الجمعة 19 صفر 1441 هـ
الموافق 18 أكتوبر 2019 م
الحمد لله أوجد الكائنات فأبدعها صُنعاً، وأحكمها خلقاً، وهدى عباده النجدين، فأسعد فريقاً وفريقاً أشقى، نحمده سبحانه ونشكره، ونثنى عليه بما هو أهله، لم يزل للشكر مستحقاً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعبداً ورقاً، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، هو الأخشى لربه والأتقى، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه، المقدّمين فضلاً وسبقاً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، ومن نصر دين الله حقاً، وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: يقول الله جل وعلا: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) إنها دعوةٌ إلى التدبر في الكون، وتأمّل مدى دقته، وتناسق نواصيه وأجزائه… إن الخالق عز وجل بمنه وكرمه وفضله، قد أظهر لنا آياته في كتاب منظور نراه ونحسّ به، وكتاب نقرؤه ونرتّله ألا وهو القرآن الكريم بآياته وعظاتة، الذي يَعْمد إلى تنبيه الحواسّ والمشاعر، وفتح العيون والقلوب، إلى ما في هذا الكون العظيم من مشاهد وآيات، تلك التي أفقدتها الأُلفة غرابتها، وأزالت من النفوس عِبرتها، يقول عز وجل: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) ويقول سبحانه: (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ) هاهو القرآن الكريم يَعرض هذه الآيات بأسلوب أخّاذ، ليُعيد طراوتها في الأذهان، فكأنها تُرى لأول مرة، يلفتُ النظر على هذه الأرض الفسيحة، وقد سُقيت ورويت بماء الحياة، فاكتظَّت أعاليها بالنعم الوافرة، من أنهار جارية وأشجار مثمرة، وزروع نضرة، وجبال شامخة راسية وبحار واسعة مترامية، يقول جل وعلا: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً، لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّاً وَنَبَاتاً، وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًاً). ويقول الله تعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا، أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا، وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) ويقول جل وعلا: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّاً، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّاً، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّاً وَعِنَباً وَقَضْباً، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْباً، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) ويقول تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَت، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ..)
إن التأمّل في مطلع الشمس ومغيبها، التأمّل في الظلّ الممدود ينقص بلطف ويزيد، التأمل في العين الوافرة الفوّارة، والنبع الرويّ، التأمّل في النبتة النامية والبرعم الناعم، والزهرة المتفتّحة، والحصيد الهشيم، التأمّل في الطائر السابح في الفضاء، والسمك السابح في الماء، والدود السارب، والنمل الدائب، التأمل في صبح أو مساء، في سكون الليل أو في حركة النهار، إن التأمل في كل ذلك يحرّك القلبَ لهذا الخلق العجيب، وُيشعر العبدَ بعظمة الخالق تبارك وتعالى، يقول جل وعلا: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ، وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) ويقول تبارك تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً)
عباد الله: هذه المجرات المنطلقة، والكواكب التي تزحم الفضاء وتخترق عُباب السماء، معلّقة لا تسقط، سائرة لا تقف، لا تزيغ ولا تصطدم، (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ..) من الذي سيّر أفلاكها؟ ومن الذي نظّم مَسارها وأشرف على مدارها؟ من أمسك أجرامها ودبّر أمرها؟ (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا، وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ، إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)
أيها الأخوة والأخوات في الله: إن الله تبارك وتعالى خلق كلَّ شيء فقدَّره تقديراً، هذا وضعُ الشمس أمام الأرض مثلاً، تم على مسافة معينة، لو نقصت فازداد قرْبُها من الأرض لأحرقتها، ولو بعُدَت المسافة لعمّ الجليد والصقيع وجه الأرض وهلك الزرع والضرع، من الذي أقامها في مكانها ذاك، وقدّر بُعدها لننعم بحرارة مناسبة تستمر معها الحياة والأحياء؟ (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)
