جَامِعُ الفَاتِحِ – الجُمُعَة – 8/8/1443هـ المُوَافِق 11/3/2022م
وَالخَطِيْبُ: فَضِيْلَةُ الشَّيِخِ الدُّكْتُوْرِ فَرِيْد بِنْ يَعْقُوْبِ المِفْتَاحِ
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ تَعَالَىْ وَنَفْسِيَ أَوَّلاً بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَىْ وَطَاعَتِهِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الكِرَامُ: يَقُوْلُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآلِهِ وسلم فِيْ الحَدِيْثِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ: “الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا”. وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ يَصِفُ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبْنَاءَ الْمُجْتَمَعِ الْمُتَلَاحِمِ، وَمَا يَسُودُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْمَوَدَّةِ وَالمَحَبَّةِ والتَّرَاحُمِ وَالتَّرَابُطِ وَالتَّعَاوُنِ، وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ، وَوِحْدَتِهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ. وَإِنَّ أَوَّلَ لَبِنَةٍ فِي صَرْحِ الْمُجْتَمَعِ الْمُتَرَابِطِ؛ الْأُسْرَةُ الْمُتَمَاسِكَةُ، وَالْبُيُوتُ الْعَامِرَةُ بِالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالتَّرَابُطِ وَالمَحَبَّةِ، قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً).
وَهَذِهِ الْأُسْرَةُ يَرْعَاهَا الْوَالِدَانِ بِمَسْؤُولِيَّةٍ وَعِنَايَةٍ وَرِعَايَةٍ، فَيَسْتَثْمِرَانِ الْجَلَسَاتِ الْعَائِلِيَّةَ، فِي تَعْزِيزِ الْقِيَمِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّةِ، فَقَدْ مَدَحَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا). وَإِنَّ مِمَّا يُعَزِّزُ تَرَابُطَ الْمُجْتَمَعِ؛ صِلَةَ الْأَرْحَامِ وَإِكْرَامَهُمْ، وَالسُّؤَالَ عَنْهُمْ وَتَفَقُّدَ أَحْوَالِهِمْ، وَالسَّعْيَ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، وَذَلِكَ مِنْ حَقِّهِمْ، قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ). وَمِنْ مَظَاهِرِ الْمُجْتَمَعِ الْمُتَرَابِطِ؛ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْجِيرَانِ مِنْ تَلَاحُمٍ وَانْسِجَامٍ وَتَعَاوُنٍ، وَإِحْسَانٍ وَإِكْرَامٍ، فَالْجَارُ يَعْرِفُ جَارَهُ، وَيَحْفَظُ لَهُ حُقُوقَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا”. وَمِنْ سِمَاتِ الْمُجْتَمَعِ الْمُتَرَابِطِ؛ مَا يَنْشَأُ فِي بِيئَةِ التَّعْلِيمِ؛ مِنْ عَلَاقَةٍ أَبَوِيَّةٍ بَيْنَ الْمُعَلِّمِ وَالطُّلَّابِ، فَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآلِهِ وسلم يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ وَيَقُولُ لَهُمْ: “إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ”. وَكَذَلِكَ مَا يَكُونُ فِي بِيئَاتِ الْعَمَلِ مِنْ تَعَاوُنٍ وَتَكَامُلٍ وَاْنْسِجَامٍ بَيْنَ المُوَظَّفِيْنَ، وَمِنْ تَعَامُلَاتٍ إِيجَابِيَّةٍ؛ ارْتِقَاءً لِإِنْتَاجِيَةِ الْعَمَلِ، وَخِدْمَةً لِلْوَطَنِ، لِيَزْدَادَ تَلَاحُمًا وَتَعَاوُنَاً وَتَرَابُطَاً وَتَرَاحُمًا وَإِيْجَابِيَّةً، وَيَكُونَ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ. مِصْدَاقَاً لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوْا عَلَىْ الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ).
فَاللَّهُمَّ أَدِمْ تَرَابُطَنَا، وَحَقِّقْ تَعَاوُنَنَا، وَاجْمَعْ كَلِمَتَنَا، وَعَزِّزْ وِحْدَتَنَا، وَعَمِّقْ حُبَّنَا وَتَلَاحُمَنَا، وَزِدْ أُلْفَتَنَا وَمُوَدَّتَنَا يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيْمَ الجَلِيْلَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ المُسْلِمِيْنَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيْئةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْحَمْدُ لِلهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ اتَّبَعَ هُدَاهُ.
أَيُّهَا الْفُضَلاءُ الكِرَامُ: يَقُوْلُ رَسُولُنَا الكَرِيْمُ صلى الله عليه وَآلِهِ وسلم فِيْ الحَدِيْثِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”. فَأَبْنَاءُ الْمُجْتَمَعِ الْمُتَرَابِطِ يَضُمُّهُمْ مُجْتَمَعٌ وَاحِدٌ، وَيَحْتَضِنُ مَصَالِحَهُمْ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُمْ وَمَذَاهِبُهُمْ وَتَعَدَّدَتْ جِنْسِيَّاتُهُمْ؛ فَكُلُّ فَرْدٍ فِيهِ يَسْعَى دَائِمًا لِتَعْزِيزِ تَرَابُطِ الْمُجْتَمَعِ، وَتَرْسِيخِ قِيَمِهِ وَمَبَادِئِهِ؛ مُسْتَشْرِفًا الْمُسْتَقْبَلَ الَّذِي يَرْنُو إِلَيْهِ الْوَطَنُ، مِنْ خِلَالِ الْمَبَادِئِ الإِسْلامِيَّةِ وَالأَهْدَافِ الإِصْلاحِيَةِ، الِّتِيْ رَسَمَتْهَا رُؤْيَةُ القِيَادَةِ الرَّشِيْدَةِ؛ تَحْسِيْنَاً وَتَطْوِيْرَاً وَتَنْمِيَةً وَرُقِيَّاً وَإِصْلاحَاً وَارْتِقَاءً، مُسْتَنِيْرِيْنَ بِالرُؤَىْ الإِصْلاحِيَّةِ الطَّمُوْحَةِ السَّامِيَةِ لِقَائِدِ مَسِيْرَةِ الإِصْلاحِ وَالتَّحَضُّرِ وَالنَّمَاءِ، إِمَامِنَا وَوَلِيِّ أَمْرِنَا، جَلالةِ المَلِكِ المُفَدَّىْ، عَاهِلِ البِلادِ أَيَّدَهُ اللهُ وَحَفِظَهُ وَرَعَاهُ، وَالَّتِيْ تَسْعَىْ القِيَادَةُ الرَّشِيْدَةُ مِنْ خِلالِ وَلِيِّ عَهْدِهِ رِئِيْسِ وُزَرَائِهِ لِتَحْقِيْقِهَا وَتَنْفِيْذِهَا فِيْ مُخْتَلَفِ المَجَالات، وَشَتَّىْ الصُّعُدِ، فَعَمِلَتْ عَلَى تَرَابُطِ الْمُجْتَمَعِ وَتَعَاوُنِهِ وَانْسِجَامِهِ، وَحَدَّدَتْ أَهَدَافَهُ؛ مُوقِنَةً أَنَّ تَوْحِيدَ الرُّؤْيَةِ؛ مِنْ أَهَمِّ عَوَامِلِ تَحْقِيقِ الْهَدَفِ وَالارْتِقَاءِ بِالوَطَنِ، وَرُقِيِّهِ وَتَقَدُّمِهِ وَتَحَضُّرِهِ وَازْدِهَارِهِ وَرَخَائِهِ.
عِبَادَ اللهِ: نَسْتَذْكِرُ فِيْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ، مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ المُبَارَكِ، نَسْتَذْكِرُ نِعَمَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْنَا، وَنُكْثِرُ مِنْ حَمْدِ اللهِ وَشُكْرِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَذِكْرِهِ؛ يَقُوْلُ رَسُولُنَا الكَرِيْمُ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّمَ: “افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ رَبِّكُمْ، فَإِنَّ لِلهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ”. وَنَحْنُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ، فِيهِ تُرْفَعُ الْأَعْمَالُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ فِيهِ مِنَ الصِّيَامِ، وَيَقُولُ: “ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ”. وَفِيهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَهِيَ لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ، يَتَفَضَّلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا بِالْمَغْفِرَةِ وَالْمُسَامَحَةِ وَالرِّضْوَانِ عَلَى مَنْ سَامَحَ وَصَفَحَ وَتَجَاوَزَ وَتَصَالَحَ، وَفِي ذَلِكَ تَهْيِئَةٌ لِاسْتِقْبَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِقُلُوبٍ مُتَحَابَّةٍ، بِقُلُوِبٍ مُتَوَادَّةٍ، بِقُلُوْبٍ مُتَآلِفَةٍ، بِقُلُوْبٍ مُسْتَبْشِرَةٍ مُقْبِلَةٍ عَلَى رَبِّهَا، رَاغِبَةٍ وَطَامِعَةٍ بِعْطَايَاهُ، وَإِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ وَثَوَابِهِ سُبْحَانِهِ وَتَعَالَىْ.