فضائل رمضان وبعض أحكام الصيام
عدنان بن عبد الله القطان
4 رمضان 1442هـ – 16 إبريل 2021 م
————————————————
الحمد لله الذي خصّ شهر رمضان بمزيد الفضل والإكرام، نحمده سبحانه ونشكره على إحسانه الخاص والعام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ تفرّد بالكمال والتمام، شهادةً مبرّأةً من الشرك والشكوك والأوهام، ونرجو بها النجاة من النار والفوز بدار السلام، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، وأتقى من تهجّد وقام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه هداة الأنام، ومصابيح الظلام، وسلم تسليماً كثيراً. أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).. معاشر المسلمين: في أوائل أيّام شهرِ رمَضان المبارَك، نهنِّئكم وبلادنا ملكاً وحكومة وشعباً، والمسلمين جميعاً ببلوغِ هذا الشّهرِ العظيم، جعَلَه الله مبَاركًاً علينا وعلى أمّةِ الإسلام وعمومِ المسلمين في مشارِقِ الأرضِ ومغَاربها، وأهلَّه الله على الجميع، بالأمنِ والإيمان والسلامَةِ والإسلام، والعِزّ والنّصر والتمكين للمسلمين. كما نهنئكم بعودة صلوات الجمعة والجماعات إلى مساجدكم فلله الحمد والمنة على ذلك.
أيّها المؤمنون:حق لنا أن نرحب بشهر رمضان، ونقول: مرحباً بك يا رمضان، مرحباً بك يا أيها الزائر الكريم المحبوب، مرحباً بك يا شهر الخير والرحمة والبركة، مرحباً بك يا أعظم موسم للخيرات بين مواسم كثيرة، أكرمنا الله تعالى بها لنتزود منها (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) إنّ يومَ إقبالك لهوَ يوم بهجة وسرور، تفتّحت له قلوبُنا وصدورُنا، فاستقبَلناك بملءِ النّفس غبطةً واستبشاراً وأمَلاً، استبشرنا بعودةِ فضائِك الطاهر، الذي تسبَح فيه أرواحُنا بعد جفافِها وركودِها، واستبشَرنا بساعةِ صلحٍ مع الطاعاتِ، بعدَ طول إعراضِنا وانصرافنا، أعاننا الله على بِرِّك ورفدِك، فكم تاقت لك الأرواحُ، وهفَت لشدو أذانِك الآذانُ، وهمَت سحائبُك الندِيّة تهطل بالرّحمة والغفران، في رحابِكَ تورِق الأيادي والنّفوس، فتفيضُ بالبِرِّ والإحسان…
رمضانُ عباد الله إطلالةُ بُشرى، فمنذ هلَّ هِلاله والسماءُ مشرقة بالسّناء، بل عمَّ النور والندَى كلَّ الأكوان، هذه الأيّامُ، نسأل الله تعالى أن يبارِك في قدومها وورودها، وأن يرفع البلاء والوباء عن بلادنا وبلاد المسلمين، وأن يجعلَ لنا وللمسلمين الحظَّ الأوفَرَ مِن يُمنِها وسعودها… عبادَ الله: مَن مِنَ المسلمين لا يعرِفُ فضلَ هذا الشهرِ وقدرَه، فهو سيِّد الشهور وخيرُها، من صامه وقامه، غفِر له ما تقدَّم من ذنبِه، فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألفِ شهر، وقد ثبت في الصحيحَين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًاً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، و مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًاً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) … هذا هو رمضانُ، أعظم القرُبات فيه الصومُ الذي افترضه الله تعالى تحقيقاً للتّقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فهو شهرُ تزكيةِ النفوس وتربيتِها، والتّقوى حساسيّةٌ في الضمير، وصَفاء في الشعورِ، وشفافيّة في النفس، ومراقبةٌ لله عز وجل، فالصّوم ينمِّي الشعورَ بالمراقبة، ويزكِّي النفس بالطاعة والاستجابة والامتثال.
