7 محرم 1441هـ
6 سبتمبر 2019 م
الحمد لله يبدئ ويعيد، خلق السماوات والأرض بالحق، يكور الليل على النهار، ويكور النهار على الليل، أحصى على الخلق أعمالهم فهو بكل شيء محيط، وعلى كل شيء شهيد، نحمده سبحانه ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، ونسأله من فضله المزيد، ونشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له وهو الولي الحميد، ونشهد أنّ نبينا محمداً عبد الله ورسوله، دعا إلى الله وهاجر في سبيل الله، وجاهد وصابر حتى أقام الملة ورفع راية التوحيد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الهجرة والنصرة والتأييد، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل وخشيته وطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم(وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُون)
معاشر المسلمين: إن استقبالنا لعام هجري جديد، يذكرنا بهجرة نبينا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، يوم أن بعثه الله والضلال قد خيم على أهل الأرض، وقد مقتهم الله عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، بعثه والناس يعبدون الحجارة والأصنام والأوثان من دون الله عز وجل، ويعيشون على السلب والنهب والقتل، فبعث الله محمداً رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، فهدى به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وبصَّر به من العمى، وقام بأداء رسالة ربه خير قيام، فبشر وأنذر، وصدع بأمر الله تعالى وجهر، وأخذ المشركون يسخرون منه، ويستهزئون به ويؤذونه أشد الأذى، ويعذبون من آمن به ليردوهم عن دينهم، وكان عمه أبو طالب يحميه من أذى قومه، وكانت زوجته خديجة تؤنسه وتعينه، واشتد أذى قومه له ولمن آمن به، لما مات عمه أبو طالب وزوجه خديجة، فتمكن منه الحزن، وتطاول عليه المشركون، واشتدت عليه الكربة، وضاق به الحال، فقيض الله له الأنصار من أهل المدينة والتقوا به في موسم الحج وآمنوا به وبايعوه على أن يمنعوه إذا قدم إليهم في المدينة مما يمنعون منه نساءَهم وأولادهم، وبعد البيعة أذِن الله له بالهجرة، فهاجر إلى المدينة بعد ثلاث عشرة سنة من بعثته، وبصحبته ورفقته أبو بكر الصديق رضي الله عنه فاستقبله الأنصار ومنعه الله بهم من أذى الكفرة والمشركين، وأسس الدولة الإسلامية، وما هي إلا أعوام قليلة حتى فتح الله له مكة فدخلها فاتحاً منصوراً، تحيط به جيوش التوحيد وكتائب الإسلام ثم دانت له عرب الجزيرة وتوطد فيها حكم الإسلام، وعُبد الله وحده لا شريك له…
أيها المؤمنون: هذه الحادثة العظيمة تمد المسلمين بالعبر والعظات، والدروس والتوجيهات، وقد شاء الله تعالى أن تكون بأسباب مألوفة للبشر، فقد تزود فيها النبي صلى الله عليه وسلم للسفر، وركب الناقة، واستأجر الدليل، واتخذ أبا بكر صاحباً ورفيقاً، وتخفى وجعل علياً أبن عمه ينام على فراشه.. إن الله قادرٌ على حمل نبيه على البراق أو يسخر له الريح – كما سخرها لسليمان – فتحمله في طرفة عين من مكة إلى المدينة، ولكن الله يريد أن يعطينا درساً لا ننساه وهو التخطيط والأخذ بالأسباب، مع التوكل على الله عز وجل.