عباد الله: ماذا لو اختلّ نظام هذا الكون قيدَ شعرة؟ إنه سينهار بكل ما فيه ومَن فيه. ماذا لو تصادمت أفلاكه؟ ماذا لو تناثر ما في الفضاء من أجرامه؟ ماذا لو حُجِبت عنه عناية الله طرْفةَ عين أو أقل من ذلك أو أكثر؟ إننا سنهلك ويهلك كل مَن معنا، (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ، لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).. إن آيات الله تعالى في الكون لا تتجلى على حقيقتها ولا تؤدّي مفعولها إلا للقلوب الذاكرة الحَيّة المؤمنة، تلك التي تنظر في الكون بعين التأمل والتدبّر، تلك التي تُعمِل بصائرها وأبصارها وأسماعها وعقولها، ولا تقف عند حدود النظر المشهود، لتنتفع بآيات الله في الكون، (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) أما الكفرة والملحدون، فهم عُميُ البصائر غُلف القلوب إنهم لا يتبصّرون الآيات وهم يُبصرونها، ولا يَفقهون حِكمتها وهم يتقلّبون فيها، فأنّى لهم أن ينتفعوا بها؟ كما قال تعالى عنهم: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) ويقول سبحانه (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ)
أيها المسلمون: إن بعضَ طرق البحث العلمي لن تؤتي ثمارها في معزل عن الإيمان بقطع الصلة بين الخلق والخالق، فهذه الحضارة الحديثة، وإن شعّ بريقها فظهرت أنها تكشف الآيات العظيمة، ثم تقف حيث يجب أن تنطلق، تظهرُ الأسباب وتنسى ربّ الأسباب سبحانه، وكأن هذه الأسباب التي يُفسّرون بها حصول الكسوف والخسوف والزلازل والبراكين ونزول الأمطار وغيرها كأن هذه الأسباب هي الفاعل الحقيقي، وما عداها وهمٌ، وهذا ضلال بعيد فالفاعل على وجه الحقيقة هو الله الفعّال لما يريد… أما المنهج الإيماني فإنه لا ينقص شيئاً من ثمار البحث العلمي، لكنه يزيد عليه بربط هذه الحقائق بخالقها ومُوجدِها ومدبّرها ومصرّفها، ليقدر العباد ربّهم حقَّ قدره، وليعلموا أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، فلا يستحقّ العبادة إلا هو، ولا يُتوجّه بخوف أو رجاء إلا إليه، ولا يُخشى إلا هو، ولا يذلّ إلا له، ولا يُطمَع إلا في رحمته.
أيها المؤمنون: إن الناظر في الكون وآفاقه يَشعُرُ بجلال الله وعظمته، الكون كلّه عاليه ودانيه، صامته وناطقُه، أحياؤه وجماداته، كله خاضع لأمر الله، منقاد لتدبيره، شاهد بوحدانيته وعظمته، ناطق بآيات علمه وحكمته، دائم التسبيح بحمده، (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)
عباد الله: يقول الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) فمن عصى الله وخالف أمره، لم يَقدُر الله حق قدره، من نفى عن الله صفاته أو شبهه بخلقه، ما قدر الله حق قدره، من دعا غير الله وطلب منه الشفاعة أو تفريج الكروب، ما قدر الله حق قدره، من أطاع بشراً في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، ما قدر الله حق قدره، من هجر كلام الله فلم يقرأه ولم يتدبره ولم يعمل به، ما قدر الله حق قدره، من أحدث حدثًاً في دين الله، ما قدر الله حق قدره، من ظلم الناس في أموالهم أو أعراضهم ما قدر الله حق قدره، من أكل أموال الناس بالباطل ما قدر الله حق قدره، من لم يحافظ على الصلوات والعبادات وسائر الطاعات ما قدر الله حق قدره.
ولله در القائل المتفكر في خلق الله وآياته..
يا رب هذا العصر أَلْحَدَ عندما
سخرت يا ربي له دنياك
أومآ درى الإنسان أن جميع ما
وصلت إليه يداه من نعماك
لله في الآفاق آيات
لعل أقلها هو ما إليه هداك
ولعل ما في النفس من آياته
عجب عجاب لو ترى عيناك
والكون مشحون بأسرار إذا
ما حاولت تفسيراً لها أعياك
قل للطبيب تخطفته يد الردى
يا شافي الأمراض من أرداك
قل للمريض نجا وعوفي بعدما
عجزت فنون الطب، من عافاك
قل للصحيح يموت لا من علة
من بالمنايا يا صحيح دهاك
قل للبصير وكان يحذر حفرة
فهوى بها من ذا الذي أهواك
قل للجنين يعيش معزولاً بلا
راع ومرعى ما الذي يرعاك
قل للوليد بكى وأجهش بالبكا
عند الولادة ما الذي أبكاك
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه
فاسأله من ذا بالسموم حشاك
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
شهداً وقل للشهد من حلاك
بل سائل اللبن المصفى كان بين
دم وفرث من الذي صفاك
وإذا رأيت الحي يخرج من ثنايا
ميت فاسأله من أحياك
قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى
عن عيون الناس من أخفاك
قل للنبات يجف بعد تعهد
ورعاية من بالجفاف رماك
وإذا رأيت النبت في الصحراء
يربو وحده فاسأله من أرباك
يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي
بالله جل جلاله أغراك
فاسجد لمولاك القدير فإنما
لا بدّ يوماً تنتهي دنياك
وتكون في يوم القيامة ماثلاً
تجْزى بما قد قدمته يداك
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن ينتفع بآياته في كونه وكتابه، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه سميع الدعاء.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن ينتفع بآياته في كونه وكتابه، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه…
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين.