أمَّا ثوابُ الصائمين فذاك أمرٌ مردُّه إلى الله الكريم،صح في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله عزّ وجلّ: كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ إلا الصِّيَامَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِه، وَالصِّيَامُ جُنَّـةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفـُثْ، وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِم، إِنِّي امْرُؤٌ صَائِم، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْك، ولِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَـرِحَ (بفطره)، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِه) ، وفي رواية: (يدع طعامَه وشرابه وشهوتَه من أجلي)، وفي صحيح مسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (ورمضانُ إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتُنِبت الكبائر)..
أيها المؤمنون: ورمضانُ شهر القرآنِ حيث كان جبريل عليه السلام يلقى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيه في كلِّ ليلة فيدارِسُه القرآن، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) وقد كان السلَفُ الصالح رحمهم الله إذا جاءَ رمَضان ترَكوا الحديثَ وتفرَّغوا لقراءةِ القرآنِ، وسيرتُهم إلى وقتٍ قريب شاهدةٌ لمن يختِم القرآن في رمضانَ كلَّ يوم أو كلَّ ثلاثةِ أيّام أو كل أسبوع ونحو ذَلِك. يقول صلى الله عليه وسلم: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ) ويقول عليه الصلاة والسلام: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لِأَصْحَابِهِ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًاً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْف) فالهَجوا رعاكُم الله بذِكرِ ربِّكم، ورَطِّبوا ألسِنَتكم بتلاوةِ كِتابِه، فبهِ تزكو النّفوس، وتنشرِح الصدور، وتعظُم الأجور.
ورمضان عباد الله شهر التضرع والدعاء، فيا من أوجَعته الذنوبُ وأزرَى بهِ العِصيان، بادِر برفعِ يدك في ظلامِ الليل بالدعاء، ولا تقنَط من رحمةِ الله الكريم، الذي يقول بين آيات الصيام: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، (ورغِم أنفُ من أدرَكَه رمضانُ فلم يغفَر له)؛ وذلك لما فيه مِنَ النفحاتِ والرحمات التي لا يحرَمُها إلاَّ من حرَم نفسَه، ففي الصحيحَين أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاءَ رمضانُ فتِّحَت أبواب الجنة، وغلِّقَت أبواب النار، وصفِّدَت الشياطين)… شهرُ رمضان عباد الله شهرُ القيام والتراويحِ والذّكر والتسابيح، فاعمُروا لياليَه بالصلاةِ والدّعاء وقراءةِ القرآن، ورُبَّ دعوةٍ صادقةٍ بجَوف ليلٍ تسري حتى تجاوِزَ السماءَ، فيكتب الله بها لَك سعادةَ الدّارين.
أيها الأخوة والأخوات في الله: اعتاد بعضنا في رمضان على أداء عبادات معينة كالصيام وصلاة التراويح والقيام وقراءة القرآن، وهناك عبادات أخرى قد تفضل عليها في الأجر؛ إما لمكانتها أو لهجر الناس لها، وإتيان تلك الطاعات في مثل هذه الأيام إحياء لها، وتذكير للناس بتنوع العبادات وتعددها لمن أراد الزلفى من الله سبحانه، ومن تلك العبادات: عيادة المرضى، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجار، والإحسان إلى الأرملة واليَتيم، والمسكين وابن السبيل، وزيارة المقابر، والصلاة على الجنائز، والعبادات المتعدية كإطعام الطعام، وتعليم الناس الخير، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة…
أيّها المؤمنون: أيام رمضان مآثر لعزِّ الأمة المعقود، وأملها المنشود فكان رمضان موسم نصر للمسلمين على امتداد التاريخ، وإن المتأمل في أسباب إنزال الله نصره لعباده، يجد أنها فضل من الله أفاضه على أوليائه، حين انتصروا على نفوسهم؛ فكانوا مؤهلين لتنزُّل النصر عليهم، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
وفي رمضان يكون الانتصار على النفوس وعلى الرياء بتصفية العمل للخالق، وانتصار على الشياطين بالتصفيد وتضييق مجاريهم بالصيام، وانتصار على الشهوات التي كثيراً ما يكون داعيها الفرج والبطن واللسان، وانتصار على الشح والبخل والأثرة، وانتصار على سوء الخلق، وانتصار بالاجتماع وعدم التفرق، وانتصار بالاعتزاز بالإسلام، وخلع ربقة التقليد المهين، ويضاف لهذه الانتصارات، أنَّ رمضانَ وقتُ تنزُّلِ القرآن، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) والقرآن من أعظم ما يجاهد به أعداء الإسلام والمسلمين، كما قال الله تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً)
أيها الأخوة والأخوات في الله: شهر رمضان شهر الجود والكرم، والسماح والندى،فقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكون في رمضانَ حين يلقاه جبريلُ فيدارسه القرآن، فلرسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين يلقَاه جبريلُ، أجودُ بالخيرِ من الرّيح المرسلة) والجود – عباد الله – أنواع متعددة، وأشكال مختلفة، وكل أحد يجود بما يستطيع، ومن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالفضل والعطاء… ألا وإن من أبرز خصال الكرم، وأنبل أنواع الجود، الإحسان إلى العباد، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائع، وإعانة محتاج وفقير، وكفالة يتيم، ورعاية أرملة، ففي رمضانَ تصفو النّفوس وتتهذّب الأخلاق. ويواسَى الفقراء والبؤساء، فهو شهرُ الصّدقة والمواساة، فيا مَن أفاء الله عليه من الأغنياء والموسرينَ، إنَّ الله هو الذي يعطِي ويمنَع، ويخفِض ويرفَع، وهو الذي استخلَفَكم فيما رزقَكم لينظرَ كيف تعملون، والمؤمِنُ في ظِلِّ صدقته يومَ القيامة،(وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ولن يعدم المسلم الصّادق أن يوصلَ إحسانَه للمحتاجين بنفسِه، أو عَبر الجمعيّات والمؤسّسات الخيريّة الرسمية، وهي بحمدِ الله في بلادنا وبلادِ المسلمين كثيرة ومعروفة… أيها الأخوة والأخوات في الله: وإذا ما ذكرنا الجود والكرم، فإننا لا ننسى قول نبينا صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) لذا فإننا نتقدم بالشكر والتقدير والامتنان، لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ولولي عهده الأمين وحكومته الرشيدة، على حرصهم الكبير للتخفيف من أعباء الحياة المعيشية على الأسر المحتاجة من المواطنين، وإعانتهم على مواجهة الأعباء المادية، وتوفير احتياجاتهم ومستلزماتهم للشهر الكريم،بما يضمن لهم حياة كريمة آمنة ومستقرة، حيث أمر جلالة الملك حفظه الله كعادته السنوية، بصرف مكرمة رمضانية لجميع الأسر المنتسبة والمسجلة لدى المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية، ووجه جلالته المؤسسة برئاسة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة بأن تتولى مهمة الإشراف على صرف ومتابعة هذه المكرمة. وذلك بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك. نسأل الله عز وجل أن يجزي جلالة الملك حمد على ذلك خير الجزاء، وأن يبارك له في عمره وأولاده وذريته، وأن يوفقه إلى مافيه الخير لوطنه ومواطنيه إنه سميع مجيب الدعاء..