عباد الله: إن حال المسلمين اليوم، يوجب الاستفادة من معاني الهجرة النبوية، فلن يصلح حال المسلمين في هذا العصر إلا بما صلح به أولها..ألا وإن من أهم دروس الهجرة: أن المسلم مأمور بعبادة ربه في كل وقت وحين، ولو حيل بينه وبين ذلك في مكان إقامته، وجب عليه الخروج إلى أرض الله الواسعة ليعبد ربه، قال تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ، قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً) واستثنى الله عز وجل الذين لا يستطيعون الخروج من الشيوخ والنساء والأطفال فقال سبحانه: (إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً)…كما علمتنا الهجرة حبَّ الوطن، فها هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخرج من مكة في سبيل الله متأثِّراً لمفارقة وطنه، فيلتفتُ إليها ويُخاطبها خطابَ المحبِّ لها، ويقول: (والله، إنَّك لأحبُّ أرض الله إليَّ، وإنَّك لأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أنَّ أهلَك أخرجوني منك ما خرجتُ)
عباد الله: ومن دروس الهجرة: الثقة بنصر الله ووعده عند الشدائد وكمَال اليقينِ بمعيّة الله تعالى لعبادِه المؤمنين يقيناً راسخاً لا تزعزِعُه عواصِف الباطل، ولا يُزلزِله إرعادُ أهلِه ولا إبراقهم، ولا يهزّه تهديدُهم ولا وعيدهم، فحين عظُم الخَطب وأحدَق الخطرُ ببلوغ المشركين بابَ الغارِ الذِي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، قال أبو بكر رضي الله عنه: والله يا رسول الله، لو أنَّ أحدَهم نظر إلى موضعِ قدمَيه لرآنا، فقال رسول الله: (يَا أبَا بَكر، مَا ظنُّكَ باثنَين اللهُ ثالثُهما). فأنزَلَ سبحانه مصداقَ ذلك في كتابه: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وأيُّ معيّةٍ تعدِل معيةَ الله؟ إنّها الحِصن الحَصين من كلِّ الغوائِل، والعدّة في كلِّ شدةٍ، والدّرع الواقي من سهام البوائِق والشّرور، لكنَّ هذه المعيّةَ الخاصّة التي تكون بالتّأييد والتّوفيق والحِفظ والمعونةِ والنّصر إنّما جعلها الله تعالى لأوليائِه المتّقين المحسِنين الذين بذلوا حقَّ الله عليهم في توحِيده وإفرادِه بالعبادةِ وتركِ الإشراكِ به، ثمَّ بامتثال أوامرِه والانتهاء عمَّا نهاهم عنه.. ومن دروس الهجرة يا عباد الله: حفظ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، ونصرته لدينه، وإعلاء كلمته، مع محاولة الكفار قتله والقضاء على دينه. وما يحدث هذه الأيام من محاولات جبارة ماكرة للقضاء على هذا الدين وحفظ الله له رغم الكيد الكبار لأكبر شاهد على تكفل الرب عز وجل بحفظ دينه وإعلاء كلمته:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)
أيها المؤمنون: ومن دروس الهجرة: حب المؤمنين لنبيهم صلى الله عليه وسلم فقد رُوي في قصة الهجرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يمشي تارة أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة خلفه، وتارة عن يمينه، وتارة عن شماله، خوفاً من أن يأتيه مكروه فيفديه بنفسه رضي الله عنه.. وهكذا كان بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يفدونه بأموالهم وأبنائهم وأنفسهم وهذا هو حال المؤمنين في كل زمان.
ومن علامات محبة النبي متابعته فيما يأمر به وعدم تقديم أي أمر على أمره. وتلك هي المحبة الحقيقية، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)
أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن دروس الهجرة: أن رابطة العقيدة هي الرابطة الحقيقية بين المؤمنين، حيث تتضاءل أمامها الانتماءات القومية والقبلية والطائفية والعلاقات الحزبية، فعندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، وقضى على العداوة التي كانت مستحكمة بين الأوس والخزرج فانصهر الجميع في بوتقة الإيمان، وذابت بينهم العداوات والإحن، وتلاشت العصبيات والأعراق…
عباد الله: ومن دروس الهجرة: نتعلم منها أثر الشباب ودورهم العظيم في نصرة الدين، فالشباب إذا نشئوا منذ الصغر على مواجهة الخطر، كانوا أجِلاَّء أقوياء، وهذا هو الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينشأ في مدرسة النبوة فتًى من فتيان الإسلام لا يخاف إلا الله، ولا يَهاب أحداً سواه، يقول له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة الهجرة:(نَمْ على فراشي؛ فإنه لنْ يخلصَ إليك شيءٌ تَكْرهه منهم)، فقَبِل عليٌّ التضحية فداءً لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بلا خوف ولا تَردُّد… وفي موقف عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما، ذلك الشاب الثقف اللقِن، حيث كان يدلج من عند النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت فيها، فلا يسمع أمراً تكيده قريش للنبي صلى الله عليه وسلم إلا وعاه، حتى يأتيهما حين يختلط الظلام فينقل لهما الأخبار، وهذا يجلِّي أثر الشباب في الدعوة إلى الله ودورهم في الأمة ونصرة الدين والملة، والحفاظ على مقدرات أوطانهم ومجتمعاتهم، فليحذر شبابنا من الدعوات التي تدعوهم إلى الشبهات والفرقة والاختلاف وشق الصف، والفوضى وأذية العباد، والخروج على ولاة الأمر، أو تلك الدعوات إلى تدعو إلى تخديرهم بالشهوات والملهيات وتغييبهم عن ساحات التأثير في الوقت الذي نرجو فيه أن يضطلعوا بمهمات الحفاظ على الدين والقيم والوطن، والرباط على ثغور الأخلاق والمبادئ أمام المتغيرات المتسارعة ودعاوَى العولمة والعلمنة…
وفي موقف السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ما يجلِّي دور المرأة والفتاة المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها، فعندما كان الصديق رضي الله عنه يحزم الأمتعة ويعدها للسفر لم يجد حبلاً ليربط به زاد الطعام والسقاء، أخذت أبنته أسماء رضي الله عنها نطاقها الذي كانت تربطه في وسطها فشقته نصفين وربطت به الزاد، فسميت ذات النطاقين رضي الله عنها. هذا هو دور المرأة المسلمة تجاه دينها: النصرة والدعوة وإرضاع الأجيال دينهم مع لبنها، وتربيتهم على القيم والمثل والأخلاق والتضحية.
والهجرة – يا عباد الله – من مكة إلى المدينة، لَم تكنْ فراراً؛ بل انتصاراً، إنها نقْلٌ لساحة الجهاد من مكة إلى المدينة؛ حتى لا تتجمَّدَ مسيرةُ الحقِّ، ويَستشريَ طُغيان الباطل، ولقد ضَرَب لنا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأصحابه المثَلَ والأُسوة الْحَسَنة في التضحية بالنفس والنفيس من أجْل نُصْرة دين الله وإيصاله إلينا، ولتكون كلمة الله هي العُليا وكلمة الذين كفروا السُّفْلى.
وكم في الهجرة النبوية يا عباد الله من دروس تحتذى وعبر تقتفى، لو رجع المسلمون لدينهم واعتزوا بتاريخهم وثوابتهم وأمعنوا النظر في سيرة رسولهم صلى الله عليه وسلم، لا سيما والأمة الإسلامية اليوم تعيش في عالم عصفت فيه أمواج المحن، وهبت فيه أعاصير الفتن، حتى أصبحت أمتنا حبلى بالمشكلات، وثكلى بالفتن والمعضلات، ضعف وفرقة وخلافات، ذلة ومهانة ومنازعات، حروب وثورات ونكبات، كوارث وتحديات،وتسلط من قبل أعداء الأمة!!
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، اللهم اجعل حاضرنا خيراً من ماضينا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا، إنَّك خير مسئول وأكرم مأمول.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا أيها المسلمون: لقد حل بساحتنا شهرٌ عظيم مبارك، هو شهر الله المحرم، أول شهور السنة الهجرية، وأحد الأشهر الحرم التي قال الله فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ، يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ….) والأربعة الحرم هي: (ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ) يقول أهل العلم: اختص الله هذه الأشهر الأربعة، فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر والثواب أعظم…
ومن فضائل شهر المحرم، أنه يُستحب الإكثار فيه من صيام النافلة، ففي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ) وأفضل أيامه اليوم العاشر، وهو عاشوراء، الذي شرع لنا نبينا صلى الله عليه وسلم صومه، ووعدنا على صيامه بالأجر والثواب، وتكفير صغائر الذنوب، فقد صح في الحديث: أنَّ رجلاً سأل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن صيام عاشوراء، فقال: (أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) ومن أحب أن يصوم يوم عاشوراء، صام قبله يوماً استحباباً، أي اليوم التاسع لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) يعني مع العاشر مخالفة لصيام اليهود لإنهم يفردون عاشوراء بالصوم..ويجوز إفراد عاشوراء بالصيام… وعاشوراء هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى ومن معه من المؤمنين، وأغرق فرعون ومن معه من الكافرين، فنصومه شكراً لله على نعمته، ونصومه اقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم وعملاً بسنته وهديه، وإظهاراً لقوة الصِّلةِ بين الأنبياء عليهم السلام بربهم، ولبيان أن دينَهم واحدٌ وإن كانت شرائِعُهم شتَّى.
فاحرصوا رحمكم الله على صيام يوم العاشر من المحرم، ولا تفوتوا على أنفسكم هذه الفرصة، مُحتسبين الأجرَ من الله تعالى، سائلين منه القبول والإعانة والتوفيق.
أيها الأخوة والأخوات في الله: ولا علاقة بين صوم يوم عاشوراء، ومقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه، الذي أستشهد في يوم عاشوراء سنة أحدى وستين من الهجرة، حيث قتل على يد طغمة فاجرة غاشمة ظالمة، لا ترعى حق الله تعالى، ولا حق رسوله صلى الله عليه وسلم في آل بيته وعترته الأطهار. فلم يبق مؤمن على وجه الأرض في قلبه مثقال ذرة من إيمان، إلا وحزن حزناً شديداً على هذا المصاب الجلل المفجع الأليم، إذ أن محبة أبا عبد الله الحسين رضي الله عنه هي من محبة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ) فإنه رضي الله عنه، أبن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، وأبن أمير المؤمنين علي، ونشأة بيت النبوة، له أشرف نسب وأكمل نفس، جمع الفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال من علو الهمة، ومنتهى الشجاعة، وأقصى غاية الجود والكرم والسخاء، وأسرار العلم وفصاحة اللسان، ونصرة الحق والدعوة إلى الإصلاح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد الظالمين، والتواضع عن عز، والعدل والصبر، والحلم والعفاف والمروءة والورع وغيرها. وأضاف إلى هذه المحامد كثرة العبادة، وأفعال الخير كالصلاة والصوم والحج والجهاد في سبيل الله.
فرضي الله عن الإمام الحسين بن علي ومن معه في الشهداء الخالدين، ورضي الله عن شهداء المسلمين ماضياً وحاضراً وإلى يوم الدين. اللهم إنا أحببنا الحسن والحسين وأمّهما وأباهما وعِترتهما الصالحة؛ لحبّنا لنبيك صلى الله عليه وسلم، فاجعلنا يوم القيامة مع من أحببْنا. اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وحب آل بيته الطيبين الطاهرين، وحب أصحابه الغر الميامين، واحشرنا معهم تحت لواء سيد الأولين والآخرين، وأدخلنا الجنة مع الأبرار مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، وفي خليجنا، ووفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة، يا رب العالمين. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيدا،ً اللهم كن لهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن، اللهم ألطف بهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وأصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم،وصن أعراضهم، واحقن دماءهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا… اللهم نور على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم،، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، ويغفر الله لي ولكم.
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين