الجمعة 24 جمادى الأولى 1442 هـ
الموافق 8 يناير 2021 م
الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِي لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).. معاشر المسلمين: إنَّ من توفيق الله تعالى للعبد، أن يوفقه للعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واقتفاءِ أثره والعملِ بهديه في أقواله وأفعاله وأخلاقه.
وهذه نعمة من الله لا يحصل عليها إلا مسدد وموفق (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، فإذا أراد المرء أن تكتمل شخصيته وأن يجمع مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فلينظر في سيرة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم؛ ويقلب صفحاتها؛ ويحرص أشد الحرص أن يأخذ منها بالنصيب الأوفر. لقد أعطى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم المنزلة التي ليست لأحد من العالمين، وبوأه المقام المحمود الذي لا ينبغي لأحد سواه. وبالرغم مما أعطاه الله عز وجل من المكانة وجميل الصفات إذ به يزداد تواضعاً، حتى بلغ صلى الله عليه وسلم غايةَ التواضع، وصار مضرب المثل في هذا الخلق العظيم .
ومن تأمل سيرته العطرة؛ رأى كيف أنه صلى الله عليه وسلم قد جعل هذا الخلق واقعاً ملموساً تتلذذ بسماع أخباره القلوب والأذان.
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علو قدره ورفعة منصبه أشد الناس تواضعاً، وألينهم جانباً، وحسبك دليلاً على هذا أن الله سبحانه وتعالي خيَّره بين أن يكون نبياً ملكاً أو نبياً عبداً، فأختار أن يكون نبياً عبداً صلوات ربي وسلامه عليه.
ومما يدل على تواضعه العظيم صلى الله عليه وسلم تفضيله للأنبياء عليهم السلام على نفسه: فقد قال له رجل: يا خير البرية! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك إبراهيم عليه السلام)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما ينبغي لأَحدٍ أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متَّى) ولاشك أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين، وسيد الناس أجمعين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْر ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلُ شافعٍ، وأَوَّلُ مُشفّع) ولما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:(مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ- تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ) . وقالت: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَراً مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ، ويصنع كما يصنع أحدكم في بيته، يخصف نعله، ويرقع ثوبه). وفي هذا الحديث بيان أن المرء يفعل في بيته ما يفعله الرجال عادة من الأعمال التي يحتاجون إليها أو يحتاجها أهلوهم .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمَّ التَّواضُع، لا يعتريه كِبرٌ ولا بَطَرٌ على رِفْعَة قَدْرِه وعلوِّ منزلته، يخفض جناحه للمؤمنين ولا يتعاظم عليهم، ويجلس بينهم كواحد منهم، ولا يُعْرَف مجلسه مِن مجلس أصحابه؛ حيث إنه لم يتميز عن أصحابه بهندام أو لباس أو طريقة جلوس. وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويجلس بين ظهرانيهم فيجيء الغريب فلا يدري أيُّهم هو حتى يسأل عنه. أيكم ابن عبد المطلب؟ محمد بن عبد الله.
وكان مِن تواضعه صلى الله عليه وسلم، القيام بخدمة أصحابه، وقد صح في قصَّة نومهم عن صلاة الفجر:(…قال الراوي: ودعا بالميضأة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبُّ الماء يوضئ أصحابه، وأبو قتادة يسقيهم.. وكان صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم، ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم. وكان يزور ويعود المرضى مهما كان قدرهم وشأنهم، وهذا من جميل تواضعه وخفض جناحه للضعفاء، حتى أثر بهم ذلك أبلغ التأثير… ومما صح في ذلك أَنَّ غُلَاماً غير مسلم كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ فَقَالَ له: أَسلِم. فَنَظَرَ الغلام إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ لَه أبوه: أَطِع أَبَا القَاسِمِ. فَأَسلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ) فتأمل تواضعه صلى الله عليه وسلم في زيارة غلام غير مسلم، حتى استمال بذلك قلبه وقلب والده بسبب تواضعه العظيم وحسن سجاياه، حتى أثر ذلك بهما الأثر الذي لم يملكا معه أن يردّا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهما إلى الخير؛ لما علما من كرم أخلاقه وشديد نصحه. وقد كان صلى الله عليه وسلم قريباً من الناس، من أراده سَهُل وصوله إليه، ولم يحتج إلى أن يبحث عن الشفاعة تلو الشفاعة حتى يصل إلى مراده، ولربما انقطع سعيه دون ذلك. ذكر الحسن البصري رحمه الله النبيَّ صلى الله عليه وسلم يوماً فقال : لا والله، ما كانت تغلق دونه الأبواب، ولا يقوم دونه الحُجّاب، ولا يُغدى عليه بالجفان-أي الصحون الكبيرة- ولا يراح عليه بها، وكان بارزاً؛ من أراد أن يلقى نبي الله صلى الله عليه وسلم لقيه، وكان يجلس على الأرض ويوضع طعامه بالأرض، ويلبس الغليظ، ويركب الحمار؛ ويردف عليه، ويعلف دابته بيده صلى الله عليه وسلم.. وقد جاءه رجل يوماً فلما قام بين يديه ارتعدت فرائضه، فقال له صلى الله عليه وسلم: (هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ) والقديد: هو اللحم المجفف بالشمس.
ويخبر صلى الله عليه وسلم أنه كان راعياً للغنم فيقول: (كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ) بخلاف حال المتكبرين الذين يظنون أن ذلك يحقر مِن قدرهم، لا سيما الذين أعطوا مِن متاع الدنيا ما يعينهم على العلو وترك التواضع.
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلَّم على الصبيان؛ ويمسح على رؤوسهم، ويدعو لهم بالبركة، وكان يُكنِّي بعضَهم؛ فيقول مازحاً: يا أبا عمير، ما فعل النقير( أي العصفور الصغير).
وكان صلى الله عليه وسلم يمرُّ بالنسوة فيسلَّم عليهن، ويمشي مع الأرملة حتى يقضي لها حاجتها، ويمشي في حاجة المسكين حتى ينجزها، قال ابن أبي أوفى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته، وإن كانت الوليدة من ولائد المدينة – أي: الجارية الصغيرة- تجيء فتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم، فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت). وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: إن امرأة كان في عقلها شيء -أي: من الجنون أو السفه- قالت: يا رسول الله: إنَّ لي إليك حاجة، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أم فلان، انظري أيَّ السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق يناجيها حتى قضت حاجتها)… ومع ما أعطاه الله من المنزلة العالية الرفيعة فقد كان يمشي هوناً، لا يزاحم الناس؛ ولا يشق عليهم في طرقاتهم؛ ولا يؤذيهم في مجتمعاتهم، قال قدامة بن عبد الله: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة-أي: جمرة العقبة يوم الحج- على ناقة شهباء، لا ضرب؛ ولا طرد؛ ولا إليك إليك)، أي : لا يضرب أحداً، ولا يطرد أحداً، ولا يقول: افتح الطريق.
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل أكلة المتواضع لم يتميَّز بهيئة معينة، ولا بصبغة خاصة، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله؛ جعلني الله فداك، كل متكئاً فإنه أهون عليك فقال: (لا، بل آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد).
وكان مع المسلمين في غزوة بدر سبعون بعيراً يتعاقبون على ركوبها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو لبابة وعليُّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، يتعاقبون على بعير واحد، فأراد أبو لبابة وعليٌّ أن يؤثِرا الرسول بالركوب، فقالا: نحن نمشي عنك، فقال: (ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما)… ومن مظاهر التواضع أيضاً: نزول النبي صلى الله عليه وسلم على رأي أصحابه رضي الله عنهم، وأخذه بالشورى، وكان لهذا بركة كبيرة في الوصول إلى أفضل الآراء. فقد كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَستشير أصحابه قبل الشروع في أي أمر مُهمٍّ؛ تنفيذًاً لأوامر الله عز وجل له بمُشاورَتهم، وإقراراً لمبدأ الشورى، رغم أنه صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس عقلاً، وأحسنهم رأياً، إلا أنه لم ينفرد باتخاذ القرار. قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)
ومن مظاهر تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم أنه في انتصاره العظيم يوم فتح مكة دخل مكة منتصراً فاتحاً، ورغم ذلك لم يتكبَّر أو يتعاظَم، بل دخَل متواضعاً.
ولم يغرَّه صلى الله عليه وسلم النصر على عِظَمته، ولم يُصبْه ذاك الفتحُ المبين بكِبر – وحاشاه من ذلك – فلم يدخل عليه الصلاة والسلام مكة دخول الفاتحين المُتغطرِسين، بل كان خاشعاً لله شاكراً لأنعُمه، حتى إنه كان يضع رأسه ويُطأطِئها تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن شعر لحيته ليَكاد يمسُّ واسطة الرحل.
عباد الله: إن من تأمل هذه السيرة الجميلة العطرة، للنبي صلى الله عليه وسلم، علم منزلة التواضع التي حثَّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، وعلم أن غاية التوفيق للعبد أن يهديه الله تعالى لأن يكون من المتصفين بها، فإنَّ التواضع من العبادات التي تقرِّب العبد إلى ربه سبحانه فينال بها رضوانه، قال صلى الله عليه وسلم (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) وقال صلى الله عليه وسلم: (إنّ اللَّهَ أوْحَى إليَّ أنْ تَواضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخُرَ أحَدٌ على أحَدٍ وَلَا يَبْغِي أحدٌ على أحَدٍ) نسأل الله جل وعلا أن يهدينا للإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ويهدينا لأحسن الأعمال والأقوال والأخلاق، ويصرف عنا سيئها إنه جواد كريم.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمداً كثيراً طيِّباً مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ونشهدُ أن سيدنا ونبينا محمَّداً عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه ، وسلّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فيا أيها المسلمون، أيها الأخوة والأخوات في الله : التواضع خلق نبيك صلى الله عليه وسلم، وخلق أصحابه رضي الله عنهم وخلق المسلمين الصادقين، يقول الله تعالى عن أصحاب نبيه: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)
أخي المسلم: تواضَعْ لله تبارك وتعالى وليعلم الله منك خوفك وتعظيمك له، تواضعك لله يدعوك للالتزام بأوامره واجتناب نواهيه،:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)تواضَعْ لِنَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم، فعظِّمْ سُنَّتَه، وأَحْيِها في نفسك وأهلك وبيتك وادع إلى العمل بها وتطبيقها واقتد به في أقواله وأفعاله، ولْيَكُنْ قوله عندك مقدماً على قول أي إنسان كائناً من كان، ففيه الحق والهدى والرشاد…
أيها المسلم: تواضع للأم الكبيرة، وتواضع للأب الكبير، وأحْسِنْ صحبتهما، واختم حياتهما ببرك وإحسانك، فعسى دعوة صالحة تصعد إلى الله فتسعد بها في دنياك وآخرتك…
أيها الأب الكريم: تواضع للأولاد والبنات بالتربية الصالحة، والتوجيه القيم، وليعلموا منك خلق التواضع ليتخلقوا به في أنفسهم.
أيها العالم وطالب العلم والداعية إلى الله: يا من منحك الله العلم والمعرفة، تواضع لله، وأقتد بنبيك وَلْيَكُنْ علمك سبباً لتواضعك، ولِين جانبك، واحذر أن يكون علمُكَ سبَبَاً لغرورك وتيهك وكبريائك وتعاليك على عباد الله. علِّم الجاهل، وأهْدِ الضالَّ، وبصِّرْ الإنسان، وأهده طريقاً مستقيماً؛ عندما يرد لك السؤال فاستقبل سؤال السائل ولا تحملنه على كمال عقلك وعلمك فترد سؤاله ولا تستجيب له، اسمع سؤاله، وافهم خطابه، وأصغِ إليه، علِّمْه إن كان جاهلاً، وأهده إن كان ضالاً، لجأ إليك لأنك ذو علم، وصاحب العلم لديه البصيرة، ولديه الحل للمشاكل، ولديه إصلاح النفوس بتوفيق من الله وإحسان. ليكن التواضع خلق لنا يا عباد الله ندعو إلى الله على علم وبصيرة، لا نغلق أبواب الرجاء أمام المخالفين، ولا نيئِّسهم من رحمة الله، ولا نقنِّطهم من روح الله، بل نفتح لهم أبواب الرجاء، ونرغبهم في الخير، نحذرهم من الشر، وندعوهم إلى الخير، ولا نقول هلك الناس وضلوا، بل ادع إلى الله بالعلم والبصيرة، وإياك أن تحتقر العاصي! وتجور عليه بالكلام والخطاب السيئ! زلت به القدم، وأغواه الشيطان، فهو اليوم يحتاج إلى من يأخذ بيده، وإلى من يبصره، ويرشده إلى الطريق المستقيم، لا إلى من يؤنبه ويعنفه ويبعده عن الخير.
أيها المسئول في وزارته وإدارته: اتق الله عز وجل، وتواضع مع عباد الله، اقْبل كل ما أتاك فيه صاحب الحاجة، وارحمه ولا تقل هذا إنسان جاهل لا يفهم، بل هو صاحب حاجة يرى أنه على حق، ويرى أن مطلبه حق؛ لكن إذا قابله ذلك المسئول المتواضع استطاع أن يقنعه فيبين له خطأه من صوابه، وإن استطاع نفَعه نفعه بما لا يخالف الأصول الشرعية، فلا بد من تواضعك ليجد هذا المحتاج بغيته عندك.
أيها القاضي الكريم: أنت في قضائك يأتيك الخصوم على اختلاف اتجاهاتهم وطبائعهم وأخلاقهم فانظر لهم نظرة الرحمة والإحسان، كلاً يدعي الحق لنفسه، المـــُدَّعِي يدعي الحق، والمـــُدَّعَى عليه يدعي أنه المحق، فلا بد من سماع الطرفين بتواضع ورفق بهم حتى تستطيع أن تقنع الخصم المخالف بما وفقك الله به من هذا التواضع والخلق الكريم، فيرجع وقد اقتنع أن الحق عليه، وهكذا يجب أن يكون قضاة المسلمين في تواضع وحسن ورفق، وتقبُّلٍ لكل المشاكل…
أيها الطبيب الكريم:أحرص على التواضع مع مرضاك، فالطبيب المتكبر المتعالي على مرضاه مبغوض منهم، بعيد عن نفوسهم، يكرهون إقباله عليهم. بينما المتواضع المتودد إلى مرضاه يداويهم بابتساماته ورعايته،إن هذا المريض الذي بين يديك هو إنسان ازدادت حساسيته خلال مرضه، فيحتاج منك أن تراعي نفسيته، وتفهمَ مرضه بأناة وعدم تعجّل، وتضع خطة لعلاجه، مع حسن الاستماع إليه، وتقدير رأيه، وإشعاره بالاهتمام به، وشرح النواحي الطبية له بأسلوب مفهوم لمثله حتى لا يكون هناك مجال للقلق أو سوء الفهم لبعض الفحوصات المطلوبة أو طريقة العلاج، (فما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) هذه عباد الله أنواع من التواضع المطلوب فلنتحلى بها، ولنسع في تحقيقها ما أمكننا ذلك، نسأل الله الكريم أن يهبَ قلوبَنا التواضعَ، ويملأ نفوسنا به عزًّاً. ويكرمنا بإتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ويجعلنا ممن يعظم هديه وسنته إنه سميع مجيب الدعاء. اللهمَّ زيِّنَّا بالتواضعِ، وجمِّلْنَا بالأخلاقِ وأكرمْنَا بالتَّقوَى برحمَتِكَ يَا أرحمَ الرَّاحمينَ.اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا واختم بالصالحات أعمالنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللَّهمَّ أهدنا لأحسنِ الأخلاقِ والأقوال والأعمال لا يَهدي لأحسنِها إلَّا أنتَ وأصرف عنا سيِّئَها لايصرف عنا سيئَها إلا أنتَ.
اللهم إنا نعوذ بك من سوء القضاء، ودَرَك الشقاء، وشماتة الأعداء، ونزول البلاء، وانتشار الوباء، نسألك سلاماً ما بعده كَدَر، ورضاً ما بعدَه سخطٌ، وفرحاً ما بعدَه حزنٌ، اللهم عليكَ توكَّلْنا، وإليكَ أَنَبْنا وإليكَ المصيرُ، اللهم أكشف الغمة، عن هذه الأمة، وردنا إليك رداً جميلاً، ولا تؤاخذنا بذنوبنا وتقصيرنا… اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم آمنا في وطننا، وفي خليجنا ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة ياسميع الدعاء… اللهم وفِّق المسئولين والعاملينَ والمتطوعين في فريق البحرين الوطني وبارك في جهودهم، وأحفظهم من كل سوء ومكروه، وأحفظ بلادنا وبلاد المسلمين والعالم أجمعين من الأوبئة وسيئ الأسقام، ومّن بالشفاء والعافية على المصابين بهذا الوباء، وارحم المتوفين به، وعجل بانتهائه في القريب العاجل برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين… اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً… اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى، وأهله، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين…اللهم فرج الهم عن المهمومين ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.اللهم إن لنا أحباباً قد فقدناهم، وفي التراب وسدناهم، اللهم فأجعل النور في قبورهم يغشاهم واكتب ياربنا الجنة سكنانا وسكناهم، وأكتب لنا في دار النعيم لقياهم، إنك مولانا ومولاهم. الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين