الإيمان بالبعث بعد الموت والأدلة عليه
فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
6 جمادى الأولى 1446 هـ – 8 نوفمبر 2024 م
الحمد لله العلي القدير، السميع البصير، الذي أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً، وهو اللطيف الخبير، علم ما كان وما يكون، وخلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة في يوم النشور، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن على طريقتهم يسير وسلم تسليماً..
أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: إن الإيمان باليوم الآخر، هو ركن من أركان الإيمان، لا يكتمل إيمان المسلم إلا إذا آمن باليوم الآخر، وما فيه من أحداث كبرى؛ يجمع الله فيه الخلائق بعد الموت ويبعثهم، ليحاسبهم على ما قدموا من أعمال، صح في الحديث أن جبريل عليه السلام، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) ومنكر هذا اليوم كافر بالله لأنه جحد ركناً من أركان الإيمان، قال تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً)
واليوم الآخر: هو يوم الجزاء، وهو يوم الحساب، وهو الحياة الثانية بعد الموت، وإقامة العدل الرباني بين الخلائق. فيجمع الله الخلائق ليوم لا ريب فيه، فيجازي المحسنين بجنات النعيم، ويخزي الطالحين بالعذاب المقيم في جهنم، والعياذ بالله. والإيمان باليوم الآخر، أعظم أركان الإيمان بعد الإيمان بالله، ذلك لأنه يقوم على الإيمان والثقة بعدل الله وحكمته، فلا ينتظر العبد من ربه الحكيم العادل، أن يسوّي بين الأنبياء وأعدائهم، ولا بين القاتل والمقتول، ولا بين الظالم والمظلوم، ولا بين من صام وقام وعبد ربه، وبين من فجر وعصى، فعدل الله تعالى وحكمته تأبى أن يعيش موسى وفرعون ثم يموتان، ولا شيء بعد ذلك، حشا وكلا، فالله الحكيم العادل، جعل هناك داراً للجزاء، ولا يظلم ربك أحداً.
وقد سمّاه الله تعالى باليوم الآخر، لأنه آخر يوم في هذه الدنيا، وقد كذَّب كثير من الناس قديماً وحديثاً باليوم الآخر، ولم يؤمنوا بالبعث والنشور بعد الموت.. وقد ذكر القرآن الكريم قول المكذبين وذمهم وكفَّرهم وتهدَّدهم وتوعَّدهم، فقال تعالى: (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ، أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ، وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ) وقال تعالى: (وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ، قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ، قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا، قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ) ويمكننا عباد الله أن نصنف المنكرين لليوم الآخر، والمكذبين بالبعث والنشور إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول: هم الملاحدة وهم الذين أنكروا وجود الخالق، ومن هؤلاء كثير من الفلاسفة واللادينيين واللاأدريين في عصرنا الحاضر، وهؤلاء ينكرون وجود الله الخالق ولا يؤمنون بخلقه للكون، أو يشكون في الأمر ولا يوجد لديهم، حسب زعمهم، دليل يحسم مسألة الإيمان والكفر، وبالتالي فهم ينكرون النشأة الأولى والثانية، وهؤلاء لا ينفع معهم الإقناع ولا يلتفتون إلى الأدلة والبراهين لأنهم غير مؤمنين بالله أصلاً…
الصنف الثاني: هم الذين يعترفون بوجود الخالق، ولكنهم يكذبون بالبعث والنشور، ومن هؤلاء العرب الذين قال الله فيهم: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) وفي نفس الوقت هم القائلون فيما حكاه الله عنهم: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ، لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وهؤلاء يدَّعون أنهم يؤمنون بالله، ولكنهم يَدَّعون أن قدرة الله عاجزة عن إحيائهم بعد إماتتهم، وهؤلاء هم الذين ضرب الله تعالى لهم الأمثال، وساق لهم الحجج والبراهين لبيان قدرته سبحانه على البعث والنشور وأنه سبحانه لا يعجزه شيء. الصنف الثالث: هم الذين يؤمنون بالمعاد والبعث والنشور على غير الصفة التي جاءت بها الشرائع السماوية. فمثلاً بعض الملل يعتقدون أن الذي ينعم أو يعذب يوم القيامة هي الروح فحسب وليس الروح والجسد. والصحيح أن العذاب يقع على الروح والجسد وهو الذي تؤيده النصوص الشرعية… هذه هي أصناف الناس وموقفهم من يوم القيامة والدار الآخرة.