أما بعد فيا أيها المسلمون: الإيمان بالغيب هو الأساس الذي أفلح على ضوئه المفلحون وخسر الخاسرون، يقول الله تعالى في مدح عباده المؤمنين بالغيب: (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ..الآيات ) فأول صفة مدحٍ من صفاتهم كانت: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (والذي لا إله غيره، ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب)، ثم قرأ: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) إلى قوله: (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). ومن أعظم الغيبيات التي يجب أن نجدد إيماننا بها ونستحضرها حتى لا تجرفنا الحياة بمغرياتها الإيمان بالله، فما تقرب الصالحون بالأعمال الصالحة وصلوا وصاموا وبذلوا الأموال والأنفس في سبيل الله إلا لإيمانهم بهذا الإله الذي يجزيهم على هذه الأعمال الصالحة، وما أساء المسيئون وعصى العاصون وبالغوا في الذنوب والآثام والكبائر إلا لضعف إيمانهم بالله. ومن أهم ما يوصلنا إلى الإيمان بالله يا عباد الله التدبر في مخلوقات الله والتدبر في أنفسنا، لهذا فقد أمرنا الله سبحانه بالسير في الأرض للتدبر في مخلوقاته، فقال سبحانه وتعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَة إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وأمرنا الله بالنظر في خلقنا وفي أنفسنا فقال سبحانه: وَفِي (أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)، فهذا النظر والتدبر كله يوصلنا إلى الإيمان بالله سبحانه… والإيمان بالله يتضمن الإيمان بوجوده تعالى، فقد دلت الفطرة والعقل والشرع والحس على وجوده سبحانه، فكل مخلوق فطر على قبول الإيمان بخالقه دون أن يتلقى تعليماً بهذا، ولا يحيد الإنسان عن هذه الفطرة إلا بعد أن يكبر ويتأثر عقله بأمور تفسد فطرته وتحيد به عن الإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أوَ يُنَصِّرَانِهِ أوَ يُمَجِّسَانِهِ..) فالفطرة التي تتوجه إلى خالقها تلقائياً دليل على وجود الله سبحانه، فالإنسان مجبول على التوجه إلى خالقه خاصة في أوقات الضعف، حتى الملحد في وقت الضيق والشدة يرفع بصره إلى السماء وهو في غاية الضعف، فهذا من أدل الأدلة على أن لهذا الكون إلهاً مدبراً حكيماً، سئل أحد الصالحين عن دليل وجود الله عز وجل فقال: أرأيت لو كنت في صحراء فسقطتَ في بئر ولا تجد من ينجدك فماذا تقول؟! قال: أقول: يا الله، قال: هذا دليل وجوده… وقيل لأعرابي بم عرفت ربك؟ فقال البعرة تدل على البعير، والروث يدل على الحمير، وآثار الأقدام تدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أما يدل ذلك على العليم القدير.
والعقل أيضا يدل على وجود الله سبحانه؛ لأن المخلوقات سابقها ولاحقها لا بد لها من موجد، وهذا الإتقان البديع في الكون والتناسب المتناهي والارتباط بين الكائنات لا يمكن أن يكون عبثاً، فهذه الكائنات لم تخلق نفسها ولم يخلقها العدم، بل وراءها خالق عظيم مدبر لها وللكون، لهذا قال سبحانه في الرد على الكفار والمشركين: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) فلا بد أن يُعمِل الإنسان عقله في المخلوقات وفي الظواهر الكونية التي تحيط به، ويعلم أن وراءها مدبراً عظيماً قاهراً.إنه الله جل جلاله، وتعالى وتقدس أسمه..
(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) (اللهم يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْوبنا عَلَى دِينِكَ)
اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا إجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل… اللهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ إِيمَاناً لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيماً لَا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي أَعْلَى غُرَفِ الْجَنَّةِ يارب العالمين… اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل بلادنا وخليجنا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم أحفظ سمو رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، من كل سوء ومكروه، ومتعه بالصحة والعافية، والعمر المديد، لمواصلة مسيرة العطاء والبناء والنماء في مملكتنا العزيزة البحرين.
اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء.. اللهم انصر عبادك المظلومين في كل مكان، اللهم كن معهم ناصراً ومؤيداً، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم احقن دماءهم، وأحفظ أعراضهم، وأطفالهم ونساءهم ورجالهم وشيوخهم، ولا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يرحمهم.. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين وأشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…
عِبَادَ الْلَّهِ: (إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ). فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أَكْبَرُ، وَالْلَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين