فلسطينَ الحبيبة السَّليبةِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ التي يتدخَّلُ في شُئونِها ويهيمنُ عليها العدوُّ المستعمر المُخرِّبُ، والعَميلُ والدَّخيلُ؟ ومَنِ الذي يَصمُتُ عن المجازِرِ والإبادةِ لبعضِ الشُّعوبِ مِن أجلِ المصالحِ السِّياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ والدِّينيَّةِ؟ ومَنِ الذي يفتعِلُ الخُصوماتِ بينَ الفئاتِ المتناحرةِ المتهالِكةِ في بعضِ بلادِ المسلمينَ؟ ومَنِ الذي يزرعُ بذرةَ الشِّقاقِ والنِّزاعِ بينَ المسلمينَ حُكوماتٍ وشُعوباً وأحزاباً وفرقاً ومذاهب وطوائفَ، ويخلُقُ ويصنعُ الجماعاتِ العدوانيَّةَ الإرهابيَّةَ العنيفةَ، ويَبذُلُ مِن أجلِ ذلكَ الجُهودَ الجبَّارةَ، حتَّى تظلَّ الدُّوَلُ الإسلاميَّةُ التي طالبت باستقلالِها، في قلقٍ دائمٍ، وصراعٍ مستمرٍّ؟ ومَنِ الذي يزرعُ المشكلاتِ الطَّائفيَّةَ والحروبَ الأهليَّةَ، ويُنَمِّي النَّعراتِ القوميَّةَ، ويُوزِّعُ الاتِّهاماتِ الانتمائيَّةَ، ويُغذِّي الأحقادَ العنصريَّةَ والخلايا الإرهابيَّةَ، وسائرَ المشكلاتِ المحليَّةِ والإقليميَّةِ والدوليَّةِ؟ إنَّهم يا عبادَ اللهِ أعداءُ الإسلامِ والمُسلمينَ في الشَّرقِ والغَربِ، الذينَ يعمَلُونَ على نشْرِ الشَّرِّ والفسادِ والفِتَنِ بينَ الشُّعوبِ وفي بلادِ المسلمينَ، وقلَّما يعمَلُونَ على حلِّ المشكلاتِ، والغضِّ عن الغلطاتِ، والعفوِ عن الزَّلَّاتِ. تراهم يتركونَ المختلفينَ حتَّى يشتدَّ خِصامُهُم، وإنَّهُم في كثيرٍ من المواقفِ قادرونَ على الإصلاحِ، وإطفاءِ الفِتَنِ، ولكنَّهُم لا يفعَلونَ، بل يقدِرونَ في كثيرٍ من الأحيانِ على تحديدِ ما يترتَّبُ على فسادِ ذاتِ البَينِ، ثمَّ لا يُصلِحونَ، وقد يُهدِّئونَ بعضَ المناطقِ السَّاخنةِ إلى حينٍ… والأشَدُّ والأنْكَى أنْ يُرَى مِنْ خِلَالِ تَحَرُّكَاتِهِمْ وَمُنَظَّمَاتِهِمْ وَوَسَائِلِ إِعْلَامِهِمْ، وَقَنَوَاتِهِمُ الفَضَائِيَّةِ مَنْ يُلْهِبُ نَارَ العَدَاوَةِ، وَيُوقِدُ سَعِيرَ الكَرَاهِيَةِ وَالبَغْضَاءِ، وَيُحَرِّضُ الشُّعُوبَ بعضهم عَلَى بَعْضِ وَعَلَى حُكَّامِهِمْ، حَتَّى عَلَى مَنْ يُرِيدُ الإِصْلَاحَ وَيَسْعَى إِلَيْهِ، وَكُلَّمَا خَبَتْ نَارُ العَدَاوَةِ وَالبَغْضَاءِ وَالكَرَاهِيَةِ أَوْقَدُوا أُوَارَهَا، وَيُضَافُ إِلَى هَذَا السُّوءِ يَا عِبَادَ اللَّهِ حَالٌ أَسْوَأُ، تِلْكُمُ هِيَ المَكايِيلُ المُتَبَايِنَةُ، الَّتِي يَكِيلُونَ بِهَا حِينَ يَنْظُرُونَ فِي مُشْكِلَاتِ العَالَمِ، وَمُشْكِلَاتِ المُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ، يَكِيلُونَ بِتِلْكَ المَكايِيلِ، وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ مَحْكَمَةِ العَدْلِ الدَّوْلِيَّةِ، وَحُقُوقِ الإِنْسَانِيَّةِ بِالسَّوِيَّةِ.

أيُّها الإخوةُ والأخواتُ في اللهِ: في هذا الخِضَمِّ، ومن بينِ أمواجِ هذا البحرِ المُتلاطِمِ، يجملُ الحديثُ، ويحسُنُ التَّذكيرُ بشيءٍ من مزايا دينِ محمَّدٍ ﷺ، لعلَّ الشَّاردينَ المخدوعينَ مِن بني قومِنا يرجعونَ ويثوبونَ إلى رشدِهم

إنَّهُ الحديثُ عن إصلاحِ ذاتِ البَينِ، إصلاحُ ذاتِ البَينِ بما يذهبُ وغَرَ الصُّدورِ، ويجمعُ الشَّملَ، ويضمُّ الجماعةَ، ويزيلُ الفُرقةَ والخِلافَ بينَ النَّاسِ… الإصلاحُ بينَ النَّاسِ في دينِ اللهِ، مَبعثُ الأمنِ والاستقرارِ والأمانِ في المجتمعاتِ والأوطانِ، ومَنبعُ

الأُلفةِ والمحبَّةِ ومَصدرُ الهدوءِ والطُّمأنينةِ، إنَّهُ آيةُ الاتِّحادِ والتَّكاتُفِ والتعاون والتضامن، ودليلُ الأُخوَّةِ، وبرهانُ الإيمانِ، يقولُ تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). الصلحُ خيرٌ، تهبُّ به على القلوبِ المتجافيةِ رياحُ الأنسِ، ونسماتُ الندى والهُدى. صلحٌ تسكنُ به النفوسُ، ويتلاشى به النزاعُ والشقاقُ والصراعُ… الصلحُ نهجٌ شرعيٌّ، يُصانُ به الناسُ، وتُحفَظُ به المجتمعاتُ والأوطانُ من الخصامِ والتفككِ، والكراهية والعدوان... نهجٌ يُمسِكُ عن الاندفاعِ وراءَ الحَمِيَّةِ الجاهليةِ، والطائفيةِ البغيضةِ، والنَّظراتِ القاصرةِ والحماسياتِ الانفعاليةِ. بالصلحِ تُستجلبُ المودَّاتُ، وتُعمَّرُ البيوتاتُ، ويُبَثُّ الأمنُ في الأوطانِ والمجتمعاتِ، ومِن ثَمَّ يتفرَّغُ الناس للأعمالِ الصالحةِ، يتفرغونَ للبناءِ والإعمارِ والإصلاحِ، بدلاً مِن إفناءِ الشهورِ والسنواتِ في المنازعاتِ والكيدِ في الخصوماتِ، وإراقةِ الدماءِ، وتبديدِ الأموالِ، وإزعاجِ الأهلِ، والسلطاتِ.

هذا هو الإصلاحُ، أيُّها الإخوةُ والأخوات.

 أمَّا المُصلحونَ والساعونَ في الإصلاحِ، فأناس وأشخاص نُبلاءُ، شَرُفَتْ نفوسُهم، وصَفَتْ قلوبُهم، وصَحَّتْ عزائمُهم، وأشرقتْ ضمائرُهم، شخصياتٌ كريمةٌ، بعيدةٌ عن الانفعالاتِ النفسيةِ، والرَّواسبِ الشعوريةِ والملابساتِ المشبوهةِ والطائفيةِ البغيضةِ، حريصونَ على حفظِ الأسرارِ، وكتمانِ ما يُكدِّرُ أو يُشَوِّشُ، مُتنَزِّهونَ عن الرغبةِ في غلبةِ طرفٍ على آخرَ، أو طائفةٍ على أخرى، حريصونَ على مصلحةِ أوطانِهم ومجتمعاتِهم. إنَّهم ذوو مروءاتٍ فُضلاءَ، رائدُهم حكمةٌ عاقلةٌ، وكلمةٌ رَزينةٌ، وتصرفاتٌ موزونةٌ، يُحسِنونَ الدخولَ كما يُحسِنونَ الخروجَ، يُعينونَ ولاةَ الأمورِ والقُضاةَ ورجالَ الأمنِ والمسؤولينَ على الإصلاحِ بينَ الناسِ. اللهُ أكبرُ، يا عبادَ اللهِ، يقولُ تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً).

ويقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: (كُلُّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ).

ويقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ). ويقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ: (أفضلُ الصدقةِ إصلاحُ ذاتِ البينِ). ويقولُ الإمامُ الأوزاعيُّ رحمهُ اللهُ: (ما خطوةٌ أحبُّ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ مِن خطوةٍ في إصلاحِ ذاتِ البينِ).

أيُّها المسلمونَ: وميادينُ الإصلاحِ في المجتمعاتِ كثيرةٌ، فكلما هبَّ نزاعٌ وشقاقٌ، فهو قابلٌ للإصلاحِ. إنَّها ميادينُ واسعةٌ في الأفرادِ والجماعاتِ، في الدماءِ والأموالِ والأقوالِ والأفعالِ، وكلُّ ما يقعُ فيه التَّداعي والتَّشاجرُ والتَّنازعُ، إصلاحٌ على نهجِ الشرعِ، مرادٌ به وجهُ اللهِ، وابتغاءُ مرضاتِه: (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً)

إصلاحٌ في نطاقِ جماعةِ المؤمنينَ، وطوائفِهم وفئاتِهم وأحزابِهم ومذاهبِهم، يقولُ تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) …إصلاحٌ في نطاقِ الأسرةِ وبيتِ الزوجيةِ، يقولُ تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً)

إصلاح بين الأفراد والجماعات في المجتمع، يقول سبحانه: (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).. إصلاح يعدل بين اثنين، ويجمع بين متهاجرين ومتقاطعين، ويقرب بين متظالمين، يقادان إلى صلح لا يحل حراماً، ولا يحرمُ حلالاً… كما يجب الإصلاح أيها الإخوة: بين أصحاب الحقوق في الوصايا والأوقاف إذا انحرفت وصاياهم وأوقافهم عن مسلك الشرع المطهر، يقول جل وعلا:(فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

أما طريقُ الإصلاحِ وأسلوبُه، فيبدأُ بكلمةٍ طيبةٍ، كلمةٌ طيبةٌ مِن امرئٍ عاقلٍ، ونبيلٍ لبيبٍ، يسُرُّه أن يسودَ وينتشرَ الوِئامُ بينَ الناسِ في المجتمعِ، كلمةٌ مِن امرئٍ قد امتلأ قلبُه صلاحاً، ولا يريدُ إلا الإصلاحَ: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).

استيقنوا، عبادَ اللهِ، أنَّ كثيراً مِن النفوسِ يكفي في إزالةِ شحنائِها وبغضائِها كلمةٌ رقيقةٌ، ولمسةٌ رفيقةٌ، تُطفِئُ نارَ الحقدِ والضغينةِ ويتلاشى معها الانفعالُ والشططُ، يبتعدُ المُصلحُ بكلمتِه عن التصريحِ، ويدخلُ في أبوابِ الكناياتِ والمعاريضِ، بل إنَّ الشرعَ قد أفسحَ له المجالَ ليُبالغَ في الكلامِ، ويُطنِبَ في الثناءِ والمدحِ، ولو جافى الحقيقةَ ودخلَ في دائرةِ الكذبِ، وهذا الصادقُ المصدوقُ محمدٌ صلى اللهُ عليه وسلم يقولُ: (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ قَالَ: بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْراً، وَيَنْمِي خَيْراً). الله أكبر يا عباد الله هذا هو نهج الإصلاح في الإسلام وفي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، صدق في التوجه، وإخلاص لله، وإفشاءٌ للمودة والمحبة والأخوة بين الناس، أين هذا من دعاوى أهل هذا العصر العريضة في حقوقهم وديمقراطياتهم وعولمتهم وشفافيتهم ونظامهم وعدلهم المزعوم الذي يفسدون في كثير منه ولا يصلحون، فالله المستعان، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واعرفوا نعم الله عليكم واشكروها، وأصلحوا ذات بينكم وتوجهوا إلى ربكم، واسألوه من فضله، وكونوا عباد الله إخواناً، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) اللهمَّ ألِّفْ بينَ قلوبِنا، وأصلِحْ ذاتَ بينِنا، واهدِنا سُبُلَ السلامِ، ووفِّقْنا جميعاً للإصلاحِ بينَ الناسِ، وجمعِ القلوبِ على الهُدى والحقِّ، إنك وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

نفعني اللهُ وإيَّاكم بالقرآنِ العظيمِ، وبهَديِ سيِّدِ المُرسلينَ، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكُم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ فاستغفِروهُ إنَّهُ هو الغفورُ الرَّحيمُ.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، الَّذي أَمَرَ بالاعتصامِ بحبلِهِ، ونهى عنِ التَّفرُّقِ والاختلافِ: (وَمَن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، ونشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ: (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)، ونشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صاحبُ الخُلُقِ العظيمِ والقلبِ السَّليمِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ، ومن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

أمَّا بعدُ، فيا أيُّها المسلمونَ والمسلماتُ: لقد أَمَرَ اللهُ تباركَ وتعالى هذهِ الأمَّةَ بالاجتماعِ والائتلافِ، ووحدةِ الكلمةِ ورَصِّ الصُّفوفِ ونَبْذِ التَّنازعِ والتَّفرُّقِ والاختلافِ، وتَرْكِ الشِّقاقِ والتَّحزُّبِ، يقولُ اللهُ تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).

أيها الأخوة والأخوات في الله: بحمدِ اللهِ تعالى وتوفيقِهِ، اختُتِمَتْ بالأمسِ أعمالُ مؤتمرِ الحوارِ الإسلاميِّ – الإسلاميِّ، تحتَ عنوانِ (أمَّةٌ واحدةٌ ومصيرٌ مشتركٌ)، الَّذي جَمَعَ نخبةً من علماءِ الأمَّةِ ومراجعِها وقادَتِها ومفكِّريها، والَّذينَ يمثِّلونَ أغلبَ مكوِّناتِ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ ومدارسِها ومذاهبِها الفكريَّةِ، حيثُ ناقشَ المؤتمرُ القضايا الجوهريَّةَ الَّتي يواجهها عالمَنا الإسلاميَّ في أجواءِ الحوارِ البنَّاءِ والتَّعاونِ المثمرِ.

حيثُ سادتْ روحُ الأخوَّةِ والتَّعاونِ، وأثمرتِ المناقشاتُ عنْ نتائجَ إيجابيَّةٍ وطيِّبةٍ، تُعزِّزُ وحدتَنا، وتُرسِّخُ مبادئَ الإسلامِ السَّمحةَ، وقِيَمَ التَّسامحِ والاعتدالِ، ونبذِ الفُرقةِ والخلافِ، في عالمٍ يموجُ بالتحدِّياتِ ممَّا يُساهمُ في رفعةِ الأمَّةِ وتقدُّمِها.

لقدْ كانَ هذا المؤتمرُ منصَّةً للحوارِ الصادقِ والبنَّاءِ، حيثُ تناولَ القضايا المُلحَّةَ الَّتي تواجهُ أمَّتَنا، مؤكِّدينَ على أهمِّيَّةِ التَّكاتُفِ والتَّضامنِ والعملِ المشتركِ، لترسيخِ العدلِ والسَّلامِ، وتعزيزِ قِيَمِ التَّسامحِ والاعتدالِ الَّتي يدعو إليها دينُنا الحنيفُ.

إنَّ النَّتائجَ الَّتي توصَّلَ إليها المؤتمرُ ليستْ مجرَّدَ توصياتٍ تُكتبُ، بلْ هي ميثاقُ عملٍ علينا جميعًا أنْ نلتزمَ بتنفيذِهِ بجِدٍّ وإخلاصٍ، لترجمةِ هذهِ الرُّؤى إلى واقعٍ ملموسٍ، ينهضُ بأمَّتِنا، ويحقِّقُ الخيرَ لشعوبِها. وفي هذا المقامِ، نتوجَّهُ بخالصِ الشُّكرِ والتَّقديرِ إلى راعي هذا المؤتمرِ المباركِ، جلالةِ الملكِ حمدِ بنِ عيسى آلِ خليفةَ، ملكِ البلادِ المعظَّمِ، حفظَهُ اللهُ ورعاهُ، على دعمِهِ ورعايتِهِ لهذا اللِّقاءِ الهامِّ، الَّذي يعكسُ حرصَهُ الدَّائمَ على وحدةِ الأمَّةِ وتعزيزِ دورِها الحضاريِّ. كما نتقدَّمُ بالشُّكرِ والتَّقديرِ لفضيلةِ الإمامِ الأكبرِ الأستاذِ الدُّكتورِ أحمدَ الطَّيِّبِ، شيخِ الأزهرِ الشَّريفِ، رئيسِ مجلسِ حكماءِ المسلمينَ، على جهودِهِ المباركةِ في ترسيخِ ثقافةِ الحوارِ وتعزيزِ التَّفاهمِ بينَ المذاهبِ الإسلاميَّةِ، بما يخدمُ وحدةَ المسلمينَ، ويعزِّزُ قِيَمَ السِّلمِ والتَّعايشِ والتفاهم والتوافق. كما نشكرُ جميعَ الأعضاءِ من العلماء والمفكرين المشاركينَ في هذا المؤتمرِ، والشُّكرُ موصولٌ للمجلسِ الأعلى للشُّؤونِ الإسلاميَّةِ رئيسًا وأعضاءً، على الجهودِ الكبيرةِ الَّتي بُذِلَتْ في التَّنظيمِ والإعدادِ لهذا المؤتمرِ، الَّذي كانَ نموذجاً مشرِّفًاً للحوارِ الإسلاميِّ الهادفِ.

نسألُ اللهَ تعالى أنْ يُباركَ هذهِ الجهودَ، وأنْ يجعلَها خطوةً نحوَ مستقبلٍ أكثرَ إشراقًا لأمَّتِنا الإسلاميَّةِ، وأنْ يجعلَ هذا العملَ في ميزانِ حسناتِهم، وأنْ يُديمَ على أمَّتِنا الأمنَ، والأمانَ، والاستقرارَ، والوحدةَ.

اللَّهُمَّ يا مُؤلِّفَ القلوبِ، ويا جامعَ النَّاسِ ليومٍ لا ريبَ فيه، ألِّفْ بينَ قلوبِنا، وأصلِحْ ذاتَ بينِنا، واهدِنا سُبُلَ السَّلامِ، وأخرِجْ منْ قلوبِنا الغِلَّ والحسدَ، والبغضاءَ والشَّحناءَ.

اللَّهُمَّ اجعلْنا إخوةً متحابِّينَ فيكَ، متآلفينَ على طاعتِكَ، متعاونينَ على البرِّ والتَّقوى، ولا تجعلْ للشَّيطانِ بينَنا سبيلًا، ولا للنِّزاعِ والشِّقاقِ والخصامِ والخلافِ إلينا طريقاً.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ رئيس وزرائه سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ..

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح قادتهم وعلمائهم ورجالهم ونسائهم وشبابهم وفتياتهم ونسائهم يا رب العالمين.

اللَّهُمَّ يَا نَاصِرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَالْمَظْلُومِينَ، احْفَظِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ فِي غَزَّةَ مِنَ التَّهْجِيرِ وَالتَّشْرِيدِ، وَأَمِّنْهُمْ فِي وَطَنِهِمْ وَثَبِّتْهُمْ عَلَى أَرْضِهِمْ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِهِمْ سُوءاً فَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَرُدَّ بَأْسَهُ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ عَوْنًا وَنَصِيراً، وَأَبْدِلْ

خَوْفَهُمْ أَمْنًا، وَحُزْنَهُمْ فَرَحاً، وَفَرِّجْ عَنْهُمْ

كَرْبَهُمْ، وأطعم جائعهم، واكس عاريهم، وَارْحَمْ شُهَدَاءَهُمْ، وَدَاوِ جَرْحَاهُمْ، وَفُكَّ أَسْرَ أَسْرَاهُمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِمْ، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ.

اللَّهُمَّ فَرِّجِ الْهَمَّ عَنِ الْمَهْمُومِينَ، وَنَفِّسِ الْكَرْبَ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وعاف مبتلانا وَارْحَمْ وَالِدِينَا، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا تَبَقَّى مِنْ شَعْبَانَ، وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ، وَأَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ…اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)