أيها الموحدون: إن الإيمان باليوم الآخر والدار الآخرة وما فيها من جزاء للمحسنين والكافرين أمر أوجبه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ودلا عليه دلالة قاطعة..
والفطرة السليمة تدلُّ عليه وتهدي إليه، وأسوق إليكم عباد الله أدلّة البَعث والنشُور:
الدليل الأول: إخبار العليم الخبير بوقوع القيامة، فأعظم الأدلة الدالة على وقوع المعاد، إخبار الحق تبارك وتعالى بذلك، فمن آمن بالله، وصدَّق برسوله الذي أرسل، وكتابه الذي أنزل فلا مناص له من الإيمان بما أخبرنا به من البعث والنشور، والجزاء، والحساب والجنة والنار، كقوله تعالى: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ) وقوله تعالى:(إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ) وقوله سبحانه:(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ)
أما الدليل الثاني: فهو الاستدلال على النشأة الأخرى بالنشأة الأولى: فقد استدلَّ القرآن الكريم على الخلق الثاني بالخلق الأول، فنحن نشاهد في كلِّ يوم حياة جديدة تخلق: أطفال يولدون، وطيور تخرج من بيضها، وحيوانات تلدها أمهاتها.. فالقادر على خلقهم، قادر على إعادة خلقهم، وقد أكثر القرآن من الاستدلال على النشأة الآخرة بالنشأة الأولى، وتذكير العباد المستبعدين لذلك بهذه الحقيقة، كقوله تعالى: وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً، أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً فالقادر على هذا الخلق المشاهد المعلوم، قادر على إعادة الخلق، وإحياء الموتى.
وقد أمر الله عباده بالسير في الأرض، والنظر في كيفية بدأ الخلق ليستدلوا بذلك على قدرته على الإعادة، قال تعالى :(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أما الدليل الثالث على البعث في يوم القيامة: أن القادر على خلق الأعظم، قادر على خلق ما دونه، فكيف يقال للذي خلق السماوات والأرض أنت لا تستطيع أن تخلق ما دونها قال تعالى: (وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًاً جَدِيداً، أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ، فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُوراً) الدليل الرابع: على البعث يوم القيامة، قدرته تبارك وتعالى على تحويل الخلق من حال إلى حال، فالذين يكذبون بالبعث يرون هلاك العباد، ثم يرون فناءهم في التراب، فيظنون أن إعادتهم بعد ذلك مستحيلة، قال تعالى (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) والمراد بالضلال في الأرض تحلل أجسادهم، ثم اختلاطها بتراب الأرض، فإن من تمام ألوهيته وربوبيته، قدرته على تحويل الخلق من حال إلى حال، ولذا فإنه يميت ويُحيي، ويخلق ويفني، ويخرج الحي من الميت، والميت من الحي، كقوله تعالى:
(إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ، فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) والله تعالى يُخرج من الحبة الجامدة الصماء، نبتة غضة خضراء تزهر وتثمر، ثم تعطي هذه النبتة الحية، حبوباً جامدة ميتة، ومن الطيور الحية يخرج الله البيض الميت، ومن البيض الميت، تخرج الطيور المتحركة المغردة التي تنطلق في أجواء الفضاء. إذن فتقلب العباد: بين موت وحياة، ثم حياة فموت، دليل عظيم على قدرة الله، تجعل النفوس تخضع لعظمته وسلطانه، قال تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
الدليل الخامس: على البعث يوم القيامة، إحياء بعض الأموات في هذه الحياة الدنيا ليكون ذلك آية بينة على أنه سبحانه قادر على إحياء الموتى يوم البعث والنشور:
وقد حدثنا الله تبارك وتعالى عن شيء من هذه المعجزات الباهرة، فمن ذلك أن قوم موسى عليه السلام قالوا له: (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون، ثم بعثهم بعد موتهم، قال تعالى مخاطباً لهم: (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ، ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وقد قتل بنو إسرائيل قتيلاً واتهم كل قبيل منهم القبيل الآخر بقتله، فأمرهم نبيهم موسى عليه السلام أن يذبحوا بقرة، فذبحوها بعد أن تعنتوا في طلب صفاتها، ثم أمرهم نبيهم بعد ذبحها، أن يضربوا القتيل بجزء منها، فأحياه الله وهم ينظرون، فأخبر عمن قتله، قال تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وسيدنا إبراهيم عليه السلام، دعا ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، فكان هذا المشهد الذي حدثنا الحق تبارك وتعالى عنه: قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وعيسى عليه السلام كان يصنع من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وكان يحيي الموتى
بإذن الله، فقد قال لقومه كما قال تعالى على لسانه: (وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
اللهم إنا نسألك نفوساً لك مسلمة، بك مؤمنة ومطمئنة، تعمل للقائك، طمعاً في عطائك، وخوفاً من عقابك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق الموت والحياة، وجعل الظلمات والنور، وجعل لكل شيء نهاية، نحمده سبحانه ونشكره ونثني عليه الخير كله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد فيا أيها المسلمون: أما الدليل السادس، على البعث والنشور: فإن الله تعالى ضرب المثل لإعادة الحياة إلى الجثث الهامدة، والعظام البالية، يوم القيامة بإحيائه الأرض بعد موتها بالنبات، قال تعالى: (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال سبحانه: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال سبحانه: (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) … الدليل السابع: على بعث الناس يوم القيامة: أن حكمة الله وعدله تقتضي بعث العباد للجزاء والحساب: فالله خلق الخلق لعبادته فمن العباد من استقام على طاعة الله، وبذل نفسه وماله في سبيل ذلك. ومنهم من رفض الاستقامة على طاعة الله، وطغى وبغى، أفمن العدل بعد ذلك أن يموت الصالح والطالح ولا يجزي الله المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، قال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) وقال جل وعلا: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) إذن فالعدل يقتضي أن يبعث الله الناس بعد موتهم، ليحاسب المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته، وإلا لكان المسيء أوفر حظاً من المحسن لأنه تمتع بالحرام ولم يحاسب عليه والمؤمن ضيق على نفسه.
أيها المؤمنون: ومما يقوي ويعزز الأدلة السابقة، أن رسل الله عليهم صلوات الله وسلامه، قد نبهوا أقوامهم إلى قضية البعث والنشور، فعندما أمر الله تعالى آدم عليه السلام، بالهبوط إلى الأرض قال له، (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ، وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ) وجاء عن نوح عليه السلام قوله لقومه، (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً) وإبراهيم عليه السلام قال: (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) وعن عيسى عليه السلام قال، (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّاً) وعن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)… عباد الله: بعد أن استمعنا إلى الأدلة والبراهين التي ساقها الله إلينا لتدلل وتبرهن على قدرته على البعث والنشور، وأن القيامة حق، والجنة حق، والنار حق. فما علينا إلا أن نستعد من الآن للقاء الله، وأن نكون من أهل السعادة في الدار الآخرة، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) اللهم يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْوبنا عَلَى دِينِكَ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين وأدخلنا الجنة مع السابقين المقربين وارزقنا الفردوس الأعلى يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعله بلداً آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم
وفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، وهيء لهم البطانة الصالحة الناصحة، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.
اللهم أنج المستضعفين المظلومين في كل مكان، اللهم أنج المظلومين في فلسطين وغزة وكن لهم نصيراً ومعيناً وظهيراً، اللهُمَّ إنهم حفاة فاحملهم، وجياع فأطعمهم، وعراة فاكسهم، ومظلومون فانتصر لهم، اللهُمَّ انصرهم على القوم الظالمين المعتدين.
اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.
اللهم تولَّ أمرَنا، وارحم ضعفَنا، واجبر كسرَنا، واغفر ذنبَنا، واشف مرضانا وارحم موتانا وعاف مبتلانا، وبلغنا فيمَا يرضيك آمالَنا. اللهم أنزل علينا الرحماتِ، وأفض علينا الخيراتِ، وضاعف لنا الحسناتِ، وارفع لنا الدرجاتِ، وأقل لنا العثراتِ، وامحُ عنا السيئاتِ، برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)