الحث على صلة الأرحام والتحذير من القطيعة
فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
20 شعبان 1445هـ – 1 مارس 2024 م
—————————————————————————-
الحمد لله ذي المن والعطاء، يوالي على عباده النعماء، ويرادف عليهم الآلاء، نحمده تعالى حثَّ على الصلة وحذَّر من القطيعة والجفاء، ونشكره على حال السراء والضراء، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تنزَّه عن الأنداد والشركاء، وتعالى عن الأمثال والنظراء، هو الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله إمام الحنفاء وسيد الأصفياء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأوفياء، وصحابته الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: هذه وقفة مع قضيةٍ من القضايا الأسرية، نشخّص فيها ظاهرةً من أخطر الظواهر الاجتماعية، التي لها آثارها السلبية على الأفراد والأسر والأرحام والمجتمع والوطن والأمة، تلكم هي ظاهرة التفكك الأسري والخلل الاجتماعي الذي يوجد في كثير من المجتمعات اليوم، مما ينذر بشؤم خطير وشرّ مستطير، فقد كثرت ظواهرُ عقوق الأبناء، وتساهل الآباء، وتقلّصت وظائف الأسرة، وكثُر جنوح الأحداث، وارتفعت نسبُ الطلاق والمشكلات الاجتماعية، وتعدّدت أسباب الجريمة ومظاهر الانحراف والعنف الأسري والعائلي والمشكلات الزوجية ووهن كثير من الأواصر، وضعُف التواصل بين الأهل والأقارب والأرحام، وسادت القطيعة والجفاء فيما بينهم، مما ينذر بإشعال فتيل أزمة اجتماعية خطيرة، يجبُ المبادرة إلى إطفائها والقضاء عليها بإيلاء قضايانا الاجتماعية حقَّها من العناية والرعاية والاهتمام.
أيها الإخوة والأخوات في الله: إن الترابطَ الأسري والتماسكَ الاجتماعي ميزةٌ كبرى من مزايا شريعتنا الغراء، وخصيصة عظمى من خصائص مجتمعنا المسلم المحافظ الذي لُحمته التواصل، وسُداه التعاون والتكافل.. ويومَ أن تنكرت بعض المجتمعات الإسلامية لتعاليم دينها، وقلدت غيرها، افتقدت ما كان يرفرف على جنباتِها من سلام أسري ووئام اجتماعي، مما أفرز جيلاً يعيش على أنماط اجتماعية وافدة، وينحدر إلى مستنقع موبوء ووَحل محموم، من أمراض حضارة العصر التي سرت عدواها إلى بعض المجتمعات الإسلامية، فاجتاحت المثلَ الأخلاقية العليا والقيم الاجتماعية المثلى، وكأنها الإعصار المدمِّر لقيم الأمة ومُثلها.
أيها المسلمون: إن نظرةً فاحصة لما تعيشه بعض المجتمعات غير الإسلامية، لتؤكّد أن أقسى ما تعانيه هذه المجتمعات اليوم، هو التفكك الأسري، والفردية المقيتة التي ضاقت بها بيوتهم بعد أن ضاقت بها قلوبهم. ولا عجب أن يطلبَ أهل الحي فيهم الجهةَ الأمنية لأنَّ مسِنًّاً قد مات فأزكمت رائحتُه الأنوف بعد تعفّنه دون أن يعلم بموته أحد، فسبحان الله عباد الله، إنها الماديات حينما تغلب على القيم والأخلاقيات، والأعجب بل الأدهى من ذلك والأمر، أن يسري هذا الداء إلى بعض المجتمعات الإسلامية، وهي ترى بأمِّ عينها كيف أوشكت بعض الأسر غير المسلمة على الانقراض، فكم نسمع من مظاهر التفكك وصور الخلل والعقوق في بعض المجتمعات المسلمة، فهذا أب لما كبرت سنّه ووهن عظمه واحتاج لأولاده لم يجد ما يكافئوه به إلا بالتخلص منه في دور رعاية الوالدين وكبار السن، وذاك آخر طاعنٌ في السن يدخل المستشفى وهو على فراش المرض، ويعاني من مرارة العقوق والحرمان، ويقول: (لقد دخلتُ هنا منذ أكثر من شهر، ووالله ما زارني أحدٌ من أبنائي وأقاربي). بل تعدَّى الأمر إلى ما هو أفظع من ذلك، فهذا عاق لمَّا بلغت أمّه من الكبر عتياً تبرّم وضاق بها ذرعاً، فما كان منه إلا أن أمر الخادمة فأخرجتها خارجَ المنزل، لتبيت المسكينة على عتبة الباب، حتى يُحسن إليها الجيران من الغد. وهذا آخر يتشاجر مع أبيه ويضربه فيسقطه ميتاً، من أجل مشادّة كلامية.. يا لله، رحماك يا إلهي رحماك، أيُّ جريمة ارتكبها هؤلاء العاقون في حق أعزّ وأقرب الناس إليهم؟! ويحهم على قبيح فعالهم حتى لكأن قلوبهم قُدَّت من صخر أو هُدّت من صلب، والله المستعان.
ونماذج العقوق والقطعية في زمن الأعاجيب كثيرة، فأين الرحمة عند هؤلاء والديانة؟ بل أين المروءة والإنسانية؟ وإذا كان هذا في حق الوالدين، فما بالكم بموقف هؤلاء من الأخوة والأخوات والأقارب والأرحام؟ يقول جل وعلا: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ) لقد وصل الحال ببعض الناس أن يمتلئ قلبه غيظاً وحقداً على إخوانه وأخواته وأقاربه وذوي رحمه، فيقاطعهم بل يعاديهم ويخاصمهم بل يقاضيهم، ويتمنى لهم الموتَ الزؤام من أجل أمر تافهٍ حقير، يتعلَّق بحفنة من الحطام، أو وشاية غِرٍ لئيم، أو زلة لسان، أو شجار بين الأطفال، فتمرُّ الأشهر والسنوات وقلبُه يغلي عليهم، ونفسه تموج غلاّ ضدّهم كما يموج البركان المكتوم، فلا يستريح إلا إذا أرغى وأزبد، وآذى وأفسد، وانبلجت أساريرُه بنشر المعايب، وإذاعة المثالب، وسرد القبائح وذكر الفضائح، وتلك والله من دلائل الصغار واللؤم وخسّة الطبع وقلة المروءة لدى أقوام لا يتلذَّذون إلا بالإثارة والتشويش، ولا يرتاحون إلا بالتحريش والتهويش، يقول أهل العلم رحمهم الله: (المؤمن لا يطالب ولا يعاتب ولا يضارب)…إن غليانَ مراجل القطيعة في المجتمع، لاسيما بين أبناء الأسرة الواحدة والأخوة والأخوات وذوي الرحم والقربى، وطغيان المآرب الشخصية والمصالح الذاتية أدواءٌ فتاكة إذا تمكَّنت من جسد الأمة أثخنتها، فهي مصدر كلِّ بلاء، وسبب كل عداء، ومنبع كلِّ شقاء، بل هي السلاح البتار الذي يشهره الشيطان ضدّ القلوب فيفرّقها، والعلاقات فيمزِّقها، في غلياناتٍ شيطانية وهيجانات إبليسية، إن أُرخي لها الزمام وأطلِق لها الخطام قضت على حاضر الأمة ودمّرت مستقبلَها، وإذا تنافر ودّ القلوب كُسرت زجاجات التواصل، وتمكَّن الشرّ في النفوس، وعاد الناس ذئاباً مسعورةً ووحوشاً كاسرة، (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)
أيها المؤمنون والمؤمنات: ويوم أن ضعُف التديّن في قلوب كثيرين، وكثُر الجهل بالشريعة، وطغت المادة، ضعُفت أواصر التواصل، وتعددت مظاهر القطيعة، وإلا فلا تكاد فضائل الصلة وآثارها الخيرة تخفى على العاقل اللبيب، فهي صفة أهل الإيمان، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) وهي ثمرة من ثمار الإيمان بالله واليوم الآخر، يقول عليه الصلاة والسلام: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ). وصلة الرحم تدخل الجنة، وتباعد من النار، قال أعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار، فقال تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ رَّحِمَك) وهي تعمر الديار والأوطان، كما قال عليه الصلاة والسلام: (صِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يُعَمِّرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ) وهي سبب للبركة في الرزق والعمر، يقول صلى الله عليه وسلم : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ- في أجله- فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) ويقول صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَتْ : يَا رَبِّ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ : أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلُ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ : فذلك لَكِ) ويقول عليه الصلاة والسلام: (لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رحم) وقاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى: يقول صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)
عباد الله: إن حقاً على كل قاطعِ رحم أن يبادر بالصلة وهذا الوعيد يقرع سمعَه قبل فوات الأوان، ولا أظنّ أن أحداً يُعذر بعد خدمة وسائل الاتصالات الحديثة، فرحم الله عبداً يصِل رحمه وإن قطعوه، يتعهَّدهم بالزيارة، ويتخوَّلهم بالهدية وإن جفوه، يقول صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا) وصح في الحديث أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ (أي: كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم. ولا شيء على هذا المحسن، بل ينالهم الإثم الفظيع في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه) ثم يقول صلى الله عليه وسلم (وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ).. فهنيئاً لقريبٍ أعان على صلته بقبول العذر والصفح والعفو والتغاضي عن الهفوات والتغافل عن الزلات، إن أحسنَ فلا يمنّ، وإن أعطى فلا يضِنّ، لا يعرف السباب، ولا يُكثر العتاب، فليست تدوم مودةٌ وعتابُ، يتجنَّب المراء والجدال، ويحسن الأقوالَ والفعال، يشارك أقاربَه آلامهم وآمالهم، ويشاطرهم أفراحهم وأتراحهم، مفتاحٌ لكل خير، مغلاق لكل شرّ، ينصح ولا يفضح، ويستر ولا يعيِّر، وفي ذلك ذكرى للذاكرين وعبرة للمعتبرين، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الإيمان والبر والصلة، وأن يجنبنا العقوق والقطيعة، وأن يصلح أحوالنا، ويسعد مآلنا، إنه سميع الدعاء
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأمرنا بصلة الأرحام، ونشهد أن لا إله إلا الله الملك القدوس السلام، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله بدر التمام، ومسك الختام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله البررة الكرام، وصحابته الأئمة الأعلام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب النور والظلام.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن صِلة الرّحم والإحسان للأقربين طرقُها ميسَّرة وأبوابها متعدِّدة، فمِن بشاشةٍ عند اللّقاء ولينٍ في المُعاملة، إلى طيبٍ في القول وطلاقةٍ في الوجه، زياراتٌ وصِلات ومهاتفات، مشاركةٌ في الأفراح ومواساةٌ في الأتراح، وإحسان إلى المحتاج، وبذل للمعروف، نصحُهم والنّصح لهم، مساندةُ مكروبِهم وعيادة مريضهم، الصفحُ عن عثراتهم، وترك مضارّتهم. ولا يكن أهلُك أشقى الخلقِ بك، والمعنى الجامِع لذلك كلّه إيصالُ ما أمكَن من الخير، ودفعُ ما أمكنَ منَ الشرّ..
أيّها الأخوة والأخوات في الله: إنّ ذوي الرّحِم غيرُ معصومين، يتعرّضون للزّلَل، ويقَعون في الخَلل، وتصدُر منهم الهَفوة، ويقَعون في الكبيرة، فإن بَدَر منهم شيءٌ من ذلك فالزَم جانبَ العفوِ معهم، فإنَّ العفوَ من شِيَم المحسنين، وما زادَ الله عبداً بعفو إلاّ عِزًّاً، وقابِل إساءَتهم بالإحسان، واقبل عُذرَهم إذا أخطئوا، لقد فعل إخوة يوسفَ مع يوسفَ ما فعلوا، وعندما اعتذروا قبِل عذرهم وصفَح عنهم الصفحَ الجميل، ولم يوبِّخهم، بل دعا لهم وسأل الله المغفرةَ لهم، (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) غُضَّ عن الهفواتِ، واعفُ عن الزّلاّت، وأقِلِ العثرات، تجنِ الودَّ والإخاء واللينَ والصفاء، وتتحقَّق فيك الشهامةُ والوفاء. داوِم على صِلة الرّحم ولو قطعوا، وبادِر بالمغفرة وإن أخطئوا، وأحسِن إليهم وإن أساؤوا، ودَع عنك محاسبةَ الأقربين، ولا تجعَل عِتابَك لهم في قطعِ رحمِك منهم، وكُن جوادَ النّفس كريمَ العطاء، وجانب الشحَّ فإنّه من أسباب القطيعة، يقول عليه الصلاة والسلام: (إيّاكم والشّحَّ؛ فإنّ الشحّ أهلك من كان قبلكم؛ أمرهم بالبُخل فبخلوا، وأمرهم بالظّلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعةِ فقطعوا) إنّ مقابلةَ الإحسانِ بالإحسان مكافأةٌ ومجازاة، ولكن الواصلَ من يَتفضَّل على صاحبِه، ولا يُتَفضّل عليه، يقول عليه الصلاة والسلام: (ليسَ الواصل بالمكافئ، ولكنّ الواصلَ مَن إذا قطعَت رحمُه وصَلها) وكلّ رحِم آتيةٌ يومَ القيامةِ أمامَ صاحبها، تشهَد له بصلةٍ إن كانَ وصلها، وعليه بقطيعةٍ إن كان قطعَها.
أيّها المسلمونَ: إنّ بعض النساء أصلحهن الله، قد تَكون من أسبابِ القطيعة؛ بِنَقلِها الكلامَ وبثِّها المساوِئ، ودفنِها المحاسن وتحريشها للرجال، وقد تَرى لحماقَتِها أنَّ لها في ذلكَ مَصلَحةً، وقد تدفع أولادَها في الإساءةِ إلى الأهل ولذوي القربى، فعليها يكونُ الوزرُ، والله لها بالمرصاد.. وقد تكونُ المرأةُ مِن أسبابِ التواصل بين الأرحام وتَوطيدِ المودّة بَينَهم؛ بصبرها وتحمُّلها ونصيحَتِها لزوجها وأولادها وحثِّها على الخير وتربية أولادها، والله عز وجل سيثيبها، ويصلِح حالها وحالَ أولادها، ويحسِن عاقبَتَها… فيا أيّتها المسلِمَات الكريمات، اتقِين الله تعالى وأصلِحنَ بَين ذوي القربى، ولا تكُنِ القطيعةُ مِن قِبَلِكنّ، فإنّ الله لا يخفَى عليه خافِيَة، يقول الله تعالى: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)
جعلنا الله وإياكم ممن يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال أسرنا وأزواجنا وأولادنا وأهلنا وأرحامنا، وجنبنا الشقاق والنزاع والخصام، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، وانشر الرحمة والمودة في ربوعنا، واصرف عنا شر الأشرار، وكيد الفجار يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين…
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.. اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين…
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم كن لأهلنا في فلسطين وغزة وفي بيت المقدس كن لهم معيناً ونصيراً وظهيراً، اللهم فرج همهم ونفس كربهم وخفف عنهم آلامهم يا أكرم الأكرمين… اللهم أفرغ عليهم صبراً، وثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الظالمين، اللهم آوهم وانصرهم وثبتهم وأطعمهم وأسقهم واكسهم واجبرهم وتولهم، اللهم نجهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم كن معهم وانصرهم على القوم المعتدين.
اللهم بلغنا رمضان ونحن واهلنا واحبتنا والمؤمنين في كل مكان في أحسن حال.
اللهم نسألك بشوقنا إلى رمضان أن تعتق رقابنا قبل بلوغه، وأن تجعل بلوغه زيادة لنا في الحسنات، ورفعة لنا في الدرجات.
ربنا تقبل توبتنا، وأجب دعوتنا، وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة قلوبنا؛ وفرج كروبنا، واشف مرضانا وارحم موتانا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
(الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ)، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)