خلال الاحتفال بذكرى ليلة القدر
وزير العدل: البحرين تتخذ من الإسلام مبادئه وقيمه السامية
القطان: تجديد التوبة وإعادة بناء النفس في هذه الليلة المباركة
العصفور: استلهام الصفاء الروحي والشحنات الإيمانية من ليلة القدر
أكد معالي وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة أن في ليلة القدر تتجدد الفرصة للتأكيد على قيم شهر رمضان الفضيل، وهذه الليلة الشريفة، قيم الخير والتواصل والألفة والتسامح والتعاون والأسرة الواحدة، وسيبقى هذا الدين بمبادئه الحضارية التي دعت إلى منهاج الوسطية والسلام ونبذ الغلو والتطرف، وهو النهج الراسخ لمملكة البحرين التي اتخذت من مبادئ الإسلام السامية وقيمه النبيله منهاجاً حضارياً متقدماً، وتتعاقب الأجيال على أرضها دُعَاةً للسلام، في مسيرة حضارية يتوجها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، أيده الله، بمشروع حضاري، يحمل في طياته ركائز التعايش الإنساني، والحوار الحضاري، حيث توالت المبادرات الملكية السامية التي احتضنتها مملكة البحرين برعاية سامية من قبل جلالته، منها مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي، ثم مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية، ثم مؤتمر حوار الحضارات والثقافات، وفي هذا الشأن دشن جلالته مؤخراً مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، ليجسد هذه الرؤية وهذا المبدأ الإسلامي الراسخ في العمل من أجل نشر السلام وتحقيق الحياة الآمنة والكريمة لكل البشرية.
جاء ذلك خلال الاحتفال السنوي بذكرى ليلة القدر المباركة، إذ أُقيم الحفل الذي بدأ بتلاوة عطرة من الذكر الحكيم للقارئ خليل بنشي بجامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي يوم أمس الأول، بتنظيم من إدارة الشؤون الدينية بالوزارة والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وذلك بحضور معالي الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ومعالي الشيخ خالد بن علي بن عبدالله آل خليفة وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، وفضيلة الدكتور فريد بن يعقوب المفتاح وكيل الوزارة للشؤون الإسلامية، إلى جانب عدد من أصحاب الفضيلة والسماحة المشايخ والقضاة، وعدد من أصحاب السعادة السفراء ورجال السلك الدبلوماسي، وجمع من المواطنين والمقيمين.
وأضاف معاليه: في ليلة القدر المباركة، نجدد التأكيد على واجبنا جميعاً نحو ديننا ومن مختلف مواقعنا ومسؤولياتنا، وما دعا له من فضائل لتسمو النفوس وتتم مكارم الأخلاق، والحث على العلم ونبذ الجهل، والاستقامة عبر التزام الوسطية والنهي عن التعصب، والسعي في كل ما فيه الخير وازدهار هذه الأمة ووحدتها وقوتها، وفي إرساء دعائم العدل والقيم الإنسانية الجامعة، تأسياً واقتداء بالرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال معالي وزير العدل: الحمدلله حمداً كثيراً أن بلغنا شهر رمضان المبارك، وليلة القدر التي قال فيها المولى جلت قدرته في كتابه المجيد (وما أدراك ما ليلة القدر)، تعظيماً لشأنها ومقامها، فأي سمو وفضل ومكانة لهذه الليلة التي عظمها الباري عزوجل، والحمدلله على بلوغ هذه الساعات الفاضلة من عمر الزمن، والتي اختصها الله تعالى بنزول القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، إنها الليلة التي جعل الله أجر العبادة فيها أفضل من ألف شهر قال تعالى: (لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، وهي الليلة التي تتنزل فيها الملائكة الكرام لتصافح المؤمنين: (تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوْحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)، ليلة تفصل فيها مقادير الخلائق قال تعالى: (فِيْهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيْمٍ)، ملأها الله رحمةً وسلامًا حتى آخر لحظة منها: (سَلامٌ هِيَ حَتَّىْ مَطْلَعِ الفَجْرِ). وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه”، سائلاً الله سبحانه أن يوفقنا فيها للصلاة والذكر والدعاء وتلاوة كتابه العزيز، وأن يوفقنا لصالح الأعمال والقبول، ويرزقنا سعادة الدنيا والآخرة.
سائلاً المولى عزوجل أن يوفق الجميع لقيام ليلة القدر وإدراكها، وأن يكتبهم فيها من المقبولين الفائزين بمرضاة الله وعفوه وغفرانه، داعياً الله تبارك وتعالى أن يحفظ جلالة الملك المفدى ويرعاه ويسدد خطاه لكل ما فيه خير وازدهار هذا الوطن الغالي، وأن يديم عليه بوافر الصحة والسعادة، وعلى مملكة البحرين نعمة الأخوة والإخاء والأمن والرخاء، وأن يعم بذلك سائر بلاد المسلمين.
بعدها ألقى فضيلة الشيخ عدنان القطان وكيل محكمة التمييز الشرعية كلمة تحدث فيها عن خصائص ليلة القدر، حيث قال: قد خص الله تعالى الأمة المحمدية بخصائص عظيمة وجليلة، ومن الفضل الإلهي والعطاء الرباني الذي اختص الله تعالى به الأمة المحمدية عن سائر الأمم، أن تفضل عليها بليلة واحدة في العام، وضعت عبادتها في كفة، وعبادة ألف شهر، أي ما يساوي ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر من عمر الإنسان في كفة أخرى، فرجحت كفة عبادة ليلة القدر. من قامها مبتغياً بقيامه وجه الله، محتسباً الأجر والثواب من الله وحده، غفر الله ذنبه، وستر عيبه، وأعلى قدره وفتح له أبواب رحمته ورضوانه، إنها ليلة القدر التي يتجلى فيها أعلى مظاهر الفيض والكرم الإلهي.
موضحاً أن الله سبحانه وتعالى قد خص هذه الليلة المباركة بمزيد فضله، وعظيم كرمه بعدة خصائص منها نزول القرآن الكريم فيها، يقول تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، ووصفها بأنها ليلة مباركة، يقول تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ) ومن مظاهر بركتها أن الله عز وجل يغفر لمن قامها إيماناً وإحتساباً، ومن خصائصها أيضاً أن عبادتها أفضل من عبادة ألف شهر، إلى جانب نزول الملائكة ومعهم جبريل عليه السلام فيها، فيملؤون الأرض نوراً وجمالاً وسكينة في هذه الليلة المباركة، يقول تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)، كما أنها ليلة أمن وأمان وسلامة وسلام من بدايتها حتى مطلع الفجر.
ودعا القطان المسلمون إلى الرحمة والعفو والمغفرة في هذه الليلة المباركة، وأن يتخذوا عهداً جديداً لتجديد التوبة ولزوم الاستغفار والعمل الجاد المثمر، وإعادة بناء النفس وتقويمها من جديد على الطاعة والإخلاص وحسن الصلة بالله عز وجل، يقول تعالى: (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
واستطرد القطان: ولنحرص رحمكم الله على الدعاء في هذه الليالي المباركة لأنفسنا وأولادنا وأزواجنا ووالدينا وإخواننا ومرضانا وموتانا ووطننا وولاة أمورنا وللمسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها بالنصر والعز والتمكين لهم، والحرص على اغتنام هذه الأيام الباقية، بالطاعة والعبادة والأعمال الصالحة، سائلاً الله تعالى أن يجعلنا من المقبولين، ومن عباده الصالحين، وأن يتقبّل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وأن يُعيننا فيه على ذكره وشُكْره وحُسْن عبادته، كما أسأله سبحانه أن يعيد علينا مثل هذه المناسبات المباركة وعلى بلادنا ملكاً وحكومة وشعباً وعلى المسلمين بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، وأن يحفظ هذه البلاد وأهلها وقادتها من كل سوء ومكروه، وأن يصرف عنها شر الأشرار وكيد الفجار، وأن يحفظ علينا وحدتنا وأخوتنا ومودتنا ويؤلف بين قلوبنا رعاة ورعية، ويصلح ذات بيننا، ويطهر قلوبنا من الحقد والحسد والبغضاء، ويجنبنا الخلاف والنزاع والشقاق والخصام.
من جانبه ألقى فضيلة الشيخ ناصر العصفور القاضي بمحكمة التمييز الجعفرية كلمة، قال فيها: ليلة القدر ليلة استثنائيةٌ وبمكانٍ من الأهمية, ليس في حياتنا وشؤننا كأفرادٍ وأشخاصٍ بل كأمةٍ ومجتمعات, فالأممُ أذا فَزعت إلى الله تعالى وتوجّهت إليه بصدقٍ وإخلاص وبنيةٍ صادقةٍ وقلوبٍ طاهرةٍ حَوّلهَا من الشّدة إلى الرخاء ومن العسر إلى اليسر ومن العناء إلى الراحة والاستقرار والاطمئنان, فليلةُ القدر دعوةٌ للأمل والنظرِ إلى الحياة بتفاؤلٍ وإيجابية, وللعملِ بكل جِدٍ وفاعلية فهي ليلة الخير والبركات, تتنّزل فيها الرحماتُ والفيوضاتُ والألطافُ الإلهية.
وأضاف: لابد من الاعتناء والاهتمام بإحياء ليلة القدر من خلال البرامج العبادية بالصلاة والدعاء والتهجد وقراءة القرآن والتوسلِ إلى الله تعالى بالدعاء والابتهال, كما لابد من الاعتناء والاهتمام بادراك ليلة القدر, وادراكها يتوقفُ على جملة أمور ولا يقتصر على العمل بالإحياء في ليلة واحدة, وإن كان هذا أمراً مطلوباً في ذاته, فالنبيُ الأكرمُ صلى الله عليه وآله وسلم يُبيّنُ لنا حقيقةَ إدراكِ ليلة القدر كما في الرواية التي يرويها حفيدُه الإمامُ محمدُ بنُ علي الباقر عليه السلام عن جده المصطفى حينما سُئل صلى الله عليه وآله وسلم عن ليلة القدر فقام خطيباً، فقال بعد الثناء على الله أما بعد: فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم.. اعلموا أيها الناس أنه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سَوي فصام نهاره وقام وِرداً من ليله وواظب على صلاته وهَجرً إلى جُمعته وغدا إلى عيده فقد أدركَ ليلةَ القدرِ وفازَ بجائزةِ الرّب) ومعنى الروايةِ واضحٌ أن تحصيلً ليلة القدر وادراكهَا يتوقف على مجموع هذه البرامج العبادية والسلوكية والالتزامِ بها طِوالَ الشهر الكريم حتى يحظى المؤمنُ بالفوز والتّكريم من الرّب الكريم.
داعياً إلى استلهام الصفاءَ الروحي والشحناتِ الايمانيةَ من ليلة القدر في زمنٍ ضَعُفت فيه القيمُ وسَادً فيه الجفافُ الروحيُ والمعنوي, فليلة القدر ليلة السلام والاطمئنان وليلة التسامح وتصافي القلوب وتَطهيرها من الأضغان والأحقاد, وليلة السلام والأمان في وقتٍ تعاني البشريةُ ضراوةَ العُنف والإرهاب وتفشّي العصبية والطائفية والعنصرية, مستذكراً في هذه المناسبة الشريفة شخصيةً لطالما أسهمت بدورها الكبير في إحياء هذه المناسبات الشريفة والفعاليات الدينية المختلفة وأعطت من وقتها وجهدها الكثير، وقدمت لدينها ووطنها الخدمات الجليلة وتركت بصمات لا تُنسى وتاريخاً لا يُمحى, الراحل الكبير سمو الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة تغمّده اللهُ بواسع رحمته وأسكنه الفسيح من جنته.