اللهم كما وفقتنا لإدراك شهر رمضان، فوفقنا فيه لاغتنام صالح الأعمال، واجعلنا فيه من المقبولين، ومن عتقائك من النار يارب العالمين، اللهم واجعلنا من المخصوصين فيه بالخيرات والبركات، وارفع لنا بصيامه وقيامه عندك الدرجات، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، يا ذا الجلال والإكرام.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، وأقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي يمن على من يشاء من عباده بالهداية والتوفيق، نحمده سبحانه ونشكره على توفيقه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الصيام شرعاً هو الامتناع والإمساك بنيَّةِ التعبد لله، عن المفطرات الحسية والمعنوية، وعن جميع المُفسدات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشّمس، وهو واجب على كل مسلم ومسلمة، بالغ عاقل صحيح مقيم، وأن تكون المرأة طاهرة من الحيض والنفاس، وهناك أمور كثيرة ينبغي على الصائم أن يجتنبها، وهي ما يعرف بالمفطرات والمفسدات؛ لأنه إذا فعل شيئاً منها في نهار رمضان، فقد فسد صومه، وزادت آثامه... وهي على قسمين، فالقسم الأول: ما يبطل الصوم ويفسده، ويوجب القضاء، وهي الأكل والشرب عمداً، والحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، وتعمُّد الاستمناء، وتعمد القيء، ومن نوى الفطر وهو صائم بطل صومه، وإن لم يتناول مفطراً، وأما القسم الثاني: فهو ما يفسد الصوم ويبطله، ويوجب التوبة والقضاء والكفارة، وهو الجماع في نهار رمضان فقط، فيحرم فعله أثناء الصيام، ولا يجوز للمرأة أن تمكّن زوجها من ذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن مكّنته برضاها لزمها ما يلزمه من الإثم والقضاء والكفارة. وهناك أمور يباح للصائم فعلها ولا تفطر، فيباح للصائم أن يصبح جنباً ويغتسل بعد الفجر، والحائض والنفساء إذا انقطع الدم من الليل عنهما، جاز لهما تأخير الغسل إلى الصبح، وأصبحتا صائمتين، ثم عليهما أن تتطهرا للصلاة.. ويباح للصائم الاغتسال وصب الماء على رأسه للتبرد، كما يباح له السواك سواء كان في أول النهار أو في آخره، ويباح للصائم الكحل والقطرة ونحوهما مما يدخل في العين والأذن. ويباح للصائم أيضاً تحليل الدم، وأخذ الإبر التي لا يُقصد منها التغذية، سواء كانت في العضل أو الوريد أو تحت الجلد، فإنها لا تفطر، ولا مانع شرعاً من أخذ مريض السكر، إبر الأنسولين أثناء الصيام، ويكون صيامه معه صحيحاً..واستعمال الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وكذا استعمال الأوكسجين في التنفس فإنها لا تفسد الصوم ولا تفطر.
ويجوز للصائم استعمال بخاخ الربو إذا أحتاج إليه فهو غير مفطر، مادام الذي فيه مجرد رذاذ وبخار وليس مادة لها جرم. ويباح ويجوز للصائم أخذ لقاح كورونا ونحوه في نهار رمضان، لأنه يؤخذ في العضل، ولا يصل إلى الجوف من طريق معتاد وليس مغذياً، فهو غير مفطر، ويباح الفطر للمريض والمسافر ويقضي ما أفطره في مرضه وسفره… ويباح الفطر في رمضان للشيخ الكبير الفاني والمرأة العجوز إذا كانا لا يستطيعان الصيام، وكذا المريض مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه، فإنهم يفطرون ويطعمون عن كل يوم مسكيناً.. ويباح الفطر في رمضان للحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما، وعليهما القضاء.
ويجب على الصائم أن يتحلى بمكارم الأخلاق، ويجتنب قول الزور واللغو والرفث. ويترفع عن جميع المعاصي الظاهرة والباطنة، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْل فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ). ويسن للمسلم أن يتسحر ويؤخر السحور، لأن في السحور بركة، ويسن تعجيل الفطر، وأن يفطر على الرطب أو التمر أو الماء، ويدعوا عند فطره، كقوله، (ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) ويستحب للمسلم تفطير الصائم، فمن فطَّر صائماً كان له مثل أجره.
وينبغي على الصائم أن يحرص على الإكثار من أداء الطاعات والعبادات، وفعل الخيرات، خصوصاً في شهر رمضان المبارك.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يفقهنا في الدين وأن يلهمنا رشدنا، ويعيذنا من شر أنفسنا، وأن يعيننا على صيام رمضان وقيامه، وأن يتقبلنا فيه، ويجعلنا من عتقائه من النار…
اللهم وفقنا للعمل بما يرضيك، وجنبنا أسباب سخطك ومعاصيك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.اللهم حبب إلينا الأيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ
لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.
اللهم أكشف الغمة والبلاء والوباء عن هذه الأمة، وردنا إليك رداً جميلاً، ولا تؤاخذنا بذنوبنا وتقصيرنا يارب العالمين.
اللهم من أراد بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وقيادتنا وجيشنا ورجال أمننا، من أرادهم بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء.. اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل مكان. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ المسجد الأقصى مسرى نبيك وحصنه بتحصينك وأكلأه برعايتك، واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم بارك لنا في رمضان وأعنا على الصيام والقيام وسائر الطاعات يا رب العالمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين