الجمعة 27 ربيع الأول 1439 هـ
الموافق 15 ديسمبر 2017م
الحمد لله جلّ جلاله، وجلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه، سبحانه وبحمده، لا تحصى نعماؤه، نحمده سبحانه ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، المبعوثُ بالهدى ودين الحق، ارتفعت به أعلامه، وعلا ضياؤه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه بدور الدجى وسناؤه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا عباد، الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
معاشر المسلمين: ما من إنسان في هذه الحياة الدنيا، إلا وهو يعتز بوطنه؛ لأنه مهد صباه، ومدرج خطاه، ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، حتى الحيوانات لا ترضى بغير وطنها بديلاً، ومن أجله تضحي بكل غالٍ ونفيس، والطيور تعيش في عشها في سعادة ولا ترضى بغيره ولو كان من حرير، والسمك يقطع آلاف الأميال متنقلاً عبر البحار والمحيطات ثم يعود إلى وطنه، وهذه النملة الصغيرة تخرج من بيتها ووطنها فتقطع الفيافي والقفار وتصعد على الصخور وتمشي على الرمال تبحث عن رزقها، ثم تعود إلى بيتها ومأواها، بل إن بعض المخلوقات، إذا تم نقلها عن موطنها الأصلي فإنها تموت، فالكل يحب وطنه، فإذا كانت هذه سنة الله تعالى في المخلوقات فقد جعلها الله في فطرة الإنسان، وإلا فما الذي يجعل الإنسان الذي يعيش في المناطق شديدة الحرارة، والتي قد تصل إلى ستين درجة فوق الصفر، وذلك الذي يعيش في القطب المتجمد الشمالي تحت البرد القارس، أو ذلك الذي يعيش في الغابات والأدغال يعاني من مخاطر الحياة كل يوم، ما الذي جعلهم يتحملون كل ذلك إلا حبهم لوطنهم وديارهم!! لذلك كان من الحقوق والواجبات الاجتماعية في الإسلام والتي غرسها في فطرة الإنسان حقوق الوطن والأرض التي يعيش فيها ويأكل من خيرها ويعبد الله تحت سمائها، وأول هذه الحقوق الحب الصادق لهذا الوطن.
أيها المؤمنون: لقد وقف نبينا صلى الله عليه وسلم يُخاطب مكة المكرمة مودعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج منه، وهو يقول: (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)
قالها بلهجة حزينة مليئة أسفًاً وحنيناً وحسرة وشوقًاً، مخاطباً إياها: (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ). ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُعلم البشرية، يُحب وطنه لما قال هذا القول الذي لو أدرك كلُّ إنسانٍ مسلمٍ معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه، ولأصبح الوطن لفظًاً تحبه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر.. ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الجحفة (القريبة من مدينة رابغ) في طريقه إلى المدينة اشتد شوقه إلى مكة، فأنزل الله عليه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) أي لرادك إلى مكة التي أخرجوك منها.. وعندما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واستوطنها ألفها، بل كان يدعو الله أن يرزقه حبها، ويقول: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ) فهو يدعو الله بأن يرزقه حب المدينة أشد من حبه لمكة؛ لاستشعاره بأنها أصبحت بلده ووطنه التي يحن إليها، ويسر عندما يرى معالمها التي تدل على قرب وصوله إليها، ومثلما دعا بحبها فقد دعا لها،وقال: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَىْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ) ومن دعاء إبراهيم عليه السلام لمكة، ودعاء محمد عليه السلام، للمدينة، يظهر حبهما لتلك البقعتين المباركتين اللتين هما موطنهما وموطن أهليهما ومستقر عبادتهم.
وكان صلى الله عليه وسلم بعدما أستقر في المدينة ألفها وأحبها، فكان كلما قدم من سفر، وأبصر درجات المدينة أوضع ناقته (أي أسرع بها) يقول أهل العلم: (فيها دلالة على فضل المدينة وعلى حب الوطن والحنين إليه)
عباد الله: لقد اقترن حب الأرض في القرآن الكريم بحب النفس، يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ) واقترن في موضع آخر بالدين: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) كل هذا يدل على تأثير الأرض، وعلى أن طبيعة الإنسان التي طبعه الله عليها حب الوطن والديار.. إن ارتباط الإنسان بوطنه وبلده مسألة متأصلة في النفس، فهو مسقط الرأس، ومستقر الحياة، ومكان العبادة، ومحل المال والعرض، ومكان الشرف، على أرضه يحيا، ويعبد ربه، ومن خيراته يعيش، ومن مائه يرتوي، وكرامته من كرامته، وعزته من عزته، به يعرف، وعنه يدافع، والوطن نعمة من الله على الفرد والمجتمع، ومحبة الوطن طبيعة طبع الله النفوس عليها، ولا يخرج الإنسان من وطنه إلا إذا اضطرته أمور للخروج منه، كما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما أخرجه الذين كفروا من مكة، يقول تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) وكما حدث لموسى عليه السلام؛ يقول الله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً)
يقول أهل التفسير: ( فلما قضى موسى الأجل طلب الرجوع إلى أهله وحن إلى وطنه، وفي الرجوع إلى الأوطان تقتحم الأغوار، وتركب الأخطار، وتعلل الخواطر)
ولما كان الخروج من الوطن قاسياً على النفس، صعباً عليها، فقد كان من فضائل المهاجرين أنهم ضحوا بأوطانهم في سبيل الله، فللمهاجرين على الأنصار أفضلية ترك الوطن، ما يدل على أن ترك الوطن ليس بالأمر السهل على النفس، وقد مدحهم الله سبحانه على ذلك فقال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ) أيها المسلمون: إن حب الوطن وألفته، والحنين إليه أمر مركوز في فطر النفوس من جهة، ومأمور به في الإسلام من جهة أخرى.
وقد ذكر أهل الأثر في (أخبار مكة) أنه لما قَدِمَ أَصِيلٌ الْغِفَارِيُّ من مكة المكرمة سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم،(يَا أَصِيلُ، كَيْفَ عَهِدْتَ مَكَّةَ؟ أجابه، ووصف له أرضها، وسهولها وجبالها ووديانها وماءها وعشبها
فَقَالَ له الحبيب صلى الله عليه وسلم: (حَسْبُكَ يَا أَصِيلُ لا تُحْزِنَّا ، دع القلوب تقر قرارها)
أرأيتم عباد الله كيف عبر نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم عن حبه وهيامه وحنينه إلى وطنه بقوله: (يا أصيل: دع القلوب تقر)، فإن ذكر بلده أمامه، -الذي ولد فيه، ونشأ تحت سمائه وفوق أرضه، وبلغ أشده وأكرم بالنبوة في رحابه، يثير لواعج شوقه، ويذكي جمرة حنينه إلى موطنه الحبيب الأثير العزيز!! إن المسلم الحقيقي يكون وفيًّا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، محبًّا أشد ما يكون الحب له، مستعداً للتضحية دائماً في سبيله بنفسه ونفيسه، ورخيصه وغاليه، فحبه لوطنه حب طبيعي مفطور عليه، حب أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك، حب تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة، وتؤيده السنة، وتجمع عليه خيار الأمة.
فيا له من حب! قيل لأعرابي: كيف تصنعون بالبادية إذا اشتد القيظ، وانتصف النهار بحره؟ قال: وهل العيش إلا ذاك، يمشي أحدنا ميلاً ليرفض عرقاً، ثم ينصب عصاه، ويلقى عليها كساه، ويجلس في قبة يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى.. أي حب هذا وهو يلاقي ما يلاقي!! إنه يقول: أنا في وطني بهذه الحالة ملك مثل كسرى في إيوانه.
أيها المسلمون: إن المواطنة الحقة قيم ومبادئ وإحساس ونصيحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعزة وموالاة وتضحية وإيثار والتزام أخلاقي للفرد والأمة، إنها شعور بالشوق إلى الوطن حتى وإن كان لا يعيش الفرد في مرابعه… فأين هؤلاء الذين يدّعون حب الوطن والوطنية ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة والعبث بمقدراته، والعمالة لأعدائه، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة!! أين الوفاء للأرض التي عاشوا فيها وأكلوا من خيراتها، وترعرعوا في رباها، واستظلوا تحت سماها، وكانت أرض الإسلام والإيمان والتوحيد والعقيدة.
عباد الله: إن من حقوق الوطن أن يسعى كل فرد فيه للحفاظ عليه وتنميته وازدهاره، ليشعر جميع أفراده أنهم متساوون في الحقوق والواجبات، لا فرق بينهم ولا تمايز، فحب الوطن لا يكون بمجرد الكلمات والشعارات، بل هو مرتبط بسلوك الفرد المحب ارتباطًاً لا انفكاك منه، يلازمه في كل مكان، في حله وترحاله، في المنزل والشارع، في مقر عمله وفي سهوله ووديانة… حب الوطن يظهر في احترام أنظمته وقوانينه، وفي التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته، حب الوطن يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته، وفي الاهتمام بنظافته وجماله، حب الوطن يظهر في إخلاص العامل في مصنعه، والموظف في إدارته، والمعلم في مدرسته، حب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب والمسئولين فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته، حب الوطن يظهر في تحقيق العدل ونشر الخير والقيام بمصالح العباد كلٌّ حسب مسؤوليته وموقعه، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه والولاء لقيادته وولاة أمره، حب الوطن يظهر بنشر القيم والأخلاق الفاضلة ونشر روح التسامح والمحبة والأخوة بين الجميع، وأن نحقق مبدأ الأخوة الإيمانية في نفوسنا، وأن ننبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق، وأن نلتزم بتعاليم ديننا في واقع حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، ففيه الضمان لحياة سعيدة وآخرة طيبة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)
فاللهم آمنا في أوطاننا وديارنا، وأصلح اللهم جميع أمورنا، وأهدنا سبل الرشاد.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا أيها المسلمون: تعيشُ مملكتنا الغالية البحرين في هذه الأيام، مناسبات عزيزة غاليةٌ على نفوسنا، ألا وهي احتفالاتها بذكرى قيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس أحمد الفاتح، ككيان عربي إسلامي، عام 1783م، والذكرى السادسة والأربعين لانضمامها في الأمم المتحدة، دولة كاملة العضوية، والذكرى الثامنة عشرة لتسلم جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم في البلاد، والذكرى الثالثة ليوم الشهيد، وذكرى يوم الشرطة البحرينية البواسل الأوفياء،وذكرى يوم المرأة البحينية، وهي أيام عزيزة يتأكد فيها الولاءُ للوطنِ، عَمَلاً وإخلاصاً، وجِدَّاً وبناءً، ودفاعاً وتفانياً.. وتُجَدَّدُ فيها البيعةُ والولاءُ للقيادةِ الرشيدة نُصْحَاً وطاعةً، وتعاوناً ومؤازرة..
وإن التذكيرَ في مثلِ هذه المناسبات،بحب الوطن، وتجديدِ عَقْدِ البيعةِ، وعَهْدِ الولاءِ لوليِّ الأمر وللوطنِ وقيادتِه، أمانةٌ في عُنُقِ كل مخلصٍ غيورٍ على أرضِه، فقد قَرَنَ الله حُبَّ الوطنِ، والولاء له، والعمل بإخلاصٍ له، بِنَفْسِ الإنسان، في حِفَاظِه عليه وعلى أمنه وتَمَسُّكِهِ بِهِ والذَّودِ عنه وعن سيادتِه، ولو تطلب ذلك بذلُ المهجِ والأرواح، يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوْا أَنْفُسَكُمْ أَوْ اْخْرُجُوْا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوْهُ إلَّا قَلِيْلٌ مِنْهُمْ).
عباد الله: إنَّ قِيَمَنا الإسلاميةَ وتعاليمنا القرآنية، تَحُثُّنا على العملِ بإخلاصٍ لتحقيقِ أمنِ الوطنِ واستقرارِه ورخائِه وتقدمِه ورُقِيِّه، فإنَّ خدمةَ البلاد والعباد نوعٌ من أنواع العبادة العامةِ، التي يَتَقرَّبُ بها المسلم إلى ربِه ومولاه. وإننا اليوم أحوجَ ما نكونُ إلى أنْ نتسامح ونتصالح ونتصافح ونتناصح، ونفتحَ صفحة جديدة ملؤها الحب والوفاء والإخلاص للجميع، ونضع أيديَنا في يدِ كلِ مخلصٍ غيورٍ على هذا الوطن، ونلتفَ جميعاً حولَ قيادتِه الرشيدة، لنقطعَ الطريقَ أمامَ كُلِ حاقِدٍ أو طامعٍ أو مُعْتَدٍ، ونَقِف سداً منيعاً وصفاً واحداً قوياً أمام تحدياتِ الداخلِ والخارج… وإننا من خلال هذه المناسبة العزيزة ندعو الجميع كل من واقع مسئوليته إلى الدفع باتجاه التنمية والتطوير والتحضر والحفاظ على أمن البلد واستقراره وعدم الوقوف حجر عثرة أمام هذا المشروع الإصلاحي الكبير الذي أرساه جلالة الملك حفظه الله ورعاه والذي توافقت وأجمعت عليه كافة الأطياف، ونخص بالذكر العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين والخطباء ونواب الشعب والقائمين على الجمعيات والمؤسسات.. إذ ندعوهم جميعاً إلى القيام بواجباتهم تجاه الوطن والمجتمع ومواصلة النصح والإرشاد والإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة والعمل على ترشيد الخطاب الديني، ونبذ الطائفية والإرهاب والعنف، وتحكيم الشرع والعقل وتصحيح الفكر المنحرف لدى بعض الفئات الطائفية المتعصبة ، التي يسوقها الحماس المندفع من شباب الوطن إلى طريق مسدود ليست في صالح أحد، وهي ليست من الدين في شيء، ولا هي في صالح الوطن ولا المواطن، حيث إنَّ مهمة علماء الدين في تصحيح مسار دعاة العنف والإرهاب والتخريب يرتكز على ضرورة تحقيق قاعدة اجتماع الكلمة ووحدة الصف، وترسيخ ثقافة التعايش السلمي، وتأكيد مبدأ الاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم وما دعا إليه الدين الحنيف من طاعة ولاة الأمر في المعروف، وصولاً إلى مجتمع تسوده روح المحبة والإخاء وينعم بالأمن والأمان والاستقرار والرخاء والوحدة.
نسأل الله تعالى أن يحفظ لنا بلادنا البحرين ملكاً وحكومة وشعباً من كل سوء ومكروه، وأن يحفظ علينا أمننا وأيماننا ويجعلنا حماة وجنداً لهذا الوطن الغالي.
اللهم سدد على طريق الخير خطى مليكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم بارك لهم في جهودهم وأعنهم على تحقيق آمال وطموحات مواطنيهم، وما يصبون إليه من تقدم وتطور ونماء وازدهار ورخاء.
اللهم إنا نستودعك بلادنا وقيادتنا وأهلنا وأولادنا ونفوسنا ودمائنا وأعراضنا وأموالنا، اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكْنُفْنا بركنك الذي لا يُرام، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم أحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتَاَلَ من تحتنا.
اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان،اللهم أصلح أحوالهم في فلسطين وفي سوريا وفي اليمن وفي مصر ، وفي بورما، وفي كل مكان،اللهم ولي عليهم خيارهم ولا تسلط عليهم شرارهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أحفظ القدس والأقصى وأهلهما من كيد أعداء الدين، اللهم كن معهم و ثبتهم وانصرهم على من عاداهم، اللهم ارزقنا صلاة طيبة في المسجد الأقصى قبل الممات يارب العلمين.. اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.
اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمدا وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)
فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم،واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.
خطبة جامع الفاتح – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين